- ThePlus Audio
إيمان أبي طالب (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
إيمان أبي طالب (ع) وعلة إنكار فضائله
إن من المسائل الخلافية؛ مسألة إيمان جد كافل النبي (ص) والمحامي عنه في أحلك الظروف عندما كان الإسلام في أوله ولم يشتد عوده بعد وجد الأئمة النقباء (ع). ولأبي طالب مواقف عظيمة لم ينساها النبي (ص) له. ولأنه والد أمير المؤمنين (ع) صاحب المواقف المشهورة في حروب النبي (ص) وغزواته وقاتل المشركين ومفرق أحزابهم جعل الكثير ينكر فضائل أبي طالب بغضا بولده.
هل يمكن الوثوق بالروايات التاريخية؟
ولا بد لنا لإثبات ظلامة هذا الرجل وبيان تزييف التاريخ للكثير من الوقائع وتلاعبه بالحقائق لمصلحة بعض الحكام؛ أن نذكر مصادر الفريقين التي تؤكد على إسلامه.
وللأسف الشديد فإن التاريخ الإسلامي قد كتب من قبل من لا نؤمن بعدالتهم على أقل التقادير. فإذا أراد أحد البحث عن مسألة تاريخية فلا بد له أولا من الوثوق برواة التاريخ؛ ولكن الكثير من هؤلاء الرواة هم ممن لا يعتمد على نقله لتحيزه الطائفي وميله للمناوئين لخط أهل البيت (ع). فلا بد من أن نقف موقفا محتاطا، ومتأملا، ومنتقدا، وانتقائيا من التاريخ؛ لئلا نقع في هذا الخلط الذي قد حصل. ونحن نحب أن نتقرب إلى الله عز وجل، بإدخال السرور على ذريته، من خلال إثبات إيمان هذا الرجل العظيم.
أبو طالب في كتب الفريقين
وقد قام بعض العلماء بذكر أكثر من ثلاثين كتابا من كتب الفريقين تثبت إيمان أبي طالب (ع)، ومع ذلك يأتي من ينكر إيمانه. وذكر العلامة الأميني – وهو رجل له حق على التاريخ والعقائد والحديث وعلى المسلمين جميعا – في موسوعته القيمة من كتب أهل السنة من أثبتوا إيمان أبي طالب (ع) منهم؛ السبط بن الجوزي، والسيوطي، والقرطبي، والتلمساني وغيرهم الكثير. وقد صرح بعض هؤلاء بكفر من يبغض أبي طالب.
إيمان أبي طالب (عليه السلام) في روايات المعصومين (عليهم السلام)
وأما الروايات الواردة في شأن إيمان أبي طالب (ع) فهي رويات كثيرة منه ما روي عن الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَسَرَّ اَلْإِيمَانَ وَأَظْهَرَ اَلشِّرْكَ فَآتَاهُ اَللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ وَمَا خَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى أَتَتْهُ اَلْبِشَارَةُ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى بِالْجَنَّةِ.. وَقَدْ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ لَيْلَةَ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ عَنْ مَكَّةَ فَمَا لَكَ بِهَا نَاصِرٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ)[١]، ولقد كان لموته أثر كبير على رسول الله (ص) كما كان ذلك لخديجة (س).
وقد روي في كتاب المناقب لابن شهر آشوب عن الزهري أنه قال: (لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ لَمْ يَجِدِ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَاصِراً وَنَثَرُوا عَلَى رَأْسِهِ اَلتُّرَابَ قَالَ مَا نَالَ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئاً حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ)[٢].
و عن ابن عباس قال: (إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَارَضَ جِنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ وصلتك رحم وَ جُزِيتَ خَيْراً يَا عَمِّ)[٣]. وقد كان بين وفاته وبين وفاة السيدة خديجة (س) شهر وخمسة أيام فاجتمعت على رسول الله (ص) مصيبتان، ولزم النبي (ص) بيته وأقل الخروج ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه؛ أي بدأت حرب الإهانات.
وهناك رواية في أصول الكافي، والبحار، والتعظيم والمنة للسيوطي: (أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ اَلنَّارَ عَلَى ظَهْرٍ أَنْزَلَكَ وَبَطْنٍ حَمَلَكَ وَثَدْيٍ أَرْضَعَكَ وَحَجْرٍ كَفَلَكَ)[٤]. فأما الظهر فوالده عبدالله وأما البطن فآمنة والدته وأما الثدي الذي أرضعته فحليمة السعدية وأما الحجر فهما أبو طالب وفاطمة بنت أسد (ع).
وقد وردت في تاريخ اليعقوبي، وتاريخ الخميس، وفي تفاسيرنا، هذه الرواية عن النبي (ص) أنه قال: (لَوْ قَدْ قُمْتُ اَلْمَقَامَ اَلْمَحْمُودَ شَفَعْتُ لِأَبِي وَ أُمِّي وَ عَمِّي وَ أَخٍ كَانَ لِي مُوَافِياً فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ)[٥]. والشفاعة لا تشمل من لم يؤمن بالله تعالى.
إثبات إيمان أبي طالب من رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) لمعاوية
ومن الشواهد القوية على إيمان أبي طالب (ع): أن أمير المؤمنين (ع) عندما كان في حرب مع أهل الشام، أرسل إلى معاوية رسالة جاء فيها: (لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمٍ وَلاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَلاَ أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِبٍ وَلاَ اَلْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ وَلاَ اَلصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ)[٦]؛ وهنا لم نجد انتقاصا من أهل الشام ولا اعتراضا منهم ومن معاوية على إيمان أبي طالب (ع) مع أنهم في حرب وفي الحرب يحاول كلا الفريقين أن يجد مأخذا على الطرف المقابل أو ينتقص منه شيئا. ولو كان الأمر مشهورا بين الصحابة لعير به أمير المؤمنين (ع) لكثرة أعدائه ومناوئيه.
إيمان أبي طالب عند علماء أهل السنة
وهناك رواية منقولة عن الصحابة، كما رواها ابن هشام، وفي الإصابة، والسيرة الحلبية، وكشف الغمة للشعراني، ودلائل النبوة للبيهقي، وهذه الرواية بعضها عن العباس، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة وهي: (أَنَّ أَبَا طَالِبٍ مَا مَاتَ حَتَّى قَالَ – لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللَّهِ)[٧].
ظلم آخر لأبي طالب (عليه السلام)
إن البعض يريد أن يوفق بين كفر هذا الرجل العظيم، وبين المواقف التي كان يقفها في مكة؛ بأن لا يعتبر هذه المواقف التي صدرت منه في الدفاع المستميت عن النبي (ص) كانت من منطلق ديني؛ بل من منطلق عشائري. وهذا أيضا من صور الظلم التي نسبت إلى هذا الرجل العظيم. فهذا الدفاع المستميت عن النبي (ص)، لا يمكن أن يصدر إلا ممن كان مستبطنا للإيمان. ولا شك أن الظرف الاجتماعي والبيئي، يجعل الإنسان يعيش حالة التقية، وعدم إظهار الإسلام بشكل صريح. وكان أبو طالب يمثل الوسيط المفاوض بين النبي (ص) وبين المشركين في كثير من الأحايين.
أبوطالب (عليه السلام) بين النبي والوصي
والنبي (ص) – كما في تذكرة الخواص – كان يترحم على عمه ترحما؛ يُستشف منه أنه مات على الإيمان. ولا يقبل الله عز وجل الأعمال إلا من المتقين. فإن كان دفاعه عن النبي (ص) من باب الحمية وليس من باب التقوى والاعتراف بالتوحيد والنبوة هل كان لدفاعه أية قيمة وهل كان ليترحم عليه النبي (ص)؟
فقد قرأنا التاريخ واطلعنا على أقوال الصحابة بالإضافة إلى كلمات أمير المؤمنين (ع) في إيمان أبي طالب كلها دلائل تثبت إيمانه. وحاشا أن ينطق أمير المؤمنين (ع) بغير الحق أو ينطلق من منطلق البنوة المجردة، وهو الذي قال فيه النبي (ص): (عَلِيٌّ مَعَ اَلْحَقِّ وَاَلْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ يَدُورُ حَيْثُ مَا دَارَ)[٨]، وهو الذي لم يشرك بالله طرفة عين وكان مستقيما في قوله وفعله وفقهه وعقيدته وفي جميع حياته.
وتكفينا شهادة أمير المؤمنين (ع)، والأئمة من ولده، وهذه مصادر الفريقين يمكن الرجوع إليها. ورحم الله صاحب كتاب إيمان أبي طالب الذي ذكر هذه المسألة مفصلا. فعلى من ينسب الكفر إلى أبي طالب، أن يراجع هذه المصادر؛ لئلا يعترضه النبي (ص) يوم القيامة، ويعترضه أمير المؤمنين (ع)، والأئمة من ولده فيقولون: كيف نسبت الكفر إلى أبينا، وإلى جدنا؟ أو يقول النبي (ص): كيف نسبت الكفر إلى كافلي، وأنت لم تتثبت من المصادر؟ إن هناك حسابا عسيرا يوم القيامة للبعض، وإن تلبس بلباس أهل العلم؛ إذ كيف يتجرأ الإنسان أن ينسب الكفر إلى مسلم، لمجرد نقل من هنا ورواية من هناك؟
خلاصة المحاضرة
- لقد ثبت من كتب الفريقين بما لا مجال للشك فيه أن أبي طالب (ع) كان مسلما يكتم إيمانه ويظهر الشرك لمصلحة المسلمين. ولقد كفل النبي (ص) وحامى عنه وبذل فيه الغالي والرخيص وقد ترحم عليه النبي (ص) وأثبت إيمانه أمير المؤمنين (ع) ويكفينا ذلك.