– إن الخطباء في شهر محرم، يذكرون مصائب الإمام زين العابدين (ع): الأغلال الجامعة، وما جرى له في طريق الشام، والهوان الذي وجده الإمام –عليه السلام–، وقصته في الخربة.. فالذي أصيب بيوم عاشوراء، والذي عاملوه تلك المعاملة على بعير بغير غطاء، وينتقل من بلدٍ إلى آخر، وينظر إلى عماته، هو صاحب دعاء أبي حمزة.. إن الإنسان الغيور يدافع إلى حد الموت عن عرضه وعن حرمه.. والإمام -عليه السلام- يرى بنات النبوة: زينب بنت فاطمة، نسبتها إلى رسول الله واسطة واحدة، زينب بنت فاطمة ابنة النبي الأكرم (ص).. بنت الخليفة الراشد الرابع، الذي كان مركز حكومته الكوفة منذ سنوات بسيطة، وإذا بها تدخل إلى الكوفة عاصمة أبيها سبية.. فتتذكر حنان والدها أمير المؤمنين (ع)، عندما كان يأخذ بيدِها لزيارة قبر أمها فاطمة (ع)، كان يطلب أن يخفت السراج؛ لئلا يُرى شخص زينب.. علي –عليه السلام– لم يكن يرضى أن يرى المسلمون خيال زينب.. جار علي –عليه السلام– يقول: كنت مجاوراً لعلي –عليه السلام– لم أسمع صوت زينب في يومٍ من الأيام.. فإذا بها تدخل في تلك الحالة.. ولمّا قربوا من دمشق، طلبت ممن يحمل الرؤوس وقالت له: إذا دخلتَ بنا البلد، فاحملنا في درب قليل النظارة، وتقدّم إليهم أن يُخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل، وينحّونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا.
– إن على المؤمن أن يربط بين الإمام زين العابدين -عليه السلام- ودعاء أبي حمزة.. وكذلك يربط أيضاً بين دعاء عرفة والإمام الحسين -عليه السلام-، في يوم عرفة وقف الحسين (ع) وعيناه تسكبان كالقربة من شدة البكاء بين يدي الله -عز وجل-.. هذا الوجه الذي كانت تجري على خديه الدموع كالأنهار من خشية الله، والموحد الأول في زمانه، والتالي للقرآن.. وإذا به –صلوات الله وسلامه عليه– في مجلس الطاغية، حتى أن الحرائر لم تتحملْ هذا المنظر.. وثغره الذي طالما قبله رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم– وإذا يعمل بذلك الثغر ما يُعمل.
– إن أفضل أنواع العزاء، العزاء العفوي.. أي أن يذكر الإنسان مصائب الأولياء في خلوة، فتفيض عيناه بالدموع، دون قارئ عزاء أو رادود.. أحدهم توفي منذ فترة، وكان يتشرف بلقاء الإمام بشكل متكرر.. كان له محل لإصلاح الأحذية في طهران.. بلغ به الشوق للقاء إمامه، إلى درجة أنه لم يحتمل العيش.. لو عشنا في العمر مرة واحدة إحساس الطفل الذي فقد أمه، هل يعقل إمامنا –عليه السلام– وهو وارث آبائه، أن يهملنا في نظرته الكريمة؟.. حاشا وكلا!.. هذا السيد الجليل لم يحتمل العيش، إلى أن قيل له: إذا أردت أن تصل إلى تلك المفازة الكبرى، عليك بالتأسي به في عمل، وهو أن تندب جده صباحاً ومساءً.. كما هو يندب جده صباحاً ومساءً، وأنت عليك كذلك؟!.. فالذي يريد أن يصل للقاء، يستعين بكل شيء.. الشاهد الذي ينقل القصة يقول: هذا السيد كان في دكانه الصغير، وهو يُصلح أحذية للناس.. بينما هو يخيط حذاء، وإذا به يقف ولا يكمل.. يقال له: ما بكَ يا سيد؟!.. أكملْ العمل؟.. يقول: أنا الآن تذكرت مصيبة أبي عبد الله الحسين؛ المصيبة الفلانية!.. فهل يمكنني أن أكمل عملي؟!.. ويترك محله ويخرج!.. فمن هوان الدنيا أن الذي يحمل هذا القلب الكبير، تجعله أمور المعاش يلامس أحذية الناس، ويتعامل معها.. نعم، رب العالمين أخفى أوليائه بين خلقه.
لله تحت قباب العز طائفة *** أخفاهم في رداء الفقر إجلالا
إن الدرة في أعماق البحار، وفي داخل الصدفة.. بينما الحجارة مرمية على الشواطئ!..
– إن مناجاة رب العالمين لا تحتاج إلى مناسبة، ولكن الأرقى من ذلك أن يكون الإنسان في جوف الليل، وهو مستلقٍ على فراشه يريد أن ينام، فيضيق صدره بذكر الله –عز وجل– ويأخذ سجادته في جوف الليل، ويكون له مكان خاص فيه.. وأخلو به حيث شئت بالسر بغير شفيع ويقضي لي حاجة.
– إن أستاذ الجيل الحاضر من العلماء، الذين جمعوا بين الفقاهة والعرفان: السيد الطباطبائي صاحب “تفسير الميزان”، والشيخ محمد تقي بهجت -حفظه الله-، والسيد هادي الميلاني، وغيرهم.. هؤلاء من خريجي مدرسة السيد علي القاضي في النجف.. والسيد بعد سنوات من المجاهدة والتعب في هذا المجال، خرج بنتيجة، فقال بكلمة صريحة: بأن البركات المعنوية تصدر من جهة أبي عبد الله الحسين -عليه السلام- وبوابة أبي الفضل العباس -صلوات الله وسلامه عليه-.. الحسين أعطى كل ما عنده لله -عز وجل- ما أبقى شيئاً: الأخت احضرها، والزوجة جاء بها، والطفل الرضيع قدمه، وشبابه قدمه.. فالحسين -عليه السلام- الذي أعطى كل ما لديه، لو يعطيه رب العالمين الوجود، يكون ذلك في محله!.. ما المانع؟.. فلو قال الله -عز وجل-: يا أبا عبد الله، أنت بذلت كل ما عندك في سبيلي.. فهذه الجنة، وهذه مفاتيحها، أدخلْ من تشاء في جنتي!.. فهل تكون هذه المقولة كبيرة على سيد الشهداء؟!..
– إن على المؤمن أن يمزج بين دمعتين: دمعة التأسف على مصائبهم –عليهم السلام– كما قال الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. وأخرى دمعة من دموع المناجاة بين يدي الله –عز وجل–.. هاتان الدمعتان إذا امتزجتا، خلقتا المعجزات، أقلها العتق!.. رب العالمين في هذه الليالي يعتق رقاباً من النار عتقاً أبدياً لا مؤقتاً.. فإذن، على المؤمن أن لا يطلب من الله -عز وجل- عتق هذه الليالي، أو عتق السنة.. بل يقول: يا رب!.. أعتقنا إلى الأبد من نار جهنم.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.