وظائف المؤمنين في زمن الغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم
وظائف المؤمنين في زمن الغيبة
إن أول وظيفة للمؤمن تجاه إمام زمانه (عج) أن يحمل هم غيبته؛ فبعد الإمام (عج) وغيبته من موجبات الهم والغم. وأي هم وغم أعظم من أن تفقد الأرض وزنها وثقلها ومن بيمنه رزق الورى ومن بوجوده ثبتت الأرض والسماء. إن الأم التي تفقد ولدها بضع دقائق في الازدحامات تنذهل وتكاد تفقد عقلها وقد تصرخ وتبكي بصورة غير إرادية، فكيف ينبغي أن يكون حال من فقد إمام زمانه منذ سنة مائتين وستين من الهجرة وحتى يومنا هذا، وهو يعلم أن كل مأساة على وجه الأرض من إراقة دم أو هتك عرض أو غصب حق إنما يعود لغيبته لما ورد في الأحاديث الشريفة عن النبي الأكرم (ص) في وصفه: (اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً)[١].
حزن الأئمة (عليهم السلام) على صاحب الأمر (عجل الله فرجه)
ولذلك كان أئمتنا (ع) يعيشون هذه المأساة قبل ولادة الإمام المنتظر (عج)، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه كان يخاطب إمام العصر ويقول: (سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي، وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي وَاِبْتَزَّتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي، سَيِّدِي غَيْبَتُكَ أَوْصَلَتْ مُصَابِي بِفَجَائِعِ اَلْأَبَدِ)[٢]، والإمام (ع) هو أكثر الناس علما بسلبيات زمن الغيبة وفتنها. ثم إن الإمام الصادق (ع) يخاطب الحجة (ع) وهو ابنه فيقول له: سيدي، ويندبه وهو بعد لم يلد ولم يشهد مآسي زمن الغيبة. ولقد روي عن الرضا (ع) أنه قال عند وصف فتن آخر الزمان وذكر الحجة (ع): (بِأَبِي وَأُمِّي سَمِيُّ جَدِّي شَبِيهِي وَشَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، عَلَيْهِ جُيُوبُ اَلنُّورِ تَتَوَقَّدُ بِشُعَاعِ ضِيَاءِ اَلْقُدْسِ كَمْ مِنْ حَرَّى مُؤْمِنَةٍ وَكَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ مُتَأَسِّفٍ حَيْرَانٍ حَزِينٍ عِنْدَ فَقْدِ اَلْمَاءِ اَلْمَعِينِ)[٣]، فهو يشبه الإمام (ع) بالماء المعين الذي قال عنه تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)[٤]، فقد فسرت هذه الآية بالحجة (ع).
وكلما نضج المؤمن وبلغ في إيمانه وارتفعت درجاته كانت مأساة زمن الغيبة أشد على قلبه وآلم. ولذلك نعتقد أن أكثر الناس بلوغا ورشدا هم الذين يتوجهون إلى صاحب الأمر (ع)، وبمقدار إهماله هذا الأمر يكون قد ابتعد عن مصدر النور.
من هموم الحجة (عجل الله فرجه)
ومن هموم الحجة (ع) وغمومه بغض النظر عن الغيبة وشدتها؛ عدم تمكنه من القيام بوظائفه. فكيف يكون حال من طرد من منزله واحتجزت أمواله وسجن أهله وعياله وهو ينظر من خارج الدار إلى هذا المنزل المغتصب وإلى الأموال المنهوبة التي أخرج منها قسرا؟ إن الحجة (ع) هو صاحب الأرض بجميع معادنها وثرواتها وبترولها وهو يرى كيف أصبحت بيد غير أهلها يتصرفون فيها بغير ما أنزل الله.
دعاء الندبة في الأعياد الأربعة
لقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال لعبدالله بن دينار وهو من رواة الحديث: (يَا عَبْدَ اَللَّهِ مَا مِنْ عِيدٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَضْحًى وَلاَ فِطْرٍ إِلاَّ وَهُوَ يَتَجَدَّدُ فِيهِ لآِلِ مُحَمَّدٍ حُزْنٌ قُلْتُ فَلِمَ قَالَ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ حَقَّهُمْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ)[٥]. وليس من السهل أن يرى الإمام (ع) منابر المسلمين يرتقيها من ليس لها بأهل. ولهذا أمرنا بدعاء الندبة في الأعياد الأربعة؛ في يوم الجمعة والغدير والفطر والأضحى. والحال أن فقرات هذا الدعاء مما تثير الأحزان والأشجان.
تألم الإمام (عليه السلام) لتفرق الشيعة
إن الإمام (عج) رغم معاصي شيعته وتخلفهم فكريا وعاطفيا وشعوريا وسياسيا يعيش ألم الغيبة، وكذلك أمير المؤمنين (ع) وهو يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين كان يتألم للشيعة في زمن الغيبة، وكان يقول: (كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلاَنَ اَلْإِبِلِ تَبْتَغُونَ اَلْمَرْعَى، فَلاَ تَجِدُونَهُ يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ)[٦]. فإذا كان المؤمن العادي يحز في نفسه تشتت المسلمين ووتفرقهم فكيف بالإمام (ع)؟ ألا يتألم لتشتت شمل الشيعة واختلافهم على أمور بسيطة وهم متفقون على أصول الدين وفروعها وهو لا يستطيع أن يفعل شيئا؟ ولو أذن للإمام (ع) أن يستعمل الغيب والإعجاز والكرامة وخرق العادة لظهر منذ سنوات؛ ولكنه يتوقع الظرف الاجتماعي المناسب والأعوان الذين يمكنه الاعتماد عليهم في حركته المباركة.
انتظار الفرج
ومن وظائف زمن الغيبة؛ انتظار الفرج. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي اِنْتِظَارُ اَلْفَرَجِ)[٧]، ولكن ما هو المعنى الصحيح لانتظار الفرج؟ إنها كلمتان ولكنهما تحملان مفاهيم كثيرة. أول مفهوم ينبغي أن نعلمه؛ أن انتظار الفرج هو انتظار حكومة إسلامية تحكم بما أنزل الله سبحانه، وحمل هم قيادة الله في الأرض وإقامة الأحكام والشريعة، وهو هم يعبر عن مستوى راق في التفكير. إن الذي ليس له هم غير بطنه وفرجه ولا يكترث إلا لأمر زوجته وأطفاله والذي إذا سلمت له أموره لم تهمه أمور الإسلام والمسلمين لا يكون منتظرا للفرج. إن البعض من المؤمنين لا يمنعه السرور بالوظيفة والترقي في مدارجها والسرور بالأهل والعيال من الاهتمام بالمسلمين والشعور بالحزن والأسى لما يصيبهم بين الفترة والأخرى، فلا يشغله سروره بمولوده الجديد عن الحزن على فاجعة جديدة تصيب المسلمين وهكذا.
وهناك فرق بين انتظار الفرج، وتمني الفرج. إن الطفل الذي ينتظر الإمتحان ترى كتبه إلى جانبه ويمضي الليل ساهرا في الدراسة ثم يخرج من منزله مبكرا إلى المدرسة، وإذا رأيته تعرف من سيمائه ذلك، بخلاف من يتمنى النجاح في الإمتحان تمنيا. وكذلك الزارع لا ينتظر هطول الأمطار إلا بعد حرث الأرض وزرع البذور وتهيئة المقدمات المطلوبة. وأما الذي يجلس في البيت ينتظر المطر ولم يقدم شيئا لا يسمى منتظرا وإنما هو كاذب في انتظاره.
إن الإمام الحجة (ع) كالشمس والمطر ينتظر التربة الصالحة التي ينبغي لنا نحن أن نهيئها. هب إن الإمام (ع) ظهر غدا أو بعد سنوات هل أنت مستعد لهذا الظهور؟ إن الله يصلح أمره في ليلة واحدة كما ذكرت ذلك الروايات الشريفة، والأحداث عند ظهوره تكون أحداثا سريعة متتابعة.
وانتظار الفرج يعني: أن يكون المؤمن في ضيق وضنك لا أن يكون مسترسلا في طلب الدنيا ومسترخيا، كما قال سبحانه: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ)[٨]. فهل الذي يعيش الجنة الوهمية بجوار زوجته وأولاده ويحسب أنه قد أوتي كل شيء يكون للفرج منتظرا؟ وأي فرج يكون هذا والعياذ بالله؟
ولذلك أمرنا في زمن الغيبة بكثرة الدعاء للفرج، ورحم الله السيد ابن طاووس الذي كان يوصي بدعاء الفرج في يوم الجمعة ويؤكد عليه ولعله أخذ ذلك من الناحية المقدسة أو ممن يرتبط به (عج). ولو تأمل الداعي في دعاء الندبة وعباراته المشجية لرأى أنها عبارات عاشق هائم يعيش محنة زمن الغيبة، والتي منها: (عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى اَلْخَلْقَ وَلاَ تُرَى) و(هَلْ إِلَيْكَ يَا اِبْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقَى)[٩].
صفات المنتظرين
وعندما نرجع إلى الروايات الشريفة ونجد فيها وصف المنتظرين؛ نرى أنهم على مستوى عال من تحمل المسئولية، منها ما ورد في التوقيع الصادر عن الإمام الحجة (عج) حيث قال: (اَلدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ اَلْفَرَجِ فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُمْ)[١٠]. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ لَنَا دَوْلَةً يَجِيءُ اَللَّهُ بِهَا إِذَا شَاءَ ثُمَّ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ اَلْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ اَلْأَخْلاَقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ اَلْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ اَلْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ فَجِدُّوا وَاِنْتَظِرُوا هَنِيئاً لَكُمْ أَيَّتُهَا اَلْعِصَابَةُ اَلْمَرْحُومَةُ)[١١]. وقد قال سبحانه في كتابه: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)[١٢]، والانتظار صفة من صفات المؤمنين على مر السنين.
كذلك من صفات المنتظر الارتباط الشخصي بالإمام (عج) من الدعاء له والتصدق عنه وما شابه ذلك. وهناك قصة جميلة عن أحدهم قام بدفع مبلغ من المال لرجل حتى يحج له نيابة عن الإمام الحجة (عج)، وكان دأب الشيعة على مر العصور إهداء الأعمال الصالحة نيابة عن إمامهم، وكان لهذا الرجل ولدان فاسق ومؤمن، فقام بدفع شيء من المال لولده الفاسق ثم ذهب إلى الحج وعند رجوعه وعندما كان في الموقف في عرفات، يقول: رأيت إلى جانبي شابا حسن الوجه أسمر له ذؤابتان أقبل علي وهو مشغول بالدعاء والابتهال والتضرع؛ فلما قرب نفر الناس وتفرقوا من حولي فقال لي: أ ما تستحي يا شيخ؟ قلت من أي شيء سيدي؟ قال: تدفع إليك حجة عمن تعرف فتدفعها إلى فاسق يشرب الخمر؟ ثم قال لي: يوشك أن تذهب عينك هذه وأومأ إلى عيني. وما مضى عليها أربعون يوما حتى خرجت منها قرحة وعمي بصره. لا شك أن الإمام (عج) يلتفت إلى الأعمال الصالحة التي يفعلها المؤمنون بالنيابة عنه.
دوام الدعاء للإمام المنتظر (عجل الله فرجه)
إن المؤمن دائم الدعاء لإمام زمانه ودائم الحزن على غيبته. ولقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ يَكُونَ عِتْرَتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَ يَكُونَ أَهْلِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَ تَكُونَ ذَاتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَاتِهِ)[١٣]. إن المرء إذا أحب شيئا أو شخصا أحب لوازمه ومن يتعلق به وينتسب إليه، وقد قال الشاعر:
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى
أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي
وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا[١٤]
فالذي يحب رسول الله (ص) لا بد وأن يحب الأئمة من أهل بيته (ع) ويحب الوارث منهم. وعند دفع الصدقات يقدم ذكر إمامه ومن يحبه إمامه على نفسه وأهل بيته. ولذلك علمنا أهل البيت (ع) هذه الطريقة العاطفية المتعارفة بين محبيه وهي الوقوف عند ذكر اسمه الشريف. ويعني ذلك: أن المؤمن إذا ذكر اسم إمامه يقف ويضع يده على رأسه فكيف إذا حضر شخصه الكريم، وظهرت أمارات دولته الكريمة المباركة؟ وهناك أكثر من نص يدعم هذه الحركة التي نقوم بها، فقد روي في كتاب تأجيج نيران الأحزان في وفاة سلطان خراسان أن الإمام الرضا (ع) قام على قدميه وأطرق رأسه إلى الأرض ثم وضع يده اليمنى على رأسه وقال: اللهم عجل فرجه وخرجه وانصرنا به نصرا عزيزا، وذلك عندما وصل دعبل الخزاعي إلى هذا البيت من قصيدته المشهورة:
خُرُوجُ إِمَامٍ لاَ مَحَالَةَ خَارِجٌ
يَقُومُ عَلَى اِسْمِ اَللَّهِ وَاَلْبَرَكَاتِ
وقد أمرنا في زمن الغيبة أن ندعو ببعض الأدعية منها دعاء الغريق، وهو دعاء جميل لمن يخشى على جوارحه من الشهوات وعلى أفكاره من الشبهات في زمن كثرت فيه الفتن التي تقلب الإنسان رأسا على عقب حتى لا يسلم منها بعض رجال الدين الذين نجد منهم من ألف كتابا في إنكار الإمام بعد أن عاش فترة من الزمان على مائدته. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (سَتُصِيبُكُمْ شُبْهَةٌ فَتَبْقَوْنَ بِلاَ عَلَمٍ يُرَى وَلاَ إِمَامٍ هُدًى لاَ يَنْجُو مِنْهَا إِلاَّ مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ اَلْغَرِيقِ قُلْتُ وَكَيْفَ دُعَاءُ اَلْغَرِيقِ قَالَ تَقُولُ يَا اَللَّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ يَا مُقَلِّبَ اَلْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا مُقَلِّبَ اَلْقُلُوبِ وَاَلْأَبْصَارِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُقَلِّبُ اَلْقُلُوبِ وَاَلْأَبْصَارِ وَلَكِنْ قُلْ كَمَا أَقُولُ يَا مُقَلِّبَ اَلْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)[١٥]. وفي هذه الرواية فائدة علمية: وهي أن المؤمن يلتزم بالنص الوارد عن المعصومين في الأدعية وغيرها ولا يتصرف فيها.
والالتزام بهذا الدعاء لا يعني أن يدع المؤمن التفقه في الدين ولا يطالع ولا يناقش ولا يعرض دينه على المختصين في مسائل الشريعة. إن الإمام (ع) علم الدعاء بشرطه وشروطه. فكما يدعو الإنسان للرزق ويسعى عمليا وراء تحصيله؛ فكذلك يدعو بالثبات على الدين ويقرأ ويدفع الشبهات عن دينه.
صدور الإرادة الإلهية من بيوت أهل البيت (عليهم السلام)
وينبغي أن نعتقد بما ورد في زيارة الحسين (ع): (إِرَادَةُ اَلرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ)[١٦]. وما ورد عن الإمام الكاظم (ع): (مَا مِنْ مَلَكٍ يُهْبِطُهُ اَللَّهُ فِي أَمْرٍ مَا يُهْبِطُهُ إِلاَّ بَدَأَ بِالْإِمَامِ فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنَّ مُخْتَلَفَ اَلْمَلاَئِكَةِ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ)[١٧].
وأختم حديث هذا برواية عاطفية دارت تفاصيلها بين أمير المؤمنين (ع) ورجل من شيعته حيث مرض مرضا شديدا، فقد روي عن رميلة أنه قال: (وُعِكْتُ وَعْكاً شَدِيداً فِي زَمَانِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَوَجَدْتُ مِنْ نَفْسِي خِفَّةً يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ لاَ أُصِيبُ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ أُفِيضَ عَلَيَّ مِنَ اَلْمَاءِ وَأُصَلِّيَ خَلْفَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَفَعَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ اَلْمَسْجِدَ فَلَمَّا صَعِدَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) اَلْمِنْبَرَ عَادَ عَلَيَّ ذَلِكَ اَلْوَعْكُ، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) دَخَلَ اَلْقَصْرَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَقَالَ يَا رُمَيْلَةُ مَا لِي رَأَيْتُكَ وَأَنْتَ مُنْشَبِكٌ بَعْضُكَ فِي بَعْضٍ! فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ اَلْقِصَّةَ اَلَّتِي كُنْتُ فِيهَا وَاَلَّذِي حَمَلَنِي عَلَى اَلرَّغْبَةِ فِي اَلصَّلاَةِ خَلْفَهُ، فَقَالَ لِي يَا رُمَيْلَةُ لَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ يَمْرَضُ إِلاَّ مَرِضْنَا لِمَرَضِهِ وَلاَ يَحْزَنُ إِلاَّ حَزِنَّا لِحُزْنِهِ وَلاَ يَدْعُو إِلاَّ أَمَّنَّا لَهُ وَلاَ يَسْكُتُ إِلاَّ دَعَوْنَا لَهُ، فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا لِمَنْ مَعَكَ فِي اَلْمِصْرِ أَ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرْضِ قَالَ يَا رُمَيْلَةُ لَيْسَ يَغِيبُ عَنَّا مُؤْمِنٌ فِي شَرْقِ اَلْأَرْضِ وَلاَ فِي غَرْبِهَا)[١٨].
وكذلك هو حال إمام زماننا (عج) بالنسبة إلى شيعته ومحبيه، يدعو ويستغفر لهم. فإذا كان الإمام بهذا العطف والرأفة التي ذكرناها؛ فحري بنا أن نبادله هذه العواطف وندعو له بالفرج ونقدم له القرابين وندفع عنه الصدقة والأهم من كل ذلك أن نتأسى به ونسير على نهجه ونهج آبائه لنكون في زمن الغيبة زينة له لا شينا عليه.
[٢] اثبات الهداة ج٥ ص٩٠.
[٣] اثبات الهداة ج٥ ص٧٠.
[٤] سورة الملك: ٣٠.
[٥] الکافي ج٤ ص١٦٩.
[٦] كمال الدين ج١ ص٣٠٤.
[٧] المناقب ج٤ ص٤٢٥.
[٨] سورة التوبة ٣٨.
[٩] إقبال الأعمال ج١ ص٢٩٥.
[١٠] إعلام الوری ج٢ ص٢٧٠.
[١١] الغيبة (للنعماني) ج١ ص٢٠٠.
[١٢] سورة الأعراف: ٧١.
[١٣] علل الشرائع ج١ ص١٤٠.
[١٤] قيس بن الملوح (مجنون ليلى).
[١٥] اثبات الهداة ج٥ ص٩٠.
[١٦] كامل الزيارات ج١ ص١٩٧.
[١٧] الکافي ج١ ص٣٩٤.
[١٨] رجال الکشی ج١ ص١٠٢.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- قد أمرنا في زمن الغيبة أن ندعو بدعاء الغريق، وهو دعاء جميل لمن يخشى على جوارحه من الشهوات وعلى أفكاره من الشبهات في زمن كثرت فيه الفتن التي تقلب الإنسان رأسا على عقب، وهو: (يَا اَللَّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ يَا مُقَلِّبَ اَلْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ).