التسبيحات..
إن التسبيحات الأربع تقرأ في الركعتين الأخيرتين، وهي: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)!.. والملاحظ بأنَ هذه التسبيحات، هي عبارة عن: تسبيح، وحمد، وتهليل، وتكبير.. ولكن لماذا غلب على هذه الأذكار، اسم “التسبيحات”، وهو الذكر الأول، فسُميَّ الجميع باسم البعض؟.. والمسبحات في القرآن الكريم أيضاً تبتدئ بالتنزيه؛ فلماذا هذا الإكثار والتأكيد على تسبيح الله عز وجل؟..
لماذا التسبيحات أربعة؟..
سئل الإمام الصادق: لم سميت الكعبة كعبة؟.. قال: (لأنها مربعة).. فقيل له: ولم صارت مربعة؟.. قال: (لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع).. فقيل له: ولم صار البيت المعمور مربعا؟.. قال: (لأنه بحذاء العرش وهو مربع).. فقيل له: ولم صار العرش مربعا؟.. قال: (لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع وهي: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)!.. فالعبارة مهمة جداً.. ولهذا المؤمن يلهجُ دائماً بهذهِ التسبيحات الأربع.. فالمأموم في الصلوات الإخفاتية، يُخشى عليهِ من السرحان؛ لأنهُ في الركعتين الأولى والثانية، لا يذكر الله عزَ وجل: فلا هو يقرأ، ولا يسمع قراءة الإمام.. بالتالي، فإن المجالُ خصبٌ، لأن يذهب الإنسان يميناً وشمالاً.. لذا، الأفضل أن يشغل نفسهُ بالتسبيحات الأربع المباركة.
أبعاد التسبيح:
إن التسبيح لهُ بعدان: البعد الذي يعود إلى الله عزَ وجل، والبعد الذي يعود إلى علاقة العبدِ بربه.
البعد الأول: وهو البعد الذي يتعلق بالله عز وجل: إذا وصل الإنسان إلى درجة من الشفافية الروحية، فبإمكانه أن يبكي أثناء قراءته للتسبيحات.. رغم أنها لا تتضمن مناجاة، وليس فيها عبارات مُبكية.. ولكن لو أن هناك إنساناً، عنده أب في غاية النزاهة، متهمٌ بالسرقة -مثلاً- زوراً وعدواناً.. أو زوجة عفيفة، متهمة بالخيانة.. فهذا الإنسان عندما يذهب للمحكمة، ويشهد بنزاهة أبيه، أو زوجته، هل عندما يقول: أنزّه أبي عن السرقة، أو زوجتي عن الخيانة، يقولها لقلقة لسان؟.. أو يقولها وهو يرتجف ويبكي، على أنهُ وقعَ في هذا الموقع؟!..
فإذن، إن تنزيه من لا نتوقع فيه هذهِ الصفة، يوجب انكسار القلب.. فرَب العالمين، وهو رب العزةِ والجلال، منذ أن خلقَ الله -تعالى- الأرض ومن عليها إلى يومنا هذا، نُسبت له أشياء تعالى عنها علوا كبيراً.. فتارةً نسبوا له ولداً، يقول تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} لماذا؟.. {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}.. وتارةً نسبوا لهُ الملائكة، وقالوا أنها بنات الله، {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}، وتارةً هذا الصنم الخشبي أو الحجري.. فإذن، هناك كم كبير من الدعاوى التي لا تتناسب مع عظمة الربوبية.. لذا، المؤمن يقول وكأنَهُ خجلٌ من بني جنسه: أنا بشر، أنا آدمي.. وقد وُجدَ في هذهِ الأرض من ينسبُ لكَ ما لا يليقُ بكَ، أما أنا فلست من هؤلاء، أنا أقول: أنك منزه عن ذلك، يا رب العزةِ والجلال!..
البعد الثاني: وهو البعد الذي يعود إلى علاقة العبد بربه: من منا عَبدَ الله حقَ عبادته؟.. من منا وقرَ الله حَقَ توقيره؟.. من الصباح إلى المساء كم ذكرنا الله -عزَ وجل- ذكراً قلبياً؟.. عندما يجلس المرء مع زوجته وأولاده، فإنه يعطيهم جُلَّ اهتمامه، يعطيهم كل المحبة.. ولكن عندما يأتي إلى بيت اللهِ عزَ وجل، البيتً بيته، وهو ضيفه، وبينَ يديه، ويقول: اللهُ أكبر!.. ويتوجه إلى القبلةِ بوجهه؛ ولكن وهو في الصلاة يفكر في زوجته وأولاده؛ هل هذا من الإنصاف؟!..
المؤمن لسانه رطب بذكر الله:
ساعات الغفلة ما أكثرها في حياتنا!.. أحدنا أحياناً يجلسُ في المنزل، هو وأثاث المنزل سواء: لا يقرأ، لا يكتب، لا يفكر، لا يتكلم، لا يقوم بأعمال البيت.. المرأةُ تقوم بعملها، والرجل جالس في غيبوبةٍ؛ وهو في حالة اليقظة.. هذهِ ساعات الغفلة، الساعات التي تُحرق من أعمارنا؛ هي من ساعات الخجل بينَ يدي الله عزَ وجل.. مثلاً: لو أن أحد المؤمنين زار مرجعاً من مراجع التقليد، وهو جالس بجواره.. والمقلد لاهٍ عنه، لا يُسلم عليه، لا يسأله شيئاًُ؛ أوَ لا يُقال: هذا مُقلد جاف؟.. هذا المرجع بينَ يديه، وهو لا يغتنم وجودهُ!.. نحنُ بينَ يدي الله -عزَ وجل- كذلك!.. ولهذا المؤمن لسانهُ رطبٌ بذكر الله عزَ وجل، كُلما استأنسَ مع أهلهِ وولده، كُلما استمتعَ بمتاعٍ من متاع الحياة الدُنيا، يذكر الله عز وجل.. بعض المؤمنين عندما يأتيه طعام شهي، قد تأتيه حالة الرقة والخشوع، ويبكي بينَ يدي ربه، قائلاً: يا رب، انشغلتُ عنكَ بما أعطيتني، أنتَ الذي سقتَ لي هذا الطعام الشهي.. ولكن مرت ساعة، وأنا أتناوله، ولم أذكرك.. ولهذا بعض العلماء الكبار، كان كلما يأكل لقمةً يقول: “بسم الله الرحمن الرحيم”؛ لئلا يُكتبَ في زمرة الغافلين.
(سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبر):
إن المصلي عندما يقول: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”!.. يكون قد سبّحهُ، وحمده، وهلله، وبعدَ ذلك يقول: يا ربِ، أنتَ أكبر من أن توصف!.. أنا مُقصر، مدحي لكَ ليسَ بمدح، أنى لي أن أصفكَ؟.. بدؤه التنزيه “سبحان الله”، وختامهُ التنزيه، حيث أن لُب التكبير؛ هو التنزيه أيضاً، لأنكَ تقول: يا رب، أنتَ أكبر من أن توصف!.. وقد وصفتهُ قبلَ قليل، قُلتَ: أنتَ مُنزّه، أنتَ محمود، ومعَ ذلك تقول: اللهُ أكبر!..
القنوت..
إن من أجزاء الصلاة المستحبة “القنوت”.. والحديث عن القنوت حديثٌ ممتع، لأنها المساحة المفتوحة بين العبد وبين الله سبحانهُ وتعالى.. ويجوزُ القنوت بغير العربية، حيث يستطيع المصلي أن يذكر ربه، ويدعوه بأي لسانٍ يريد.. ولكن هل هذا يتحقق بهِ القنوت الشرعي أم لا؟.. “وظيفة القنوت لا تؤدى إلا بالعربية، ولكن يمكنه بعد الدعاء أو القرآن، أو الذكر بقصد القنوت، أن يدعو بغيرها، وإن كان الأفضل الترك”.. ولكن ليس من مبطلات الصلاة، ويا ليت عامة المُسلمين من غير العرب، يعرفون هذهِ الفتوى!.. فغير العربي يقرأ الحمد والسورة، ولا يعلم ماذا يقول.. فإذا وصل للقنوت، فليتكلم مع رب العالمين، بما يُريد وبلغته؛ فهذهِ فُرصة للحديث مع الله عزَ وجل.
عظمة القنوت:
أنظروا إلى عظمة القنوت!.. إن القنوت مُستحب، لم يقل أحد بوجوب القنوت، ولكن إذا نسي المصلي القنوت ورفع رأسه من الركوع؛ فله الحق أن يقنت عوضاً عن القنوت الذي فاته.. ولو ذكر في السجود أنه لم يقنت، بإمكانه بعدَ الفراغ من الصلاة، أن يتوجه إلى الله -عزَ وجل- بالقنوت.. ولكن من تركَ القنوت رغبةً عنه، فلا صلاةً له، مثلما أنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، مع أنَ الصلاة في المسجد مستحبة!.. فالذي يترك القنوت توفيراً؛ لا صلاة له.. ساعات عُمرهِ تمضي في كل ما هبَّ ودب، ولكن إذا وصلَ للقنوت؛ يريدُ أن يوفر.. وإذا وصل للأذان والإقامة -وهما مستحبان-؛ يُريدُ أن يوفر.. وإذا وصلَ إلى الصلاة على النبي وآلهِ في الركوعِ والسجود؛ يريد أن يوفر.. وإذا وصلَ للتسليمات الثلاث، يذكر تسليمةً واحدة؛ يريد أن يوفر.. هل هذا مكان التوفير؟.. وماذا يريد أن يعمل إذا وفر ذكر اللهِ عز وجل؟..
القنوت أنس بالله:
إن من صفات المؤمنين الذينَ وصلوا إلى درجة الأنس بالله عز وجل، أنهم يقومون بكل المستحبات، كي يبقى ذكر الله -عز وجل- على لسانهم.. فرقٌ بينَ العبادةِ والأنس: العبادة: هي أن يعبد الإنسان ربهُ خَوفاً من عذابِ جهنم.. والأنس هو أن يعبد الإنسان ربه، لأنه أهلاً للعبادة.. قال الإمام علي (ع): (إن قوماً عبدوا الله رغبةً؛ فتلك عبادة التجار.. وإن قوماً عبدوا اللهَ رهبةً؛ فتلك عبادة العبيد.. وإن قوماً عبدوا اللهَ شكراً؛ فتلك عبادة الأحرار).. النبي (ص) لو قيلَ لهُ: لا تجبُ عليكَ فريضة واحدة، لأدى كل الصلوات، وكذلك صلاة الليل.. فالأنبياء والأوصياء؛ أنسهم بذكر الله عزَ وجل، بعض المؤمنين عندما يصل للقنوت يقول: يا رب، اسمح لي في الحديث معك!.. ما المانع في ليلة الجمعة، إن لم يكن المصلي مأموماً، أن يقرأ دعاءَ كميل في صلاة المغرب، أو العشاء؟.. يا لهُ من دعاء!.. وكذلك ما المانع أن يقنت بمناجاةِ أبي حمزة الثمالي، في قنوت الصلاة الواجبة؟.. قال رسول الله (ص): (أطولكم قنوتاً في دار الدنيا، أطولكم راحةً يوم القيامة في الموقف).. البعضُ قد لا يتفاعل مع الحمدِ والسورة؛ لأنهُ يكررهما في كُل يوم، وهكذا في الركوع والسجود؛ ولكن في القنوت له أن يتكلم بما يريد.
موجبات كسب الرّوح:
إن الناس ثلاثة أقسام، على ما ورد في سورة “الواقعة”: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقونَ.. {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ}.. كُلما امتدَ الزمان قلَ السابقون، وقلَ المقربون، أما أصحاب اليمينِ فهم كثر {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}.. ولكن ماذا أعد لهم؟!.. {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}، وأما المقربون فماذا لهم؟.. {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}.. بمجرد أن يموت تخرج روحهُ من هذهِ الدُنيا، ويبدأ نعيمه.. المقربون لهم الجنة في القيامة، ولكن في عالم البرزخ، يعيشون الروح والراحة.. أوَ تعلم من موجبات كسبِ هذا الروح؛ هو القنوت بينَ يدي الله -عزَ وجل-!.. يقول (ص): (ما من عبد اهتمَّ بمواقيت الصّلاة، ومواضع الشمس؛ إلاّ ضمنتُ له الرَّوح عند الموت، وانقطاع الهموم والأحزان، والنجاة من النّار.. كنّا مرَّة رعاة الإبل، فصرنا اليوم رعاة الشمس).. المؤمن إذا أذن المؤذن وهو في الطريق، أو في المستشفى، أو يقوم بمعاملة ضرورية.. إذا ارتسم على تقاسيم وجههِ الارتياح واللامبالاة؛ فهذا بعيدٌ عن الله عزَ وجل.. أما إذا كان مضطرباً، ويُقدم رجلاً ويؤخر أخرى، ويتململ، وقد تجري دمعتهُ قائلاً: يا رب، أعذرني أنا في موضع لا يمكن الصلاة بينَ يديك؛ هذا الإنسان قريبٌ إلى رب العزةِ والجلال.. هذا وعد النبي (ص)!.. لذا، نحنُ في الدنيا نقول: يا رسول الله، هذا الكلام رويَ عنك، ونحنُ نعمل على أمل أن تفي لنا بوعدكَ.
طول القنوت:
إن صلوات العباد على درجات، عن النبي (ص): (إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإن منها لما تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها.. وإنما لك من صلاتك ما أقبلت عليه بقلبك).. فإذن، ما هي الصلاة النموذجية التي ترتفع؟.. يقول: النبي (ص): (أفضل الصلاة ما طال قنوتها)!.. فإذن، إن المؤمن يقوم في جوف الليل، والناسُ نيام، كما يقول الإمام علي (ع) في المناجاة المنظومة:
اِلـهي حَليفُ الْحُبِّ في اللَّيْلِ ساهِرٌ *** يُناجي وَيَدْعُو وَالْمُغَفَّلُ يَهْجَعُ
يقف في محراب العبادة في منزلهِ، يصلي ودموعهُ على خديه، يُناجي ربهُ بمناجاة المُحبين؛ عندئذ يعيش حالة تدرك ولا توصف!.. لذا، إذا قام المؤمن في جوف الليل، وأدركته الرقة، ولو بالشهرِ مرة واحدة، فليناج ربه بمناجاة المحبين، ليكتشف عالماً آخرا منَ السعادة.. المنحرفون يرونَ السعادة في الأفيونِ والخمَر، والمستقيمون يرونَ السعادة في متعة النساءِ والطعام، ولكنَ هؤلاء يرون متعتهم في حديثهم مع رب العالمين، ماذا يقول الإمام زين العابدين: (يا نعيمي وجنّتي!.. ويا دنياي وآخرتي)!.. وكذلك فإن طول القنوت، يخفف عن الإنسان آلام الاحتضار، عن النبي الأعظم (ص): (طول القنوت في الصلاة، يخفف سكرات الموت).. فإذا أراد الإنسان أن يرتاحَ عندَ الموت، في ساعة النزع؛ فعليه بالقنوت.
الدعاء في القنوت:
ويجوز الدعاء في القنوت بكلِّ ما جرى على اللسان، لما روي عن إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبد الله -عليه السلام- عن القنوت، وما يقال فيه، فقال عليه السلام: «ما قضى الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئاً مؤقتاً».. ويستحب الدعاء بالمأثور، لتجاوز الخطأ واللحن الشائع على الألسن.. قال الإمام الصادق -عليه السلام-: «يجزيك في القنوت: اللهمَّ!.. اغفر لنا وارحمنا، وعافنا وأعفُ عنا في الدنيا والآخرة؛ إنّك على كلِّ شيءٍ قدير».. المؤمن يسأل اللهَ العافية في الدنيا والآخرة!.. المرض قد يرفع من درجات الإنسان عندَ الله -عز وجل- ولكن أيضاً قد يحرمه بعضَ التوفيق في هذا المجال.. فالإنسان المُعافى قادرٌ على القيام، كم من الناس يتمنون المجيء للمسجد، وهم على فراش المرض!.. ولهذا في السجود الأخير نقول: (يا وليَ العافية!.. نسألكَ العافية: عافية الدين، والدنيا، وعافية الآخرة).. بعض الناس يتظاهر بمظهر الأبطال يقول: يا ربِ، أنا بطل اختبرني بما تُريد، أنزل عليَّ أيَّ بلاءٍ تُريد؛ أنا على مستوى المقاومة.. إياكَ أن تقول هذا الكلام، فلستَ أهلاً لها!.. قُل: يا رب عافيتكَ أوسعُ لي، أريدُ العافية حتى أعبدكَ حقَ عبادتك.
تسبيحة الزهراء (ع)..
إن المصلي بعد أن يفرغ من الصلاة بينَ يدي الله -عزَ وجل- لا ينسى ذِكرَ فاطمة، هذه السيدة الجليلة، التي عوّضها ربّ العالمين عن بعض محنها في الدنيا، رغم أن أيامها كانت قصيرة، فقد بقيت بعدَ أبيها -على أقصى الروايات- قَرابة الثلاثةَ أشهر، فهي أول أهل بيت النبي لحوقاً به.. ولكن جعل ذكرها بعدَ كُلِّ فريضة؛ هكذا رب العالمين يعوّض العباد!.. يُعتبر تسبيح الزهراء (ع) من أفضل تعقيبات الصلاة، ويستحب بعد الصلاة الواجبة، وقبيل النوم.. والأحاديث متواترة في فضيلته، وعلو شأنه، فقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: « ما عُبد اللَّه بشيء من التحميد؛ أفضل من تسبيح فاطمة!.. ولو كان شيء أفضل منه؛ لنحلهُ رسول اللَّه (ص) فاطمة (ع)».. الملتزمون بتسبيحات الزهراء (ع) لا يشقونَ في الدُنيا ولا في الآخرة.. يقول الإمام الصادق (ع) عن تسبيحات جَدتهِ فاطمة: «تسبيح فاطمة -عليها السلام- في كل يوم في دبر كل صلاة، أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم».. ولا شك في لزوم الخشوع عند إتيانه، لذا يحاول المؤمن أن يُناجي ربه بتسبيحاتِ فاطمة، فعندما يقول:
(اللهُ أكبر)!.. يتذكر عظمة اللهِ عَزَ وجل، وإن كانت عنده مُشكلة يقول: الله أكبر!.. ياربِ، أنتَ أكبر من أن توصف، أنتَ لكُلِّ بلية.. وعندما يقول:
(الحمدُ لله)!.. يتذكر مع كل تحميدة، نعمة من نِعم الله -عزَ وجل- عليه!.. وعندما يقول:
(سُبحان الله)!.. ينزّه اللهَ -عزَ وجل- من كُلِّ عَيبٍ ونقص.
أن المؤمن ينبغي أن يحسن من صلاته، لذا عليه أن يراجع الكتب والروايات التي تتحدث عن الصلاة.. فالعلماء الأبرار ألفوا كُتباً حولَّ الصلاة الخاشعة، مثل كتاب: “جامع السعادات” وغيره من الكُتب.. يحاول أن يأخذ بنفسه دورة في الصلاة الخاشعةِ بينَ يدي اللهِ عَزَ وجل.. لأن (المغبون من تساوى يوماه)، وبالتالي، فإن “المغبون من تساوت صلاتاه”.. بعض الناس في سن الخمسين والستين، وصلاتهُ لا تختلفُ ذرة عن صلاةِ يوم البلوغ.. فخمسون سنة وهو يؤدي هذه الصلاة، ومع ذلك لم يطورها خطوة إلى الإمام؛ يا لها من خسارةٍ عُظمى!.. وهي عمود الدين، فلو جيءَ بخيمة السلاطين، خيمة منسوجة من الذهب الخالص، ولكن لا عمود لها؛ فإن هذهِ الخيمة لا تقام.. وبالتالي، فإن هذهِ الخيمة الملكية الذهبية، هي عبارة عن خِرقة على الأرض، لا تَقي الإنسان حراً ولا برداً.. قال رسول الله (ص): (الصلاة عمود الدين: إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها).. نحنُ في كُلِّ يوم نذهب للمطار، ونركب الطائرة، ولكن لا نسافر، لا نتقدم بالطائرة متراً واحداً؛ فكيفَ بالجو؟!.. ونتوقع أننا في كُلِّ يومٍ نسافر؛ أينَ السفر؟.. (الصلاة معراج المؤمن)؛ أينَ المعراجية؟.. أينَ الصلاة؟.. هذهِ حركة ظاهرية، إن لم تقترن بالحركة الباطنية، فمثَلُنا كمثل من ذهبَ للمطارِ ورجع، وهو يدعي أنهُ سافر.. فإذن، علينا أن نكتشف الجديد في هذهِ الصلاة بينَ يدي رب العزةِ والجلال.
الخلاصة:
١- أن على المؤمن أن يلهج دائما بالتسبيحات الأربع (لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع وهي: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).
٢- أن التسبيح لهُ بعدان: البعد الذي يعود إلى الله عزَ وجل بتنزيهه عما لا يليق به جل ذكره، والبعد الذي يعود إلى علاقة العبدِ بربه و توجهه إليه.
٣- أن ساعات الغفلة التي تُحرق من أعمارنا؛ هي من ساعات الخجل بينَ يدي الله عزَ وجل، لهذا على المؤمن أن يجعل لسانه رطبا بذكر الله جل وعلا.
٤- إن من أجزاء الصلاة المستحبة “القنوت”، وهو فرصة للحديث مع رب العالمين ، لأنه المساحة المفتوحة بين العبد وبين الله سبحانهُ وتعالى.
٥- أن من عظمة القنوت أنه مع كونه مستحبا إلا أن من تركه رغبةً عنه فلا صلاة له.
٦- أن من صفات المؤمنين الذينَ وصلوا إلى درجة الأنس بالله عز وجل، أنهم يقومون بكل المستحبات، كي يبقى ذكر الله -عز وجل- على لسانهم.
٧- أن إطالة القنوت بين يدي الله جل ذكره من موجبات الرّوح والراحة في البرزخ، ومخفف لآلام الاحتضار.
٨- أنه يجوز الدعاء في القنوت بكلِّ ما جرى على اللسان.
٩-إن المصلي بعد أن يفرغ من الصلاة بينَ يدي الله -عزَ وجل- لا ينسى ذِكرَ فاطمة، فالملتزمون بتسبيحات الزهراء (ع) لا يشقونَ في الدُنيا ولا في الآخرة.
١٠- أن المؤمن ينبغي أن يحسن من صلاته، لذا عليه أن يراجع الكتب والروايات التي تتحدث عن الصلاة،لأن (المغبون من تساوى يوماه)، وبالتالي، فإن “المغبون من تساوت صلاتاه”.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.