- ThePlus Audio
أم موسى (ع)؛ امرأة خلدها القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يوحى لأم موسى (ع) وهي ليست من الأنبياء ولا من الأوصياء؟
لم تكن أم موسى (ع) من الأنبياء ولا من الأوصياء ولكن الله عز وجل قد تعامل معها تعاملا غريبا يستحق الوقوف عنده، فقد ذُكر في القرآن الكريم: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[١]، ويتبين من الآية أنها ابتليت في ذات الله عز وجل وقد طُلب منها أن تُلقي ولدها في النيل وتسلمه لأمواج البحر، والجوع والعطش وجواسيس فرعون الذين يبحثون عن كل مولود جديد وما كان منها إلا أن امتثلت للأوامر الإلهية وقامت بتلك الصفقة مع رب العالمين.
والدرس الذي نستفيده من هذه القصة أن خط الاتصال بعالم الغيب مفتُوح دائماً وينبغي للمؤمن أن يبحث عن ذلك وأن يحسب حسابا خاصا للإمدادات الغيبية الإلهامية وهي بالطبع تختلف عن الوحي الذي كان ينزل على الأنبياء؛ كحضور جبرئيل عند رسول الله (ص) وما شابه ذلك. ولكن كيف؟ ومتى؟ وفي أي حالة؟ فنحن لا نعلم من ذلك شيئا إلا أن المقدار المُسّلم أن هذا المدد يأتي عند الانقطاع، وعندما يقوم الإنسان بحركةٍ إيجابيةٍ مع رب العالمين.
كيف أصبح فؤاد أم موسى فارغا؟
ثم تذكر الآية الشريفة: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا)[٢]؛ أي أصبح قلبها فارغا من كل هم وحزن وهذا ما يدعو للعجب من أم تلقي فلذة كبدها – ومن المعروف أن الأنبياء والأئمة متميزون عن غيرهم حتى في صغرهم – في البحر وهي لا تعلم عاقبة أمره وأنه سيكون كليم الله عز وجل في يوم من الأيام. لقد كان قلبها مطمئنا بالرغم من اجتماع كل عوامل الاضطراب والقلق إلا أن إيمانها بحسب الآية الشريفة حال دون شعورها بالقلق والاضطراب.
ما المراد بفراغ القلب؟
وحقيقة الأمر أن رتبة فراغ القلب، من أعظم صور البلوغ النفسي، والسير العرفاني إلى الله عز وجل. ولا يمكن للقلب المضطرب الذي يخشى المستقبل ويقلق على الماضي وهو غير مستقر في حال من الأحوال أن يتصل بالله عز وجل؛ وإن قام بأنواع العبادات وجاهد بالسيف والقلم واليد والرجل..! وهذا القلب لا يشبه قلب أم موسى (ع)؛ فضلا عن الأنبياء والمرسلين. وقد يقول قائل: أين نحن والنبي الخاتم؟ أو أين نحن وأمير المؤمنين (ع)؟ ولكنه لا يقول: أين نحن وأم موسى (ع)؟ وهي امرأة من بني اسرائيل تقدمت إلى الله عز وجل خطوة فكان لها من الله ما كان. وقد ورد في الأحاديث القدسية: (مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً)[٣]، وهذا الذي حصل لأصحاب الكهف فقد قال سبحانه: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ..)[٤]؛ ويبدو أن هذه العملية متكررة فى حياة البشر؛ فأهل الكهف اعتزلوا قومهم أيضاً، وجاهدوا فى سبيل الله عز وجل، فأعطاهم الله هذه الخاصية.
التدبير الإلهي في إرجاع موسى (ع) إلى أمه
إن الله عز وجل إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه. فالله عز وجل يُريد أن يجمع بين أمٍ وولدها المُلقى فى النيل؛ فيا ترى لو جمعنا عباقرة الأرض، والمفكرين، ليوصلوا هذا الولد المُلقى فى اليم إلى هذه الأم؛ هل يخطر ببال أحدهم هذا الأسلوب الذي اتبعهُ الله عز وجل؟ وانظروا إلى تدبير الله عز وجل:
أولا: سخر الرياح والأمواج، فقذفت بهذا التابوت حيث يُريد الله عز وجل؛ أي أمام قصر فرعون.
ثانيا: لين قلب أعتى القلوب الذي قال عن نفسه: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)[٥]؛ ففرعون وزوجته، يتمنون هذا الولد (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[٦]، فتتحول مشاعر البغض والكراهية بتدخل رباني إلى مشاعر الحب والحنان.
ثالثا: تحريم المراضع عليه وعدم قبول موسى (ع) بأية مرضع، مما جعل فرعون وزوجته أن يطلبا له مرضعة بعد أن أصبحت حياته تهمهما وما ذلك إلا تمهيدا لمجيئ أخت موسى (ع) وقولها: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)[٧]. حتى تم اللقاء بين الأم ووليدها بعد مجاهدة كبيرة وصبر عظيم وعزم على تفويض الأمر إلى الله سبحانه وذلك قوله: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[٨].
وعليه فإن سنن الله عز وجل جارية إلى يوم القيامة، ومن يأتي بما أتت به أم موسى (ع) يفعل الله عز وجل به ما فعل بها من الربط على القلب والوحي وتدبير الأمر والتصرف في الأشياء من قبيل الأمواج والهواء والقلوب، فالوجود والطبيعة تتفاعل وتتفاعل، لِتُقضى حاجة هذا المؤمن، الذي تبناهُ الله عز وجل بالرعايةِ والتسديد.
خلاصة المحاضرة
- إن سنن الله جارية إلى يوم القيامة، ومن يأتي بما أتت به أم موسى يفعل الله به ما فعل بها من الربط على القلب والوحي وتدبير الأمر والتصرف في الأشياء من قبيل الأمواج والهواء والقلوب، فالوجود والطبيعة تتفاعل وتتفاعل، لِتُقضى حاجة هذا المؤمن، الذي تبناهُ الله بالرعايةِ والتسديد.