Search
Close this search box.
  • آثار الذنوب السيئة على حياة الإنسان
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

آثار الذنوب السيئة على حياة الإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم

عصر يوم عرفة تُسحب منكم الأوراق…!

إن الأعمال تُختم عصر يوم عرفة وهو يشبه فجر ليلة القدر التي تنتهي فيه ليلة القدر وتُختم فيها أعمال العباد ومقاديرهم التي كتبها الله لهم. ولذلك يعيش المؤمن اضطرابا وقلقلا كالذي يعيشه الطلاب في الامتحانات النهائية عندما تُحسب منهم ورقة الامتحان وهم لا يدرون ما قدموا من خير أو شر، وهل هو من فائزين أم الخاسرين؟ وينبغي الاستعداد ليوم عرفة في ليلة ذلك اليوم وفي صباح يوم عرفة؛ فالذي لا يستعد في هذه الساعات ويكون غافلا إلى العصر، لا ينبغي أن يتوقع من نفسه معجزة في ذلك اليوم. ومن التوفيقات الحضور في مشهد الحسين (ع) في ذلك اليوم، فقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (مَنْ زَارَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ أَرْضَ كَرْبَلاَءَ وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى يُعَيِّدَ ثُمَّ يَنْصَرِفَ وَقَاهُ اَللَّهُ شَرَّ سَنَتِهِ)[١].

رأس الأعمال في يوم عرفة

وليوم عرفة أعمال كثيرة؛ على رأسها زيارة الحسين (ع). والزيارة التي يُريدها المولى هي زيارة الروح للروح، لا الجسد للضريح. إذا دونت من الضريح فرأيته مزدحما، فلا تزاحم الزوار؛ فيكفي أن يتوجه قلبك للإمام (ع) حتى لو كنت في الصحن الشريف، فإن الاتصال سيتم بينكما. إن علامة الغليان في الماء تصاعد البخار، وعلامة غليان الباطن نزول الدمعة؛ فاغتنم تلك اللحظة التي تكون فيها في قمة التفاعل. وقد يبكي الرجل ولا تنزل من عينه الدمعة، وإنما تقفز من عينه، وكأنما هذه دمعة محتبسة، وقد يبكي الرجل من دون أن تجري له دمعة.

أفطر على دمعة له على الحسين (عليه السلام)…!

وقد سمعت عن أحدهم أنه كان يبكي عند الضريح في ساعة الافطار، فنزلت دمعة ودخلت في فمه؛ أي أنه أفطر على دمعة على الحسين (ع). إنني لا أدعو إلى فعل ذلك ولكنني أقول: إنه إفطار لا نظير له. هكذا يتفنن البعض في عالم المعنى كما يتفنن الناس في دنياهم وفي ترتيب منزلهم وشراء أرقى الأثاث والدواب وما شابه ذلك. ولا ضير في هذه الدمعة إذا استهلكت في الفم. وإن كنت تريد أن تتشبه بهذا الرجل، فلا أسد عليك الباب؛ فخذ هذه الدمعة واجعلها في فمك، وقل: يا أبا عبدالله، أفطرت على دمعة عليك. إن هذه حركة من حركات العشاق على كثرة ما لهم من حركات يتفننون فيها في إظهار الحب لمعشوقهم.

وإذا وصلت إلى الحرم وكنت تحت القبة وجرت هنالك الدمعة، فقل: يا مولاي، إن زارك ولدك المهدي (عج) فاطلب منه أن أكون في عين رعايته؛ وهل تبقى حاجة إذا شملتك يد الرعاية المهدوية؟ إنني أعتقد إن إمام زماننا (عج) وبمجرد أن ينتهي موسم الحج؛ ينتقل من أرض مكة إلى أرض كربلاء شوقا لزيارة جده بعد طول غياب في عرفة ومزدلفة.

يؤخر الله عقاب هؤلاء إلى يوم عرفة

وقد ورد في كتاب مفاتيح الجنان – وهو اسم على مسمى – دعاء مفصل من أدعية ليلة عرفة، فيه بيان لآثار الذنوب سأكتفي بذكرها وهي تشبه فقرات مما ورد في دعاء كميل. ولا ننسى أن الدعاء هو مقال علمي ومقال أخلاقي. ورد في هذا الدعاء من آثار الذنوب: (اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ). قد يأتي الزائر قبر الحسين (ع) في يوم عرفة، فيرى في قلبه قسوة وإدبارا قاتلا؛ فقد يؤخر الله سبحانه عقوبة البعض إلى هذا اليوم.

فهو يسرح ويمرح طوال العام وإذا به لا يرى في نفسه إقبالا في أهم يوم في حياته وهو يوم عرفة. وكما روي عن الباقر (ع): (إِنَّ لِلَّهِ عُقُوبَاتٍ فِي اَلْقُلُوبِ وَاَلْأَبْدَانِ ضَنْكٌ فِي اَلْمَعِيشَةِ وَوَهْنٌ فِي اَلْعِبَادَةِ وَمَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ اَلْقَلْبِ)[٢]. وحري بمن يعاني من هذه القسوة أن يخاطب الرب في محضر الإمام (ع) قائلا: لا تؤدبني بعقوبتك في يوم عرفة، وافعل بي بعده ما تشاء من مرض أو علة أو ما شابه ذلك.

لماذا يتحسر أولياء الله يوم القيامة؟

إنني أشعر بالطمأنينة بعد أذان المغرب من يوم عرفة، لأن الامتحان قد انتهى بخير؛ فالبعض منا يزور الحسين (ع) طوال العام وهو في حالة جيدة ولكنه وفي يوم عرفة يرى هذه النعمة مسلوبة، فتورث له الندم. إن أكثر عذاب يُعذب به أهل القبور، حتى الأولياء منهم؛ عذاب الحسرة على التفريط في هذه الدنيا. كم من الليالي نمنا، وكم من الأيام سهونا، وكم جلسنا في مجالس الغافلين نقضي الساعات في الثرثرة والهذر في الكلام؟ إن هذا المجلس وبال على صاحبه يوم القيامة. إن كل ساعة من ساعات العمر صندوق يُفتح يوم القيامة؛ ففي بعضها نتن وفي بعضها رائحة طيبة؛ ولكن أغلب الصناديق فارغة لا طيب ولا نتن فيها، وهي ساعات البطر والهذر والنوم الزائد وإلى آخر ذلك.

أوقف هدر العمر بنية صحيحة

من موجبات عدم الحسرة؛ قلة النوم. إذا نمت ست ساعات فقد نمت ربع اليوم وإن نمت ثمان ساعات فقد نمت ثلثه. فتطهر قبل أن تنام، واذكر الله بتسبيحات الزهراء (ع) ولتكن نيتك من النوم، الراحة للتقوي على صلاة الليل والعمل في النهار لكسب القوت الحلال. حول هذه الساعات المهدورة في النوم والعمل ثماني ساعات إلى عبادة من خلال النية الصحيحة. إن أحدنا ليضيع بالنوم والعمل؛ ثلثا عمره ما لم تكن له نية صحيحة. والإنسان يؤجر على النية وتغلب العمل أحيانا. فلو توضأت بماء زمزم وصليت في جوف الكعبة صلاة خاشعة بلا نية؛ فصلاتك لا قيمة لها ولا تساوي فلساً.

الأمراض ودور المعاصي فيها

وورد في دعاء ليلة عرفة: (وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ السَّقَمَ)[٣]. إن أكثر الناس يعاني من أمراض في أبدانهم كأمراض في الدم وفي الرأس وفي القلب وما شابه ذلك، ولا يبعد أن تكون هذه الأمراض والأسقام من الذنوب التي يرتكبوها، فيبتليهم رب العالمين بمرض عقوبةً لهم. إن الرجل قد تنكسر رجله وهي مصيبة هينة في مقابل من يصاب بمرض يمنعه من التوجه في الصلاة. وقد سمعت عن أحدهم: أنه كاد ينتحر من أجل صداع مزمن – الشقيقة – لأنه لا يهنأ بصلاة ولا بنوم ولا بزيارة. من أين تأتي هذه الأسقام؟

حذار من هتك الستر المسدل على ذنوبك

وورد في الدعاء: (وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ العِصَمْ)[٤]، وقد روي عن الأمير (ع) أنه قال: (لَوْ تَكَاشَفْتُمْ مَا تَدَافَنْتُمْ)[٥]؛ ولكن الله يستر على العباد وشد ما يُعجبني قول الشاعر وهو أشبه بالمناجاة:

يظن الناس بي خيراً وإني
لشر الناس إن لم تعف عني

وهو يشبه قولنا في الدعاء: (يا من نشر الجميل وستر القبيح؛ ولكن هذه القاعدة ليست قائدة ثابتة، فإذا أراد رب العالمين لهتك ستر البعض بأدتى سبب؛ فهو الساتر وهو الفاضح. فقل قبل أن ينكشف عيبك ويهتك عنك ربك سترك: (اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم).

من الذنوب ما قد ترد الدعاء

ومما ورد: (وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعاءَ)، وهذه العبارة أبلغ من العبارة التي وردت في دعاء كميل: (تحبس الدعاء). إن الدعاء قد يصعد فيتوقف في الطريق ولكن من الذنوب ما ترد الدعاء ردا. لقد ورد ما يشبه ذلك حول الصلاة، فقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (فَالَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ تُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ اَلثَّوْبُ اَلْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُهُ)[٦]، وكأنهم يقولون: اذهب، فلست بأهل للمناجاة. وورد في دعاء أبي حمزة: (لَعَلَّكَ لَمْ تُحِبَّ أَنْ تَسْمَعَ دُعَائِي فَبَاعَدْتَنِي). إن الدعاء لا يُرد عن الحسين (ع) ولكن قد يصل الشقاء بالبعض أن يرده الحسين (ع) أيضا؛ فإذا رد الحسين (ع) أحدهم فإلى من يلجأ بعده؟

هكذا يخاطب العاصي مولاه

قف على باب الحسين (ع) مستغفرا وقل له: يا أبا عبدالله، أريد أن أدخل عليك متطهرا، وكن كذلك الرجل العاصي الذي وقف على باب الحسين (ع) وقال: أنت طهر طاهر مطهر من أصلاب طاهرة، وإني لأجلك عن أن يدخل عاص ملوث قذر مثلي عليك. هل يدخل الحرم إنسان وعلى بدنه بقعة من الدم؟ ألا يقال له: اخرج وتطهر ثم عد؟ إن استشعارك هذا المعنى يجعل الإمام (ع) يقبلك. وكذلك نوصي الحاج في الميقات ألا يخرج إلا وقد أحرز غفران الله عز وجل ونوصيه بمناجاة التائبين في تلك البقعة المباركة، وكذلك ينبغي أن يكون زائر الحسين (ع).

الذنوب التي تبتر العمر وتحرم الإنسان من فعل الخيرات

ومما ورد في هذا الدعاء: (وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تُعَجِّلُ الفَناءِ). لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَنْ يَمُوتُ بِالذُّنُوبِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَمُوتُ بِالْآجَالِ، وَ مَنْ يَعِيشُ بِالْإِحْسَانِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعِيشُ بِالْأَعْمَارِ)[٧]. فقد يكتب الله سبحانه لك ثمانين سنة بعافية؛ فترتكبت معصية تبتر لك عمرك وتموت في الستين. وهذه السنوات التي نقصت من عمرك فيها عشرون حجة وعشرون ليلة قدر وعشرون عرفة؛ قد سُلبتها بمعصية من المعاصي كقطع الرحم مثلا. فمعروف أن قطع الرحم يبتر العمر. وكذلك الموت الفجأة من آثار الذنوب.

وقد ورد في هذا الدعاء: (وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تَجْلِبُ الشَّقاءِ). ماذا نقرأ في ليالي القدر؟ ألسنا نطلب من الله في تلك الليلة أن يُبت اسمنا في ديوان السعداء ويمحوه من ديوان الأشقياء؟

[١] مصباح الزائر  ج١ ص٣٤٧.
[٢] بحار الأنوار  ج٧٥ ص١٧٦.
[٣] مفاتیح الجنان.
[٤] مفاتیح الجنان
[٥] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٤٤٦.
[٦] مجموعة ورّام  ج٢ ص٢٣٧
[٧] الأمالي (للطوسی)  ج١ ص٣٠٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن أكثر عذاب يُعذب به أهل القبور، حتى الأولياء منهم؛ عذاب الحسرة على التفريط في هذه الدنيا. كم من الليالي نمنا، وكم من الأيام سهونا، وكم جلسنا في مجالس الغافلين نقضي الساعات في الثرثرة والهذر في الكلام؟ إن هذا المجلس وبال على صاحبه يوم القيامة.
Layer-5.png