إن في تراث أهل البيت (ع) هناك باباً مفصلاً، وفيه روايات غريبة متعلقة بإدخال السرور على المؤمن، وتنفيس الكربة عنه.. ولكن لماذا هذا الاهتمام من النبي الأكرم (ص) والأئمة (ع) بإدخال السرور على المؤمنين؟..
أولاً: لأن المؤمن بنيان الله -عز وجل- في الأرض.. فنحن نقدس الكعبة؛ لأنها بيت الله -عز وجل-.. وهذا المؤمن في جوفه قلب، والقلب عرش الله عز وجل.. إذن الكعبة مظهر صامت لله عز وجل، فهي بيت الله عز وجل؛ ولكن المؤمن مظهر ناطق.. والفرق بين الناطق وغير الناطق هو ما ذكره النبي الأكرم (ص) من أن (المؤمن أعظم حرمة من الكعبة)!.. كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك!.. ما أعظمك وأعظم حرمتك!.. والذي نفس محمد بيده!.. لحرمة المؤمن أعظم عند الله -تعالى- حرمة منك: ماله، ودمه، وأن يظن به إلا خيرا).. ومن هنا إدخال السرور على المؤمن، بمعنى من المعاني عاد إلى الله عز وجل.
ثانياً: إن الإنسان تارة يشبع جائعاً؛ لأنه جائع، ولكن هل هذا العمل فيه أجر، أو ليس فيه أجر؟.. البعض يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}؛ أي أن العمل وإن كان صالحاً، إذا لم يرد به الإنسان وجه الله -عز وجل- هذا العمل لا يؤجر عليه، ويوم القيامة يقال له: اطلب أجرك ممن كنت تعمل له.. ولهذا في تاريخ الفتوحات الإسلامية، هناك بعض الفاتحين الذين فتحوا بلاداً كبيرة وجعلوها إسلامية، ولكن ليس كل الفاتحين كانت نواياهم طيبة.. ينقل التاريخ أن رجلاً خرج مع رسول الله (ص)، ولكن ليس دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، وإنما من أجل حمار أعجبه، فأضمر في نفسه أنه يدخل المعركة فإذا قتل صاحب الحمار استحوذ عليه، إلا أن الرجل قُتل قبل صاحب الحمار، فلما وقف عليه رسول الله (ص)، سمع الناس يترحمون عليه ويقولون: هنيئا له لقد مات شهيداً، فقال (ص): (إنه شهيد الحمار)!.. فإذن، لكل امرئ ما نوى!.. وعليه، فإن العمل الصالح إذا لم يكن لله -عز وجل- هل العقل يحكم أن الله لابد أن يثيبه؟.. لا، ليس ملزما بذلك، ولا وجوب في ذلك، ولكن تفضلاً ممكن!..
ثالثاً: إن إكرام الفقير إذا كان لفقره وجوعه؛ فهذا شيء حسن.. عن الصادق (ع): «من سر مؤمناً؛ فقد سرني.. ومن سرني؛ فقد سر رسول الله -صلى الله عليه وآله-.. ومن سر رسول الله -صلى عليه وآله-؛ فقد سر الله.. ومن سر الله؛ أدخله الجنة».. ويفهم من العبارة: أنه سره لإيمانه؛ وليس لأنه بني آدم يمشي على وجه الأرض.. فأغلب الناس هذه الأيام يعانون من الكآبة والقلق والاضطراب، فهل يذهب الإنسان إلى الناس ويطرق عليهم الباب؛ ليدخل عليهم السرور؟.. أو أنه يختار الإنسان الذي لله -عز وجل- فيه نصيب؟.. ومن هنا يجب أن يبحث عن المؤمن المبتلى، الذي هو في درجة عالية من الإيمان؛ فهذا الإنسان دعاؤه لا يُرد.. مثلاً: إذا كان هناك إنسان: مؤمن، ورع، صاحب قيام ليل، وقد وقع في مشكلة؛ فليغتنم المؤمن هذه الفرصة، عندما يرفع همه وغمه، ويطلب منه أن يدعو له!.. ومن المناسب أيضاً أن يلقنه الدعاء، يقول له: قل: اللهم!.. أطل عمره في خير وعافية.. لأنه ما الفائدة من طول العمر في معصية الله عز وجل؟.. الإمام السجاد (ع) يقول: (وعمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعا للشيطان.. فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلي).. الدعاء بالموت غير حسن، إلا في هذه الصيغة.. إذا أردنا أن نحوز رضا الله وأوليائه، لابد أن ندخل من هذا المدخل.
رابعاً: البعض يقول: أنا ليس عندي مال؛ كي أقضي حاجة أحد.. وليس عندي وجاهة اجتماعية؛ حتى أشفع له.. فهل باب قضاء الحوائج مسدود؟.. قال الباقر: (تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرفه القذى عنه حسنة.. وما عبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن).. المضمون متكرر في روايات كثيرة، وهي أن من أفضل القربات إلى الله -عز وجل- إدخال السرور على المؤمن.
خامساً: إن هذا المؤمن المكتئب، عندما تُقضى حاجته؛ يدخل عليه السرور؛ ويتوفق للعبادة أكثر!.. فالإنسان الذي دفع له المال، وفرّج عنه؛ هو بهذه الحركة قام بعمل معنوي.. نعم، هو دفع مالاً، ولكن هذا المال رفع عنه التشويش.. فإذا ارتفع عنه التشويش؛ قام لصلاة الليل، ودعا دعاء بليغاً.. ففي النهاية الأمر عاد إلى الله عز وجل.
كان النجاشي -وهو رجل من الدهاقين- عاملاً على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد الله (ع): إنّ في ديوان النجاشي عليَّ خراجاً، وهو مؤمنٌ يدين بطاعتك، فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتاباً.. فكتب إليه أبو عبد الله (ع): (بسم الله الرحمن الرحيم.. سرَّ أخاك يسرُّك الله)!.. فلمّا ورد الكتاب عليه، دخل عليه وهو في مجلسه فلمّا خلى ناوله الكتاب، وقال: هذا كتاب أبي عبد الله (ع)، فقبّله ووضعه على عينيه، وقال له: ما حاجتك؟.. قال: خراجٌ عليَّ في ديوانك، فقال له: وكم هو؟.. قال: عشرة آلاف درهم، فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثم أخرجه منها وأمر أن يثبتها له لقابلٍ، ثم قال له: هل سررتك؟.. فقال: نعم، جُعلت فداك!.. ثم أمر بمركبٍ وجاريةٍ وغلامٍ، وأمر له بتخت ثياب في كلّ ذلك يقول: هل سررتك؟.. فيقول: نعم، جُعلت فداك!.. فكلّما قال: نعم، زاده حتى فرغ، ثم قال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنتُ جالساً فيه حين دفعتَ إليّ كتاب مولاي الذي ناولتني فيه، وارفع إليّ حوائجك، ففعل، وخرج الرجل فصار إلى أبي عبد الله (ع) بعد ذلك، فحدّثه بالحديث على جهته، فجعل يسرُّ بما فعل، فقال الرجل: يا بن رسول الله!.. كأنه قد سرّك ما فعل بي؟.. فقال: (إي والله!.. لقد سرّ الله ورسوله).
سادساً: إن الإمام الصادق (ع) كان في المدينة، ومع ذلك يفرح أن هناك في الأهواز أو في فارس والياً، قضى حاجة هذا المؤمن.. وعليه، فإنه من الطبيعي أن من يُدخل السرور على قلب أخيه في زماننا هذا؛ إمام زمانه سيرضى عنه.. وطوبى لمن دعا له إمام زمانه!.. البعض منا قد يدعو دعاء الفرج عشرات المرات، والإمام لا يدعو له.. أما أن يُدخل على أخيه سروراً، الإمام يقول في صلاة الليل -مثلا-: اللهم!.. اقض حاجته، فقد سرني.. هنيئا لمن أدخل سروراً على إمام زمانه!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.