- ThePlus Audio
آفات الكذب في الكتاب والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
تأثير الكذب على المكانة الاجتماعية للإنسان
إن حديثنا هو عن آفات جارحتين من الجوارح التي بهما يكتسب الشقاء وبهما تحرز السعادة؛ وهما العين والأذن. وهذان العضوان لا ينشئان شيئا وإنما يتلقيان الأشياء وهما عضوان مستقبلان. ولكن اللسان هو عضو مصدرينشئ المعانى إلى درجة أنه على رغم من أنه يحدث مجرد أمواج في الفضاء إلا أنه في بعض الأوقات يكون تأثيره في الإيذاء والجرح أكثر من سائر الأعضاء كاليد. وكما يقول الشاعر:
جراحات السنان لها التيام
ولا يلتام ما جرح اللسان
فقد يتفق للرجل مثلا أن يتجاوز على زوجته بالضرب؛ فيضربها ضرباً بغير وجه وبعد ساعة ترجع إليه وكأن لم يقع شيء بينهما. ولكن قد يطعنها في شرفها جدا أو هزلا فلن تنسى ذلك دهرها. فقد يكون الرجل سيء الظن ويتخيل أو يتوهم والحال أن امرأته مؤمنة عفيفة ولكن إلى أن يفصل الموت بينهما يبقى أثر هذه الكلمة في حياتهما. فاللسان هو أخطر من اليد؛ بل ومن الأسلحة.
من آفات اللسان المتعارفة والشائعة ولو بدرجة من الدرجات هو الكذب. إن الانسان إذا أصبح يكذب بين وقت وآخر؛ فقد يستر عليه رب العالمين، ولكن المصيبة عندما يدمن الإنسان الكذب ويصبح كذاباً. إن مشكلة الكذاب أنه يسقط من الاعتبار. فحتى لو قال خبراً صادقا لا يصدق. وقصة راعي الغنم يضرب بها المثل. ذلك الذي كان يصيح ويقول: الذئب هجم علي كذباً، حتى يجتمع الناس إليه ويعرفون كذبه فيتفرقون. وقد أعاد ذلك عدة مرات وفي مرة من هذه المرات هجم عليه الذئب حقيقة، فأصبح ينادي فلم يصدقه أحد وتركوه لوحده. وقد تشتهر الدول أو بعض وسائل الإعلام وبعض الصحف أو القنوات بالكذب، وعندما ينقلون خبراً يقال: لا تصدقوا هذه القنوات فهي كاذبة أو هذه الصحيفة فإنها كاذبة.
إن الصحيفة أو القناة عندما تكذب لا يرتبط كذبها بالأيمان؛ ولكن المؤمن في العمل وفي الدائرة أو في الأسرة إذا اشتهر بالكذب فهذه مصيبة من المصائب. وهناك رواية طريفة أن الله عزو جل يبتلي الكاذب بالنسيان. فهو يقول اليوم كلاما يعكسه بعد أيام نسياناً فيفتضح بذلك.
وخاصة هذه الأيام التي قد يكون الكذب فيها قولا وقد يكون كتابة. والأمر هو هو. لماذا الفقهاء يستشكلون في جواز الكذب في البلاد الغربية؟ فالبعض يتحايل على تلك الدول بادعائه الفقر أو المرض أو الجنون لأخذ مساعدة ما، فهم يقولون: أن هذه الكتابة في حكم الكلام. ومن الكذب أن تنقل كلاما وأنت غير متأكد من صحته. فقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)[١]. فقد يأتيك خبر غير موثق وترسله إلى الآخرين وظاهر الحال عندما ترسل خبراً لفلان وفلان يعني أنك تتبنا هذا الخبر؛ فلو كنت شاكاً لماذا ترسل هذا الخبر؟
وهنالك كذب في عالم المزاح. وهناك من ينشر خبرا كاذباً – كما يقال في كذبة أبريل التي لا أدري من أين جاءت – والحال أن الكذب كذب طوال العام. والبعض يكذب ثم يقول: كنت أمزح وهو أمر لا يليق بالمؤمن أن يكون كاذباً ولو هزلاً. فتارة يقول هكذا كلاما هزليا ومن الواضح أنه مزاح والقرائن موجودة؛ فهذا له بحث آخر وإنما الكلام في الكذب المموه.
إن في القرآن الكريم ما يقرب من مئتين وخمسين آية تتعلق بالكذب أو بما شابه ذلك من المعاني وإن كانت الألفاظ مختلفة. وإذا أراد أحد منا أن يكتب بحثا في الكذب أو الغيبة أو الحرية أو المرأة – فقد يطالب الإنسان أحيانا بكتابة المقالات – فليعود نفسه على مراجعة كتاب الله عز وجل والبحث عن تلك المفردة فيه؛ فخير الكلام قول الرب المتعال. ثم فليبحث عنها في السنة الطهرة وفي كلمات النبي وآله (ع) ومحركات البحث في هذه الأيام هي خير عون للإنسان في هذا المجال؛ فهي كما تحتوي على شر كثير فكذلك تحتوي على خير كثير.
لقد استعمل الكذب في القرآن الكريم في وجوه من المعاني مختلفة. فالنفاق في القرآن الكريم من الكذب والمنافق على رأس الكاذبين؛ فهو يظهر خلاف ما يبطن، وقد قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[٢]، وقال في وصفهم: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[٣]. وقذف المحصنات كذلك من الكذب وهو قولك: فلان ارتكبت الفاحشة ولا يكون لك دليل على ذلك. وقد قال الله في ذلك: (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[٤].
ويستعمل الكذب بمعنى الرد والإنكار فقد قال سبحانه: (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ)[٥]؛ أي لا راد لهذه الواقعة. وقد استعمل الكذب في المعراج حيث قال سبحانه عن نبيه: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)[٦]؛ أي ما جحد قلب النبي (ص) ما رأى من الآيات الكبرى وهو مصدق لكل ما رأى. ويستعمل الكذب في القرآن بمعنى الافتراء على الله عز وجل، قال تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)[٧] وهذه وجوه من المعاني التي تفهم من مفردة الكذب؛ إلا أن الكذب المتعارف هو أن يتكلم الإنسان بخلاف الواقع متعمدا. فتارة يتكلم الإنسان بحديث يظن أنه صادق ولكن يتبين له فيما بعد أنه لم يكن كذلك وهذا مما لا ضير فيه.
لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثاً هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ)[٨]؛ فلك أن تتصور قبح الفعل هذا وهو أن رجلا يحدث إنسانا بسيطا ساذجا بحديث ويهز الأخير رأسه تصديقا به ولكنه كاذب فيما يحدث به. وقد يكون الكذب مضرا وغير مضر إلا أن الأول أقبح الكذب حيث تغش به إنسانا. فقد تكون لأحدهم سلعة منتهية الصلاحية – وبعض السلع كالأدوية فيها مضرة للإنسان إذا انتهت صلاحيتها – ولكنه يكذب لتمشيتها. وتارة يكذب الإنسان كذبة لا نفع فيها ولا ضرر وهو يعلم أنه كاذب. فيقول مثلا: لقد وقعت القضية الفلانية في البلدة الفلانية والأمر ليس كما حدث؛ فكم يكون هذا الإنسان سخيفا وسفيها؟
ومن مصاديق الكذب الذي ذكرته الروايات الشريفة وقد كثر في هذه الأيام هو الكذب في المنام. فقد يحاول البعض ممن يريد جلب المريدين إليه أن يجلبوا إليهم الناس من خلال اختراع المنامات وإسنادها إلى المعصومين كذبا. فمن أقبح صور الكذب أن يكذب الرجل فيقول: رأيت الإمام في المنام وقال لي كذا وكذا، تقوية لما يدعونه من الانتساب إلى الإمام المهدي (عج).
خلاصة المحاضرة
- إن وقع الكلام على روح الإنسان قد يكون أمر من وقع الحسام على جسمه وبدنه. إن الرجل ليتناول امرأته بالضرب فتعاوده ويعود بينهما الود ولكن الذي يتناول المرأة في شرفها فلا تعود بينهما المودة ولا تنسى المرأة تلك الكلمة التي نال بها من شرفها دهرها.
- إن من مصاديق الكذب وهو أخطر المصاديق أن يكذب الرجل في مناماته لأجل جلب المريدين من حوله. كأن يقول: لقد رأيت في المنام الإمام وقال لي: كذا وكذا، وهو يعلم أنه ضال كاذب إنما يريد بذلك الدنيا.