- ThePlus Audio
أسباب الخشونة والفظاظة وعلاج ذلك
بسم الله الرحمن الرحيم
الخشونة والفظاظة في التعامل مع الآخرين
من الظواهر المهمة في حياة المؤمنين وغيرهم ولعلها أكثر بروزا وظهورا في غير المؤمنين، هي ظاهرة الخشونة وعدم الرفق في التعامل، وضيق الصدر والتبرم، وهي حالة تفسد دنيا المرء وآخرته. وهي حالة من حالات الانفعال الداخلي الشديد حيث يفقد الإنسان سيطرته على بدنه وأعصابه وتفكيره، ويتحول إلى موجود يتصرف من دون عقل وروية، ولذلك لا نستغرب إذا سمعنا أن شخصية اقتصادية أو سياسية مهمة في التاريخ قامت بأعمال هي أشبه بالجنون أو أقدمت على القتل والانتحار.
آثار الخشونة ومضارها
وهذه التفاعلات الباطنية تفقد الإنسان أهم عنصر في الحياة وهي الإرادة. وعندما نسأل مركتب الجريمة عن علة ارتكابه للجرم يقول: لم يكن الأمر بيدي وهي كلمة لا معنى لها في حياة المؤمن السالك إلى الله عز وجل والمتبع النهج النبوي. وهؤلاء صنف من البشر من الصعب أن يثق الناس بهم ويزوجوهم، إذ كيف يوثق بمن يسلم زمامه في يوم من الأيام إلى الأهواء والشياطين التي لها دور كبير في إثارته، لتتحكم به وتورده الهلاك.
أهمية الحديث عن الخشونة والفظاظة
قد يسأل البعض سبب الحديث عن هذه الظاهرة، ونقول: إن هذه الظاهرة قد تجتمع مع أرقى الحالات الإيمانية، وقد يمارس الخشونة والعنف من لا يتوقع منه ذلك. يقول أحد علماء الأخلاق: لا تغركم حالات الخشوع والإقبال من أنفسكم إذا كانت خالية من المراقبة، إذ لا ينفع الخشوع والإقبال والدموع ولا العمل بالمستحبات إذا لم يكن الإنسان متمكنا من نفسه مسيطرا عليها آخذا بزمامها.
فمن الممكن أن يكون الرجل متدينا ولكنه خشنا فظا مع زوجته وأولاده وهو الذي يكون ألطف ما يكون بين الناس وفي العمل لحفظ ماء وجهه. والمرأة والأولاد هم أول ضحايا التعامل الفظ والخشن وكذلك الزوج والأولاد هم أول ضحايا التعامل الفظ والغليظ من قبل الزوجة. قد يكون الرجل والمرأة في أول أيام الزفاف يعيشون حالة من حالات الرومانسية والغرام إلا أن كرور الليالي والأيام ومجيء الأولاد قد يجعل الرجل يزدري المرأة ولا يرفق بها كسابق عهده والحال أن الروايات التي تحث على الرفق والاحترام هي تعني بالدرجة الأولى العلاقات داخل الأسرة الواحدة.
الشيطان في كمين الخلافات
والشيطان في كمين هذه الخلافات، لأنه على علم بأن المؤمن لا يتكامل إلا في جو عائلي سعيد، وقد قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)[١]، وإذا تحولت الحياة الزوجية إلى جحيم فأين مفر الإنسان بعدها؟ فليس كل الناس كأمير المؤمنين (ع) الذي صحب الدنيا بجسد روحه معلقة بالملأ الأعلى، وليس كلهم موسى بن جعفر (ع) الذين كان يأنس بالسجن وخلوته، بل يحتاج الناس جميعا إلى أهل وأرحام وزوجة وأولاد يسكنون إلى جوارهم، فإذا تعذر ذلك تحول إلى وجود متمرد على الدين والدنيا.
دور الخلافات الزوجية في تأخير التكامل والرقي
ولذلك ينبغي للمتزوجين أن يحذروا وجود الخلاف والشقاق بينهما لأنها سرعان ما تتحول إلى خشونة في التعامل ويستتبع ذلك فقد الإيمان، لأنه في الخصومة سيقع في كثير من المعاصي القولية والفعلية وفي صغائر الذنوب وكبائرها، وهب أنه رجع بعد ارتكابه المعاصي إلى نقطة الصفر، ألم يكن في هذه الحالة قد فوت على نفسه الرقي والتعالي، فكان بإمكانه بدل السقوط في قعر البئر ثم محاولته الخروج منها بشق الأنفس أن يبذل المجهود وهو على سطح الأرض للطيران إلى السماوات العلى..!
تحول الخشونة العابرة إلى ملكة من الملكات
قد تبدأ الخشونة كحالة عابرة تى في أيام الخطوبة التي هي قمة الغرام المتبادل بين الزوجين، وفي أيام العقد ما قبل الزفاف. فقد تحدث اختلافات في وجهات النظر مما يؤدي إلى ممارسة أحد الزوجين الخشونة في فرض رأيه ولكنهم سرعان ما يتفقان ويقدمان لبعضهما البعض الزهور والرياحين وينتهي الخلاف. إلا أن تكرار مثل هذه الخلافات التي تستبع تعاملا خشنا أو فظا من إحداهما قد تتحول بعد مرور فترة من الزمان إلى ملكة من الملكات الراسخة في وجودهما مما يصعب التخلص منها. ونحن لا نقول كما يقول البعض: من أنه لا يمكن تغيير الملكات التي تجذرت في وجود الإنسان، بل نقول: إن العمل الجاد والممارسة الصحيحة تحول هذه الملكات السيئة إلى ملكات إيجابية. وقد نرى البعض لا يتحمل المخالفة في النقاشات العلمية حتى لو أنك خالفته في أمر من الأمور عند الحديث عن الفلك والمجرات على سبيل المثال: يجابهك بالرد الخشن وكأنه منحاز إلى المجرات والأفلاك ووصي عليها..!
والخشونة تغطي على كل الإجابيات؛ فقد ترى الرجل كريم النفس ينفق على عياله ويوسع عليهم إلا أن لخشونة في طبعه لا يذكر أحد إيجابية من إيجابياته.
الرفق واللين في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)
ومما يدل على أهمية اللين والرفق، ما ذكره سبحانه في علة التفاف المسلمين حول النبي (ص)، وهو قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[٢]، وقد نزلت هذه الآية بعد معركة أحد وكان المسلمون قد عانوا كثيرا فيها وفقدوا فيها الكثير من أعزتهم وأهليهم، وقد انهزموا في هذه المعركة بعد انتصارهم الكبير في معركة بدر بعدما عصوا الرسول وحدث لغط كبير بينهم، وهنا بين الله سبحانه من خلال هذه الآية أن النبي (ص) رغم ملكاته العظيمة وتسديده من قبل السماء وتأييده من قبل الله عز وجل لانفض الناس من حوله إذا لم يلن لهم وعامل بخشونة وفظاظة، ثم تأمره الآية بمشاورتهم والتحبب إليهم لا تكلفا وخداعا وإنما حقيقة.
وفي هذه الآية درس عظيم وهو أن النبي (ص) رغم عظمته وأنه رسول من عند الله لفقد تأثيره الاجتماعي إذا عامل الناس بفظاظة وخشونة ولما نجح في مهمته الإرشادية، وكذكلك المؤمن الرسالي إذا تحول إلى إنسان فظ غليظ القلب لفقد تأثيره على أهله ومجتمعه وهنا يكمن الخطر. فقد ترى بعض المؤمنين يحمل هم الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن بأسلوب خشن. ولذلك يعمل الأهل والأولاد والأرحام والأصدقاء بخلاف ما يأمرهم به وينهاهم عنه. وقد نلاحظ بعض الأبناء لأجل أن يغيظوا والديهم لا يهتمون بما يرغب فيه الأبوان من الصلاة والحضور في المساجد والإلتزام بالحجاب والحشمة، وقد تظهر البنت بثياب مثيرة، إمعانا منها في حمل الأبوين على الغيظ والحنق.
أسباب الخشونة والفظاظة
ولكن لنا أن نتسائل عن أسباب الفظاظة والخشونة، ولماذا يسمح الإنسان لنفسه أن يتخذ من العنف طريقة في تعامله مع الآخرين؟ هناك أسباب عدة، السبب الأول: عدم وجود رادع خارجي. فالمرء لا يستطيع أن يكون فظا في محيط عمله، فهو إذا استعمل الخشونة في تعامله سوف يأتيه إنذار وإنذارين وثلاث وقد يفصل من العمل ولذلك لا يقدم عليه، ولكنه في المنزل حيث لا إنذار ولا خوف من أحد يصب جام الغضب على الخادمة المسكينة والمرأة الضعيفة والأرحام الفقراء ممن لا حول لهم ولا قوة.
والسبب الثاني: الإخفاقات المتوالية. فقد يبحث المرء على سبيل المثال عن فرص العمل ولكنه لا يحظى بواحدة، ثم يرجع إلى البيت وهو مستعد للانفجار في أية لحظة، والحال أن المرء لا بد من أن يفصل بين خارج البيت وداخله ولا يربط الأمور ببعضها، كما لا يحق للإنسان أن يعامل الموظفين والعمال خارج المنزل لاختلافاته ومشكله التي يعاني منها مع زوجته وأولاده، فكما قال سبحانه: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[٣].
والسبب الثالث: المثالية وطلب الأفضل دائما. فقد يبني المرء لنفسه آمالا – وهو مستلق على فراشه – فيجعل لنفسه راتبا وزوجة وسكنا ومستوى اجتماعيا معينا وهو عاطل عن العمل لم يقجدم المقدمات اللازمة لهذه الآمال، ثم يستيقظ في الصباح لا يرى شيئا مما توهمه، فيعيش حالة من الصراع مع الوهم والإخفاق الباطني ويتحول إلى فرد مشاكس خشن وسيبقى كذلك حتى وإن تحققت آماله في يوم من الأيام لأن الخشونة تصبح من ملكاته. والإنسان الخشن الغضوب سرعان ما ينكشف من فلتات لسانه وفي أول مواجهة له مع الآخرين في سفر أو حضر، فيتبين أنه عصبي حاد المزاج.
أثر الخشونة على دنيا الإنسان
ولذلك نلاحظ أن الشركات الكبرى يقدمون الكافر والفاسق وشارب الخمر على غيره إن كان صاحب خلق ولين، فما يهمهم هو الإنتاجية لا الخلفيات الأخرى. ولذلك ينبغي للمرء أن لا يستغفل الناس فهم سرعان ما يشخصون فيه الخشونة والحدة وسرعة الغضب.
وإذا أراد أن يتقدم لخطبة امرأة أول ما يسأله والدة الفتاة إذا كان عاقلا عن دينه بالحد الأدنى ثم يتبع ذلك بالسؤال عن شخصيته، وهل هو إنسان هادئ وديع أو فظ غليظ سريع الغضب والانفعال؟ ثم إذا تبين له أنه غضوب سريع الانفعال لا يزوجه حتى وإن قيل له أنه في أرقى درجات الإيمان والتقوى خوفا على ابنته وضنا بها أن تصبح أسيرة بيد رجل من أهل البادرة[٤].
ولا ينسى المؤمن الجهود الشيطانية الحثيثة في استغلال لحظات الغضب هذه فليس الشيطان وجود وهميا يعيش خلف الجبال أو السماوات العلى وإنما يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق لا ينفك عنه لحظة من لحظاته، وكلما ازداد الإنسان إيمانا زادت جهود الشياطين لإغواءه وإضلاله.
ويجدر بالمؤمن أن يستعيذ بالله سبحانه وتعالى صباحا ومساء، إن كان هناك ما يخاف منه أو لم يكن. وأفضل ما يتعوذ به المعوذتان، وهما سورتان يتعوذ في واحدة منهما من الأخطار المادية وهي سورة الناس والأخرى وهي سورة الفلق يتعوذ فيها من شر ما لا يرى ومن شر السحر وما شابه ذلك.
علاج الخشونة والغضب
وأما علاج هذه الخشونة والحدة والغضب أن لا يأخذ الإنسان أي قرار في هذه الحالات إذ لا يضمن لنفسه الاستقامة في القول والعمل، ويتحول إلى جليد بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى. ولم تدع روايات أهل البيت شيئا لم تذكره لنا، فتذكر الروايات علاج الغضب والانفعال منها: الخروج من تلك الأجواء، والمبادرة إلى الوضوء والانشغال بالصلاة وغيرها، تشخيص الأسباب التي تؤدي إلى الغضب من زوجة مشاكسة أو زوج مشاكس أو ما شابه ذلك وليبادر إلى علاج ذلك.
وينبغي للمؤمن أن يكون رحيما بخلق الله عز وجل، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اَلرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ اَلرَّحْمَنُ اِرْحَمُوا مَنْ فِي اَلْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي اَلسَّمَاءِ)[٥]، ولا بد أن يقبل العذر من المعتذر؛ فمن اللؤم أن يأتي الإنسان معتذرا نادما تجري دموعه على خديه ثم يجابه بالرد ويرفض. وقد يقول له: هل يكفي الاعتذار؟ وماذا عساه أن يفعل لك رجل يشعر بالندامة ويظهر لك الاستكانة؟ ألا تتوقع من الله سبحانه العفو عنك بمجرد الندم والاستغفار؟ فلماذا تستقل ذلك بالنسبة لمن يعتذر إليك؟ فاقبل العذر وإن ارتكل المعتذر في حقك من الأخطاء الكبيرة ما ارتكب، فيكفيه الندم.
ومن العلاج أن يعلم الإنسان الخشن الفز أنه يتحمل في أسرته وبين أهله مادام مغدقا عليه منفقا على حوائجهم فإذا كبرت سنه واستغنوا عنه قد لا يسلم عليه أحد بعد ذلك، وقد يؤخذ إلى دور العجزة حيث لا يحتمله أحد من أهله. وقد يصل الأمر بالأبناء أن يتمنوا موت أحد الوالدين، وإن كانت هي حالة سلبية لا يجدر بالأبناء أن يعتمدوها لأنها تعود عليهم في يوم من الأيام.
ويقال: أن الشيطان يلعب بالإنسان كالكرة عند الغضب، وتصور الكرة كم تتقلب الكرة في لعبة من ساعة أو ساعة ونصف الساعة؟ فالإنسان عند الغضب يقع في كثير من المعاصي من قبيل الغيبة والتهمة والضرب والجرح وقد يصل به الأمر إلى القتل، فهو معرض لأن يفقد أعز شيء في الوجود وهو التقوى.
الرفق في القرآن الكريم والروايات الشريفة
ولقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لَوْ كَانَ اَلرِّفْقُ خَلْقاً يُرَى مَا خَلَقَ اَللَّهُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ)[٦]، وقد روي عنه أيضا: (مَا كَانَ اَلرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ كَانَ اَلْخُرْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ)[٧]. ولقد ذهب موسى إلى فرعون وهو من أعتى الطغاة حتى بلغ به الأمر أنه يدعي الربوبية وهذا ما لم نسمعه عن أي ملك من ملوك الأرض وطواغيتها، ومع ذلك أوصى الله موسى (ع) بالرفق، قال سبحانه: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[٨]، ثم تجد من إذا أوصيته بالرفق قال لك: إن الطرف المقابل لا يستحق الرفق واللين والحال أنه مأمور بالرفق نفعه ذلك أم لم ينفعه. ويقول سبحانه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[٩]؛ وهذه الآية تشير إلى سنة من السنن الإلهية التي لا تخطأ أبدا، فما عليك إلا أن تجرب..! اذهب إلى من بينك وبينه عداوة واعتذر منه بصدق وعامله بالإحسان ورد الإساءة باللطف وانظر كيف يتحول إلى صديق حميم.
خلاصة المحاضرة
- قد يكون الرجل والمرأة في أول أيام الزفاف يعيشون حالة من حالات الرومانسية والغرام إلا أن كرور الليالي والأيام ومجيء الأولاد قد يجعل الرجل يزدري المرأة ولا يرفق بها كسابق عهده والحال أن الروايات التي تحث على الرفق والاحترام هي تعني بالدرجة الأولى العلاقات داخل الأسرة الواحدة.
- يقال: أن الشيطان يلعب بالإنسان كالكرة عند الغضب، وتصور الكرة كم تتقلب الكرة في لعبة من ساعة أو ساعة ونصف الساعة؟ فالإنسان عند الغضب يقع في كثير من المعاصي من قبيل الغيبة والتهمة والضرب والجرح وقد يصل به الأمر إلى القتل، فهو معرض لأن يفقد أعز شيء في الوجود وهو التقوى.