Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

أهمية النية في الصلاة خصوصا وفي غير الصلاة عموما

بسم الله الرحمن الرحيم

هل نصلي أم نقيم الصلاة؟

لم يأمرنا رب العالمين في كتابه الكريم بالصلاة فحسب، وإنما أمرنا بإقامتها. إن الفرق بين الصلاة وبين إقامة الصلاة؛ هو كالفرق بين الخيمة المقامة والخيمة المنبطحة على الأرض التي لا تقي شمساً ولا مطراً. إن الخيمة هي ذاتها والعمود هو ذاته، ولكنه يحتاج إلى إقامة. فإن أقمت الخيمة ورفعت العمود؛ وقتك هذه الخيمة الحر والقر. إن الكثير من الصلوات هي أشبه شيء بهذه الخيمة المطروحة على الأرض التي لا خاصية فيها غير أنها خشبة وأقمشة ليس إلا.

إن من أهم الأبحاث المرتبطة بالصلاة، هو البحث في النية. فعندما يريد المصلي أن يصلي لابد أن يكون ناوياً، ويكفي فقهياً النية الارتكازية. فمن منا ينوي عند الوضوء، وعند كل صلاة؟ إنما النية تكون في القلب. ولكن لا بأس قبل أن تكبر؛ أن تستحضر النية، وتستشعر العظمة الإلهية وتعلم أنك واقف بين يدي الله عز وجل. لا تأت الصلاة وأنت مشوش البال؛ كالذي يأتي من العمل بعد أن كان في زحمة العمل، وقد رأى في الطريق إلى المنزل ما رأى ثم قد دخل في شجار مع زوجته وهو الآن يريد أن يقول: الله أكبر…! أو كان مشغولاً ببحث علمي وذهنه مضطرب بالأفكار المختلفة وفيه كل شيء إلا الصلاة.

إننا لا نقصد بالنية قولنا: أصلي الظهرين قربة إلى الله عز وجل؛ فهذه نية ساذجة بسيطة. وإنما نريد من النية أن تكون نية من هو داخل على مقام العظمة والربوبية، كما ينوي الحاج في الميقات ويُحرم ويُلبي في مسجد الشجرة. وقد روي: (نِيَّةُ اَلْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ)[١].

كيف تكون نية المؤمن خيرا من عمله؟

ذهب البعض إلى أن النية إذا وضعتها في كفة بلا عمل، والعمل بلا نية وضعته في الكفة الآخرى لرجحت كفة النية المجردة. فلو نويت قيام الليل ثم طلع عليك الفجر ولم توفق وتألمت لذلك، لأعطاك الله ثواب من قام الليل بلا ريب. ولكن الذي يصلي صلاة الليل بلا نية القربة رياء مثلا؛ فهذه الصلاة لا قيمة لها.

وذهب البعض إلى أن نية المؤمن مبتدأ وخير من عمله خبر. أي أن النية من العمل وإن كان محلها القلب. فمن نوى قيام الليل ولم يقم؛ فقد قام بالعمل، فالنية عمل من الأعمال. وقيل: أن عملك الخارجي مركب من شقين: الشق الأول نيتك، والشق الآخر عملك الخارجي. إن محل النية القلب ومحل العمل الجوارح، ورتبة الجانحة أعلى من رتبة الجارحة. وهما بمثابة شريكين قاما بتأسيس عمل؛ أحدهما ساهم بدينار والآخر ساهم بألف. فأحدهما أغنى من الآخر ولكنهما شريكان. إذا صلى الجسم ونوى القلب؛ فإن النية أثرى من العمل.

لا تسلم النية إلا لصاحب القلب السليم

لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (صَاحِبُ اَلنِّيَّةِ اَلصَّادِقَةِ صَاحِبُ اَلْقَلْبِ اَلسَّلِيمِ)[٢]. إن أحدنا عندما يقف للصلاة ينوي تلك الصلاة لله سبحانه؛ فهو بالتأكيد لا يصلي لغيره. ولكن لو بحثت في سويداء قلبه وشرحت باطنه – وأنت أدرى بنفسك من غيرك – لوجدت في باطنه نية القصور والغلمان والحور. فنحن نصلي للجنة، ونريد أن نعيش سعداء فيها. تقول لنفسك: دع المتاع الزائل وتجاوز عن الحرام؛ لكي تحظى باللذة الباقية.

ولو شرحنا هذه النية في مشرحة الأخلاق لوجدنا فيها الكثير من الشوائب. فما هو الفرق جوهرياً بين أن تصلي لكي تصل إلى امرأة تعشقها وبين صلاتك هذه؟ أليس هذا هو الرياء المبطل. قد يصلي الشباب في المسجد لكي يراه والد من يحب مثلا، فما هو الفرق بين هذا وبين من يصلي لخطبة حور العين؟ لقد تساهل فقهائنا في هذه النية؛ وإلا من يصلي للجنة فمن الممكن أن يقال عنه: أنه لم يصل لله عز وجل. فحاول أن تتجرد من هذه النية.

من هو صاحب القلب السليم؟

هو الذي يلقى الله عز وجل وليس في قلبه سواه. فجرد النية قبل أن تصلي، ولا تستحضر بشراً ولا حوراً ولا قصوراً. قل: يا رب، أمرتني وأنا ممتثل لأمرك. بل إن بعض الخواص من المؤمنين يرى من الشرك الخفي أن يبحث المؤمن عن التقرب إلى الله عز وجل. لقد ذكرنا أن حب وصال الحور والقصور يخل بالنية؛ فما بال هذه النية؟ يقال: إنك تريد أن تكون قريباً من الله عز وجل ليعطيك بعض المزايا. إن نديم السلطان يتقرب إلى السلطان ليحظى ببعض المزايا، وهذه النية فيها ما فيها.

ما هي النية الصحيحة؟

أن تقول: يا رب تريد أن تراني مصلياً، فهأنذا صليت. تريد أن تراني في المسجد أصلي جماعة، فهأنذا أحقق ما تريد. ما لي والقرب، وما لي والجنة، وما لي والبشر؟ وهذه هي النية الجامعة. لا تفكر في المزايا معنوية كانت أو مادية؛ دنيوية كانت أو أخروية. وهذا الأمر أمر قلبي؛ فلا نريد منك أن تصعد الجبال ولا أن تغوص في البحار؛ بل كل ما عليك فعله أن تستحضر هذه النية في باطنك.

عليك بالنية الإبراهيمية

وقد علمنا نبي الله إبراهيم الخليل (ع) نية جامعة ذكرها الله سبحانه في محكم كتابه: (قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ)[٣]، والنسك هنا العبادات مطلقاً كما ذهب إلى ذلك البعض من المفسرين، وقيل: إنها الحج خاصة. إنك عندما تخرج إلى العمل، قل: يا رب، إن عملي من المحيا وهذا لك. إنني لا أذهب لكي أكسب مالاً أو أترأس جماعة، وإنما أمتثل لما أمرت به من الكد على العيال والسعي في حوائجهم. ومن عاش هذه النية لا يرى فرقاً جوهرياً بين المسجد وغيره، وبين الصلاة وغيرها؛ فسيكون سعيه كله لوجهه الكريم.

[١] عوالي اللئالي  ج١ ص٤٠٦.
[٢] تفسير نور الثقلين  ج٤ ص٥٨.
[٣] سورة الأنعام: ١٦٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ما هي النية الصحيحة؟ أن تقول: يا رب تريد أن تراني مصلياً، فهأنذا صليت. تريد أن تراني في المسجد أصلي جماعة، فهأنذا أحقق ما تريد. ما لي والقرب، وما لي والجنة، وما لي والبشر؟ وهذه هي النية الجامعة. لا تفكر في المزايا معنوية كانت أو مادية؛ دنيوية كانت أو أخروية.
  • إن النية بلا عمل إذا وضعتها في كفة، والعمل بلا نية وضعته في الكفة الأخرى لرجحت كفة النية المجردة. فلو نويت قيام الليل ثم طلع عليك الفجر ولم توفق وتألمت لذلك، لأعطاك الله ثواب من قام الليل بلا ريب. ولكن الذي يصلي صلاة الليل بلا نية القربة رياء مثلا؛ فهذه الصلاة لا قيمة لها.
Layer-5.png