– إن أول خطوة في السير والحركة إلى الله -عز وجل- هي اليقظة، والحركة، ثم تأتي منازل السير.. مثل إنسان أغمي عليه، فوقع على مزبلة، ثم أفاق من غيبوبته، فرأى نفسه على هذه المزبلة.. فهذا أول الفرج، وبعد ذلك لابد له من الهمة للقيام، ثم الحركة، ثم الجدية.. فرب العالمين وعدنا بأن يرينا الطريق: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
– إن الذنوب الفردية أمرها سهل، ولكن المصيبة الكبرى في حق الغير في العرض.. فبعض الناس سنّ سنة حسنة، فله أجر من عمل بها.. وبعضهم سنّ سنة سيئة، فعليه وزر من عمل بها إلى يوم القيامة.. ولكن مع ذلك فإن رب العالمين أيضاً رحمته وسعت كل شيء، فيوم القيامة يمتد للرحمة الإلهية عنق إبليس.. هذا الذي هو على رأس كل فحشاء.. ولهذا فإن الإمام الصادق (ع) يقول: (والله!.. أتخوف عليكم من البرزخ.. قلت ما البرزخ؟.. فقال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة).. حيث أن في القيامة، هنالك مجال للتدخل الإلهي ولأوليائه.. وأما البرزخ، فكل واحد يخلو مع عمله.
– إن بعض العلماء يقول: إن البرزخ هو عالم حساب الجوارح.. فهناك عقائد في الذهن، وملكات في عالم القلب، وحركات في عالم الجوارح.. فالإمام الصادق (ع) يريد أن ننتبه إلى جوارحنا.. إن الإنسان المؤمن إذا صلحت سريرته وحسن اعتقاده، يكون قد تجاوز تقريباً ثلثي الطريق.. وهذه الرواية تدل على ذلك: قلت للصادق (ع): إنّ لي قرابةً يحبكم، إلا أنه يشرب هذا النبيذ – قال حنان، وأبو نجران: هو الذي يشرب النبيذ، غير أنه كنّى عن نفسه- فقال الصادق (ع): فهل كان يسكر؟.. قلت: إي والله جعلت فداك!.. إنه ليسكر، فقال: فيترك الصلاة؟.. قال: ربما قال للجارية: صليت البارحة، فربما قالت: نعم، قد صليت ثلاث مرات، وربما قال للجارية: صليت البارحة العتمة؟.. فتقول: لا والله ما صلّيت، ولقد أيقظناك وجهدنا بك.. فأمسك أبو عبد الله (ع) يده على جبهته طويلاً، ثم نحّى يده ثم قال له: قل له: يتركه، فإن زلّت به قدمٌ، فإنّ له قدماً ثابتاً بمودتنا أهل البيت.. أي إنسان عقائده سليمة، عرف ما ينبغي أن يعرفه من موالاة من أمر الله بموالاتهم، وله أيضاً حالة من حالات طيب الباطن، فهو إنسان بريء غير حقود، لا يضمر السوء لأحد.. فإن الإنسان الذي لا يكون هكذا، إنسان لا يعاشر، حتى لو كان على جبهته آثار السجود؛ لأن الإنسان الذي لا يوثق بقوله، هذا إنسان خطير.
فنحن -بحمد الله- عقائدنا واضحة وسليمة، وليس هنالك موال على وجه الأرض، لم يرق قلبه لمصيبة أهل البيت.. فهذه ثروة كبيرة.. هذا بالنسبة إلى جانب العقائد، وأما بالنسبة إلى سلامة الطينة والباطن: قال الصادق (ع): كان رجلٌ يبيع الزيت، وكان يحبّ رسول الله (ص) حباً شديداً، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله (ص)، قد عُرف ذلك منه، فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه، حتى إذا كان ذات يوم دخل فتطاول له رسول الله (ص) حتى نظر إليه، ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع.. فلما رآه رسول الله (ص) قد فعل ذلك، أشار إليه بيده اجلس، فجلس بين يديه فقال: ما لك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ذلك؟.. فقال: يا رسول الله!.. والذي بعثك بالحقّ نبياً، لغشى قلبي شيءٌ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك، فدعا له وقال له خيراً ثم مكث رسول الله (ص) أياماً لا يراه.. فلما فقده سأل عنه، فقيل: يا رسول الله!.. ما رأيناه منذ أيام، فانتعل رسول الله (ص) وانتعل معه أصحابه، وانطلق حتى أتى سوق الزيت، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحدٌ، فسأل عنه جيرته فقالوا: يا رسول الله!.. مات، ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً، إلا أنه قد كان فيه خصلة قال: وما هي؟.. قالوا: كان يرهق، يعنون يتبع النساء.. فقال رسول الله (ص): رحمه الله، والله لقد كان يحبني حبّاً لو كان نخّاساً لغفر الله له.
إن هذا الحب أيضاً هو نقطة أمل، فمادام عند الإنسان هذا الحب، وعنده سلامة الطينة، فهذا رأس مال، أي إن شاء الله يعوض بعض النقص.. ولكن على الإنسان أن لا يعول على هذه الأمور، فيفرط في مقام العمل!.. بل عليه أن يضم العمل إلى سلامة الطينة، وإلى سلامة العقيدة.. وعندئذ -إن شاء- الله يكون من رفقاء النبي (ص).
– إن الإنسان على فرض أنه كان مقصرا في حق أبويه، عليه أن يستعد ليوم وفاتهما.. لأن الميت يحتاج إلى دعم شديد وكثير.. فالميت روحه الحيوانية، ماتت بموت الإنسان.. ولكن الروح الناطقة، والنفس الناطقة، تحررت من أسر البدن، وإذا بهذه الروح تنطلق في الآفاق، وتسمع بكل وضوح، إلى درجة أن أرواح المؤمنين ليالي الجمعة، تقف على الأبواب وهي تستجدي.. قال النبي (ص): أرواح المؤمنين تأتي كل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء قبورهم وبيوتهم، وينادي كل واحد منهم بصوت حزين وعين باكية: يا أهلي ويا ولدي ويا أبي ويا أمي ويا أقربائي، اعطفوا علينا يرحمكم الله بدرهم أو بدينار أو برغيف أو بكسوة ، يكسوكم الله من لباس الجنة.. ثم بكى النبي (ص) وبكينا معه، فلم يستطيع النبي (ص) أن يتكلم من كثرة بكائه، ثم قال (ص): أولئك إخوانكم في الدين فصاروا تراباً رميماً بعد السرور والنعيم، فينادون بالويل والثبور على أنفسهم يقولون: يا ويلنا!.. لو أتفقنا ما كان في أيدينا في طاعة الله ورضائه، ما كنا نحتاج إليكم.. فيرجعون بحسرة وندامة، وينادون أسرعوا بصدقة الأموات.
يقول المحدث في كتاب منازل الآخرة: هناك إنسان حاكم، كان يقول بعد مماته: ابعثوا إليّ ما ترمونه إلى الكلاب.
– الأعمال التي تقدم للأموات؟..
أولاً: صلاة الوحشة.. إن على المؤمن أن يصلي هذه الصلاة، لكل من سمع بموته، أو لمن سمع بموته من أحبته وأعزته وأصدقائه، وعلى الأقل لوالديه.
ثانيا: الصدقة في ليلة الدفن.. إن الإنسان يعيش الوحشة ليلة الدفن، فهو قبل قليل كان مع أهله، يأكل ويشرب ويضحك.. وفي نفس الوقت بعد أربعة وعشرين ساعة، وإذا به تحت أكوام التراب.. فهذا الإنسان يجب أن يرفق به، لا لأنه أب، بل لأنه إنسان متورط.
ثالثا: صلاة الوالدين.. إن على الإنسان عندما يموت والداه، أن يلتزم بعمل بسيط يقدمه يوميا لهما، مثلا: قراءة الفاتحة، وصلاة ركعتين.. فهذه صلاة عندما تصلى في النهار فهي للوالدين، وفي الليل لصلاح الذرية والأولاد.. طبعاً بالإضافة إلى المتابعة التربوية، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.. أي يا رب إن تركتني وحدي مع ابني هذا، لا يصل إلى خير.. فتلطف علينا.
ولهذا رب العالمين عندما بشر إبراهيم {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} أي ليس أنا فقط أحب أن أكون إماماً، بل اجعل من ذريتي أئمة.. ولكن جاء الجواب: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.. أي يا إبراهيم طلبك محترم، وذريتك محترمة، ولكن عهدي لا يناله الظالم.. ومن هنا نقول في أئمة أهل البيت (ع)، أنهم تولوا زعامة الخلق، لأنهم لو كانوا ظالمين كغيرهم، لم يكن لهم حق الإمامة في الأمة، كما يفهم من هذه الآية الكريمة.
فإذن، الصلاة هي: ركعتان: بعد الحمد في الركعة الأولى {إنا أنزلناه}، وفي الثانية بعد الحمد {إنا أعطيناك الكوثر}.. كان الصادق (ع) يصلّي عن ولده في كل ليلة ركعتين، وعن والديه في كل يوم ركعتين، قلت: جُعلت فداك!.. كيف صار للولد الليل؟.. قال: لأنّ الفراش للولد، قال: وكان يقرأ فيهما {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} ، و{إنّا أعطيناك الكوثر}.
إن البر لا يكون فقط للوالدين المؤمنين، وذلك بنص القرآن الكريم: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.. فهذا لمن كان أبواه مشركين، فكيف إذا كانا من أهل بكاء على أهل البيت، ويقيمون الصلاة، ولكن أخلاقهم فيها شيء من الغلظة، أو البخل!.. فهذا غير مجوز أن يقوم الإنسان بما يوجب له العقوق؟.. بل هذا مما يوجب قساوة القلوب، وضيقا في الأرزاق، وسقما في البدن.
رابعا: زيارة القبور وزيارة الأموات.. هذه الزيارة لها معان كثيرة: فهي تكريم لمؤمن، لأن هذا المكان حوى أجساد المؤمنين.. إن الأمم في التأريخ تقدس بعض الرموز، لأنها تدل على أمور محترمة.. وفي كل بلد هناك نصب للجندي المجهول، فهذا عرف دولي عالمي!.. إذ أن الشيء المادي إذا اقترن بأمر معنوي، تحول إلى أمر معنوي.. ومثال ذلك قميص يوسف: إنه قميص منسوج من قطن، هذا القميص لامس جسد يوسف الصديق، فأصبح شافياً، {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا}، {فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا}.. وهناك مثال قرآني آخر: {يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}، فهذا التابوت عبارة عن صندوق خشبي، والسكينة أمر معنوي.. ولكن لأن هذا التابوت كان على صلة بنبي الله موسى (ع)، أصبح يرمز للسكينة.. وكذلك بالنسبة إلى أثر الرسول الذي استغله السامري، وحول الناس إلى عبادة العجل، فقد قال: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.. وبالتالي، فإن القبر كذلك، فهو قبر مؤمن وله حق علينا.
خامسا: دفن الميت في وادي السلام.. من الأمور التي تخفف عن الميت: أن يدفن بجوار سادته ومواليه، في وادي السلام في النجف.. فهل السفارات تحمي من يلجأ إليها، وأمير المؤمنين لا يجير من يدفن بجواره!.. جاءت جرادة إلى خيمة أعرابي، فجاء قوم.. فسألهم: ماذا جاء بكم؟.. قالوا: نريد الجرادة.. فرفض أن يعطيهم الجرادة لأنها لجأت إليه، وهددهم بالقتال إن اقتربوا من هذه الجرادة.. وبقي يدافع عن الجرادة حتى حمت الشمس وطارت.. هذا إنسان من أهل البادية له ذوق، وله فهم، وله وفاء.. فكيف بأمير المؤمنين، فهنيئا لمن دفن في وادي السلام!.. ولكن قد لا تسنح للمؤمن هذه الفرصة الذهبية، فليكن قلبه عند علي، علوياً في المشاعر، وعلوياً في العقيدة، وعلوياً في العمل.
– آداب زيارة القبور:
أولا: قراءة الدعاء لأهل القبور.. إن من آداب زيارة القبور، قراءة هذا الدعاء المروي عن أمير المؤمنين (ع) بدلاً من أكل الحلوى، وإضاءة الشموع على قبر الميت، وشراء أكاليل الزهور: السلام على أهل لا إله إلا الله، من أهل لا إله إلا الله، يا أهل لا إله إلا الله!.. كيف وجدتم كلمة لا إله إلا الله؟.. يا لا إله إلا الله!.. بحقّ لا إله إلا الله اغفر لمن قال: لا إله إلا الله، واحشرنا في زمرة من قال: لا إله إلا الله. قال أمير المؤمنين (ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن قالها إذا مرّ بالمقابر غفر له ذنوب خمسين سنة، فقالوا: يا رسول الله!.. مَن لم يكن له ذنوب خمسين سنة، قال: لوالديه وإخوانه ولعامة المسلمين.
ثانيا: قراءة القرآن.. ومن آداب زيارة القبور أيضاً: قراءة سورة التوحيد إحدى عشرة مرة.. وسور القدر سبع مرات، وسورة يس مرة واحدة.. فهذا معجون جامع مانع!..
ثالثا: قراءة بعض الأدعية.. كم من الجميل أن يأتي الابن صبيحة الجمعة، أو عصر الخميس، أو في أي وقت يجلس عند قبر والده، مطأطأ رأسه، ويرفع يده إلى السماء ويقرأ هذا الدعاء!.. (اللهم!.. ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، وآمن روعته، وأفض عليه من رحمتك، وأسكن إليه من برد عفوك، وسعة غفرانك ورحمتك، رحمة يستغني بها عن رحمة مَن سواك، واحشره مع مَن كان يتولاه).. فهذا الدعاء يكفر السيئات الماضية، إن كان عاقاً، يكتب باراً بوالديه.. يقول الإمام (ع): إذا قال ذلك، قال منكر لنكير: (انصرف بنا عن هذا، فقد لقن بها حجته).. نعم بهذه الكلمات يرفع العذاب عن هذا الميت، الذي خلا بربه.
– إن ابن الميت خاصة إذا كان مترفا قليلاً، يقف بعيدا ولا يحب أن يرى قبر أبيه، وهذا خلاف الروايات الواردة التي تقول: فليتخلف عنده أولى الناس.. أي الوصي، فهو الذي أكرمه أبوه، وجعله وصياً على أمواله بعد موته.. إذا ذهب الناس عن القبر، تقول الرواية: فليقف هنالك ليضع فاه على رأسه -ولعله الأقرب أن يكون على رأسه قبل أن يهال عليه التراب- ثم ينادي بأعلى صوته دون أن يستحي ويقول: -وكم من الجميل أن يقول: يا أبه، يا والدي- هل أنت على العهد الذي فارقناك؟.. ويلقنه حجته في القبر.. روي في المحاسن بسند صحيح عن أحدهما (ع) – يعني الإمام الصادق أو الإمام الباقر – قال: (إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن وجهاً، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحاً، وأنظفهن صورة.. قال: فتقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه وأخرى خلفه وأخرى عند رجله وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإن أوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست.. قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم جزاكم الله عني خيراً؟.. فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة.. وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة.. وتقول التي بين يديه: أنا الصيام.. وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة.. وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك.. ثم يقلن : من أنت؟.. فأنت أحسننا وجهاً وأطيبنا ريحاً، وأبهانا هيئة.. فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين).
أما الصورة الأولى، فتجسيم لصلاة المؤمن.. فالصلاة عمود الدين، والصلاة المتقنة، هي عبارة عن شيك أبيض.. فرب العالمين يعطينا في كل فريضة صك، ويقول: اكتب ما شئت.. عن أبي الحسن العسكري، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب -عليهم السلام- أنه قال: (من صلى لله -سبحانه وتعالى- صلاة مكتوبة، فله في أثرها دعوة مستجابة).. ونحن -مع الأسف- نمزق الشيكات البيضاء الصادرة من البنك المركزي.. فلماذا تفويت هذه الفرصة؟.. فكلما أتقن الإنسان الصلاة، كلما أتقن هذه الصورة الجميلة.
والصورة الثانية، فهي الزكاة.. وليس معنى الزكاة هنا، فقط زكاة المواشي والغلات.. وإنما الزكاة، بمعنى الإنفاق المالي، والخمس مندرج في ضمن الزكاة.. وبعد الزكاة هنالك الصيام، والحج والعمرة أيضاً تأتي على شكل صورة جميلة.. والخامس بر من وصلت من إخوانك.. فهنالك واجب وهنالك مستحب.. فهنيئاًً لإنسان يرى في ماله حقا للسائل والمحروم!.. وهنيئاً لإنسان يرى الكل يشترك في ماله فيما زاد عنه.. {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.. على المؤمن أن لا يخاف من الإنفاق، فلا يكتفي بالخمس.. بل يدفع زيادة عن خمسه، ويعتبر ذلك في سبيل الله.. أما الولاية، فهي أصبحهن وجهاً وأجملهن؟.. والولاية التي يريدها الإمام الصادق (ع) ملخص في بيتين:
تعطي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
إذا جاء إنسان بخادمة وطلب منها أن تقدم له شيئا من الطعام أو الشراب، فإذا بها تقول له: أنا أحبكم أهل البيت، أنتم أهل بيت مؤمنين، ولكن اعذروني اليوم لا أستطيع أن أقدم لكم شيئا، وفي اليوم الثاني كذلك.. فمن المؤكد أن هذا الشخص سيقوم بتسفيرها إلى بلدها، ويقول لها: خذي حبك معك، فنحن لا نريد هذا الحب.. فنحن نريد عملا أيضاً مع الحب.
فإذن، إن هذه الولاية لها ضريبة.. ولا ضمانة أن تبقى هذه الولاية مع الإنسان إلى آخر العمر.. لأن آخر الزمان هو زمان المفاجآت الكبرى.. لذا نقرأ في دعاء زمان الغيبة: (اللهم!.. لا تجعلني من خصماء آل محمد عليهم السلام، ولا تجعلني من أعداء آل محمد عليهم السلام، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ على آل محمد عليهم السلام).. هذا للموالي، لأن غير الموالي أمره واضح.. ولكن الذنوب المتراكمة تسلب الإنسان مودتهم.. فكل حياة الإنسان في خانة، واللحظات الأخيرة من عمره في خانة.. إذ يكفي أن يموت الإنسان دون أن يتشهد الشهادتين.. حتى وإن كان معتقدا بذلك، ولكن يعتقل لسانه.. ويكفي أن يموت وهو غير متطهر، أو وهو في حالة معصية.
فإذن، لا ضمانة أن تبقى هذه الولاية.. في حياة أصحاب الأئمة (ع)، بعض أصحاب الأئمة لعنوا على لسان أئمة أهل البيت، وكانوا من خيار الموالين!.. هناك من كان من الذين قاتلوا مع أمير المؤمنين، وجرح في معاركه مع أمير المؤمنين، ولكنه قاتل الحسين (ع)، وشمر بن ذي الجوشن (لع) منهم.
نعم، إن البعض من قد تختم له هذه العاقبة السيئة، وخاصة نحن الآن في عصر التلاقح الثقافي، والتبادل المعلوماتي .. قد يدخل الإنسان على موقع، فيفقد دينه.. وقد ينظر إلى برنامج من البرامج، فيبيع عقيدته وتقواه.. الخ، سواءً في الشبهات أو في الشهوات.. لذا على المؤمن أن يكون حريصاً على هذه العاقبة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.