Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

أبعاد من حياة الحسين (عليه السلام) قل الحديث عنها…!

بسم الله الرحمن الرحيم

محطات ثلاث للحديث عن الحسين (عليه السلام)

يتم عادة الحديث عن الحسين (ع) في المجالس في محطات ثلاث؛ في شهري محرم وصفر، خاصة في العشرة الأولى من شهر محرم، وفي الأربعين وفي يوم ولادته الشريفة. وبحسب ما أعتقد به؛ فإن خير فرصة للتأمل في سيرة الحسين (ع) هي يوم ولادته المبارك. لأن يوم ولادة الإمام (ع) هو يوم فرح ويُمكن الابتعاد عن أجواء المصيبة والحزن قليلا، للتعمق في سيرته والوقوف على أبعاد شخصيته والاستلهام منها. وقد روي عن الأئمة (ع) في وصف شيعتهم: (اَلَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا)[١].

وكلما زاد المؤمن علما بهم (ع) زاد قربا منهم وتعلقا بهم؛ فعظمت فرحتنا في أيام مواليدهم وجَسم حزننا في أيام شهاداتهم. قد تستطيع في تشييع الجنائز أن تشخص والد الميت أو والدته بسهولة من خلال كثرة بكائهما عليه وتفجعهما كما لا يتفجع غيره. ينبغي أن يصل المؤمن إلى المعرفة الباطنية بحقيقة المعصوم. إن الحسين (ع) كما ورد في الروايات الشريفة: (إِنَّ اَلْحُسَيْنَ فِي اَلسَّمَاءِ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي اَلْأَرْضِ)[٢]؛ فنحن لا نعلم من سيرة الحسين (ع) إلا القليل ولا نرى منه إلا المرقد والقبة السامية والضريح المطهر. هذا وملائكة السماوات تنظر إلى حقيقة الحسين (ع). ولا نستبعد أن تكلمه الملائكة في العرش؛ فهو حي مرزوق قد صعدت روحه الطاهرة إلى الملأ الأعلى، وله وجود فاعل في تلك العوالم العلوية.

الحسين (عليه السلام) والجامعية في التعامل مع الخلق والخالق

من الدروس التي نقتبسها من سيرة الحسين (ع)؛ الجامعية. إن المؤمن لا يتميز في شيء على حساب شيء آخر؛ فلا يهتم بالجانب الاجتماعي والخدماتي على حساب الجانب العبادي. فهو لا يقوم بخدمة الفقراء والمساكين في مقابل تأخير الصلاة أو عدم الخضوع فيها، أو في مقابل أن تكون له محطة خلوة بالله عز وجل. ليس من المنطق أن يفكر الإنسان في غيره ولا يفكر في نفسه التي هي أعز الأنفس عليه. إن الزاهد العابد الذي يحيي الليل بالعبادة والبكاء والتوجه؛ إذا كان له جار جائع لا تُقبل منه عبادته تلك، بل قد روي عن النبي الأكرم (ص): (لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ رَيَّانَ، وَجَارُهُ جَائِعٌ ظَمْآنُ)[٣].

أو يسمع عن قتل المسلمين في بلاد غير بلاده ثم لا يبالي ولا يهتم بأمورهم ولا يرف له جفن ولا يخطو خطوة للدفاع عنهم. والذي يكون همه السياسة والكياسة والصوت المرتفع والإعلام والفضائيات، وإلى آخر ذلك ولا يهمه جوع الآخرين ولا يحض على طعام المسكين، فهو بعيد عن رحمة الله لقوله تعالى: (وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ * فَوَيۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ)[٤]. وفي هذه السورة إشارة إلى أمرين: السهو في الصلاة، وعدم الحض على طعام المسكين، وهي من صفات أهل النار؛ فالويل مكان في جهنم. ولو قال سبحانه: الذين هم في صلاتهم ساهون؛ لكنا كلنا من أهل الويل، لأننا كلنا نسهو في صلاتنا.

ويُمكن القول: السياسي الذي لا يفكر في الآخرين موجود ناقص، والذي يفكر فيهم وليست له علاقة مميزة مع رب العالمين وجوده ناقص أيضا. وإذا أردت أن تعلم ما معنى الوجود الناقص؛ فاذهب إلى متحف الطب وانظر إلى الأجنة في الزجاجات. إن اللإنسان يمر في مرحلة من مراحل العمر يكون رأسه أضعاف جسمه ولله سبحانه هو الذي يصورنا في الأرحام، ويحسن خلقنا ولو وُلد الجنين بهذا الشكل لرمته أمه وقالت: إنني لم ألد بشرا وإنما ولدت وحشا ذا رأس كبير ورجلين صغيرين. إن الأرواح الناقصة تفوق بشاعتها، بشاعة الأجنة في عالم الأبدان.

عندما أرادوا دفن الإمام الحسين (ع) رأوا على جسده جروحاً تختلف عن جروحه التي أصيب بها في مواجهة أولئك الأوغاد، فسئل الإمام زين العابدين (ع) عنها، فقال: (هَذَا مِمَّا كَانَ يَنْقُلُ اَلْجِرَابَ عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى مَنَازِلِ اَلْأَرَامِلِ وَاَلْيَتَامَى وَاَلْمَسَاكِينِ)[٥]؛ فكان (ع) يباشر هذه الأعمال بنفسه ولم يكن يوكلها إلى خادم من خدامه. لقد كان على صدره الشريف آثار الجراح وعلى ظهره آثار الجراب، وهذه هي الجامعية.

كان بإمكان الإمام الحسين (ع) أن يعتكف عند قبر جده (ص) أو أمه الزهراء (س) ويتعبد الليل كله ولكنه كان يتعبد من الليل نافلة ويوزع الطعام على الفقراء والمساكين في هزيع منه. إن الحسيني ليس من يحمل راية أو يؤسس موكبا فقط وإنما الحسيني هو الذي يتشبه بالحسين (ع) في جميع أبعاد شخصيته.

عبادة الحسين (عليه السلام)

الجانب الآخر من حياة الإمام (ع) تتعلق بعبادته المميزة. إننا نعرف الحسين (ع) من خلال دعائه في يوم عرفة. إن من الأذكار التي يوصي بها العرفاء والأخلاقيون؛ الذكر اليونسي المعروف وهو قولنا: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. لو كان للإنسان جرم كبير أو معصية عظيمة ويريد أن يتوب منها، فيكفي أن يغتسل غسل التوبة ثم يسجد لله سبحانه في جوف الليل ويقول بخضوع: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فسيرفع رأسه من السجود ليعامل معاملة يونس (ع)، وذلك قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ)[٦]؛ أي أن هذه معادلة أممية لا معادلة يونسية.

صاحب يوم عرفة هو صاحب يوم عاشوراء

ولكننا لو تأملنا في دعاء عرفة؛ لوجدنا تهليلا أشمل يصلح لكي يلهج به المؤمن في جوف الليل أو في قنوت الصلوات، وهو بالإضافة إلى اعتراف يونس (ع) بقوله: إني كنت من الظالمين، يضيف الحسين (ع): إني كنت من المكبرين ومن المهللين ومن النادمين ومن المستغفرين، وغير ذلك من الفقرات التي ينبغي أن يستعشر المؤمن عند قراءتها الحالة اليونسية. لقد وردت الكثير من الأدعية في يوم عرفة ولكن عندما تمر على خيام الحجاج في يوم عرفة، لا تسمع إلا دعاء عرفة الحسين (ع) صاحب يوم عاشوراء. لقد خلد الله ذكره في يوم عرفة؛ فأي حاج يطاوعه قلبه أن يقف على صعيد عرفة ولا يذكر دعاء الحسين (ع)؟ إذا أردت أن تبكي في دعاء عرفة؛ تذكر أن صاحب هذا الدعاء هو الحسين (ع) وهذا الثغر الذي لهج بهذا الثناء، صُنع به ما صنع بين يدي طاغية الشام يزيد عليه لعنة الله.

الأول في العمل الجهادي

وقد كان الحسين (ع) الأول في العمل الجهادي أو السياسي. لقد بالغ في الدعاء إلى الله عز وجل وكان لسان حاله: إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني، وقد بين علة خروجه من أول يوم قائلا: (وَأَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً وَلاَ مُفْسِداً وَلاَ ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ اَلْإِصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)[٧].

لقد كلفه هذا الإصلاح رضيعه وسبي نسائه واستشهاد إخوته وعلى رأسهم العباس (ع) وكلفه ما تنوء بحمله الجبال الرواسي. ولكنه لم يبالي بكل ذلك ما دام الإسلام باقيا. ولهذا نستغرب من الذين لا ينحنون إجلالاً لسيد الشهداء (ع) من المسلمين؛ بغض النظر عن الكفار. أيها المسلم، إن إسلامك اليوم قد بقي لك بالحسين (ع)؛ فلولاه لما بقي من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه. وسيكمل هذه المسيرة الإمام المهدي (عج) ليأتي الدين على يديه غضاً جديداً.

[١] وسائل الشیعة  ج١٤ ص٥٠٧.
[٢] الخرائج و الجرائح  ج٢ ص٥٥٠.
[٣] نزهة الناظر  ج١ ص٢٦.
[٤] سورة الماعون: ٣-٥.
[٥] بحار الأنوار  ج٤٤ ص١٩٠.
[٦] سورة الأنبياء: ٨٨.
[٧] بحار الأنوار  ج٤٤ ص٣٢٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن المؤمن لا يتميز في شيء على حساب شيء آخر؛ فلا يهتم بالجانب الاجتماعي والخدماتي على حساب الجانب العبادي. فهو لا يقوم بخدمة الفقراء والمساكين في مقابل تأخير الصلاة أو عدم الخضوع فيها، أو في مقابل أن تكون له محطة خلوة بالله عز وجل.
  • كان بإمكان الإمام الحسين (ع) أن يعتكف عند قبر جده (ص) أو أمه الزهراء (س) ويتعبد الليل كله ولكنه كان يتعبد من الليل نافلة ويوزع الطعام على الفقراء والمساكين في هزيع منه. إن الحسيني ليس من يحمل راية أو يؤسس موكبا فقط وإنما الحسيني هو الذي يتشبه بالحسين (ع) في جميع أبعاد شخصيته.
Layer-5.png