Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

إتقان الركوع؛ مفتاح من مفاتيح القرب إلى الله عز وجل

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية الحديث عن الصلاة وأركانها

الركوع ركن من أركان الصلاة والحديث عنه يندرج تحت عنوان الحديث عن الصلاة. والحديث هذا له عمقه وله ضرورته التي لا يُنكرها من المؤمنين أحد. لقد روي عن الرضا (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلصَّلاَةَ أَفْضَلُ اَلْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَهِيَ أَحْسَنُ صُورَةٍ خَلَقَهَا اَللَّهُ فَمَنْ أَدَّاهَا بِكَمَالِهَا وَتَمَامِهَا فَقَدْ أَدَّى وَاجِبَ حَقِّهَا وَمَنْ تَهَاوَنَ فِيهَا ضُرِبَ بِهَا وَجْهَهُ)[١].

من المعلوم، أن الصلاة عمود الدين، ولا غنى للخيمة عن العمود. فلو صنعت خيمة من ذهب ولم يكن لها عمود؛ لما وقتك حراً ولا برداً. بتعبير أحد العلماء: إن النفس الإنسانية بحاجة إلى الحج مرة واحدة في العمر؛ فتطعيم الحج يكفيك العمر كله، ولهذا وجب في العمر مرة. بغض النظر عن أن الحج في كل عام، يُنشط الإنسان للعبادة وله تأثير لا يُنكر. والصوم يكفيك إلى سنة، ولو شاء الله عز وجل لجعل الصوم في السنة مرتين في كل ستة أشهر مثلا. إلا أن الروح الإنسانية والوجود الإنساني بحاجة إلى هذه الصلوات وهذا التطعيم بشكل يومي متكرر. وهكذا قد هندس رب العالمين هذا الوجود، وقسم الصلوات على ساعات الليل والنهار فضلا عن النوافل.

ثم إن هذه الطبيعة مليئة بمظاهر الجمال، من الورود والمناظر الخلابة وجمال الوجوه الذي يتجلى في الحسناوات وفي الرجال أيضا؛ كجمال يوسف المذهل، والذي جعل من رأينه يقطعن أيديهن؛ إلا أن إمامنا الرضا (ع) يُبين لنا أن الصلاة هي أجمل صورة خلقها الله عز وجل لا ما ذكرناه آنفا.

ما هي حدود التهاون في الصلاة؟

وبيت القصيد في هذه الرواية الرضوية قوله (ع): (مَنْ تَهَاوَنَ فِيهَا)[٢]، وهذه العبارة عبارة مبهمة. فالتارك الذي يقطع الصلاة متهاون، والذي تدعوه إلى الصلاة عدة مرات ثم يُصلي في آخر الوقت يُعد كذلك متهاوناً. ولا أدري هل من التهاون أن نصليها بذهول وعدم إقبال؟ من صلاها وهو ذاهل ويفكر في كل شيء سوى الله عز وجل؛ فلابد – على الأقل – أن يخشى من أن يكون من المتهاونين الذين يُضرب بها وجهه.

وينبغي أن نلفت إلى باطن الصلاة وروحها كما نهتم إلى ظاهرها وشكلها. قد تستيقظ الفجر وتأتي إلى المسجد من مكان بعيد وتصليها جماعة، وهذه الهيئة جميلة؛ ولكن ما فائدة تمثال لا روح فيه؟ لا تجعل صلاتك تمثالا جميلا ولكن لا روح فيه لكي لا تكون يوم القيامة من النادمين الخاسرين.

الركوع ركن من أركان الصلاة

إن الركوع ركن من أركان هذه الصلاة التي تُحدد مصيرنا الأبدي. إننا عندما نقول: ركن، فيعني أنك لو تركت هذا الركن سهوا أو عمدا؛ فلا صلاة لك. إن الأجزاء الركنية في الصلاة هي أجزاء مهمة جداً، وينبغي لك إتقانها بكل وجودك. إن الركوع حركة جسمانية كالسجود، ولابد أن تجعل لنفسك حركة باطنية بإزاء هذا الركوع الجسماني. إن المصلي قبل أن يركع يرى أمامه كل شيء؛ ولكنه عندما ينحني لا يرى إلا الأرض. ومن المستحب أن ينظر الإنسان إلى ما بين قدميه. وعندما يسجد وينظر إلى طرف أنفه – كما هو المستحب – فلا يرى شيئا تقريبا؛ ودائرة النظر تضيق أكثر مما تضيق في حالة الركوع. اجعل الركوع مرحلة من مراحل القرب إلى الله عز وجل. لقد روي عن إمامنا الصادق (ع) أنه قال: (فِي اَلرُّكُوعِ أَدَبٌ وَفِي اَلسُّجُودِ قُرْبٌ وَمَنْ لاَ يُحْسِنُ اَلْأَدَبَ لاَ يَصْلُحُ لِلْقُرْبِ)[٣].

ما أفهمه من الرواية هو: أن الركوع مفتاح السجود؛ فإن أردت أن تسجد سجوداً قربياً مميزاً؛ فلابد أن تُتقن الركوع وتكون مؤدبا. إننا نرى في بعض البلدان من إذا أراد أن يوقر بعض السلاطين أو يحييه؛ ينحني له إلى حد الركوع، وهذا أمر لا نقبل به أن يكون لإنسان مثلنا ولا ينبغي أن يكون إلا لله عز وجل.

لا سجود مميز إلا بالركوع المميز

كم مرة تركع في اليوم؟ إنك وقبل أن تنحي إلى الركوع، تقول: الله أكبر، ثم ترفع رأسك وتقول: الله أكبر، وهذه التكبيرات المستحبة مهمة في الصلاة. وليس في الصلاة تكبيرة واجبة غير تكبيرة الإحرام. وكأن الله عز وجل يريد أن يذكرك بالتكبيرة الأولى أنك عاهدت الله عز وجل، وقلت في مفتتح صلاتك: يا رب، أنت أكبر؛ فلماذا ذهبت يميناً وشمالا وسهوت؟ وقبل أن تركع تُذكر نفسك، وترفع رأسك من الركوع فتُكبر؛ فقد تكون سهوت في أثناء ركوعك فتُذكر نفسك بهذه التكبيرة. ولو جمعت التكبيرات في الصلاة لرأيتها أكثر الأذكار تكرارا في الصلاة. فاتخذ من هذا التكبير منبهاً لك؛ فكلما قلت: الله أكبر، أعد نفسك إلى الجادة.

ماذا نعني بالتسبيح الذي نأتي به في صلاتنا؟

وما ورد من التسبيح في الركوع وفي السجود وفي الركعة الثالثة والرابعة؛ هو تنزيه لله عن كل نقص. إن أحدنا يُنزه الله عن كل نقص وعيب؛ ولكنه لا يحتاج إلى تنزيهنا، فهو منزه في جميع الأحوال. وإنما أنت تعترف وتذكر نفسك بذلك. وكما تنزه الله بمعنى الإقرار؛ نزه نفسك في مقام العمل أيضا. وأنت تسبح الله؛ تُنزهه عن الضعف والجهل والبخل؛ فكذلك نزه نفسك عنها. عندما تقول: يا كريم، فيعني يا رب، أنت لست ببخيل؛ فلماذا أنت تكون بخيلا؟ نزه نفسك عن البخل أيضا. وكما تنزه الله إقراراً؛ نزه نفسك عملاً. تقول: يا رب شأنك أجل من أن تكون بخيلا، وكذلك قل لنفسك: شأنك أجل من أن تكون بخيلا، لأنك خليفة الله في الأرض. وشأنك أجل من أن تكون جاهلا أو حقودا أو ظالماً وما شابه ذلك من صفات النقص التي ينبغي لمثلك أن يُنزه نفسه عنها. ليكون على درجة من القرب إلى المولى؛ يحبها ويرضاها.

[١] مستدرك الوسائل  ج٣ ص٣٣.
[٢] مستدرك الوسائل  ج٣ ص٣٣.
[٣] مصباح الشريعة  ج١ ص٨٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • الركوع مفتاح السجود؛ فإن أردت أن تسجد سجوداً قربياً مميزاً؛ فلابد أن تُتقن الركوع وتكون مؤدبا. إننا نرى في بعض البلدان من إذا أراد أن يوقر بعض السلاطين أو يحييه؛ ينحني له إلى حد الركوع، وهذا أمر لا نقبل به أن يكون لإنسان مثلنا ولا ينبغي أن يكون إلا لله عز وجل.
  • وأنت تسبح الله؛ تُنزهه عن الضعف والجهل والبخل؛ فكذلك نزه نفسك عنها. عندما تقول: يا كريم فيعني يا رب أنت لست ببخيل فلماذا أكون بخيلا؟ نزه نفسك عن البخل أيضا. وكما تنزه الله إقراراً؛ نزه نفسك عملاً. تقول: يا رب شأنك أجل من أن تكون بخيلا، وكذلك قل لنفسك: شأنك أجل من أن تكون بخيلا.
Layer-5.png