إنه لمن المناسب للمؤمن بين وقت وآخر عندما يتعب، أن يهدي لنفسه طرائف الحكم.. يقول علي (ع): (إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان؛ فابتغوا لها طرائف الحكم)، غذاء الروح؛ الحكمة الطيبة.. أمير المؤمنين (ع) هو سيد الحكماء، له كلمات حكمية مدونة.. من مزايا أمير المؤمنين (ع) أنّ له تراثا مدوّنا، بعنوان: “نهج البلاغة” هو فيه بلاغة، ولكنه نهج السعادة.. ومن هنا عكف العلماء من مختلف المذاهب على شرح هذا النهج، الذي هو عبارة عن رسائل الإمام، وخطبه، وكلماته القصيرة.. من حكمه (ع):
– (ما أضمر أحد شيئا، إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه).. بعض الناس عندهم سلوك باطني، وسلوك خارجي متفاوت.. مثلا: يضمر العداء لإنسان ما، أو لا يرتاح له؛ ولكنه يتكلف له، ويجامله.. علي (ع) يقول: هذا الإنسان المجامل في يوم من الأيام ينكشف أمره؛ لأن الإنسان لا يمكنه المجاملة إلى آخر العمر.. إذا كان له زوجة لا توافقه في الأمور، لماذا لا يحاول أن يحل الأمور من جذورها، ويبحث عن الأسباب التي جعلت هذه الزوجة تنفر منه؟.. فإسكاتها بهدية، أو بسفرة كما هو المتعارف؛ هذا ليس بحل جوهري.
فإذن، إن الحل يكمن في أن يجعل الإنسان قلبه نظيفا نقيا، لا يحمل غلا على أحد.. ومن هنا رب العالمين، قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة يصفّيهم، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}؛ لأن هذا الغل، يمنع من دخول الجنة.
قد يقول قائل: الناس لهم سلبياتهم!.. الجواب هو: انظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، لا إلى النصف الفارغ منه!.. هذا إنسان مؤمن، موال لأهل البيت، له خيراته، وله هفوة ما مع البعض.. هذا لا ينبغي أن يغطي على كل حسناته.. مثلا: هناك زوجة أنجبت ذرية صالحة، وهي طيلة عشرين أو ثلاثين سنة، تغسل وتطبخ وتنظف؛ الآن هذه السنة ساء خلقها.. على الزوج أن يتحملها، مقابل السنوات الطويلة.. ولكن مشكلتنا نحن، أننا عادة ننظر إلى القسم الخالي دائما.
– (امش بدائك، ما مشي بك).. وهنا خطاب للمرضى.. بعض الناس في أول حالة مرضية ولو صداع بسيط، يذهب إلى المستشفيات، ويجلب مجموعة كبيرة من العقاقير الطبية.. فلو صبر يوما أو يومين، لذهبت العلة، وشفي بدعائه وبحميته، ولم يتأثر بالعوارض الجانبية التي يجمع عليها الأطباء.. فهذه الأدوية سموم: تصلح جانبا، وتفسد جانبا آخر، قال (ع): (رب دواء جلب داء).
يقول (ع): ما دام الداء سهل الاحتمال، فاصبر!.. يقول علي (ع) في إحدى كلماته: (كان لي فيما مضى أخ في الله… وكان لا يشكو وجعاً، إلا عند برئه)؛ أي إن كان ولابد من ذكر المرض، لا يذكره إلا بعد شفائه.. هكذا يوصينا علي (ع)!.. وهنا إيماء إلى ما أمرنا به من كتمان المرض، كما قال الرسول -صلّى اللّه عليه وآله-: (من كنوز البرّ: كتمان الصدقة، والمرض، والمصيبة).
– (أفضل الزهد، إخفاء الزهد).. الذي يترك الدنيا للدنيا، هذا من أكبر الطواغيت، هذا مستكبر!.. لأنه يزهد في الدنيا؛ طلبا للدنيا، وجلبا للقلوب.. وكذلك الجهر بالعبادة والزّهادة، لا يسلم من مخالطة الرياء.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.