وصايا ودروس من إحياء ليالي القدر المباركة
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة حول إحياء ليالي القدر المباركة
ينبغبي للمؤمن في ليالي القدر المباركة أو في جميع أيام شهر رمضان ولياليه وفي المناسبات الخاصة كالحج والعمرة وفي سائر الأيام والليالي التي يجد في قلبه إقبالا على الله سبحانه أن يستفيد منها استفادة قصوى ويجعل منها محطة عبادية متميزة. وهناك عدة دروس يمكن الاستفادة منها من ليالي القدر المباركة.
دروس ليالي الإحياء في شهر رمضان
الدرس الأول: القابلية. فترى في المساجد التي تحيى فيها ليالي القدر من لا تراهم في سائر الأيام ولا في صلوات الجمعة وغيرها من الصلوات والمناسبات، وتكتظ المساجد بحضور المؤمنين وقد يأتي بعض المؤمنين من بلاد المهجر ليحيوا هذه الليالي إلى جانب إخوتهم في الدول الإسلامية. والكل يشعر بتفاعل وإقبال بدءا من الشيخ الكبير حتى الطفل الصغير. والمؤمن إذا أراد أن يتقرب إلى الله عز وجل شبرا تقرب إليه الله سبحانه ذراعا، وإذا اقترب من المولى ذراعا تقرب المولى إليه باعا كما ورد ذلك في الأحاديث الشريفة. وإذا رأى المؤمن في نفسه إقبالا في تلك الليلة؛ فلماذا لا يطلب من الله سبحانه أن يديم عليه الإقبال حتى في غير هذه الليلة؟ إن الذي يستثمر قطعة صغيرة من الأرض ويرى فيها إنتاجا كبيرا، ألا يلام من قبل العقلاء إن أهمل سائر الأراضي التي يمكنه استثمارها وزراعتها؟ ولماذا لا يبادر وقد اطمئن إلى خصوبة الأرض ووجود الماء؟
إن الذي يرى إقبالا في ليلة من ليالي السنة كليلة القدر وليالي الجمعة وليالي الحج والعمرة وما شابه ذلك، وإذا جمعنا المناسبات المهمة في السنة قد لا تتجاوز بمجموعها الشهر الواحد؛ فإذا كان المؤمن موفقا في استثمار هذا الشهر وقد نجح في الزراعة في هذه الليالي فلماذا لا يستثمر سائر ليالي السنة ليكون حاله سرمدا في خدمة الله؟
والدرس الآخر؛ إن الذي يشكو في سائر الأيام من قلة التوفيق للإقبال على الله عز وجل ويتذرع بالزمان وبالمكان، لا بد أن يسأل نفسه عن علة توفيقه في ليالي الإحياء والمكان والزمان لم يتغيرا؟ لماذا يقبل في ليلة القدر وتجري دموعه ويرق قلبه ولا يحدث له ذلك في سائر الليالي؟ ولا بد أن يشعر بالوحشة لعدم إقباله في سائر الليالي ولا بد أن يحاول قدر الإمكان في تحصيل رقة القلب والخشوع الذي يتعذر عليه الحصول عليها إلا في هذه الليالي المعدودة حتى يتجنب السخط الإلهي له.
تربص الشياطين بالمؤمنين بعد شهر رمضان
إن الشيطان يتصفح وجوه المؤمنين في شهر رمضان ممن يجتهدون في إحياء ليالي القدر وإقامة سائر الأعمال العبادية في هذا الشهر ويسجل أسمائهم للانتقام منهم خارج هذا الشهر. كما أن الملائكة تسجل أسماء الداخلين للمسجد وبحسب الترتيب كذلك الشيطان يتربص بالمؤمنين الذي أنابوا إلى ربهم وخشعوا بين يديه، ويقول لهم: سأنتقم منكم كما حاولتم الخروج من سلطاني وسأوقعكم في ذنوب أكبر من التي اقترفتموها. والشيطان يبني آمالا كبيرة على انحراف هؤلاء، فيجب الحذر منه ومن أساليبه ومكائده، فبقدر إقبال الإنسان في شهر رمضان وليالي القدر تستعد لإغوائه الشياطين.
وللأسف قد يصل الأمر بالبعض أن يدعى إلى مجالس الإحياء فيستنكف عن الحضور لأنه قد سُلب التوفيق والميل للعبادة والطاعة، وذهبت عنه شهوة الإقبال على الله عز وجل وحلت محلها الشهوات الرخيصة.
الحفاظ على مكتسبات ليالي القدر
والذي يوفق للطاعة في ليالي القدر يخرج منها كالذي يخرج من الحمام نظيفا من الأدران والأوساخ أو كالذي يخرج من المشفى وقد تعافى تماما من جميع أمراضه. ولذلك يشعر البعض من المؤمنين بحالة من الخفة من الذنوب والراحة بعد الخروج من المساجد في هذه الليالي وقد أحسوا بحلاوة المغفرة وبرد الرضا. فلماذا نعرض عن الله عز وجل بعد هذا الإقبال وبعد أن تحبب إلينا، كما نقرأ ذلك في دعاء أبي حمزة: (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي تَحَبَّبَ إِلَيَّ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِّي)[١].
الإعراض بعد الإقبال
وليلتفت المؤمن إلى أن الإعراض بعد الإقبال من قواصم الظهر. إن الذي لم يدعى إلى مائدة الملوك لا يلام إن لعب في الشارع مع الصبيان، ولكنه إذا دعي إلى قاعة الملك وحظي بالضيافة الكبرى وجلس على مائدة الملوك واستقبله الملك أحسن استقبال ورحب به أجمل ترحيب ثم أعرض بعد ذلك وخرج إلى الشارع ليعود مرة أخرى إلى اللعب مع الصبيان، هل يستحق من الملك التكريم مرة أخرى؟ وكذلك الذي يعرض عن الله عز وجل بعد الإقبال قد يطرد من دائرة العبودية وقد يحرم من الإقبال مرة أخرى.
سر الإقبال في ليالي القدر
إن المؤمن في ليلة القدر قد يشعر بقوة على الطاعة والعبادة لا تأتيه في سائر الليالي والأيام وهو أمر طبيعي. فهي ليلة تتنزل فيها الملائكة وأكثر إقبال المؤمن في هذه الليالي هو تسديد من التسديدات الإلهية الخاصة. فلا يعتقد أن الدموع التي جرت على خديه كانت منه وإنما كانت من مواهب السماء وإن كان لجهده وسعيه تأثير في هذا الإقبال لا ننكره. والدليل على ذلك؛ أن المرء مهما حاول في سائر الليالي لا تنزل عليه هذه الهبات، وهي التي توجب له التوفيق والإنابة والتفاعل مع المبدأ. وإذا نزلت على العبد هذه الهبات فلا فرق عندها أن يكون في السماء أو في الأرض في شرق الأرض أو غربها، فإنه سيعيش ما يعيشه في ليالي القدر لأن الله سبحانه قد أمده بذلك. إن الثريا التي تضيء في المسجد إنما تضيء لاتصالها بالكهرباء، فأين ما وجد الكهرباء حتى وإن كان في صحراء قاحلة لأضاءت الثريا، فلا قيمة للمكان والزمان في نفسه.
اللذة المعنوية
والدرس الآخر الذي نستفيده من هذه الليالي المباركة، تجربة لذة لم نعهدها في سائر اللذات المادية. إن البشر اعتادوا أن يجعلوا اللذة في الأجوفين؛ البطن والفرج. وكل سعيهم في هذه الدنيا إنما هو لإشباع هاتين الغريزتين، وما بقي من الشهوات إنما هي تبع لهما. ولكننا في هذه الليالي نكتشف لذة أخرى لا تقاس بهذه اللذائذ، فقد يقضي أحدنا الساعات الطوال في إحياء هذه الليالي جالسا على فخذيه وهو لا يشعر بمرور الوقت أبدا والحال أنه سرعان ما ينتابنا الملل في اللذات المادية؛ فلو تناول الطعام في أرقى المطاعم وجلس مع أجمل نساء العالم سيمل ذلك يوما ما، ولو كان الإنسان بين يديه آلات اللهو والفسق والفجور كذلك لما احتملها كثيرا ولدخلت عليه السأمة والضجر والملل، ولكنه يجلس في ليلة القدر في المسجد أكثر من ست ساعات، وبدل أن يشعر بالملل يود أن لو تطول الساعات ولا يطلع الفجر.
ويعني ذلك أن هنالك لذات غير مكلفة لا تقاس باللذات المادية متعة، وهي أدوم بقاء منها. فهل تكلف الإنسان الساعات التي يقضيها في المسجد شيئا؟ لم يكلفك ذلك شيئا إلا أنك دخلت المسجد ورأيت جموع الخاشعين فغصت معهم في بحرهم وارتويت من المعين الصافي. وبإمكانك في أية ساعة وفي أي مكان كنت من بلاد الشرق أو الغرب وفي أية حالة كنت فيها أن تعيش هذه العالم الجديد من اللذائذ. ومن موجبات الإقبال على اللذات المحرمة وجود الفراغ في حياة الإنسان؛ ذلك الفراغ الذي لا يعلم المرء كيف يملأه فيملأه بالمحرمات. ولا أدري كيف يأنس بامرأة كافرة لمجرد الجمال الظاهري ذلك الذي أنس برب العزة والجلال في يوم من الأيام؟
لقد كان احد علماء المسلمين كلما سهر الليل لحل مسألة من المسائل يصرخ في نهايته: “أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة. فأين لذة البطن والفرج من هذه اللذات المعنوية؟
الحفاظ على نور إحياء ليالي القدر المباركة
ولا شك في أن الذي يخرج من هذه الليالي المباركة بعد أن أقامها بالطاعة؛ يخرج منها بمغفرة من الله سبحانه، ولا ينبغي للمؤمن أن يشك في ذلك قيد أنملة. وكما روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (اَلْحَاجُّ لاَ يَزَالُ عَلَيْهِ نُورُ اَلْحَجِّ مَا لَمْ يُلِمَّ بِذَنْبٍ)[٢]، كذلك الذي يوفق لإحياء ليالي القدر عليه نور من الله عز وجل، فلا ينبغي لنا أن نطفئه بالذنوب. والمؤمن بعد الحج وبعد هذه الليالي يشعر بصفاء روحي؛ حيث يتأثر سريعا بكل صغيرة من الذنوب يقترفها؛ حتى النظرة اللاهية والكلمة اللاغية. ولكن للأسف الشديد ومع تراكم المعاصي يتحول القلب الرقيق إلى جسم غليظ؛ فلا يعود يشعر المؤمن بثقل المعاصي على قلبه.
الوقوف على حقيقة المعاصي
إننا عادة نفكر في إصلاح المذنب فنقول له: غض بصرك، لا تغتاب، لا تتكلم، إفعل، لا تفعل. ولكننا نغفل عن أن هذه الأوامر محاطة بكم هائل من وساوس الشياطين والنفس الأمارة بالسوء. وهل سيصمد أمام سيل المعصية الجارف إذا تعرض لها حتى مع وجود هذه اللاءات في ذهنه وخاطره؟ بالطبع لا.
ينبغي لنا بدل ذلك أن نقوم بدراسة الذنب وتحليله حتى نقف على حقيقته ثم نتجنبه بعد ذلك عن علم ومعرفة به. ما هو الذي يجذبنا في الحرام ويستهوينا فيه؟ فعلى سبيل المثال عندما ننظر إلى صورة امرأة؛ ما هو الذي يستهوينا فيها؟ أليس هو الوجه الذي يغطيه ميلي مترا من البشرة وتحته دم وقيح وعظام؟ هل النظر إلى هذه الصورة تستحق أن تجرك إلى نار جهنم؟ ثم لو أخل سبحانه بالتوازن في هذه الصورة من قبيل انحراف الأنف أو تساقط الشعر أو تغيير أي شيء من ملامح الوجه؛ هل يبقى من هذا الجمال الذي أغرمت فيه شيء؟ إذا ما يغريني في الوجه هو التنسيق بين ملامح الوجه وهو شيء لا ينبغي أن يجرني إلى الحرام والدخول في النار أبدا؟
وتارة يجلس الرجل أمام باب حانوته ينظر إلى النساء جيئة وذهابا، وهو لا يحصل من هذه النظرات إلى على الحسرة. ألا يجدر بالمرء أن يجلس ويفكر في هذه النظرات ما الذي يكسبه من وراءها؟ ألا يجدر أن يوقف النظر إلى هذه الصور التي يغمض عينيه عنها وفي باطنه طوفان وغليان؟
وقد يجلس البعض أمام التلفاز مشاهدا الأفلام المحرمة، وكلما ظهر له مشهد غير لائق غض بصره، وحاله كقول الشاعر:
أَلقاهُ في اليَمِّ مَكتوفاً وَقالَ لَهُ *** إِيّاكَ إِيّاكَ أَن تَبتَلَّ بِالماءِ[٣]
والبعض يرتاد المطاعم التي يشتبه فيما يقدم فيها من طعام، فما قيمة هذا الطعام – الذي لا لذة له إلا فضاء الفم، فلا لذة له قبل ذلك ولا لذة له بعد أن يجاوز الفم إلى المعدة؛ بل ثمة ثقل في المعدة وغازات مزعجة، وبعد ذلك إلى نتن في جوف الإنسان وجيفة مريحة[٤] – أن نعصي الله من أجله؟
وهناك من يتلذذ باغتياب الآخرين. ولعل سبب جعل الروايات الشريفة الغيبة أشد من الزنا لأنها فعل أحمق حتى وإن كان فاعلها عالم من كبار العلماء. لأن الذي يمارس المعاصي كالزنا ويأكل الطعام المحرم تدفعه اللذة نحوها ولكن الذي يغتاب الناس؛ هل أشبع بطنا أو أرضى غريزة؟ والقرآن الكريم يبين لنا أن الفخامة التي نعتقد وجودها في بعض المعاصي إنما هي فعل الشيطان: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)[٥].
إن المؤمن الذي كمل إيمانه لا يرى امرأة جاءت من الشرق أو الغرب قد عاشرت العشرات من الشبان جميلة؛ بل يراها من أرذل خلق الله عز وجل. وهكذا هي جميع المعاصي عندما نحللها ونرجعها لأصلها ونرى حقيقتها نراها تافهة جدا. والمؤمن يقضي على موجبات اشتعال نار الشهوة، لا أن يبحث عما يطفي هذه النار بعد استعارها وكلبها.
التوبة في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
يقول النبي (ص): (اَلتَّائِبُ مِنَ اَلذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ)[٦]. أي التائب من الذنب يعيش حياة جديدة غير ملوثة بالمعاصي، وهو كمن خرج من بطن أمه. ويقول أيضا: (إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اَللَّهِ إِلَى اَللَّهِ اَلْمُفَتَّنَ اَلتَّوَّابَ)[٧]؛ فالمؤمن قد تزل قدمه ويرتكب المعاصي ولكنه سرعان ما يعود وينيب إلى ربه، وقد شبهت الروايات هذه الحالة بحالة السنبلة التي تخر تارة وتستقيم أخرى.
ومن الروايات العظيمة في باب التوبة، ما روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وَزَادَهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِكَ اَلرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِينَ وَجَدَهَا)[٨]. إن الغني المطلق الذي لا تضره معصية من عصاه ولو عصاه أهل الأرض كلهم جميعا يفرح بتوبة عبد عاص..! إن هذا الحديث ما يبعث على الخجل والحياء لو تأمل فيه المتأمل وأنعم النظر. وقد قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[٩]، والتواب صيغة مبالغة وهو الذي يتوب كثيرا ويعني أنه يعصي كثيرا أيضا. وقد روي عن الباقر (ع) أنه قال: (إِذَا بَلَغَتِ اَلنَّفْسُ هَذِهِ وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى حَنْجَرَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَالِمِ تَوْبَةٌ وَكَانَتْ لِلْجَاهِلِ تَوْبَةٌ)[١٠]؛ وليس المقصود من العالم رجل الدين وإنما كل شخص يعلم بحرمة الفعل الذي يقدم عليه ويعلم الحلال من الحرام.
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (اَلتَّوْبَةُ حَبْلُ اَللَّهِ وَمَدَدُ عِنَايَتِهِ وَلاَ بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ مُدَاوَمَةِ اَلتَّوْبَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنَ اَلْعِبَادِ لَهُمْ تَوْبَةٌ)[١١]، فالمؤمن يستغفر الله عز وجل من ذنوبه ويستغفره على الغفلة في أيام الطاعة. ثم يقول (ع): (فَتَوْبَةُ اَلْأَنْبِيَاءِ مِنِ اِضْطِرَابِ اَلسِّرِّ)[١٢]، وهي كما ذكره القرآن عن النبي يونس (ع): (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا)[١٣] وسائر الأمثلة التي ذكرت في القرآن الكريم حول سيرة الأنبياء.
ثم يقول: (وَتَوْبَةُ اَلْأَوْلِيَاءِ مِنْ تَلْوِينِ اَلْخَطَرَاتِ)[١٤]؛ أي ما يمر في خواطرهم من خطرات الحسد والحقد والتكبر وسوء الظن بالآخرين. ثم يقول: (وَتَوْبَةُ اَلْخَاصِّ مِنَ اَلاِشْتِغَالِ بِغَيْرِ اَللَّهِ تَعَالَى)[١٥]، فقد يلاعب الرجل زوجته وأولاده ويداعبهم من دون أن تكون نيته الامتثال للأمر الإلهي في التلطف إليهم بل من باب اللهو والتسلي ففي هذه الحالة يستغفر الله عز وجل من ذلك. ثم يقول: (تَوْبَةُ اَلْعَامِّ مِنَ اَلذُّنُوبِ)[١٦]. وقد ذكر أحد العلماء تفسيرا لقوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)[١٧] لا نثبته ولا ننفيه؛ فقد قال: أن مريم (ع) كان يأتيها رزقها في المحراب من دون جهد وسعي ولكن بعد انشغالها القهري بعيسى (ع) وعدم انشغالها عن ذكر الله عز وجل جعل الرزق يأتيها بجهد منها وإن كان جهدا بسيطا وهو هزها للجزع ليساقط عليها الرطب، وهذه من ذنوب الخواص.
[٢] الكافي ج٤ ص٢٥٥.
[٣] الحلاج.
[٤] ذات رائحة.
[٥] سورة الحجر: ٣٩.
[٦] عيون الأخبار ج٢ ص٧٤.
[٧] بحار الأنوار ج٦ ص٣٨.
[٨] الکافي ج٢ ص٤٣٥.
[٩] سورة البقرة: ٢٢٢.
[١٠] تفسیر العیاشی ج١ ص٢٢٨.
[١١] مصباح الشريعة ج١ ص٩٧.
[١٢] مصباح الشريعة ج١ ص٩٧.
[١٣] سورة الأنبياء: ٨٧.
[١٤] مصباح الشريعة ج١ ص٩٧.
[١٥] مصباح الشريعة ج١ ص٩٧.
[١٦] مصباح الشريعة ج١ ص٩٧.
[١٧] سورة مريم: ٢٥.
خلاصة المحاضرة
- إن الذي يرى إقبالا في ليلة القدر وليالي الجمعة وليالي الحج والعمرة وغيرها، ثم إذا جمعنا المناسبات المهمة في السنة قد لا تتجاوز بمجموعها الشهر فإذا استثمر المؤمن هذا الشهر ونجح في الزراعة في هذه الليالي فلماذا لا يستثمر سائر ليالي السنة ليكون حاله سرمدا في خدمة الله؟
- لعل سبب جعل الروايات الشريفة الغيبة أشد من الزنا لأنها فعل أحمق حتى وإن كان فاعلها عالم من كبار العلماء. لأن الذي يمارس المعاصي كالزنا ويأكل الطعام المحرم تدفعه اللذة نحوهما ولكن الذي يغتاب الناس؛ هل أشبع بطنا أو أرضى غريزة؟