- ThePlus Audio
أهمية الخمس في الشريعة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
تأكيد الحجة (عجل الله فرجه) على الخمس
هناك الكثير من المؤمنين ممن يبدون أشواقهم للقاء إمام زمانهم (عج) في زمن الغيبة والحال أنهم معرضون عن أهم الواجبات الشرعية التي بينها الإمام الحجة في حديث من أحاديثه الشريفة والنادرة، وهي مسألة الخمس. فقد ورد في توقيع من تواقيعه الشريفة: (بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ لَعْنَةُ اَللَّهِ وَاَلْمَلاَئِكَةِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ مَالِنَا دِرْهَماً حَرَاماً)[١]، فكيف يكون حال من يتمنى لقاء الإمام (عج) ثم يحظى باللقاء وهو مقصر في واجب من الواجبات ألا يعاتبه الإمام (عج) معاتبة شديدة، حتى يتمنى لو أنه لم يتم اللقاء بينهما؟!
التصرف في سهم الإمام والسادة
وقد ورد في رواية أخرى: (مَنْ أَكَلَ مِنْ مَالِنَا شَيْئاً فَإِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَاراً وَسَيَصْلَى سَعِيراً)[٢]، فلا بد من إيصال الحقوق الشرعية إلى أهلها. وهي أموال بإمكانها أن تستثمر في قضاء حاجة مؤمن من ذرية النبي (ص) حيث يجيز الفقهاء التصرف في سهم السادة وإيصاله إليهم وهو يشكل نصف الخمس، فيتصرف هذه الأموال في الزواج والعلاج وتفريج الكرب وإغاثة الملهوفين، هذا وقد يجيز بعض العلماء التصرف في سهم الإمام (عج) بدءا من الثلث حتى الكل بحسب الظروف والأزمات، فلماذا التساهل بعد كل هذه التسهيلات؟
الخيانة في التصرف في الأموال الشرعية
ويمكن صرف سهم الإمام في المشاريع الخيرية بإذن المرجع، من قبيل مكتبة أو أي مشروع ينتفع به المؤمنين. وهذا الخمس الذي لا يكلف المؤمنين شيئا وهو مال الله سبحانه، ما أجمل أن يصرف كما أراده الله تعالى. فالله سبحانه خير شريك وهو يقول لك: إدفع حصتي من هذه الأموال إلى أرحامك وأقاربك من المحتاجين. أليس من الخيانة وعدم الأمانة أن تضم حصته إلى حصتك وتمنعها من أرحامك وأقاربك؟
ومن كلام أهل النار حينما يسألون عن سبب دخولهم النار يذكرون أن منعهم للحقوق وعدم إعطاء المستحق حقه كان من أسباب دخولهم إلى النار، وهو قولهم: (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ)[٣]. وقد ورد عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال لهارون طاغية زمانه عندما استكثر على أهل البيت (ع) الخمس: (إِنَّ اَلَّذِي أَعْطَانَا عَلِمَ أَنَّهُ لَنَا غَيْرُ كَثِيرٍ)[٤]. والخمس هو الحد الأدنى للإنفاق، وقد وردت عن الإمام الكاظم (ع) رواية فيها شيء من العتب على المؤمنين: (وَاَللَّهِ لَقَدْ يَسَّرَ اَللَّهُ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ أَرْزَاقَهُمْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ جَعَلُوا لِرَبِّهِمْ وَاحِداً وَأَكَلُوا أَرْبَعَةً أَحِلاَّءَ ثُمَّ قَالَ هَذَا مِنْ حَدِيثِنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَ يَعْمَلُ بِهِ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ مُمْتَحَنٌ قَلْبُهُ لِلْإِيمَانِ)[٥].
الوسواس الخمسي..!
ومن الغريب أن الذين يعانون من الوسواس في الطهارة والنجاسة، لا يعانون من هذا الوسواس في مسألة الخمس ودفع الحقوق الشرعية. فلم نرى أن أحدا من المؤمنين قال لشيخ: لقد خمست أموالي ولكنني قلق ألا أكون قد خمستها بالصورة الصحيحة فحبذا لو خمستها لي مرة أخرى، كما يعيد وضوءه وصلاته. بل الشيطان يريد من المؤمن أن يعاني من الوسواس في الطهارة والنجاسة ولا يشعر بهذه الحالة تجاه الحقوق الشرعية وإعطاء حق الله ورسوله.
الاختلاف في الخمس بين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومدرسة الخلفاء
قد يسأل البعض عن علة الخلاف الموجود بين أتباع مدرسة أهل البيت (ع) وأتباع مدرسة الخلفاء حول الخمس، والحال أن القرآن الكريم قد بين ذلك بوضوح في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)[٦]. ولو راجعنا كتب اللغة من قبيل المفردات للراغب الأصفهاني، والمنجد والوسيط وغيرها نرى أن الغنيمة تطلق على كل ما يحصل عليه الإنسان في الحرب أو غيرها. يقال: غنم فلان أي حصل على شيء. وغنم المحارب، أي غنم شيئا في الحرب. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن بهذا المعنى في قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا)[٧]، وقوله عز من قائل: (فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ)[٨]، ونقرأ في المنجد عن الغنيمة: أنها ما يؤخذ من المحارب عنوة ويقال للمكسب عموما. فهي ما كسبه الإنسان في الحرب أو في السلم أو في التجارة أو هدية تهدى إلى الإنسان.
وقال البعض منهم: أن الخمس لم يذكر إلا مرة واحدة في القرآن الكريم، والحال أن الكثير من الآيات تدل على الإنفاق الواجب، كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ)[٩]، والحق المعلوم يشمل كل حق مالي من كفارة أو زكاة في الأنعام أو في الغلات أو خمس المال، فالإنفاق الواجب عبارة عامة تشمل جميع ما ذكرناه. ولا داعي لأن تنزل آيات متعددة في مورد واحد، وإن كانت الآية في سياق الحرب وغنائمه إلا أن المورد لا يخصص الوارد.
الرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) في النزاعات
والنقطة الأخرى هي لماذا لا ننظر إلى أهل البيت (ع) باعتبارهم علماء الأمة ونرجع إليهم في الاختلافات كما نرجع إلى لسان العرب وتاج العروس والمنجد وغيرها من كتب اللغة؟ لماذا لا يعتبرهم الخصم في مستوى هؤلاء على أقل التقادير؟ لقد روي عن الإمام الصادق (ع) حديث لا بد أن نجعله نصب أعيننا، وهو قوله: (حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي وَحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي وَحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَحَدِيثُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَدِيثُ رَسُولِ اَللَّهِ وَحَدِيثُ رَسُولِ اَللَّهِ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[١٠]، ومع حذف هذه الوسائط الأمينة تصبح النتيجة؛ حديثي قول الله عز وجل. فلماذا لا نرجع إلى كلماتهم الشريفة لفهم كتاب الله عز وجل؟ وكما يقال: أهل البيت أدرى بما في البيت.
الخمس في كتب السنة
والغريب أنهم يروون في كتب البخاري ومسلم والترمذي أن الخمس يكون في غير الغنائم، كالركاز الذي يطلق على غير المعادن، وأبوحنيفة والزهري كانا يريان الخمس في المعادن، وكان ابن حزم وهو من كبار علماء السنة يستدل بآية الخمس على وجود الخمس في الكنز، فلماذا هذه المكابرة بعد كل هذا؟
جريمة منع الخمس
وكم أعقبت تحريف هذه المسألة الفقهية الحرمان على الأمة. فلو كان المسلمون من صدر الإسلام إلى يومنا هذا يدفعون الخمس من أموالهم كما أراده الله عز وجل بغض النظر عن دور هذه الأموال في ترويج الدين والثقافة الإسلامية كيف كان وضع الأمة ماديا اليوم وفي المسلمين من بإمكانه أن يفرش الأرض ذهبا؟ ولكن للأسف الشديد بجرة قلم من فقيه لا يرى الخمس إلا في الغنائم حرمت الأمة المليارات على طول أربعة عشر قرنا. جرة قلم من فقيه أراد أن يتقرب إلى السلطان بحرمان أهل البيت (ع) من حقوقهم. ولذلك نرى دعبل الخزاعي يذكر فيما يذكر من ظلاماتهم حرمانهم من الخمس في قوله:
أَرَى فَيْئَهُمْ فِي غَيْرِهِمْ مُتَقَسِّماً *** وَأَيْدِيَهِمُ مِنْ فَيْئِهِمْ صَفِرَاتِ
بركة دفع الخمس في حياة المؤمن
ولقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لاَ يُعْذَرُ عَبْدٌ اِشْتَرَى مِنَ اَلْخُمُسِ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ يَا رَبِّ اِشْتَرَيْتُهُ بِمَالِي حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ اَلْخُمُسِ)[١١]، وأهل الخمس هم الله ورسوله وذوي القربى وابن السبيل يقفون له على الصراط فإن رضوا أدخل الجنة وإلا فلا. ويقول (ع): (إِنِّي لآَخُذُ مِنْ أَحَدِكُمُ اَلدِّرْهَمَ وَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ مَالاً مَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنْ تُطَهَّرُوا)[١٢]، وهو إشارة إلى قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[١٣]، فنفع الخمس يرجع إلى الإنسان نفسه، قد لا يجد فائضا في راتبه إلا أنه يجد البركة في حياته من ذرية طيبة وزوجة موافقة وراحة نفسية، ولك أن تتخيل الدعوات التي تصله من الفقراء الذين تصلهم هذه الحقوق، وكم هو البلاء الذي سيرفع عنه بالسرور الذي يدخله على العلوي والعلوية يجمعها بهذه الأموال؟ فيأتي يوم القيامة الآلاف من ذرية النبي (ص) يقولون له: يا رسول الله، لو لا أموال هذا المؤمن لما وجدنا. هل ترى تتخطاه شفاعة النبي (ص) في ذلك اليوم؟
قد يمتنع الكثير من دفع الخمس نظرا لجهلهم بمسائل الخمس، ويعتقدون أن لأجل ديونهم المتراكمة وما شابه ذلك لا يتعلق بأموالهم الخمس، والحال أنه يمكنه تسجيل ما عليه من الأموال ومشاورة فقيه من الفقهاء أن يساعده في تبيين ما له وما عليه، هذا والفقهاء جميعهم يقولون: أمهلوا صاحب الخمس إذا كان مضطرا أو بحاجة إلى زوجة ولا يمكنه دفع الخمس، ويمكن أخذ الخمس منه وإرجاعه إليه ثم تسديده ذلك المبلغ بحسب الميسور. وما عليك إلا أن تكتب ما عليك من الخمس في وصيتك ولكن بعد تحديد ما عليك من المال.
وكم يفرح القلب وجود بعض من المؤمنين ممن يدفعون خمس أموالهم وقد لا يتجاوز الدرهم والدرهمين، وقد رأينا بعض من بلغ الحلم يدفع شيئا يسيرا من ماله ويقول: يا شيخ هذه الدراهم الخمسة هي خمس أموال، فكم يسعد الإنسان بهؤلاء. وهناك قبر في أرض نيشابور لامرأة كانت تدعى شطيطة لها قصة معروفة في كتب الحديث قبل الإمام الكاظم (ع) منها درهما خمسا بعثته له، وقد أصبح قبرها مزارا للصالحين منذ أكثر من ألف سنة.
أثر المال الحرام على حياة الإنسان
ولا بد أن الحرام يأخذ بناصية الإنسان في يوم من الأيام فالذهب الذي أخذوه بنوا إسرائيل بطريقة غير شرعية من آل فرعون، وهو قوله تعالى: (حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ)[١٤] تحول في يوم من الأيام إلى عجل عبد من دون الله عز وجل. وإذا كان المال المسروق من الظالم هذا فعله فكيف بأموال الصالحين والمستضعفين؟
[٢] وسائل الشیعة ج٩ ص٥٤٠.
[٣] سورة المدثر: ٤٤.
[٤] مستدرك الوسائل ج٧ ص٢٨٩.
[٥] وسائل الشیعة ج٩ ص٤٨٤.)
[٦] سورة الأنفال: ٤١.
[٧] سورة الأنفال: ٦٩.
[٨] سورة النساء: ٩٤.
[٩] سورة المعارج: ٢٤.
[١٠] روضة الواعظین ج١ ص٢١٠.
[١١] تفسیر العیاشی ج٢ ص٦٣.
[١٢] الکافي ج١ ص٥٣٨.
[١٣] سورة التوبة: ١٠٣.
[١٤] سورة طه: ٨٧.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- ورد في الروايات: (مَنْ أَكَلَ مِنْ مَالِنَا شَيْئاً فَإِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَاراً وَسَيَصْلَى سَعِيراً)، فلا بد من إيصال الحقوق الشرعية إلى أهلها. وهي أموال بإمكانها أن تستثمر في قضاء حاجة مؤمن من ذرية النبي (ص) حيث يجيز الفقهاء التصرف في سهم السادة وإيصاله إليهم.
- من الغريب أن الذين يعانون من الوسواس في الطهارة والنجاسة، لا يعانون من هذا الوسواس في مسألة الخمس ودفع الحقوق الشرعية. فلم نرى أن أحدا من المؤمنين قال لشيخ: لقد خمست أموالي ولكنني قلق ألا أكون قد خمستها بالصورة الصحيحة فحبذا لو خمستها لي مرة أخرى، كما يعيد وضوءه وصلاته.
- لا بد أن الحرام يأخذ بناصية الإنسان في يوم من الأيام فالذهب الذي أخذوه بنوا إسرائيل بطريقة غير شرعية من آل فرعون، وهو قوله تعالى: (حُملنَا أَوزَارا مِن زينَة القَوم) تحول إلى عجل عبد من دون الله عز وجل. وإذا كان المال المسروق من الظالم هذا فعله فكيف بأموال الصالحين والمستضعفين؟