قال الصادق (ع): (كان رجلٌ في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا!.. إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدلّك على شيء تكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟.. قال: بلى.. قال: تبتدع دينا وتدعو إليه الناس!.. ففعل؛ فاستجاب له الناس، وأطاعوه، وأصاب من الدنيا، ثم إنه فكر فقال: ما صنعتُ؟.. ابتدعتُ دينا ودعوت الناس، ما أرى لي توبةً إلا أن آتي مَن دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول لهم: إنّ الذي دعوتكم إليه باطلٌ وإنما ابتدعته، فجعلوا يقولون له: كذبت وهو الحقّ، ولكنك شككت في دينك، فرجعت عنه.. فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة، فوتّد لها وتدا ثم جعلها في عنقه وقال: لا أحلّها حتى يتوب الله -عزّ وجلّ- عليّ، فأوحى الله -عزّ وجلّ- إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي!.. لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك، ما استجبت لك حتى تردّ مَن مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه).
(فأتاه الشيطان).. ليس معنى ذلك أنه جاءه بهيئته المادية، فالشيطان يأتينا جميعاً من خلال الوسوسة والإلقاء في الروع، إلى درجة أن هذا الخبيث يجعل الإنسان يتصرف، كأنه مدفوع للعمل في هذه الفكرة بقوة، كما في الشهوات، مثلاً: هناك شاب جالس في المنزل، ينظر إلى منظر شهوي، فتضغط عليه هذه الصورة الشهوية؛ تجعله يخرج من البيت، ويذهب لممارسة الحرام.. وعليه، فإن الشيطان خبيث، وله سلاسل وأغلال، لكل إنسان بحسبه: فالشاب بالمراهقة، والتاجر بالربا، والسلطان بالظلم؛ وهكذا لكل إنسان طريقة!..
(تبتدع دينا وتدعو إليه الناس)!.. ومن صور إلقاء الشيطان للإنسان في الفخ، للذين عندهم قدرة فكرية: إما علماء، أو شخصيات مثقفة وجيهة في المجتمع؛ ابتكار المذاهب، ودعوة الناس إلى أفكار هدامة.. فالشيطان يستغلّ أذكياء العالم والمفكرين، من أجل خلق مذاهب مبتدعة.. فكما أن المسلمين تطيع الرسول الأكرم (ص) وأهل البيت (ع) هناك أناس يطيعون أصناماً ورموزاً باطلة.. وعلي (ع) له عبارة بهذه المضامين: (قد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم بطاعتهم إمامهم، ومعصيتكم إمامكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم، وبصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وباجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)، بعض الناس على الباطل يتفانون، ونحن على الحق لا نبالي؟!..
(ففعل؛ فاستجاب له الناس، وأطاعوه، وأصاب من الدنيا).. لكل مقال أتباع، وهذه الأيام هناك ما يسمى بـ”عبدة الشيطان” حتى الشيطان هذا الأيام له عبدة، يلبسون الثياب السود، ويرتكبون أبشع المنكرات!..
(ثم إنه فكر فقال: ما صنعتُ)؟.. هذا الرجل بعد فترة، رأى أن أتباعه صاروا كثيرين، وهو يعلم أنه ضالّ مضلّ، فأراد أن يتوب، وجعل يدعوهم إلى التوبة.
(فجعلوا يقولون له: كذبت وهو الحقّ، ولكنك شككت في دينك، فرجعت عنه).. بعض الناس ملكيين أكثر من الملك!.. لم يقبلوا منه قوله.
(فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة، فوتّد لها وتدا ثم جعلها في عنقه).. عندما رأى أنه لا يمكن إرجاع الناس، حبس نفسه بالسلاسل.
(وقال: لا أحلّها حتى يتوب الله -عزّ وجلّ- عليّ).. إنه عمل جميل: استغفر، ودعا الناس إلى الرجوع، وربط نفسه بالسلاسل!..
(لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك، ما استجبت لك حتى تردّ مَن مات على ما دعوته إليه، فيرجع عنه).. ولكن انظروا إلى العقاب الإلهي، فالقضية ليست بهذه السهولة!.. الذي عمل منكراً وبدعةً وأضلّ الناس، فهل بالاستغفار تمحى خطيئته؟..
الدرس العملي:
١- قد يقول قائل: أين نحن وهذه البدعة؟.. نحن أناس مستضعفون، لسنا بهذا المستوى!.. قد لا نكون بهذا السوء، ولكن قد يُنشئ الإنسان موقعاً على الانترنت، ينشر الضلال.. وقد يوزع الشاب صوراً محرمةً، يحرك بها الشهوات، فيتسبب بارتكاب عشرات الفواحش.. وكذلك موزعي الأفلام المحرمة، والذين يُنشئون قنوات محرمة، والذين يؤلفون كتباً ضالة مضلة؛ هؤلاء تقريبا يشملهم الحديث.. لأن هؤلاء أمضوا شبابهم في إغواء الغير، وعندما يصبحون في سن الستين ماذا يعملون؟..
٢- إن المؤمن يسأل الله -عز وجل- أن يجعله من مصاديق صدر هذا الحديث: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا).. في مجتمعاتنا هذه الأيام هناك من روّج لميلاد السيدة زينب (ع) أو وفاتها، لذلك إلى يوم القيامة، وهو يحوز أجر ذلك اليوم الذي تقام فيه برامج لإحياء الأمر.
٣- إن المؤمن كذلك يسأل الله -عز وجل- أن لا يجعله من مصاديق تتمة الحديث: (ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا).. مثال ذلك: إنسان صار على رأس شلة فساد، وهذه الشلة على شكل هرمي، توسعت في المجتمع.. وبالتالي، فإن هناك ملايين الناس ستنحرف إلى يوم القيامة.. وعليه، فإن كل إنسان قام بهذا المنكر، فإن المروّج له يشاركه في الوزر.. يوم القيامة {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ}.. لذا، المؤمن يستجير بالله -عز وجل- من سوء العواقب!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.