- ThePlus Audio
أنواع الكذب وآثاره
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة الاجتناب من الكذب في جميع الأحوال
لقد اعترف لي أحدهم من خلال المراسلة؛ أنه أراد أن يحذر زوجته من حرام ترتكبه فأخبرها أنه رآها في الرؤيا وهي كذا وكذا وقد كاذبا في ما رأى وقد أراد بذلك إخافتها. إن كنت تريد أن تكون مؤثرا في كلامك لا تلجأ إلى الحرام وإلى الكذب؛ بل سل الله عز وجل أن يلين قلب من تريد. لقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (ثَلاَثٌ مُعَذَّبُونَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ رَجُلٌ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ يُكَلَّفُ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ بِعَاقِدٍ بَيْنَهُمَا…)[١]؛ وهو نوع من أنواع التعذيب يوم القيامة.
ما هو الفرق بين الكذب والتورية؟
إن هناك بعض الفتاوى تجيز أن يصلح الرجل بين شخصين بالكذب ولكن عليك بالتورية مهما استطعت. فإذا أراد أن يصلح بين زوجين متخاصمين لا بأس أن يقول للزوجة التي بلغت الأربعين أو الخمسين: أن زوجك قال عنك كذا وكذا من الكلام الطيب والحقيقة أنه قال ذلك ولكن في يوم من أيام شهر العسل مثلا عندما كان يظهر حبه لها، فيذكر المصلح لها ذلك من دون أن يذكر التاريخ وهذا كلام صادق، فزوجك مثلا يحبك لوصفه الإيماني مثلا.
ولقد وردت التورية في القرآن الكريم في قصة يوسف (ع) حيث قال جماعة يوسف (ع) وأعوانه لإخوته: (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)[٢]؛ وهم لم يسرقوا شيئا وإنما أراد بذلك أنهم سرقوا يوسف من أبيه؛ لا أنهم سرقوا صواع الملك ولذلك قالوا: ماذا تفقدون لا أنكم سارقون.
فإن تكلمت على مؤمن أو رحم أو زوجة بكلام غير طيب فقال لك: أ أنت قلت ذلك عني؟ فبإمكانك أن تدفع عن نفسك التهمة؛ فتقول: – وقد ورد ذلك في كتب الأخلاق تقول – إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شيء، وتعني بذلك الذي قلته؛ أي لا تستعمل (ما) بمعنى النفي. فأنت تقول: الله يعلم ما قلت هذا كذب، أو الله يعلم ما قلت هذا صدق، وفي نفس الوقت دفعت عن نفسك التهمة. وبذلك يحصن الإنسان حياته الأسرية.
مزاح النبي (صلى الله عليه وآله) مع المسلمين وملاطفتهم
ويروى عن النبي الأكرم (ص) أنه كان يستعمل هذه الصيغة ملاطفة؛ فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (أَبْصَرَ رَسُولُ الله (ص) اِمْرَأَةً عَجُوزاً دَرْدَاءَ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ عَجُوزٌ دَرْدَاءُ فَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنِّي دَرْدَاءُ فَضَحِكَ رَسُولُ اَللَّهِ (ص) وقال: لاَ تَدْخُلِينَ عَلَى حَالِكَ هَذِهِ)[٣]. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: (أَنَّهُ (ص) قَالَ لاِمْرَأَةٍ وَذَكَرَتْ زَوْجَهَا أَ هَذَا اَلَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَقَالَتْ لاَ مَا بِعَيْنَيْهِ بَيَاضٌ وَحَكَتْ لِزَوْجِهَا فَقَالَ أَ مَا تَرَيْنَ بَيَاضَ عَيْنِي أَكْثَرَ مِنْ سَوَادِهَا)[٤]؛ والملاطفة بين المؤمنين أيضا هي ضرورية بما لا يخرجه عن الحق قد يكون من هذا القبيل.
خلف الوعد من الكذب
ومن مصاديق الكذب أن تكون كاذباً في وعدك. فقد يستجديك فقير وأنت لا تريد أن تعطيه شيئا فتقول له: ائتني غداً لأعطيك وقد حرم ذلك بعض الفقهاء ولو احتياطاً وجوبياً. فإن وعدت كن صادقا، فإن كنت مترددا، فلا بأس أن تقول: ائتني غداً لأفكر في الأمر إن شاء الله.
الكذب عند التجار
ثم هناك الكذب في الرزق. ويعرف الجميع ما روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إن التجار هم الفجار، قالوا: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون)[٥]. فالتاجر هو في معرض الحرام إن أقسم كذبا على بضاعته. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (لاَ يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ اَلْإِيمَانِ، حَتَّى يَتْرُكَ اَلْكَذِبَ، هَزْلَهُ وَجِدَّهُ)[٦].
لم تقولون ما لا تفعلون
لقد ورد في سورة الصف آية تحير البعض في معناها وهو قوله تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[٧]؛ وبعض الآيات في الحقيقة لو سألت عنها جميع المسلمين ممن يقرأون القرآن لما عرفوا معناها. إن المقت هو البغض والإعراض، ولكن عند من؟ عند رب العزة والجلال بأن تقولوا ما لا تفعلون. وقد قيل في هذه الآية معنيان: أن تدعي شيئا وأنت لا تفعله؛ كأن تقول: صليت الليل وأنت ما صليت. وبعض الشباب بعد البلوغ لا يكون له عقل ناضج فيقول: أنا صليت وهو لم يفعل. فالمعنى الأول هو الكذب. وقيل في معنى الآية أن تقول: سأفعل كذا وأنت عند العمل لا تفعل. تقول شيئا ولكن تخالفه في مقام التنفيذ، ولا تفي بوعدك. وقيل: أنه هذه الآية نازلة في مورد الجهاد. فقالوا لرسول الله أن الجهاد من أحب الأعمال إليهم وقد وعد النبي بالجهاد؛ فلما نزلت آية الجهاد؛ تخلفوا عن الحرب وعن الغزوة مع النبي (ص).
ولكن كيف نعالج الكذب؟
إن بحث الكذب يطرح في الصحة المدرسية وفي كتب الأخلاق وفي الخلافات الزوجية وفي الاستشارات الأسرية. إن بعض الزوجات أو الأزواج يدمنون على الكذب ويكذبون في كل شيء ضروريا كان أم لم يكن وأصبح ذلك مرضا فيهم.
تذكر كتب الأخلاق علاجاً مشتركا لكل الأمراض من النظر والغيبة والبهتان والنميمة والظلم وكل أنواع الحرام. فهم يقولون: تدبر العواقب في الدنيا وفي الآخرة. إن للحرام أثر في دار الدنيا كذلك. إن الشاب قبل أن يتزوج قد يبتلى بالنظر إلى الحرام حتى سن العشرين أو الخامسة والعشرين أو الثلاثين، وبذلك تكون ذاكرته مشبعة بآلاف النساء الجميلات الفاتنات، وعندما تزف له العروس وينظر إلى زوجته لا يراها شيئا؛ بل يراها قبيحة في نظره. ولهذا تأتي الشكاوى في الأسبوع الأول حتى يصل الأمر إلى الانفصال. إن الزوج يعترف ويقول: إن زوجتي لا ينقصها شيء ولكنني لا أميل إليها لأنه تشبع بالحرام فأصبحت هذه الزوجة لا تغريه، إن البعض يدمن على حرام معين ثم لا يأنس بالحلال كعادته على الاستمناء. فهو عندما يتزوج لا يأنس بزوجته؛ بل يمارس الحرام الذي كان معتاداً عليه.
فهل يكذب الإنسان أياما قلائل ليقف بعدها أمام رب العالمين منكس الرأس وخاصة ارتكاب الحرام الذي لا ثمرة فيه. فتارة يقسم التاجر على سلعة يبيعها بألف دينار زيادة وتارة يكذب ويقسم من دون أن يكسب شيئا، وكم هذا الانسان سخيف؟ فتذكر العواقب في الدنيا والآخرة من موجبات الارتداع.
معاشرة الصالحين ودورها في علاج الرذائل الأخلاقية
يقال: أن معاشرة الصالحين من موجبات ترك الحرام. لقد سمعت من أحد مراجعنا الماضين: أن أحد العلماء أراد أن يتأكد من عالم سمع أنه لا يرتكب حتى المكروه فضلا عن الحرام. فيقول: عاشرته فترة من الزمن ورأيته كذلك حيث لم أر في حياته مكروهاً فضلاً عن الكذب. يتفق أن يغتاب أحدهم في مجلس فيوقفه أحد المستمعين عند حده؛ فعندما ترى مؤمنا ينفعل أمام الغيبة ستحاول أن تكون مثله، حتى إذا سمعت غيبة مؤمن دافعت عنه. ولذلك يوصى بالحضور في المساجد لأن ذلك مطهر للباطن. إن رب العالمين يلتفت إليك ويطهرك من الآفات ويزهدك في الحرام. كم هم الشباب الذين داوموا على الصلاة في المسجد ثم تركوا الحرام من دون موعظة وذلك قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)[٨].
خلاصة المحاضرة
- لقد اعترف لي أحدهم من خلال المراسلة؛ أنه أراد أن يحذر زوجته من حرام ترتكبه فأخبرها أنه رآها في الرؤيا وهي كذا وكذا وقد كاذبا في ما رأى وقد أراد بذلك إخافتها. إن كنت تريد أن تكون مؤثرا في كلامك لا تلجأ إلى الحرام وإلى الكذب؛ بل سل الله عز وجل أن يلين قلب من تريد.
- من مصاديق الكذب أن تكون كاذباً في وعدك. فقد يستجديك فقير وأنت لا تريد أن تعطيه شيئا فتقول له: ائتني غداً لأعطيك وقد حرم ذلك بعض الفقهاء ولو احتياطاً وجوبياً. فإن وعدت كن صادقا، فإن كنت مترددا، فلا بأس أن تقول: ائتني غداً لأفكر في الأمر إن شاءالله.