أنواع الكسب:
إن هناك نصوصاً في الشريعة تتحدث عن الكسب، والكاسب، ومواصفات المؤمن الكاسب الذي يحبه الله عز وجل.. وهذه الأيام هناك طريقان للكسب:
الطريق الأول: العمل الوظيفي..
أولاً: مزيته.. إن الإنسان الذي يعمل في وظيفة له مزية، وهي أنه:
١. بعد أن يرجع إلى المنزل، لا هم ولا غم له.
٢. بعد الفراغ من العمل، لا يشغله شيء.
ثانياً: ضريبته.. إن المؤمن يجب أن ينتبه إلى تكليفه؛ إذ ينبغي له أن يؤدي عمله على أكمل وجه، فبعض الرواتب يُشكل التصرف فيها، إما:
١. لعدم إتقان العمل.
٢. لعدم الذهاب إلى العمل في الوقت المناسب.
فإذن، إن القضية فيها إشكال شرعي، لذا فإنه يجب مراجعة وكيل المجتهد، من قِبل ذلك الموظف المُقصّر، ليتصالح معه؛ لأن هذه الأموال التي أخذها هي مجهولة المالك.
الطريق الثاني: التجارة..
أولاً: مزيته.. إن مزية هذا الطريق، الذي هو التجارة أو العمل الحر:
١. أن الأمر في يده متى ما شاء يفتح المكتب، ومتى ما شاء يغلقه؛ ليس عليه رقيب ولا حسيب.
٢. إن الإنسان الذي يعمل في هذا المجال يُعمل فكره، فالتاجر يجوب البلاد ليوسع رزقه.
٣. إن رزق المؤمن إذا زاد، فهو نعمة؛ لأن الدنيا مزرعة الآخرة.. ومن المؤكد أن هناك فرقاً بين مزرعة مساحتها هكتار، وبين مزرعة مساحتها هكتاران.. فكلما زاد مال المؤمن؛ زاد عطاؤه: الواجب منه كالخمس، والمستحب منه كالخيرات وغيره.
ثانياً: ضريبته.. إن المشكلة في هذا القسم أنه مُشغل، فقلّ من يقنع ويكتفي، وهذه طبيعة التجارة، وخاصة التجارة المربحة، لذا البعض يشبهها بماء البحر الذي لا يروي.. روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: (مَثَل الدنيا مثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان، ازداد عطشاً حتى يقتله).
مواصفات الكاسب..
١. قال رسول الله (صلی الله عليه): (إن أطيب الكسب، كسب التجار، الذين: إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يصروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا).. أي أن التاجر كسبه طيب، ولكن بشروط منها: إذا كان عليه دين لا يماطل، وإذا كان له دين على أحد لا يطالبه بما يعسره؛ أين يوجد اليوم مثل هكذا تجار؟!.. يقول تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾، بينما بعض التجار يعلم أن المدين مفلس، ومع ذلك يدخله السجن؛ فبأي حق شرعي يقوم بهذا العمل؟..
٢. قال رسول الله (صلی الله عليه): (ما أكل العبد طعاماً أحب إلى الله من كد يده، ومن بات كالاً من عمله بات مغفوراً له).. هذا الحديث يعم الموظف والتاجر، فالذي يرجع إلى المنزل متعباً مرهقاً من العمل، وينام دون أن يتعبد؛ هو في حال عبادة.
٣. قال الصادق (عليه السلام): (كسب الحرام، يبين في الذرية).. إن الإنسان الذي يأكل الحرام، تكون ذريته مشاكسة، أو غير طيبة!.. فهذا الطعام الحرام تحول إلى نطفة، فانعقدت نطفته من مال حرام، لذا هذا الشخص لا يبارك له في ذريته.. قد يقول قائل: ولكن ما ذنب الذرية إن كان الأب مرابياً؟.. فلعل من التوجيهات أن الله عز وجل يرفع فضله، يقول تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.. فرب العالمين غير ملزم بالفضل، إنما ملزم بالعدل، ألا يقول في كتابه الكريم: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء﴾، وإذا رفع الفضل جاءت الشياطين.
٤. قال الصادق (عليه السلام): (مَنْ بات ساهراً في كَسْب، ولم يُعط العين حظَّها (حقَّها) من النوم؛ فكَسْبُه ذلك حرام).. إن الإنسان الذي يُتعب نفسه بالتجارة من غير ضرورة، والذي لا يحتاج إلى الوظيفة وله دوامان صباحاً ومساءً، والذي لا ينام الليل، وهمه ثقيل، ويرجع في منتصف الليل، ويذهب صباحاً؛ هذا الشخص مذموم ذماً بليغاً في هذه الرواية.
-(مَنْ بات ساهراً في كَسْب).. أي إلى منتصف الليل ومحله مفتوح، والناس يذهبون ويأتون إليه.
-(ولم يُعط العين حظَّها (حقَّها) من النوم).. هذه العين هي أمانة الله عز وجل عند الإنسان، فلماذا هذا السهر الذي يتعبها؟..
-(فكَسْبُه ذلك حرام).. لا يراد هنا الحرام بالمعنى الفقهي، ولكنه ذم للإنسان الذي لا ينام الليل؛ حرصاً على تجارته.. والعكس أيضاً مذموم؛ أي الذي ينام كثيراً، روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: (إن الله تعالى ليبغض العبد النوام، إن الله تعالى ليبغض العبد الفارغ).. فالإنسان المتقاعد -وقد يكون في سن الأربعين أو الخمسين؛ أي في قمة النشاط- والذي لا شغل له، والذي لا يتعبد، ولا يعمل شيئاً، وقد يتحول إلى سائق لأولاده.. هذا إنسان مذموم لخموله وكسله، فحياته عبارة عن: نوم، وأكل، وشرب فقط!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.