إن من صفات المتقين، كما يقول أمير المؤمنين (ع): (وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَة، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌٌ).
(وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ).. لماذا أجسادهم نحيفة؟.. إن هناك مصدرين للنحافة:
المصدر الأول: قلة الأكل.. إن قسماً من السمنة؛ سببها كثرة الأكل، بينما المؤمن شعاره دائما وأبداً: (المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء)؛ وهذا مصدر العافية والصحة.. عن الإمام علي (ع): (لا تجلِس على الطعام إلاَّ وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلاَّ وأنت تشتهيه).. وروي عن رسول الله (ص) أنه قال: (مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ!.. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ!.. فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ: فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِه).. وعليه، فإنه من الطبيعي أن جسم المؤمن يميل إلى النحافة لقلة أكله.
المصدر الثاني: الهمّ والغمّ.. إن كل همّ وغمّ؛ يشغل البال، ويذيب الجسد، لذا يقال: (الهمّ نصف الهرم).. ولكن الفرق بين همّ المؤمن، وهمّ غير المؤمن: أن غير المؤمن همّه في: بطنه، وفرجه، وماله، ودنياه.. بينما المؤمن همّه لما يعانيه المسلمون من البلاء، وابتعاد الناس عن منهج الله -عز وجل-.. عندما يرى الشباب منظراً مثيراً في الشارع، يكونون على ثلاثة أقسام: البعض ينظر نظرة محرمة، والبعض يغضّ النظر، والبعض يتألم: أي أن الأمر لا يصل إلى الشهوة حتى يجاهد نفسه، إنما الألم يعتصر قلبه لما يراه من الفساد.. فالمؤمن عندما يرى بنات المسلمين؛ يعتبر أن هؤلاء بناته (أتى رجل إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول الله، إئذن لي بالزنا!.. فقال له الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: أترضاه لأمك؟.. قال: لا، قال: أترضاه لأختك؟.. قال: لا، قال: أترتضاه لعمتك؟.. قال: لا.. فقال له الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم: كذلك الناس لا يرضون على أعراضهم).. والإنسان عندما يتجاوز على بنات المسلمين، فليتذكر أن هذه البنت هي: أخت، وعمة، وخالة، وأم.
فإذن، إن المؤمن تشغله الهموم الأخروية.. يقول الشيخ “محمد عبده” في شرحه للنهج: أن نحافة أجسادهم، من الفكر في صلاح دينهم، والقيام بما يجب عليهم.
(وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ).. المؤمن لا يبالغ في أثاث المنزل؛ فالهدف منه: أن يقيه الحر والبرد، وأن يرتاح فيه.. والمبالغة في اقتناء الأثاث وتغييره؛ ليس من دأب المؤمن.. وقع حريق في المدائن؛ فأخذ سلمان مصحفه وسيفه، وخرج من الدار، وقال: «هكذا ينجو المخفون».. وكلما بالغ الإنسان في اقتناء المتاع الزائد، فإنه يتورط في شيئين:
أولاً: الحفاظ عليه.. إن الذي لديه سيارة باهظة الثمن مثلاً؛ تراه يقف هو في الشمس، ويضعها في الظل.. ويبقى دائماً في خوف وقلق عليها من السرقة ومن الأطفال.. ويا ليت الأمر ينتهي في الدنيا!.. بل هناك عند الصراط، يسأل عن سبب مبالغته وشرائه ما ليس من شأنه!..
ثانياً: الخمس.. إن الخمس يكون في الزائد من المؤونة اللائقة بحال الإنسان، فلو أن إنساناً اشترى مؤونة لا تليق بحاله، ولم يخمس هذا المال؛ فإنه يوم القيامة يحاسب حساب غير المخمسين.. فما صرفه في المؤونة التي لا تليق به، مثلاً: اشترى سيارة فوق مستواه، أو منزلاً فوق مستواه؛ هذا الإنسان يحاسب بهذا المعنى.
(وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ).. قال الباقر (ع): (ما من عبادة أفضل عند الله، من عفة بطن وفرج).. البعض يذهب مسافات بعيدة، ليأكل طعاماً معيناً.. وإذا أتى إلى المنزل، ولم يجد الطعام جاهزاً، يوجه بعض الإهانات لزوجته؛ هذا الإنسان أسير بطنه.. أما المؤمن؛ فنفسه عفيفة.. وهنيئاً لمن كان على نهج علي (ع) في قوله وفعله!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.