- ThePlus Audio
إلى من يبحث عن شرح الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية شرح الصدر بالنسبة إلى المؤمنين
من المواضيع المهمة التي تناولها القرآن الكريم في آيات عديدة: هو موضوع شرح الصدر. ولا يخفى ما لشرح الصدر من دور بارز في تحقيق النجاح على المستوى الفردي والاجتماعي. ومن هنا فإن الله تعالى قد منَّ على حبيبه المصطفى (ص) بشرح الصدر، حيث قال تعالى في سورة الشرح: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[١]. ونلاحظ بأن موسى (ع) يطلب من الله تعالى شرح الصدر، ليستعين به على هداية فرعون وهو قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[٢].
ويقول تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[٣]. ويتبين من هذه الآية المباركة: أن المسلم المنشرح صدره يتقبل الدين بكل وجوده؛ بخلاف ضيّق الصدر الذي قد يكون إسلامه اتباعا لآبائه وأجداه، أو تحت تأثير من محيطه وبيئته، أو ما شابه ذلك. ومن هنا فإن الأول يكون على نور من ربه؛ بينما الثاني يكون في ضلال مبين. ومن المؤكد أن المؤمن يحتاج إلى هذا النور في شتى شؤون حياته إقداماً أو إحجاما، وكما ورد عن الصادق (ع): (اَلْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ اَلطَّرِيقِ لاَ يَزِيدُهُ سُرْعَةُ اَلسَّيْرِ إِلاَّ بُعْداً)[٤].
التفضل الإلهي في شرح الصدور
ولا شك في أن شرح الصدر تفضل إلهي على العبد؛ ولكن لهذا التفضل موجباته وأسبابه، وليس الأمر جزافا. فمن سياق الآية السابقة يفهم أن هنالك تهديد من الرب تعالى لمن أعرض عن ذكر الله، حيث يقول تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ). وهنالك ترابط بين ذكر الله وبين شرح الصدر. ولا نعني بذكر الله تعالى الذكر اللفظي فحسب؛ بل إن المطلوب هو ذكر الله عند الحلال والحرام، وعند مزاولة المعاصي، فإن هذا هو الذكر العظيم الذي تندب إليه الروايات. كذكر يوسف (ع) لله تعالى عندما ابتلي بذلك الموقف وقال: (مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[٥] كان من موجبات منعه عن ارتكاب تلك المعصية المخزية .
آثار شرح الصدر على المستوى الفردي
الأمن من الهواجس الباطنية: إن الإنسان المتبرم ضيق المزاج والأفق. وبالتالي فهو عرضة للكثير من الهواجس الباطنية. فتراه لأتفه الأمور ينقلب رأساً على عقب. والحال بأنه من المناسب للمؤمن أن يكون على مستوى عالٍ من الهدوء الباطني، ولا يتأثر بالوساوس الشيطانية. ولقد ضرب لنا أئمتنا (ع) أرقى الأمثلة على ذلك، فقد روي أن نصرانيا تعرض للإمام الباقر (ع): (وَقَالَ لَهُ نَصْرَانِيٌّ أَنْتَ بَقَرٌ قَالَ لاَ أَنَا بَاقِرٌ قَالَ أَنْتَ اِبْنُ اَلطَّبَّاخَةِ قَالَ ذَاكَ حِرْفَتُهَا قَالَ أَنْتَ اِبْنُ اَلسَّوْدَاءِ اَلزِّنْجِيَّةِ اَلْبَذِيَّةِ قَالَ إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَهَا وَ إِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَكَ قَالَ فَأَسْلَمَ اَلنَّصْرَانِيُّ)[٦].
القدرة على التركيز: فالمنشرح يعيش حالة مزاجية جيدة، وبالتالي تتضاعف قدرته على التركيز في مجال عمله. ولهذا نلاحظ بأنه قد يقرأ الكتاب لمرة واحدة وإذا به يستوعبه بشكل كامل.
إقبال الناس عليه واستجلاب مودتهم: والمنشرح إنسان مستبشر، وواسع الصدر. وبالتالي يكون ناجحا في عمله، ويحظى بأعلى الرتب والمناصب. ومن هنا فإن الله عز وجل يصف نبيه المصطفى (ص) ، فيقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)[٧].
تحجيم الأمور: إن الإنسان ضيق الصدر؛ إنسان متشائم يعطي الأمور أكبر من حجمها، ونظرته دوماً سوداوية للحياة. والحال بأن المؤمن ينبغي أن يكون كالبحر، يستقبل المشاكل بصدر رحب. وقد ورد أن الإمام الحسين (ع) في مقتله: أنه كان يشرق لونه الشريف كلما اشتد عليه البلاء. وكذلك كان بعض أصحابه (ع) يمزح في يوم عاشوراء مبرراً ذلك بأنه بعد سويعات سيعانق الحور العين. ومن المناسب للمؤمن أن يعتمد على هذين الأمرين في مواجهة مشاكل الحياة؛ الأمور الأول: أن يبذل الجهد في حل المشكلة بقدر وسعه وطاقته؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. والأمر الثاني: تفويض الأمر لله عز وجل .
السلامة النفسية والجسدية: فغالبا ما يبتلى من يعيش الضيق ببعض الأمراض العصبية المزمنة: كالكآبة، وانفصام الشخصية، أو الهلوسة، أو غير ذلك.
آثار شرح الصدر على المستوى الاجتماعي
الاستقرار النفسي في التعامل مع الناس: فلا تراه متذبذبا في سلوكه مقبلا على الناس تارة ومدبرا أخرى بلا عذر أو سبب. بل حاله كحال أئمته (ع) الذين كانوا في مستوى خلقي عال في السلم والحرب ولم تكن تأثر على سلوكهم وتعاملهم مع الناس مكدرات الحياة ولا ما يتعرضون له من صنوف المحن والبلاء.
سعة الصدر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمؤمن رفيق في التعامل مع أهل المعاصي ومن يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه، وهو بعيد أشد البعد أن أساليب الزجر والعنف تطبيقا لقوله تعالى حينما خاطب موسى وهارون (ع) بالتوجه إلى فرعون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[٨].
الحلم عند الغضب: وهو بالإضافة إلى مزاياه الكبيرة ساتر للعيوب. فالذي يواجه الغضب بالصمت والهدوء؛ فإنه يمنع الآخرين من كشف سيئاته فيتجنب بذلك الدخول في ما يجب الاعتذار منه.
الحرص على عدم الإساءة للدين: فالمؤمن وبالأخص الوجيه منهم، والمعروف بالتدين؛ إذا ما أساء الخلق وأغلظ في القول، فإنه سيسيء إلى الدين. وعن الإمام الرضا (ع) أنه قال لرجل من القميين: (اِتَّقُوا اَللَّهَ وَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ وَاَلصَّبْرِ وَاَلْحِلْمِ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ اَلرَّجُلُ عَابِداً حَتَّى يَكُونَ حَلِيماً)[٩]وقیل للحسن (ع): (مَا اَلْحِلْمُ قَالَ كَظْمُ اَلْغَيْظِ وَ مِلْكُ اَلنَّفْسِ)[١٠].
من المناسب أن نذكر بعض التطبيقات العملية التي ينبغي للمؤمن أن يلتفت إليها، ليحافظ على هدوئه وانشراح صدره:
- أن لا يصب جام غضبه على الآخرين لأنهم عباد الله عز وجل ولا يجوز له أن يتعرض لهم بالأذى.
- قد يكون الإنسان هادئا بصورة عامة إلا في بعض الساعات التي يكون فيها ضيق المزاج؛ كساعاته بعد الانتهاء من العمل أو عند الاستيقاظ من النوم، أو عند المرض وفي السفر وغير ذلك؛ فينبغي له أن يعرف هذه الساعات ويضاعف السعي فيها لتجنب الوقوع فيما لا يرضيه سبحانه.
- قد ينهر الإنسان شخصا آخر للونه أو لجنسيته أو لفقره ويجعله ذريعة لتفريغ غضبه وهو يظن أنه أدنى منه في الإنسانية؛ فليعلم أن هذه التقسيمات هي من الأمور التي لا قيمة لها عند الله عز وجل لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[١١].
- قد يعكر الشيطان مزاج الإنسان في مواسم العبادة وفي المناسبات الإسلامية؛ فليستعذ بالله من شروره ووساوسه.
- قد تكون حالة ضيق الصدر راسخة في الإنسان؛ إما بسبب تأثيرات بيئية أو وراثية، وينبغي في هذه الحالة أن يضاعف الجهد في التغلب على طبعه. ولا شك في أن له عند الله الأجر المضاعف لما يتحمله من المشقة.
خلاصة المحاضرة
- من المواضيع المهمة التي تناولها القرآن الكريم في آيات عديدة: هو موضوع شرح الصدر. ولا يخفى ما لشرح الصدر من دور بارز في تحقيق النجاح على المستوى الفردي والاجتماعي. ومن هنا فإن الله تعالى قد من على نبيه بذلك في قوله: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ).