– إن أول مجلس عقد على الإمام (ع)، أقامه أهل بيته، وبعد ذلك جابر بن عبد الله الأنصاري، هؤلاء هم أول من أقاموا عزاء الإمام على قبره الشريف.. إن الله -عز وجل- عوض الحسين (ع) بمقتله بأمور، ورد في الحديث الشريف، عن النبي -صلی الله عليه وآله وسلم- أنه قال: (إن الله خص ولدي الحسين -عليه السلام- بثلاث: الأئمة من ذريته، والشفاء في تربته، والدعاء مستجاب تحت قبته)؛ لا يجوز أكل تراب أي قبر من القبور، إلا ترتبه (ع) بغرض الاستشفاء.. والإمام الحسن (ع) كأخيه في أنه سيد شباب أهل الجنة، ولكن الأئمة كلهم حسينيون من ذرية الحسين (ع)، وإن كانوا أيضاً حسنيين من جهة الأم.
– إن هنالك تعويضا رابعا، وهو عبارة عن الجامعة الحسينية الكبرى، التي انتشرت في بلاد محبي أهل البيت (ع) طوال التاريخ.. هذه المآتم هي جامعة حسينية، جامعة متعلقة بالإمام (ع)، فهو عميد هذه الجامعات المتفرقة.. يا لها من فكرة رائعة، أن تبنى قاعات محاضرات!.. نعم، إن الحسينيات هي عبارة عن قاعات محاضرات، تحيا بها النفوس حتى في غير محرم وصفر أشهر العزاء.. رحم الله عميد المنبر الحسيني، الشيخ الدكتور الوائلي، فحديثه عبارة عن آية من القرآن الكريم، وكان يحوم حول هذه الآية معنى واستدلالاً واستشهاداً.. فمحاضراته تربوية إسلامية، يمكن أن تكون مادة لكل جامعة إسلامية كبرى، ومستوى الحديث مستوى عال، يمكن أن تلقى هذه المحاضرة في أي جامعة من الجامعات، مع حذف الجانب العزائي في الأخير.. وهذه الظاهرة هي من بركات تلك الدماء الطاهرة، التي سفكت في أرض كربلاء في ذلك اليوم.
– ما هي آداب حضور هذه المآتم؟..
أولاً: يجب أن تكون نية الحضور، هي الاطلاع على ما يفتح القلب على الهدى الإلهي.. فالذي يأتي للمأتم، يجب أن يكون بقصد الاستفادة الشاملة: بحسب ما ينوي الإنسان يحصل من العطاء!.. فرق بين إنسان يأتي إلى هذا المكان، ليعيش حالة تجارية مع أهل البيت -ومع الأسف نحن مع أهل البيت لنا علاقة تجارية، اعترفنا أو أنكرنا- أي يذهب إلى مشاهدهم، والغرض قضاء الحاجة.. وإذا لم تقض حاجته يقول: ما الفائدة من هذه الزيارة، ذهبت ورجعت وما حصلت على شيء؟!.. وكأن هذه الزيارات مقدمة فقط لقضاء الحوائج!.. يجب أن لا يكون الهدف من الحضور، فقط ذرف الدموع؛ مقدمة لقضاء الحاجة.. إذ يكون الإنسان متفاعلا مع ذكرى سيده (ع)، ويبكي لأجله؛ مصداقاً لقول الشاعر:
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة *** لكنَّما عيني لأجلك باكية
فيأتي البعض أثناء ذكر المصيبة ويقول: الآن تذكروا حوائجكم!.. أي الآن ليكن البكاء من أجل قضاء الحوائج.. بينما يجب أن تكون النية عندما يأتي الإنسان إلى الحسينية أنه: يا رب، أنا آتي لهذا المكان لتفتح لي باباً من أبواب الهدى.. قد ينفتح القلب على طريق من طرق الهداية والتوفيق، لم يكن ليفتح لولا ذلك المجلس.. قد يقال هذا الكلام في غير ذلك المكان، ولكن ببركة المكان وبركة الأجواء، فإن رب العالمين يجعل الكلام نافذاً في الفؤاد.
– إن من موجبات التأثر بالموعظة، أن يكون في جو منتسب إلى مولانا أبي عبد الله الحسين (ع).. ورب العالمين طريقته في هداية العباد، ليس على نحو الوحي دائماً، قد يكون الكلام يجري على لسان خطيب عالم عامل، فيغير مجرى حياته.. أحد الشخصيات بلغت مدارج عالية من التكامل والكمال، ببركات كلمة واحدة سمعها من أحدهم.. كان يمشي لعله في الشارع، ولعله في هيئة لاهية أو لاغية، فقال له ذلك العالم الجليل: ما لهذا خلقنا!.. هذه الكلمة قلبت كيان هذا الإنسان، وجعلته من أولياء الله الصالحين.. فإذن، إن نية الحضور يجب أن تكون الاطلاع على ما يفتح القلب على الهدى الإلهي.
ثانياً: تحويل المخزون النظري، والتفاعل العاطفي إلى حركة في الحياة: إن الإنسان يحتاج إلى وقودين، مثل السيارة التي بداخلها جهاز يجمع بين الهواء والوقود.. حيث أن احتراق الهواء والوقود يوجب قوة دافعة، وإذا بهذه السيارة تمشي.. إذن، هنالك تفاعل بين الوقود والهواء، مما يولد طاقة منطلقة.. هذه الطاقة تحبس في قنوات معينة، وتتحول إلى حركة إلى الأمام.. كذلك الإنسان يحتاج إلى وقود يشعله، والفكر بمثابة الوقود.. فالثقافة، والفكر، والبعد العلمي، والتأمل، والتدبر؛ كل هذه كالوقود.. هذا الوقود لا يحترق إلا في وسط ملائم، هذا الوسط الملائم عبارة عن الأجواء العاطفية.. والعاطفة بمثابة الهواء الذي يجعل هذا الوقود يحترق.. ولهذا فإن في مختلف المذاهب الفكرية، هناك اعتقاد بنهضة الحسين (ع).. فهذا غاندي الذي حرر الهند يقول: تعلمت من الحسين (ع) كيف أكون مظلوماً فأنتصر!.. فغاندي كان معجباً بسيرة الحسين (ع)، وفي الفاتيكان عملوا دراسة مسح في الساحة الإسلامية، ورأوا بأن أكثر شخصية إسلامية تؤثر في جماهير المسلمين، وخصوصاً عند أتباع أهل البيت هي شخصية الحسين (ع).. وأوصت بأن يشتري كل ما كتب عن سيد الشهداء (ع)، ليكون في مكتبة خاصة، ليحللوا هذه الشخصية التي تدفع المجتمعات إلى الأمام.
– إن الخطيب الحسيني يتكلم ويتكلم، ويعظ، ويبين البعد النظري، ثم يغلف الكلام ببعد عاطفي.. فيتفاعل الإنسان عاطفياً، ويبكي، ويخرج.. إلى هنا الجهاز اشتغل بشكل جيد: دخل الوقود، والهواء موجود، وتمت عملية الاحتراق، وتولدت الطاقة.. ولكن بعد الخروج من الحسينية، لابد من تحويل هذه الطاقة إلى عجلات دافعة، وإلى عمل في ساحة الحياة.. عندما يأتي الإنسان إلى المجلس، ويستمع لما يقول الخطيب، ويتفاعل مع الفكرة، وثم يستدر دمعته ويبكي على مصائب أهل البيت.. إلى هنا الوضع ممتاز، ولكن الطاقة تتبخر.. فيخرج من المجلس، وقد يصادفه منكر في الخارج بأي صورة كانت، فيقع في الخطيئة.. أين استثمار هذه الطاقة الدافعة؟.. لابد من أن نفكر في تغيير، أو تبديل، أو تطوير هذه الطاقة المنبعثة إلى عمل في الخارج.. ونحن لا نطالب إلا بما طالبت به الشريعة، في دعاء شهر شعبان نقرأ: (فأعنّا على الاستنان بسنّته فيه، ونيل الشفاعة لديه).. جعل الاستنان بالسنة، مقدمة لنيل شفاعة النبي الأكرم (ص).. فإذن، إن الأدب الثاني من آداب حضور مجالس الحسين (ع) وأهل البيت عموماً، أن نأخذ الجانب العملي من حياتهم المباركة، ونروجها في حياتنا.
ثالثاً: التأسي بصفات أئمة أهل البيت (ع).. إن على الإنسان في كل مناسبة إمام، أن يأخذ الصفة المتميزة والبارزة من ذلك الإمام، ليعمل بهذه الصفة في حياته.. فالإمام الحسن (ع) معروف بحلمه وصبره، ذلك الصبر الذي تعجبت منه ملائكة السماء.. إمام متزوج بامرأة من أخبث نساء الأرض، خططت لقتل إمام زمانها، ونجحت في المخطط.. وأي وصف تصف به امرأة تقتل زوجها الذي هو سيد شباب أهل الجنة، وسبط النبي الأكبر (ص)، ومن أجمل الناس وجهاً!.. كان الإمام الحسن (ع) وارثاً لجمال المصطفى (ص)، ولطالما انقطعت المارة عندما كان يمر الحسن (ع)، للنظر إلى جمال وجهه.. جمال في الوجه، وعظمة في النسب، وموقع الإمامة؛ كل ذلك لم يشفع للإمام في أن لا تتورط هذه المرأة بقتل زوجها.. ولو أن جعدة قاتلة الإمام، عثرت على سلوكية للإمام خلاف: عاشروهن بالمعروف؛ لروجت لذلك الأمر.. لا هي ولا أحد أعداء أئمة أهل البيت (ع) في التاريخ -وهم كثيرون- حيث أن هناك من يترصد بأئمة أهل البيت من الأقلام المأجورة، لم ينقل التأريخ هفوة في أئمة أهل البيت.. اثنا عشر إماما في قرنين ونصف، إلا ما قيل عن علي (ع) أن فيه دعابة.. هكذا عندما أرادوا البحث عن سلبية، قالوا: إن فيه لدعابة!..
– إن من موجبات الاستفادة من هذه الأماكن، أن نأخذ هذه الصفة.. لو أن أحدا اليوم صمم أن يكون على مستوى مقارب أو شبه مقارب لحلم الإمام الحسن (ع) في القضاء على قوة غضبه.. هذا الذي يسمى في علم الأخلاق بالقوة السبعية.. كل واحد في جوفه هذا الحيوان الهائج: ولكن المؤمن ربطه بسلاسل قوية، ولا يدعه يخرج.. والورع المتقي، قتل هذا الحيوان.. أما عامة الناس، فإن الحالة السبعية فيهم موجودة.. طبعاً الحالة البهيمية رمز الشهوات، والحالة السبعية رمز الغضب {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، سفك الدماء من آثار الغضب، ويفسد فيها من آثار الشهوة.. لو أن المؤمن خرج من هذه المجالس بقرار القضاء على حالة الغضب، ما يقال هذه الأيام بالعصبية، وحالة اللاتوازن في التعامل مع الآخرين؛ يكون قد قضى على نصف المفاسد في حياته.. هذه قاعدة: من لم يقض على حالة الغضب في وجوده، -ولو بلغ أعلى مراتب الكمال: تقوى، وعلماً، وعملاً- الشيطان في ساعة واحدة يقلبه رأساً على عقب، ويتلاعب به كما يتلاعب الصبيان بكرتهم.. فإذن، إن من الآداب المهمة لحضور هذه المجالس، الاستفادة والتأسي بصفات أئمة أهل البيت (ع).
– هل نحن مطالبون بأن نتصف بصفاتهم؟..
الجواب: نحن مأمورون بأن نتصف ليس فقط بصفات الأئمة (ع) ولا بالنبي (ص)، بل أن نتأسى بصفة الله عز وجل.. يوصي الرسول الأكرم (ص) المسلمين بالتخلق بأخلاق الله، فيقول: (تخلقوا بأخلاق الله، إن أكثر الناس يدخلون الجنة بتقوى الله وحسن الخلق).. صحيح لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولكن نحن مطالبون بما هو أرقى من ذلك (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).. راجع الليلة دعاء الجوشن، هذا الدعاء الذي ظلمناه بتكراره بشكل رتيب ممل، وأحدهم يقرأ الدعاء وهمه الصفحات الأخيرة، وكأنه ثقل لابد أن يقضيه في ليلة القدر.. من قال هذا أدب الدعاء؟.. الإنسان لا يرتاح من إنسان يجلس معه وهو متململ، فكيف مع رب العالمين!.. تقرأ القرآن وأنت متثاقل من كتاب الله، هذه إهانة، اترك القرآن!.. تريد الثواب، وفي نفس الوقت تعيش حالة الثقل من كتاب الله!.. تدعو وأنت متثاقل من الدعاء، أي دعاء هذا، لعل فيه وزر؟!..
– نحن ننادي الله -عز وجل- في دعاء الجوشن ألف مرة، حيث أن فيه مائة فقرة، في كل فقرة عشر مرات، أي ألف مرة ونحن ننادي رب العالمين.. في دعاء الجوشن كم هي الصفات الإلهية التي يمكن أن نتأسى بها؟!.. قد يكون خمسمائة صفة في الله.. كل هذه الصفات، يمكن أن تكون في الإنسان.. نعم هذا معنى التخلق بأخلاق الله عز وجل.. من الصفات الإلهية الحلم والرحمة {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ}.. لو أعطى رب العالمين الجزاء نقداً، لما بقي إنسان له بصر: ينظر للمرأة، فيعمى!.. يسمع الغناء، فيصم!.. يتكلم الغيبة، فيصبح إنسانا أبكم، وهكذا!.. إذن معنى ذلك ما ترك إنساناً سالماً في الحياة.. ولكن كما في دعاء يوم الجمعة: (وضربت الأمثال، وأطلت الإمهال، وأخرت وأنت مستطيع للمعاجلة، وتأنيت وأنت مليء بالمبادرة.. لم تكن أناتك عجزاً، ولا إمهالك وهناً، ولا إمساكك غفلة).. إن من أسباب تورطنا بالأزمات المالية والنفسية والجسدية والعائلية، الظلم الذي يقع من أحدنا، حيث لا يتوقع أن هذا الظلم سيقصم ظهره (إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)!.. حياتنا العائلية والأسرية، وتعاملنا مع المجتمع ليس بالمستوى المطلوب، في أغلب الحالات هنالك حالة من حالات الظلم الذي يبلغ درجات مذهلة.. والحال بأن الله -عز وجل- في سورة المجادلة يعبر بتعبير الشكوى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}؛ لذا ينبغي أن نتأمل في هذه القضية من هذه الناجية كثيرا!.. وعلينا أن نأخذ من كل إمام تلك الصفة المتميزة فيه، ليكون مجالاً للتأسي به.. وهنا يصبح لحضور المجالس آثارها المرجوة.
رابعاً: إن من ساعات الاستجابة، هي ساعات حضور هذه المجالس.. فالإمام الرضا (ع) يقول في كلمته المعروفة: (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الإنقضاء!.. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام).. هذا وعد من الإمام الرضا (ع)، وهو المتصل بعلم جده المصطفى (ص).. ولكن نحن لا نحول مجالس العزاء إلى وقفة توحيدية، ومناجاتية مع رب العالمين.. صحيح أن هناك دعاء روتينياً متعارفاً بعد كل مجلس نقرأه، وهو: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، ودعاء: (اللهم اشف كل مريض)، ونخرج!.. بعض المؤمنين في مجالس عزاء سيد الشهداء يخرج وعيونه محمرة، إلى درجة وكأنه فقد أعز أعزائه.. نعم، هذا منظر وجه، يحبه الله ورسوله!.. وإذا بهذا الإنسان بعد دقائق أو ثوان من انتهاء المجلس يضحك ويمرح، هو لا تزال الدموع على خديه، والقهقهة تسمع منه.. ما هذا التناقض؟.. إذا كنت متألما، وهذه الدموع على خديك، لماذا جو الغفلة بلا فاصل؟.. دع الغفلة بعد فترة ليس مباشرة!..
خامساً: إن من الآداب أن نعيش الخلوة مع أنفسنا قليلاً.. رحم الله العلامة صاحب تفسير الميزان، يقول: الحالات الروحية الجيدة بمثابة الضيف، إن أكرمته بقي، وإلا ارتحل.. هذه الحالة الروحية الإيجابية، حاول أن تكرمها بأن تبقى معها إلى أن تذهب هي، إذا هي ذهبت أنت لست مؤاخذا.. طبعاً هذه الحالة لن تبقى، ولو بقيت لمشيت على الماء.. هذه الحالة الروحية نور يأتي ويذهب، ولكن المهم أن نبقي على الحد الأدنى بعد انتهاء المجالس.. إذ بإمكان الإنسان أن يكمل جو الدعاء والمناجاة مع رب العالمين.. هذا الذي كان الحسين (ع) مشتغلاً به يوم عاشوراء، حيث أن الإمام (ع) كان يعيش أجواء توحيدية عليا.. فالدم يفور من بدنه، وكله جراح، وكله آلام، ومع تنفسه الدماء تنزف من بدنه الشريف، وهو يناجي رب العالمين: (إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك، لا معبود سواك).. ختم حياته بالمناجاة بين يدي الله عز وجل.. هذا الذي ميز الحسين من بين الشهداء.. لماذا يغبطه جميع الشهداء؟.. لماذا هذا الخلود في ذكر الحسين (ع) في محرم؟.. إن أفسق الناس ترى قلبه يهفو إلى ذكر الحسين (ع)، مصداقاً لحديث النبي (ص): (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين، لا تبرد أبداً).. فحالة الإمام (ع) في يوم عاشوراء، كحالته يوم عرفة: في صحراء عرفة لا من مقاتل ولا من سهم ولا من سيف، الإمام يبكي وعيناه كأفواه القرب من البكاء.. نفس هذه الحالة كانت له يوم عاشوراء، صلى صلاته في أول الوقت، وكانت صلاة مكلفة، حيث اصطف جماعة أمامه، وأخذ القوم يرمونهم بالنبال.
سادساً: إن على الإنسان أن يقطف ثمار المجلس نقداً، فلا يقول: أذهب للبيت، وأصلي ركعتين.. وهو في المجلس بعد الفراغ، عليه أن يعيش شيئا من الأجواء التوحيدية.. فالذي يدخل إلى الله -عز وجل- من هذا الباب، سوف يصل سريعاً.. فهذه الدموع تفتح الأبواب، هذه الدموع بمثابة بطاقة الدخول على السلطان.. والبطاقة لها قيمة، ولكن القيمة الكبرى للمقدمة، ولمنادمة السلطان، وللجلوس معه.. لذا على الإنسان أن يصل إلى حالة الرقة مع الله عز وجل، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا اقشَعَرَّ جلدك، ودمعت عينك، ووجل قلبك.. فدونك دونك، فقد قصد قصدك).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.