Search
Close this search box.
  • اعرف الحسين (عليه السلام) من خلال هذه الزيارة العظيمة
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

اعرف الحسين (عليه السلام) من خلال هذه الزيارة العظيمة

بسم الله الرحمن الرحيم

هل البحث عن مسانيد الزيارات أمر ممدوح؟

يسألنا البعض عن صحة بعض الزيارات؛ كزيارة الأربعين، وزيارة عاشوراء، وزيارة أمين الله، والجامعة وما شابه ذلك. ونحن نجيب على هذه الأسألة ونبين صحة هذه الزيارات لمن يسأل سؤالا استفهاميا بريئا؛ سؤال من يبحث عن الإجابة، وليس من يسأل تعنتا وتشكيكا في هذه الزيارات، ويريد أن يصرفك عما أنت فيه، ويقول لك: هل لهذه الزيارة سند قطعي مثلا؟

العمل بهذه الرسالة مبرئ للذمة…!

إنك لو راجعت الرسالة العملية التي كتبها فقيه مجتهد، وحجة بينك وبين إمام زمانك (عج)؛ لوجدت في بدايتها كلمة لو لم تكن هذه الكلمة موجودة؛ ارم بهذه الرسالة عرض الحائط، وهي: (العمل بهذه الرسالة مبرئ للذمة). لأن الفقيه يقف يوم القيامة ليجيب ربه على كل مسألة وفتوى. فلا تذهب هنا وهناك؛ ودع الحكم للمرجع الفقيه. فماذا يقول مراجعنا عن هذه الزيارت باختلاف ألوانهم وأصنافهم؟ يذكر الفقيه في أول الرسالة في باب العبادات: إن المستحبات الواردة في هذه الرسالة، هي من باب التسامح في أدلة السنن، ويُؤتى بها برجاء المطلوبية. إن الفقيه إذا قال عن شيء هذا حلال، أو هذا حرام، انتهى الأمر. لأن الفقيه يتبع الأدلة والروايت المعتبرة ويستخرج منها الحكم الفقهي.

أما في سائر ذلك كالأغسال المستحبة وصلاة الغفيلة، وصلاة أول الشهر، وصلاة الميت، وما شابه ذلك من المستحبات؛ فلا يحتاج فيها إلى دليل قطعي، ويكفي الورود. لا تقل: هل سند الزيارة سند صحيح؟ لأننا غير مطالبين بصحة السند في المستحبات والنوافل. فهل يُمكن أن يقول قائل بعد ذلك: لا تزر بهذه الزيارة لأنها غير موثقة، أو أنها تفتقر إلى سند قطعي؟

لماذا تضع الكتاب كله جانبا إن وجدت فيه رواية غير مسندة؟

وهَب أن بعض ما ذكره صاحب الكتاب في علم الله عز وجل لم يكن وارداً؛ فلا يعني ذلك أن نترك كتاب الدعاء جانباً، لأن ذلك جهل قلة فهم. ومن هذه الزيارات المأثورة زيارة الأربعين. ويكفي أن جعلها الإمام العسكري (ع) من علامات المؤمن. وقد ورد في هذه الزيارة من المضامين ما يتطلب منا شرحها والوقوف على معانيها؛ لأن الزائر العارف لحق مولاه له من الأجر أضعاف ما للزائر الجاهل بذلك الحق.

الاصطفاء الإلهي للحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين

من هذه العبارات: (أَكْرَمْتَهُ بِالشَّهَادَةِ وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعَادَةِ وَاِجْتَبَيْتَهُ بِطِيبِ اَلْوِلاَدَةِ وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ اَلسَّادَةِ)[١]. ما هو الوجه المشترك بين هذه الجمل؟ نقول: أَكْرَمْتَهُ، وحَبَوْتَهُ واِجْتَبَيْتَهُ، وجَعَلْتَهُ، فمن هو الفاعل؟ إن الفاعل هو رب العالمين. والمؤمن يتأسى بسيد الشهداء (ع) إن كان يبحث عن المقامات. إن الله سبحانه لم يُكرم الحسين (ع) بالسعادة؛ إلا لأنه في جوف الليل عندما كان بجوار جده (ص) في المدينة وفي كل مكان وزمان يسأله ذلك. هل تستبعد أن الإمام (ع) كان يطلب من الله عز وجل الشهادة؟ فما يُقعدك عن طلبها؟ سل الله ما سأله أوليائه.

تأس بهم إن كنت تطلب ما طلبوا…!

إن الحسين (ع) عندما أرسل ابن عمه، وثقته مسلم بن عقيل (ع) وهو خلف المقام بشره بأنه هو وإياه من الشهداء. فمن يريد المقامات العليا؛ ليقدم الطلب، ثم ليكن صادقاً بالسعي لها. لم يطلب الإمام (ع) الشهادة ثم جلس يراوح مكانه في المدينة؛ وإنما طلب الشهادة وخرج إلى وادي كربلاء، وقام بما قام به.

لا يضرك الموت إن مت وأنت تبحث عن الشهادة

فإن طلبتها فلم تجدها؛ حيث لم يزرقك الله سبحانه القتل في سبيله، ولم تتهيئ لك فرصة نصر الإمام (عج) والقتال تحت رايته، فعند ذلك تنطبق عليك هذه الرواية: (أَلاَ مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً)[٢]. لأنك في طريق الطاعة، وقلبك ينبض بمحبتهم، وجوارحك مطيعة لهم، وتتمنى نصرتهم، ومستعد لنصرته في كل صبيحة يومك حيث تقول: اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه. فتأسى به (ع)، واقترب من جاذبية الاصطفاء الإلهي. إن مريم (ع) اتخذت محراباً في بيت المقدس، فكان سبحانه يزرقها باستمرار وكلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا. وقد أحصنت فرجها؛ فنفخ فيها رب العالمين من روحه، واصطفاها وطهرها.

كن كالحسين (عليه السلام) ذائدا عن الدين وأهله

ثم نقرأ في زيارة الأربعين: (وَقَائِداً مِنَ اَلْقَادَةِ وَذَائِداً مِنَ اَلذَّادَةِ)[٣]؛ فقد كان الحسين (ع) قائدا إلى الخير وذائدا عن دين الله عز وجل. إننا في أيامنها هذه نتعرض إلى كثير من الشبهات التي يثيرها المستشرقون أو غير المسلمين حول القرآن الكريم ويدعون أن في تناقض وعدم انسجام. فبإمكننا أن نتأسى بالحسين (ع) ونكون ذائدين عن القرآن هذه الشبهات وأمثالها. وهناك من يشكك في مقامات المعصومين (ع)؛ فكن ذائداً عن الولاية والعصمة. وهناك من ينتقص من قدر العلماء والمجتهدين؛ فكن ذائداً من الذادة عنهم، وإلى آخر ذلك.

وقد كان الحسين (ع) قائدا من القادة. ألسنا نقرأ في سورة الفرقان: (وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا)[٤]. لا تقنع من العيش ببعض الدراهم التي تكسبها وبالطعام والشراب، ولا تكن ممن يوصف بأنه: يأكل ليعيش ويعيش ليأكل. بل كل لتعيش وعش لتتقدم في درجات القرب إلى الله عز وجل، وكن قائداً من القادة إلى سبيله، وللمتقين إماما. ولهذا نقرأ في دعاء الافتتاح: (اَللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا اَلْإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ وَتُذِلُّ بِهَا اَلنِّفَاقَ وَأَهْلَهُ وَتَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ اَلدُّعَاةِ إِلَى طَاعَتِكَ وَاَلْقَادَةِ إِلَى سَبِيلِكَ)[٥].

لماذا ينتكس البعض بعد طول عهد بالإيمان؟

إننا نسمع أحيانا أن فلانا الذي كان ملتزماً في الحضور في المسجد، والذي كان يصلي في الصف الأول، وكان مدمن الحج والعمرة؛ غاب عن المسجد وانحرف عن الدين، وصار بعد الإيمان ملحداً؟ أين الإلحاد وأين الصلاة في الصف الأول؟ إن قاتل أمير المؤمنين (ع) كان من الخوارج، وكان على جباه هؤلاء آثار السجود؛ فكيف يتجرأ على قتل أمير المؤمنين (ع) من كان يصلي صلاة الليل.؟ ويُقال: أن شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين (ع)؛ كان ممن يُقاتل في ركاب أمير المؤمنين (ع) وممن جُرح بعض حروب أمير المؤمنين (ع). فكيف يجلس على صدر الحسين (ع) من كان من المجاهدين في ركب الأمير (ع)؟ ما سر هذه الانتكاسه؟ إن كل واحد منا معرض لهذه الانتكاسات، ومعرض للوقوع في حبائل إبليس القائل: (لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا)[٦].

بالتأمل في زيارة الأربعين؛ تضمن لنفسك عدم الانحراف

ولكن ما علاقة ما ذكرناه بزيارة الأربعين؟ ألسنا نقرأ في زيارة الأربعين: (وَقَدْ تَوَازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ اَلدُّنْيَا وَبَاعَ حَظَّهُ بِالْأَرْذَلِ اَلْأَدْنَى وَشَرَى آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ اَلْأَوْكَسِ وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدَّى فِي هَوَاهُ)[٧]. فمن اتبع الهوى، وفضل على الآخرة الدنيا؛ من الممكن أن يكون يوماً في خط أعداء إمام زمانه. فيجدر بالمؤمن أن يكون يقظاً، منتبهاً لحبائل إبليس واتباع خطواته، وأن يُحصن نفسه بزيارة الحسين (ع)، والبكاء على مصائبه. فالدمعة محصنة، وهي تُطفئ بحاراً من غضب الله عز وجل، ولذلك روي: (فَعَلَى مِثْلِ اَلْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ اَلْبَاكُونَ فَإِنَّ اَلْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ اَلذُّنُوبَ اَلْعِظَامَ)[٨].

[١] زاد المعاد  ج١ ص٥٣١.
[٢] كشف الغمة  ج١ ص١٠٧.
[٣] زاد المعاد  ج١ ص٥٣١.
[٤] سورة الفرقان: ٧٤.
[٥] زاد المعاد  ج١ ص٨٦.
[٦] سورة الإسراء: ٦٢.
[٧] زاد المعاد  ج١ ص٨٦.
[٨] المناقب  ج٤ ص٨٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الله سبحانه لم يُكرم الحسين (ع) بالسعادة؛ إلا لأنه في جوف الليل عندما كان بجوار جده (ص) في المدينة وفي كل مكان وزمان يسأله ذلك. هل تستبعد أن الإمام (ع) كان يطلب من الله عز وجل الشهادة؟ فما يُقعدك عن طلبها؟ سل الله ما سأله أوليائه.
  • ألسنا نقرأ في زيارة الأربعين: (وَقَدْ تَوَازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْه اَلدُّنيَا وبَاعَ حظَّهُ بالأَرذَلِ اَلْأَدْنَى وَشَرَى آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ اَلْأَوْكَسِ وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدَّى فِي هَوَاهُ) . فمن اتبع الهوى، وفضل على الآخرة الدنيا؛ قد يكون يوماً في خط أعداء إمام زمانه.
Layer-5.png