– إن هنالك لبساً واشتباهاً بليغاً في فهم كلمة الأخلاق، وهنالك ثلاثة توجهات في تفسير الأخلاق والأخلاقيية:
المذهب الأول: عندما يقال: فلان حسن الخلق!.. فإنه يتبادر إلى الذهن حركة مادية، ألا وهي: البشاشة، واللين في القول، وعدم إظهار التوتر الباطني.. وبعبارة موجزة: حسن الخلق يساوي البشاشة، وشيئا من المرح، وما يثير في الإنسان حالة الارتياح.. ولكن هذا تقليص أو تحجيم كثير لمعنى الأخلاق، فالأخلاق أعظم من ذلك!.. إن وجه الإنسان هو بوابة وجوده، حيث أنه يعلم غضب الشخص أو ارتياحه من خلال وجهه.. ولهذا يقال في علم المنطق: الدلالة غير اللفظية: حمرة الخجل، وصفرة الوجل.. هذا معنى من معاني حسن الخلق.
المذهب الثاني: إن هنالك مرحلة أرقى، حيث أن البعض يترقى أكثر، ويفسر الخلق والأخلاق بالأعمال الخارجية؛ أي جوارحه بكلها منطبقة عليها القيم الأخلاقية.. نعم، إن الخلق المراد من الوجه هو البشاشة.. عندما أراد موسى (ع) أن يفارق الخضر، فقال له موسى: أوصني!.. قال: (… كن بشاشا، ولا تكن غضبانا).. وعن الإمام علي (ع): (المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه).. فإذن، هناك أدب للوجه، وكذلك فإن للعين أدب وخلق، وللسان خلق، وللسمع خلق، وحتى للقلب خلق.. والإنسان المتخلق هو ذلك الذي يعطي كل جارحة من الجوارح، وظيفتها الإنسانية والإلهية.. وليس هنالك كثير اختلاف بين الإنسانية والبعد الإلهي في تشخيص الحسن والقبح، فالعقل متطابق مع الشرع، في تمييز مصاديق الحسن والقبح.
المذهب الثالث: وهو المنتجب، والمنتخب.. إن المعنى الثاني؛ أي حسن الأداء الخارجي بحسب الجوارح كلها.. هذه مظاهر، ومعلولات، ووزارات.. والذي يحرك هذه الوزارات المختلفة، هو الحاكمية العليا في الوجود.. فأعضاء البدن كلها وزارات تنفيذية، والخطة ترسم من مكان آخر.. فالجهاز الذي يحرك كل هذه الوزارات الظاهرية، هو الباطن والقلب.. وهذا القلب الذي نتكلم عنه، هو مزيج من: قوة مدركة، وقوة محللة، وجهاز مريد.. أي هنالك ثلاث قوى في النفس: قوة مدركة تجمع المعلومات المجردة الموجودة في وجود الإنسان، ثم تحلل وتركب وتعمل الأقيسة، ثم بعد ذلك تأخذ القرار.. وبتعبير المنطقيين: هناك جهاز تصوري تصديقي، وهناك جهاز مريد في الوجود.
– إن عمل المعلم الأخلاقي -وعلى رأس معلمي الأخلاق الرسول الأكرم (ص) الذي قال مقولته المعروفة: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)- هو التصرف في هذا الجهاز الباطني.. فالإنسان إذا صلح باطنه، وإذا حكّم في وجوده الملكات الفاضلة؛ فإن الحركات الخارجية تصدر بشكل تلقائي.. انظروا إلى تقدير النبي الأكرم (ص) للملكات!.. أصابت خيل رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وآله وسلم- ابنة حاتم الطائي في سبايا طيّ، فقدمتْ بها على رسـول الله -صلى اللـه عليه وآله وسلم- فجُعِلَتْ في حظيرة بباب المسجد، فمرّ بها رسول الله -صلى اللـه عليه وآله وسلم-، فقامت إليه وكانت امرأة جزلة، فقالت: (يا رسول الله!.. هَلَكَ الوالِد، وغابَ الوافد)، فقال: (ومَنْ وَافِدُك)؟.. قالت: (عدي بن حاتم)، قال: (الفارُّ من الله ورسوله)؟.. ومضى حتى مرّ ثلاثاً، فقامت وقالت: (يا رسول الله!.. هَلَكَ الوالِد، وغابَ الوافد.. فامْنُن عليّ، مَنّ الله عليك) قال: (قَدْ فعلت، فلا تعجلي حتى تجدي ثقةً يبلّغك بلادك، ثم آذِنِيني).. وفي رواية أخرى: أن سُفانة قد قالت لرسول الله -صلى اللـه عليه وآله وسلم-: (يا مُحَمّد!.. إن رأيتَ أن تخلّي عنّي، فلا تشمِّت بي أحياء العرب؟!.. فإنّي ابنة سيّد قومي، وإنّ أبي كان يفُكّ العاني، ويحمي الذّمار، ويُقْري الضيف، ويُشبع الجائع، ويُفرّج عن المكروب، ويفشي السلام، ويُطعم الطعام، ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي).. قال النبي -صلى اللـه عليه وآله وسلم-: (يا جارية، هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه، خلّوا عنها.. فإن أباها كان يُحِبّ مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق).. النبي -صلى اللـه عليه وآله وسلم- أراد بهذا أن يقدر هذا الوجود، وهذا البعد في نفس حاتم، رغم أن حاتم مات كافراً.. فحاتم وصل إلى الإكرام الخارجي، لأن هنالك ملكة في الباطن.. هو قام بمعادلة واحدة في نفسه، جعلته أكرم الكرماء: نقص قيمة الدنيا في عينه، عندما قام بذبح فرسه -والعربي فرسه كل حياته في البادية- وقدمه طعاماً للضيف.
– إن العمل مع الجوارح لا ثبات له، بخلاف العمل مع الجوانح.. فالعمل الجوانحي رصيد لا ينضب، والجوانح إذا هذبت وتكاملت وارتقت، عند ذلك فإن الأمر لا يحتاج إلى تكلف جوارحي.. أضف إلى أن هذه الذبذبة: الصعود والنزول، والإقبال والإدبار سيرتفع.
– إن العنوان المعطى للمعلم في بعض الحالات، ثوب فضفاض أكثر من جسم الشخص.. فالعنوان جداً كبير، والعنوان من أقدس العناوين في عالم الوجود؛ لأن الأنبياء هم المعلمون.. والمعلم هو ذلك الذي يعطي العلم؛ لذا لابد من التفريق بين قسمي العلم: هناك من يعلم ذلك العلم المتعلق بالمبدأ والمعاد، وهناك من يعلم ما يتعلق بهذه النشأة الدنيا؛ أي فهماً لظواهر الطبيعة باسم الفيزياء، والكيمياء، وفهماً لارتباط الأعداد والمعادلات والمسمى بالرياضيات وغير ذلك.. وبالتالي، فإن المعلم بعنوان مطلق، عنوان كبير جداً.. حيث أن هناك فرقا بين مدرس الكيمياء وبين المعلم.. فالمعلم فيه إطلاق، ونتمنى أن نعيش هذه الاطلاقية.. لماذا الإنسان يحبس نفسه ويكتفي بصفة أستاذ الكيمياء، أو أستاذ الرياضيات، أو أستاذ الرسم، أو التربية البدنية؟.. ليكن الهم والشعار، أن يصل إلى مستوى تعليم العلم، ونقل العلم إلى الطرف المقابل، والعلم بمعناه الواسع!.. ليكن دور الأخت والأخ أوسع من هذا الجانب الوظيفي المهني، لم لا يترقى الإنسان عن المسمى الوظيفي، إلى مسمى أكثر قدسية، ألا وهو استنقاذ هذا الجيل الموجود؟!.. يجب أن يكون للأخوة والأخوات دور أرقى من المسمى الوظيفي، في استنقاذ الطلاب والطالبات من المفاسد الموجودة هذه الأيام، والمتاحة في كل بيت، مثل الانترنت الذي له بركات ودركات!.. ولسهولة تداول المعلومات الضارة والنافعة، جعلت الشاب والشابة على شفا حفرة من النار.
– إن الأستاذ له موقع متميز في نفس الطالب، لذا علينا أن لا نستهين بموقعه.. قالوا: إن الآباء أربعة: أب ولدك، وأب زوجك، وأب علمك، وأب رباك.. والمعلم هو تقريباً الأب الذي يعلم الإنسان، وعادة تصبح هناك علقة عاطفية، وخاصة في مجال الأخوات المؤمنات.. حيث أن هنالك فراغا عاطفيا، فالبيوت ليست نموذجية، وعلاقة الآباء بالأمهات علاقة سيئة.. والولد الذي ينمو في وسط عائلي متوتر، من الطبيعي أنه لا يجد أحضانا دافئة في المنزل.. وبالتالي، فإن أقرب الناس إليه المعلم والمعلمة، وخاصة البنات باعتبار طبيعة البنت العاطفية؛ فلماذا لا نستغل هذا الجانب؟.. عندما نزور الإمام الحسين (ع) نقول: (وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة، وحيرة الضلالة).. نعم الشهادة كانت في الأخير، وإلا قبل الشهادة، فإن وظيفة الإمام (ع) كانت استنقاذ العباد من حيرة الضلالة.. وهذه وظيفة المعلمين.
فإذن، إن من وظائف المعلم إيجاد حالة ارتباط عاطفي، ليس مع كل التلاميذ.. فالطفل يميَّز حتى في السنوات الأولى، إذا رأى المعلم وجوها طيبة من مظاهر الخير، فليحاول أن ينمي هذه المظاهر، وليس هنالك أي قانون يمنع الإنسان من أن يقوم بدور أخلاقي.. فالمربي حتى ولو كان أستاذ الكيمياء والفيزياء، بإمكانه أن يقوم بهذا الدور، وخاصة في ربط عظمة الخالق وغيره بالجانب السلوكي والتربوي.
– إن هناك حالة توتر عصبي معروف في مجال التدريس.. فالتصدي للتعامل مع صغار السن ومع المراهقين، يعتبر من الأعمال الشاقة، ولهذا البعض منهم إذا وجد له مجالا للفرار من التدريس، يهرب بسرعة من هذا الحقل.. فطبيعة العمل مرهق، ويوجب التوتر!.. حيث أن هناك فرقا بين إنسان -مثلاً- يعمل في شركة، وشغله مع مجموعة مهندسين ومدراء وناس مثقفين، وبين إنسان شغله مع مجموعة أطفال صغار فيهم ما فيهم من أجواء الشيطنة والمراهقة.. صحيح هذا التوتر العصبي موجود، ولكن الكلام في تداعيات هذا التوتر.
– إن الملحوظ وخاصة الأخوات المعلمات، -ترجع من الدوام بعد هذه الجولة من الصراع مع بعض العناصر المشاكسة-، ترجع إلى المنزل، حيث: مشاكل المنزل، ومشاكل الأطفال، ومشاكل الزوج، ونواقص البيت، حتى البعض منهن تقوم بأعمال المنزل كافة، فهذه حياة مرهقة جداً.. وعليه، لابد من أخذ لقاح معين لتهدئة النفس، وإلا إذا تركت الأمور كما هي، فإن البعض قد يتبلى بالشيخوخة المبكرة: التوتر العصبي، والاكتئاب المزمن، أو غير المزمن، وحالة العصبية في القول والفعل وو.. الخ.. وإذا رجعت البيت الذي يقول عنه القرآن الكريم: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}؛ أي المنزل سكن للمؤمن.. فإذا كانت تسمع صياح الأطفال في المدرسة، وفي البيت صياح الزوج؛ معنى ذلك أن الحياة تحولت إلى حالة صراخ، من الصباح إلى المساء، وبني آدم طاقته محدودة، وتحمله محدود.. وبالتالي، فإن الإنسان قد يفرط في أصل أهداف الخلقة.. خلق ليكون خليفة الله في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، ولأن يعطي قسما من اهتمامه لنفسه.. هذه النفس تحتاج إلى تطوير فكري، وعبادي، و..الخ.. وهذا الجو المتوتر من الطبيعي أن يشغلها عن ذلك.
فإذن ما هي الآليات؟..
أولاً: إن الأخوة المدرسين إذا رأوا في حياتهم مثل هذا التوتر، لابد من استنقاذ الوضع، حتى ولو كانت الدوافع معيشية، ولكن لا على حساب الذات.. فهل يدمر الإنسان ذاته، ويدمر إيمانه، ويدمر آخرته، ويرد على الله -عز وجل- فقيراً، لأنه كان يريد أن يكتسب مالاً من وراء هذا الطريق؟!..
ثانياً: إن هذه المهنة من أشرف المهن من حيث الحلية.. إذا أراد الإنسان أن ينظر إلى مال حلال، فلينظر إلى مال المعلم!.. إذ أن أي غياب يكشف، لأن الصف الذي فيه أربعين أو خمسين طالبا، فهو مراقب: الطلاب مراقبون، والوكيل مراقب، والناظر مراقب.. بخلاف بعض الموظفين، الذين بإمكانهم وهم في المنزل أن يأخذوا إجازة لمدة يوم أو يومين، من خلال اتصال هاتفي، وفي بعض الحالات لا يحتاج الأمر حتى إلى استئذان.. ولكن المعلم من هذه الناحية إنصافاً راتبه حلال تماماً، لأنه قلما يتفق أن يتغيب إلا في ظروف قاهرة جداً.. ما دام الراتب بهذه الحلية، وبهذا الوضوح من الحلية، ما المانع أن يعيش شيئا من أجواء القرب؟.. عندما يخرج الإنسان من المنزل فليلقن نفسه هذا المعنى: أنه أنا يا رب خروجي هو لهدف: تربوي، أو مادي، ألا يقول رسول الله (ص): (من لا معاش له، لا معاد له)، كي يستغني الإنسان عن ذل السؤال، أو أي عنوان شرعي آخر، ليحاول أن يستحضر هذا المعنى.. وعليه، فإن حتى الضغط النفسي الذي يتعرض له، يصبح في سبيل الله عز وجل.. فتحمل الشدائد ليس دائماً في ميدان القتال مع الأعداء، وهذا أيضاً من الشدائد.. إذا كان الهدف عبارة عن تمشية أمور المعيشة بشكل جيد، هذا أيضاً من موجبات التقرب إلى الله عز وجل.
– إن هناك مسألة شرعية فقط، بالنسبة إلى التعامل مع الأطفال: عادة هناك تجاوزات شرعية من الضرب إلى درجة الاحمرار، وأكثر من ذلك بعض الأوقات.. طبعاً هذه القضية فيها إشكالات شرعية؛ لذا لابد أن يتعلم فقه التعامل مع التلاميذ.. ومن هنا لابد أن تكون القضية مدروسة، لغرض تربوي وبتنسيق مع ولي الأمر.. والقضية تحتاج إلى استئذان فقهي، والإنسان بشكل عام في أول السنة الدراسية، يستأذن شرعاً في أن يقوم بدور الأب.. وهذه من صلاحيات ولي الأمر في هذا المجال .
– إن البعض قد يقول: أنا أتعب في التدريس، وأقوم بدوري بالنسبة إلى التربية والتعليم، وأمرر المضامين التربوية التوحيدية الإلهية: صلاة وغيره، ولكن ما الفائدة؟.. لا أحد يقدر ذلك!.. وبالعكس، ذلك الذي قد لا يقوم بمهمته، قد يكون أنجح في الترقي الوظيفي!..
– إن الجواب على هذا التساؤل:
أولاً: إن هناك حسابا دقيقا في الوجود!.. فإذا كانت كمبيوترات الدنيا والوزارات، لا تسجل النتاج والتعب؛ فإن هناك حاسوبا إلهيا منصوبا في العرش مثلاً، {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}، كل جهد إيجابي في هذا العالم يسجل، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، فلو كان هناك شيء يذكر أقل من المثقال لذكره القرآن الكريم، لأنه مبالغة في التنقيص.. {وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}؛ والنقير هو هذا الخيط الموجود في نواة التمر، خيط تقريباً لا يكاد يرى من تفاهته.. ولكن بمقدار النقير لا يظلم الإنسان.. لذا على الإنسان أن يعمل بواجبه الوظيفي وواجبه الشرعي، والله -عز وجل- سيفتح له الأبواب.
ثانياً: إن من الجوائز التي قد ينالها العبد، إصلاح الذرية.. فمن يصلح ذرية الآخرين، ومن يعمل على هداية الآخرين هم أو ذرياتهم، فإن أول جائزة يعطى في الدنيا أن يصلح الله أمر ذريته.. والدليل على ذلك: الدكتور الطباطبائي الطفل الصغير.. حيث أن والديه علما أطفال الناس القرآن الكريم، وصار بناؤهم على تربية أولاد الغير وبإتقان، وطلبا من الله -عز وجل- أن يرزقهم ذرية متميزة!.. وسبحان الله!.. رزقا بهذا الطفل، الذي كان عمره سنتين أو سنة ونصف وكان يتمتم بسور القرآن الكريم.. هو الآن في سن 14 أو 15 ووصل إلى مستوى تقريباً السطوح العالية في الحوزة.. فالذي يحفظ القرآن بهذه الكيفية، ويدخل حوزة علمية؛ لابد أنه في يوم من الأيام، سيكون علما من أعلام الأمة.
– إن رب العالمين له تصرفات في عالم القلوب، يقول الله -عز وجل- في القرآن الكريم: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.. فالأوس والخزرج كانت بينهم نزاعات كبيرة في المدينة، ولكن الله -عز وجل- يقول: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.. فإذن، إن رب العالمين يده ليست مغلولة، بل مبسوطة، وفي المواضع المناسبة يتدخل.. لذا فإن الذي عنده مشكلة عائلية، أو أسرية، أو ما شابه، عليه أن لا ييأس من رحمة الله {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}.. ويقول في آية أخرى، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}.. قد يتكلم الإنسان مع ولده ساعات وليال حول أضرار الانترنت في المجال المحرم، وفي ليلة واحدة كل جهوده تذهب هدراً، ويدخل إلى ما يدخل.. ولكن لو رب العالمين أراد، لكرّه إليه هذه المناظر وهذه الصور المحرمة.. فالوازع من الداخل، لا من الخارج.. نعم، إذا أراد رب العالمين يربي الذرية للإنسان، بالطريقة التي هو يريدها، فالمؤمن الذي يدعو بهذه الآية: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} -والهبة عطاء من دون استحقاق-.. أي أتوقع يا رب منك في هذا الدعاء، أن تجعل ولدي هذا من قادة المؤمنين، لا مؤمنا اعتيادياً.
ثالثاً: إن على المؤمن أن يعمل بوظيفته، وخاصة أن الالتزام الوظيفي حكم شرعي.. يجب إشاعة هذه الفتوى دائما في صفوف الموظفين، لإجلال مقام العلم والمرجعية الشرعية: إن فتاوى العلماء في الرسالة العملية، لا يجيزون الغش في الدراسة، ولا يجيزون التغيب بلا مبرر، ولا يجيزون ما يسمى هذه الأيام بالإجازات المرضية المزيفة وغير ذلك.. نعم هكذا الفقه يقول: أنت مادمت معلماً، لابد أن تعمل بوظائفك من باب الوظيفة الشرعية، حتى لو كان المشرف المباشر في الوزارة كان قريبك، ويسهل لك الأمور.. فإذن، إن على الإنسان أن يعمل بوظيفته، والله -عز وجل- خير الرازقين.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.