كلمة سماحة الشيخ حبيب الكاظمي حول أهم الأعمال في ليلة القدر والتي ألقيت في الكاظمية، حرم الإمامين الجوادين عليهما السلام في ليلة القدر الأولى، ليلة جرح الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام من شهر رمضان ١٤٤٤ والتي توافق ٢٠٢٣/٤/٩.
الشيخ حبيب الكاظمي
- ThePlus Audio
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
أهم الأعمال في ليلة القدر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
عظمة ليلة القدر
إن الليلة الأولى من ليالي الإحياء هي الليلة التي ننتظرها طوال العام بالإضافة إلى سائر الليالي. إنها لا تتجاوز الاثني عشر ساعة أو عشر ساعات وفي بلاد الغرب قد تكون أربع ساعات فحسب إلا أنها ثمانون سنة وزيادة؛ فلو قسمنا الألف شهر على اثني عشر شهر لأصبح العدد أكثر من ثمانين سنة؛ أي عمر كامل بخلاف أعمارنا هذه الأيام. فإن الرجل منا قد يعيش ستون سنة لو خصمت منها ما قبل البلوغ وساعات النوم لا يبقى منها إلا عشرون سنة ولعلها هي العمر الحقيقي لنا. ولو حذفت ساعات الغفلة والنوم والأكل والشرب كم سيبقى من عمرك عندئذ؟
عشرون سنة نصرفها في كل ما هب ودب. وإن أعمالنا من الصلوات اليومية لا وزن لها كثيرا في هذه السنوات فلا تستغرق من عمرنا الكثير وكذلك الحج الذي لا يجب على الإنسان إلا مرة واحدة في العمر إن كان مستطيعا وصوم شهر رمضان لا يكون في السنة إلا شهرا واحدا. أما ليلة القدر فهي أكثر من ثمانين سنة من العبادة الصافية التي لا يشوبها شيء. فأين هذا العمر الذي يمن الله به علينا في ليلة القدر من عمرنا الذي فيه ما فيه؟
فضل ليلة القدر وسر اختفائها
وهنا لا بأس بملاحظة سريعة لأصحاب الفهم والذوق وهي أن قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[١] هو الحد الأدنى كما نفهمه من الآية المباركة؛ فقد يربح البعض في هذه الليلة آلاف السنوات لا ألف شهر فحسب. ورب العالمين قد أخفى ليلة القدر بحكمته في ثلاث ليال من باب التحفيز؛ فالمعلم لا يحدد موعد الامتحان لكي يدرس الطالب جيدا ويكون على أتم الاستعداد. والبعض من المؤمنين يضع عينه على الليلة الأخيرة ويقول: هاتان الليلتان جيدتان ولكن جل همي في الليلة الأخيرة، ولكن من قال ذلك؟ فقد يقبل المؤمن في الليلة الأولى أكثر مما يقبل في ليلة الثالثة والعشرين؛ فقد يكون قلبك مقبلا وحزينا على ضربة أمير المؤمنين (ع) وقد ارتديت السواد ولبست ثوب الحداد على استشهاده في الليلة الواحدة والعشرين.
ولعل دموعك الولائية عليه تقربك أكثر من سائر الليالي. ولعلك تحرم هذه الأجواء في الليلة الأخيرة؛ فاغتنم كل الليالي وقل: هذه ليلتي الأخيرة، فما المانع من باب التحفيز أن تفعل ذلك وقد أمرنا إذا صلينا العشاء أن نقول: هذه صلاة مودع فلعلنا ننام ولا نستيقظ بعد ذلك. وقد أمرنا كذلك عند ذهابنا إلى الحج أن نعتبر الحجة أو العمرة تلك آخر ما نقوم به في حياتنا. وكذلك الأمر بالنسبة لهذه الليالي فلو أحييت ليلة قل: لا أدري إن كنت سأكون من الأحياء في الليلتين الأخيرتين وإن كنت من الأحياء لا أدري هل سأقبل فيهما أم لا؟
وهناك اعتقاد أيضا بأن ليالي الإحياء مترابطة وإن كانت هي عند الله سبحانه ليلة واحدة. كما تفعل المدارس في امتحانات طوال العام حيث تأخذ بعين الاعتبار في الامتحان الأخير كل الامتحانات التي قدمها الطالب في تلك السنة الدراسية. فإن كانت الليلة الثالثة والعشرون في الليلة الكبرى الحقيقة فإن الليلتان اللتان سبقتاها لهما دور في عطاء تلك الليلة.
استنفار القوى استعدادا ليالي القدر المباركة
هذه الليلة هي ليلة الحادي والعشرون وقد ذكرت أنه ينبغي للمؤمن أن يستنفر قواه وإن أمكنه أن يكون في حل من الدوام والعمل ولكن بحق: كأن يأخذ إجازة في هذه الليالي. فالذي يتعب في النهار قد لا يوفق في الليل للإحياء كما ينبغي فالإرهاق في النهار يؤثر على الإنسان في ليله. إن البعض من المؤمنين قد يدخر إجازاته للصيف للسفر إلى كذا وكذا من البلاد. والأجدر بالمؤمن أن يؤجل إجازاته للعشرة الأخيرة من شهر رمضان، لهذه السفرة الروحية والسياحة المصيرية. فرغ نفسك للعبادة في هذه الأيام، وحاول ما استطعت أن تخفف من انشغالك، ولا تكن كالذي يأخذ إجازة لليالي القدر ولكن يبقى يتصل بهذا وذاك ويدخل في خصومة لأجل أعماله التجارية فلا يستفيد من خلوته وإجازته تلك.
إن الذي أريد أن أقوله هو: أن شهر رمضان شهر اعتكاف كله خصوصا العشرة الأخيرة منه حيث كان رسول الله (ص) يشد المئزر ويختلي للعبادة. والليالي الثلاث ليالي الاعتكاف وهي اعتكاف في اعتكاف في اعتكاف. فإذا لم تكن طوال الشهر مراقبا فكن كذلك في العشرة الأخيرة منه. وإذا لم يمكنك المراقبة في العشرة الأخيرة فصب اهتمامك على هذه الليالي الثلاث. فبمقدار ما تبذر فستحصد وهذه قاعدة مهمة. إن الزارع يحصد من الزرع بمقدار ما بذل وكذلك أنت تحصد بمقدار ما تبذل من نفسك في هذه الليالي المباركة.
إن لنا أربعون توصية حول ليالي القدر بإمكان المؤمنين البحث عنها في محركات البحث من باب الدلالة على الخير سيستفيدون منها إن شاءالله في هذا الطريق.
من التوصيات المهمة في هذه الليالي المباركة إتقان أعمال هذه الليالي، وسأعطيكم سر المهنة كما يقال وإن لم تكن عندنا مهنة وإنما هي سر الأعمال. ينبغي للمؤمن في هذه الليالي أن يهتم بالكيفية كما يهتم بالكمية؛ فاقرأ دعاء الجوشن بكل فقراته ودعاء المصحف وزيارة الحسين (ع) وأقم صلاة الاستغفار، فهذه المعالم الأربعة من المعالم المعروفة في ليلة القدر وحاول أن تتقنها خصوصا صلاة الاستغفار وهي ركعتان تعقبهما بالاستغفار فلا تصلها حالها كحال سائر الأعمال وإنما ينبغي أن تأخذ زاوية في خلوة وتحاول أن تستدر الدمعة. إنها ركعتان خفيفتان واستغفار سبعون مرة ولكنها من الأعمال المهمة جدا؛ فلا تقم من مقامك إلا وقد غفر الله تعالى لك.
والغسل كذلك من أعمال هذه الليالي فقم به بنية التوبة وصل بعدها صلاة الاستغفار وهي محطة معتبرة كما ذكرنا أعطها وزنها ولا تصلها وأنت ناعس أو تصلها وأنت متخم بالطعام والشراب وإن كان في مشهد من المشاهد الشريفة عند مرقد المعصوم فصل هاتين الركعتين وقل: يا رب تقبلهما مني بجاه ذلك المعصوم.
قصة دعاء رفع المصاحف
وأما دعاء رفع المصاحف فلا بأس في أن أكشف لكم سرا اكتشفته لأول مرة؛ فقد سمعت من أحد المراجع العظام قديما أن دعاء رفع المصاحف يؤتى به على مدار السنة وفي كل الأحوال والذي ذكر هذا الدعاء هو الإمام الصادق (ع) حيث جائه رجل في غير ليلة القدر وطلب منه أن يخلصه من سلطان غشوم ومن مشكلة مالية ثقيلة فكانت له مشكلة أمنية ومالية فأمره الإمام (ع) بأن يصلي ركعتين وهما ركعتي الاستغفار يقرأ فيهما آية الكرسي وآخر سورة الحشر ثم يدعو بالدعاء المعروف. ويبدو أن أول من أدخل هذا الدعاء في أعمال ليلة القدر هو السيد الجليل طاووس العلماء السيد بن طاووس، فقد رآه دعاء جميلا قد روي عن المعصوم وفيه رفع المصحف وأسماء الأئمة (ع) فاستلطفه وأدخله في أعمال هذه الليال ونعم ما فعل جزاه الله خيرا، وقد ذكره المحدث القمي في المفاتيح أيضا. وهذا الدعاء إذن من الأدعية الشريفة التي يؤتى به في المهمات ونحن في ليالي القدر بحاجة إليه ومن أراد تفاصيل هذا الدعاء فليراجع كتاب الأمالي للشيخ الصدوق فقد رأيته بنفسي. وينبغي أن يؤتى به بتوجه بليغ أيضا.
وإذا أردت زيارة الحسين (ع) استأذن وقل: أأدخل يا الله أأدخل يا رسول الله، ألست تستأذن لو أردت دخول بيت في نساء وتقول: يا الله وتنتظر حتى تسمع الجواب ويقال لك: تفضل وتشرف وادخل؟ إن استئذانك هذا بحاجة إلى إذن ولكن أين الإذن؟ نحن لا نعلم ولكن الذي يظهر لك هو رقة في القلب أو دمعة في العين وإن كانت الدمعة مصحوبة برقة. ادخل إلى المشاهد المشرفة وأد الأعمال وأنت منكسر القبل. ويرجى القبول لمن زار مولاه الحسين (ع) بعين باكية وعزاه باستشهاد أبيه أمير المؤمنين (ع).
الإحياء مفردا أم في جماعة؟
قد يسأل البعض: هل من الأفضل أن يحيي هذه الليالي بمفرده أم في الجموع المباركة؟ وأقول: أنه ما المانع من الجمع؛ فليقم ببعض الأعمال في جماعة حيث يتأثر الإنسان ببكاء من يبكي إلى جانبه من المؤمنين ويحفزه فيقول لنفسه: ما بالك أنت وأصوات البكاء مرتفعة من حولك بل قد نشاهد الأطفال يبكون في بعض الأحيان مما يجعل الإنسان يستحي من نفسه.
ثانيا: لو ذهبنا جماعة إلى زيارة ملك أو أمير من أثرياء الدنيا لكان أعطانا جميعا ولم يكن ليفرق في العطاء بيننا، فلا يقول: تقدم أنت لأعطيك ويحرم الذي إلى جانبه فهذا خلاف الكرم؛ بل يقول: أكرموهم جميعا، فكيف بمن هو أرحم الراحمين؟ فالدعاء في جمع من موجبات ضمان الاستجابة، فلا يعقل في جمع غفير فيه النساء والرجال شيوخا وشبابا وفيهم عوائل الشهداء وأمهات الشهداء لا تكون فيهم دعوة مستجابة.
وللخلوة خصوصياتها فوصيتنا أن يقوم المؤمن قبيل الفجر بنصف ساعة بتخفيف الطعام وإيجاد خلوة إما في المنزل أو عند الضريح ويغتنم الفرصة فلعله كان مدبرا طوال الليل وعينه من البكاء جامدة ولكن يفتح له باب في اللحظات الأخيرة؛ فإذا رق القلب وجرى الدمع فدونك دونك.
توسل بولي الأمر (عجل الله فرجه الشريف)
ولا تنسى أن أعمالك في ليلة القدر ترسل إلى ولي الأمر (ع). أو تعلم أن قلب الإمام (ع) في هذه الليلة يفرح ويحزن؟ يحزم لما يرى من أعمالنا السيئة طوال العام. فقد عاهدناه في العام الماضي أن لا نعصي الله سبحانه ولكن رأى منا ما رأى من الزلل، فهو يحزن إذا نظر إلى سجل أعمالنا ولكنه يدعو لك أيضا. لقد ألقى إخوة يوسف أخاهم في البئر ليتخلصوا منه وهموا بقتله وبعدما جاءوا إليه معتذرين وقالوا: (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ)[٢] قال لهم يوسف (ع): (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[٣]. إن يوسف (ع) كان مظهر الكرم وقد تجاوز عن إخوته.
ونحن نقول: يا يوسف الزهراء (س)، إن جمالك لا يقاس بجمال يوسف ولا كرمك مما يقاس بكرمه. أنت طاووس أهل الجنة وخاتم الأوصياء وأنت أمل الأنبياء والأئمة (ع) وبيمنك رزق الورى وبوجودك ثبتت الارض والسماء.
يا مولانا أعف عنا ولا تؤاخذنا هذه الليلة وارفع يديك الى السماء بحق يدي عمك العباس المقطوعتين وقل يا رب اغفر لشيعتي اغفر للعصاة من شيعتي واغفر لزوار أجدادي. إن لسان حالنا في هذه الليلة: (يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)[٤]
يا مولاي:
طالت علينا ليالي الانتظارِ فهل
يا ابن الزكيِّ لليلِ الانتظارِ غد
فاكحَلْ بطلعتِك الغرّا لنا مقلا
يكاد يأتي على إنسانِها الرمد
إن لم تنظر إلينا في سائر الليالي فانظر إلينا هذه الليلة يا مولاي، ولا تهملنا الليلة فقد كان جدك أميرالمؤمنين (ع) يوصي بقاتله خيرا فكان يدعوهم لإكرامه وإطعامه وسقيه.
يا مولاي نحن في هذه الليالي مصابون بمصاب جدك أميرالمؤمنين (ع) كلنا في حال حداد وبكاء أتهملنا الليلة حاشاك، هيهات ما ذلك الظن بك.
خلاصة المحاضرة
- البعض من المؤمنين يضع عينه على الليلة الأخيرة ويقول: هاتان الليلتان جيدتان ولكن جل همي في الليلة الأخيرة، ولكن من قال ذلك؟ فقد يقبل المؤمن في الليلة الأولى أكثر مما يقبل في ليلة الثالثة والعشرين؛ فقد يكون قلبك مقبلا وحزينا على ضربة أمير المؤمنين (ع) فيكون ذلك عامل مساعد.
- إذا لم تكن طوال الشهر مراقبا فكن كذلك في العشرة الأخيرة من شهر رمضان. وإذا لم يمكنك المراقبة في العشرة الأخيرة فصب اهتمامك على ليالي القدر. إن الزارع يحصد من الزرع بمقدار ما بذل وكذلك أنت تحصد بمقدار ما تبذل من نفسك في هذه الليالي المباركة.
- قد يسأل البعض: هل من الأفضل أن يحيي هذه الليالي بمفرده أم في الجموع المباركة؟ وأقول: أنه ما المانع من الجمع؛ فليقم ببعض الأعمال في جماعة حيث يتأثر الإنسان ببكاء من يبكي إلى جانبه من المؤمنين ويحيي البعض الآخر من هذه الأعمال في زاوية من منزله حيث الهدوء والسكون.