دستور المؤمنين..
نحن مع الأسف نقنعُ في حياتنا في السقفِ الأدنى من الكمال -إن كانَ لنا همٌّ للوصولِ إلى كمالٍ- إذ إن البعض يرى أن الإيمان مُنحصرٌ بالقيام بالواجبات وترك المحرمات؛ هذا سقفٌ من أسقفةِ الإيمان، ولكن القرآن الكريم في مُفتتح سورة “المؤمنون” وفي الآيات الأخيرة من سورة “الفرقان” التي بدايتها: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ إلى آخر السورة، يشرح مَن هو المؤمن وما هي مواصفاته، وهناك روايات في وصف المتقين في نهج البلاغة. وهذه الأيام مُحركات البحث تتكلم في كل رطبٍ ويابس، فبدل أن يصرف الإنسان لحظات عمره بالأباطيل؛ لمَ لا يبحث عن مواصفات عباد الرحمن والمؤمنين؟!..
-﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾: إن هذه الآية تُقرِّر أنَّ الفلاح مُحقَّقٌ مُقرَّر، فلو فتَّشتَ في قلبِ كل إنسان في شرق الأرض وغربها: مؤمناً كانَ أو فاسقاً، موحِّداً كان أو مُلحِداً؛ لوجدت أن الكل يبحث عن الفلاح والسعادة. فالسعادة والفلاح وجهان لِعُملةٍ واحدة: إذ إن شارِب الخمر، وأصحاب الليالي الحمراء، وأهل الإدمان والمُخدِّر؛ يبحثون عن السعادة والفلاح، فهؤلاء يعيشون لسويعات عالماً آخر. إذن، الكل يبحث في الوجود عن فلاحه وسعادته؛ ولكن المشكلة في المصاديق، حيث إن البعض يُخطيء في فهم السعادة، فالناس بالنسبة إلى هذه المسألة نوعان:
النوع الأول: الطفل.. إن الشاب الذي يتصف بهذه الصفة، وخاصة الذي يعيش تائهاً في وسط الزحمة في بلاد الغرب، لا يمكن تخوّيفه من خلال الحديث عن المبدأ والمعاد؛ فإن هذا الكلام لا يُقنعه؛ لأنه سيقول: عذاب البرزخ في المستقبل، وأنا سأتوب قبل الموت. فالتخويف من الحيات والأفاعي في نار جهنم؛ لا يُحفّزه. هذا كالطفل لابُّد أن تخدعه ببعض الحلوى، إذ إن هناك من يبلغ أعلى درجات التخصص؛ ولكنه لا يزال طفلاً في باطنه؛ كل همّه: وجبةٌ ساخنة شهية، وأنسٌ مع الجنس المُخالِف؛ هذا لا زال طفلا: فالطفل أنسه بالدُمية، وهذا أنسه بددُمية حقيقية ذات لحمٍ ودَمّ. الطفل يبكي لأجلِ قطعةٍ من الحلوى، وهذا لا يبكي ولكن يسعى ويقطع المسافات البعيدة لشراء قطعة من الحلوى يلتذ بها، قد يأخذ أولاده معه تارةً ويدخل السرور عليهم، وتارةً يذهب لوحده؛ فالأمر المهم بالنسبة له أن يأكل قطعة من الحلوى أو وجبة شهية. هذا الإنسان يرى سعادته في هذه الساعة، ولكنه يعترف بأن الفلاح ليس في هذا؛ هو يريد أن يكون سعيداً لليلة، والغد على الله عز وجل.
النوع الثاني: البالغ.. وهو الإنسان الذي يرى الحقائق رأي العين، فالمتقون كأنَّ زفير جهنم في أصول آذانهم كما يصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ يقول: (وَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ)؛ ولكن هذا الكلام للإنسان البالغ.
صفات المؤمن الفالح..
إن الإنسان عندما تتعطل سيارته، لا يذهب إلى العالِم أو إلى إمام المسجد، أو مرجع التقليد، بل يذهب إلى من صنع تلك السيارة، أو يراجع كتاباً يشرح أسرارها. وعليه، فإن خالق الإنسان هو الذي يعلم بعيوبه، يقول تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾؛ نحن الدواب على وجه الأرض وخالقنا يعلم أسرارنا، ويعلم داءنا، ويعلم دواءنا. لذا يقول رب العالمين في سورة “المؤمنون”: أنا الفاطِر، أنا الخالق، أدلُكُم على الفلاح؛ لا فلاحُ أو سعادة ليلة أو ساعة؛ هذا لايُعدُّ فلاحاً، إنما الفلاح الحقيقي هو الفلاح الخالد!.. يقول تعالى في مُفتتح هذه السورة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وفي الأخير يقول: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ فهذه القِطعة مُترابطة؛ أي: أن الفلاح الذي يورثُّ الفردوس، والذي يجعل الإنسان خالداً في جنان الخُلد؛ هو ما ذكر بين هاتين الآيتين: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وبين ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. لذا، فإن المقياس ليس بإتقان صلاة أو بصلاتين، أو ببكاءٍ في زيارة أو في طواف؛ بل هناك سبع صفاتٍ للمؤمن الفالح، وغيره ليس على الفلاح الكامل، إنما هو فلاحٌ جزئي. أما الفلاح الكامل فهو أن يتصف المؤمن بالصفات التالية:
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ سبعُ صفات إن وِجدَت في الإنسان فهو الفالح، وإذا فقدَ الصفات جميعاً فهو خاسِرٌ تماماً، فبمقدار ما يحقق من هذه الصفات هو فالح، أي إما: فالح، أو نصف فالح، أو ربع فالح، الخ.. والملفت في هذه الآيات أنها تبتدئ بالصلاة وتنتهي بالصلاة: فأول مواصفة ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، وآخر مواصفة ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾، بدأت بالصلاة وخُتِمَت بالصلاة.
-﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ******* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾: إن الإنسان الذي يريد أن يصعد على سلّم التكامل، ويكون مُميَّزاً في الجنة، وفي جوار النبي (صلي الله عليه) وآله (عليهم السلام) عليه بإتقان الصلاة. إن أتقن الصلاة كان شبيهاً بـ: النبي الأكرم (صلي الله عليه) في صلاته، وبأمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاته، وكالحسين (عليه السلام) في صلاته، فهؤلاء كانت ألوانهم تتغيّر قبل الصلاة عند الوضوء. لذا، فإن الإنسان الذي يرى إدباراً، أو تشوّشاً، أو تغلب عليه الخواطر في الصلاة؛ فليعلم أنه ليس على الجادة، وإن كُشِفَت له الجنة؛ فما قيمة هذا الكشف!.. وما قيمة أن يُغمى عليه من البكاء؟.. هو ليس على الطريق، ومَن ليس على الطريق؛ عليه أن لا يُعجب. ورد في هذه الآيات مواصفتان مهمتان: ﴿خَاشِعُونَ﴾ و﴿يُحَافِظُونَ﴾. إذ إن هناك فرقاً بينَ أن يكون الإنسان خاشعاً في الصلاة، وبين أن يكون مُحافظاً عليها.
أولاً: ﴿يُحَافِظُونَ﴾.. إن صلَّ الإنسان: في أولِ الوقت، وبالطهور، وبالآداب والشرائط؛ فهو مُحافظٌ على الصلاة، ولكنه ليس خاشعاً.. فهذه الآية تؤكد ما هو مذكور في الرسالة العملية بأن هذه الصلاة مُجزية. فلو عمِل الإنسان بكتابِ الصلاة بكل حذافيره من حيث: مكان المصلي، ولباس المصلي، وطهور المصلي، وأجزاء الصلاة، وشرائط الصلاة، وأحكام الشكوك، وأحكام المُبطلات. وإن صلى في أول الوقت، وتوضأ بماء زمزم، وصلى خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)؛ هو أحسن في صلاته؛ ولكن كلها تصبُّ في خانة ﴿يُحَافِظُونَ﴾.
ثانياً: ﴿خَاشِعُونَ﴾.. إن الإنسان قد يُصلي صلاةً مُجزيةً غيرَ خاشعة. لذا على المؤمن أن يعمل بما في الرسالة العملية؛ ولكن عليه أن لا ينسى الآداب الباطنية للصلاة، فإن لم يقرأ كتب الآداب الباطنية، على الأقل ليطلّع على الروايات التي تعلمنا الصلاة الخاشعة. ولكن ما هو الخشوع في الصلاة؟..
تعريف الخشوع..
أولاً: إن الخشوع هو عبارة عن خلط حالة “الرهبة والخوف”، مع حالة “المحبة والعشق والميل”. فالأوكسجين والهيدروجين إذا تم جمعهما نحصل على الماء، والرهبة والمحبة أيضاً إذا تم مزجهما تكون هذه هي المادة الأولية للخشوع. مثال ذلك: الزوج والزوجة، هذا الزوج مثلاً يترقّى في المناصب العسكرية إلى أن يُصبِحَ رئيس الأركان، ومن الطبيعي أن العسكري يعني عامة الناس، وإلاّ أولياء الله لا يرون ثوباً ولا شارةً، بل ينظرون إلى البواطن ﴿أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾!.. ففقير مؤمن يبعث الرهبة في قلب المؤمن الحقيقي أكثر من قائد الجيش!.. هذه تسميات تأتي وتزول، وعندما يُدفن في القبر كل هذه الأوسمة تُرمى جانباً ويُلَف بكفنٍ ويُدفَن. ولكن ما بعد الدفن: الفقير المؤمن وجيهٌ، وهذا القائد مسكينٌ!.. أما عامة الناس فإنهم ينظرون إلى هذه الدرجات، وخاصة مَن في المعسكر يرتجف رهبةً. والزوجة أيضاً عندما ترى زوجها في الزيّ العسكري؛ ترى فيه هيبة بخلاف النظر إليه وهو في ثياب النوم مثلاً. ولكن الفرق بينها وبين الجندي في المُعسكر أنها تُحِب زوجها، فهي تنظرُ إلى الزوج بنظرتين مختلفتين: بعين المحبة فهذا زوجها، وتنظر إلى هيئته العسكرية فترى فيه هيبةً؛ المجموع يورث لها الخشوع أمام الزوج؛ هذا معنىً تقريبي للخشوع. فالحب للزوج غير المُهيب هذا حُبّ مَحض، ونظرة العسكري للقائد هيبة محضة، ولكن إن جُمِعت يصبح هناك حالة من الخشوع.
ثانياً: لعلّ تعبير “الخشوع” لا نجد له مُرادفاً دقيقاً في اللغات غير العربية، فالهيبة والعظمة؛ هذه تعابير مختلفة؛ أما “الخشوع” فإنه معنىً دقيقٌ جداً لا يوجد إلاّ في قلب المؤمن تجاه ربه. فمثال الزوج والزوجة مثالٌ تقريبي، ولكن الخشوع الواقعي لا يوجد إلاّ في قلب المؤمن الذي ينظر إلى ربه؛ إذ إن أوضحُ حقائق الوجود هو رب العالمين!.. فالإنسان عندما يرى إنساناً آخر فإن هذه الرؤيا تكون واضحة جداً: يسمعه، ويراه، ويتأثر بكلامه، ويصافحه، فهناك: لمسٌ، ونَظرٌ، وشمٌّ،.. الخ؛ ولكن المؤمن يصلُ في صلاته وفي غير صلاته، أن يرى في قلبه حقيقةً؛ هذه الحقيقة تضمحل أمامها كل حقائق الوجود. فمن يشعل شمعةً ويجعلها في كبد الشمس وقت الزوال، لا يمكن أن يراها؛ لأن نور الشمس يطغى على كل نور، و ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ إن أشرقَ هذا النور في قلب الإنسان؛ لا يمكنه أن يرى شيئاً سواه. فالتوحيد أن لا ترى في الوجود أحداً سواه. ومَن يصل إلى هذه الدرجة، إن إراد أن يفكّر فيما سوى الله عز وجل لا يُمكنه ذلك؛ لأنه لا يجد شيئاً له قيمة يستحق التفكير فيه!.. أما نحن فمشكلتنا هي العكس: كلما أردنا التفكير في المبدأ والمعاد الذهن ينحرف.
ثالثاً: إن المؤمن يعمل في هذه الدنيا ليصل إلى هذه المرتبة: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾. ولكن -مع الأسف الشديد- بعض الناس يعتبرون هذه المقامات خاصة بأهل التخصص والعرفان فقط!.. ولكن هذا منطق القرآن، إذ إن أول صفة للمؤمن الفالح أنه خاشع في صلاته. وهذا الخشوع هو نتيجة مقدمات كثيرة، فلا يمكن أن يقول الإنسان: الليلة -إن شاء الله تعالى- صلاة العصر والعشاءين أُصليهما بخشوع؛ الأمرُ ليس بيده!.. إذ إن هناك مجموعة من التفاعلات يجب العمل بها، مَن يعمل بهذه الصفات السبع؛ يُرجى أن يُصبحَ خاشعاً، والتي منها أيضاً:
-﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾: الغريب أن الصفة الثانية هي من المستحبات أيضاً، فالصفة الأولى التي هي “الخشوع” ليست واجباً، لا يوجد فقيه يُفتي بالخشوع في الصلاة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللهو، ليس هناك فقيه يُفتي بالإعراض عن اللهو؛ ولكن في سورة “المؤمنون” الصفة الثانية للمؤمن الفالح هي الإعراض عن اللهو. فهل المؤمن الذي عينه على اللهو واللعب كأن يفتح التلفاز وينظر إلى مسلسل غير هادف، أو ينظر إلى برنامج لاه؛ هذا مؤمن فالح؟!.. بالنسبة إلى الفتاوى هذا منظرٌ غير مُحرَّم؛ ولكن بعد أن أمضى ساعة ونصف على بعض البرامج، كيف يتوقع أن يقول: “الله أكبر” بقلبٍ خاشع؟.. يقول الشاعر:
ومـكـلِّـفُ الأيَّـــامِ ضــــدَّ طـبـاعـهـا متطـلِّـبٌ فــي الـمــاءِ جَـــذوةَ نـــارِ
إن الإنسان الذي يريد المقامات عليه أن يوطِّن نفسه على هذه المجاهدات. فبعض الدواوين التي يقصدها الإنسان ويمضي ساعات من عمره فيها، لا يسمع فيها كلاماً نافعاً، بل ينتقلون من شجرةٍ الى شجرة، فالحديث: تارة يكون في السياسة، وتارة في الاقتصاد، وتارة في السيارات، وتارة في الطائرات؛ كلامٌ لا مُحصلَّةَ له. بينما يعتبر القرآن الكريم أن الإعراض عن اللهو من صفات المؤمن الفالح ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾. فإن أراد المؤمن أن يكون حوضه نقياً؛ ينبغي له أن:
١. لا يصب فيه الدم؛ فالدم يُنجسّه.
٢. لا يصب فيه حِبراً؛ فإنه يُكدِّره. الحبر ليس بنجس، والحوض لا يتنجسّ؛ لكنه يتكدّر.
٣. لا يجعل فيه تُراباً؛ فإنه يلوّثه. التراب لا يُنجِّس؛ ولكنه يلوِّث. لأن التراب يترَّسب، فيبدو الحوض نظيفاً زُلالاً، ولكن قبل الصلاة يأتي الشيطان بعودٍ ويُحرِّك هذا الحوض، فالأفكار التي ترسبت تطفو على السطح. مثلاً: هناك مشكلة قبل عشرات السنين مع إنسان وقد نسيها، ولكن عندما يقول: “الله أكبر” يتذكرها.
-﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾: الزكاة الواجبة واجبة خُمساً كانت أو زكاةً اصطلاحياً. البعض من العلماء يقول: المراد بالزكاة هنا كل شيء يُزكي الإنسان، ما قال: للزكاة مؤدون، بل ﴿لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾: فالزكاة، والخُمس، والمُراقبة، والمُجاهدة؛ كلها تصبُّ في دائرة زكاة الباطن، يقول تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾.
-﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾: إن أي استمتاع خارج الزوجة والجارية والأمة إن وجد؛ فأولئك هم العادون. بعض الفقهاء يستدل بهذه الآية على حرمة الاستمناء، فأيُّ انحراف جنسي غير الاستمتاع بالزوجة والأمة سواء كان: نظرا إلى الأفلام الخليعة، أو شذوذا، أو استمناء، أو نظرةً؛ كلها في خانة ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾. هذا هو الحلال وغيره ممنوعٌ. فالذي مازال في مستنقع الشهوات الأخلاقية، كيف يرجو الخشوع في صلاته؛ فهذه مجموعة أمور مُترابطة!..
الدرس العملي:
إن المؤمن قبل أن يأتيه الموت بغتةً كما يقول الشاعر:
يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل *** الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
يجب عليه بين وقتٍ وآخر أن ينظر إلى مدى استعداده للحياة الباقية. فالأمر مُخيف ﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، وبعد البرزخ عرصات القيامة، وبعد عرصات القيامة الجنة والنار. فالمستقبل مبهم، وطويل طول الأبدية، وغائب. لذا ينبغي للمؤمن أن يحاول توضيح مستقبله.. إذ إنه من أفضل الأعمال عندما يتشرف بالذهاب إلى العمرة، أو تحت قبة الحُسين (عليه السلام) أن ينظر إلى مسيرته في الحياة. هذه الآيات من سورة “المؤمنون” وآيات من سورة “الفرقان التي أولها ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾ لتكن مقياساً لإيمان الإنسان: إن كانت منطبقة عليه، فليحمد الله عز وجل، وإلاّ فإنه يجب أن يقوم بثورةٍ في باطنه، هذه الثورة لا بُدَّ منها ليكون فالحاً!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.