• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

هل قصر يعقوب (عليه السلام) في تربية أولاده؟

بسم الله الرحمن الرحيم

قوة العاطفة بين يعقوب ويوسف (عليهما السلام)

عندما نقل يوسف (ع) ما رآه في منامه لأبيه، قال: (يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ)[١]، وبغض النظر عن المراد بالكواكب والشمس والقمر، نلاحظ وجود جانب عاطفي في هذه الآية والتي تليها وذلك في كيفية مخاطبة يعقوب (ع) ابنه يوسف (ع). فيخاطب يوسف (ع) والده ويقول: يا أبت، ويرد عليه يعقوب (ع): يا بني.

وقد كانت الرؤيا التي رآها يوسف (ع) من الوضوح بمكان لا تحتاج معه إلى تأويل، فيفهم الجميع من سجود الشمس والقمر والكواكب لصاحب الرؤيا، أن له شأن عظيم ومقام كبير، ولذا قال له يعقوب (ع): (يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًا)[٢].

هل يعقل أن يجتمع أبناء نبي على الكيد لأخيهم؟

وهنا يتبادر هذا السؤال إلى الأذهان: هل يعقل أن يجتمع أبناء نبي على الكيد لأخيهم؟ لو كان لأحدنا عشرة من الأولاد لكان النصف منهم مؤمنين والنصف الآخر من غير المؤمنين على أسوأ التقادير، فكيف هم أبناء يعقوب (ع) كلهم بقتل يوسف (ع)؟ أين ذهبت تربية نبي الله يعقوب (ع) لهم؟ إن الواحد منا يعاشر ولياً صالحاً، فيتأثر به بعد فترة قصيرة، فلماذا لم يتأثر هؤلاء بأبيهم ولم يسيروا على نهجه؟ نعم، لقد قال قائل منهم: (لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ)[٣]، ولكنهم كلهم قد (أَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ)[٤]. قلما يتفق أن أن يجمع أولاد الإنسان على الباطل، وأي باطل أعظم من قصدهم قتل نبي وهو صبي في صغر سنه؟

هل قصر يعقوب (عليه السلام) في تربية أولاده؟

وهنا نقول: لم يقصر نبي الله يعقوب (ع) في تربية أولاده وإلا كان ذلك خادشا لعدالته، وشأنه شأن نوح (ع) الذي لم يقصر هو أيضا في تربية ولده، ولم يكن ثمة تقصير في الفاعل وإنما كان التقصير في القابل. وقد امتنع ابن نوح (ع) أن يركب في السفينة وتجاهل طلب أبيه منه وقال: (سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلࣲ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِ)[٥]، وهذه لعمري قمة الشقاء والضلال والتيه. وليست معاشرة الأنبياء علة تامة في صلاح من يعاشرهم، كما لم تؤدي هذه العلة إلى صلاح أبناء يعقوب (ع) وهو من أنبياء الله العظام المخلَصين، ولم تؤدي إلى صلاح ابن نوح (ع) وأمه ولا إلى صلاح الكثير ممن صاحب النبي الخاتم (ص) وعاشره.

قمة الإجرام والتسافل

وينبغي الإشارة إلى معنى الكيد في هذه الآية. يُقال: أن الكيد، الحيلة الخفية، واستعمال المفعول المطلق في هذه الآية يأتي للتأكيد على عداوة الشيطان المبينة للإنسان. بعبارة أخرى: إن الشيطان هو صاحب الكيد الذي كاده إخوة يوسف (ع) له، وهو الذي وسوس في صدروهم. وينبغي أن نلتفت إلى الدرس الذي تضمنته هذه الآية الشريفة وهو: أن الشيطان يوصل الإنسان إلى درجة الجرأة على قتل أخيه، كما فعل ذلك بإخوة يوسف (ع) وجرأهم على قتل صبي بريئ وجميل فيه سيماء النبوة، ولا يُنكر أحد أن ما فعله هؤلاء، هو قمة الإجرام.

هل تبحث عن النجاة والسلامة؟

ثم بين يعقوب (ع) ما سيئول إليه أمر يوسف (ع) وقال: (وَكَذَٰلِكَ يَجۡتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ)[٦]؛ أي لا تخف يا بني أن تُلقى في غيابت الجب ولا تخف عندما تكيد لك زليخا، فنهاية المطاف هو الاجتباء الإلهي. فمن أراد النجاة والسلامة كيوسف (ع)، فليدخل في دائرة الجذب والاجتباء الإلهي، فإذا اجتبى سبحانه أحداً، فتح له طريق السلامة والنجاة.

ولو لا علم يوسف بتأويل المنامات، لما خرج من السجن، وهذا هو التدبير الإلهي. لقد علمه سبحانه ما يجعله مقربا عند الملك وموجبا لخلاصه من ذلك السجن. نعم، ليس من صفات النبي أن يكون مطلعا حتماًعلى تأويل الرؤى – وإن كان هو كمال في حد نفسه – ولكن في خصوص النبي يوسف (ع) كان هذا العلم الذي من الله به عليه، مقدمة لخلاصه ونجاته.

نعمة الآباء الطاهرين

ومما جاء في سياق النعم التي من الله بها على يوسف (ع) قوله عز من قائل: (وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ)[٧]. فيوسف ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم (ع) وهذه سلسلة نور، ونعمة من نعم الله الكبيرة على يوسف (ع). ويُمكن بالاستناد إلى هذه الآية أن نقول: إن من منن الله عز وجل أن يكون الرجل من ذرية النبي (ص)، فكما أن الانتساب إلى إبراهيم (ع) من نعم الله، فكذلك الانتساب إلى رسول الله (ص) من نعم الله عز وجل، ولو عبر ثلاثين جد. وهذه النعمة لها ضريبتها؛ فالحسن من كل أحد حسن ومن هذه الذرية أحسن، وكذلك الأمر في القبح.

[١] سورة يوسف: ٤.
[٢] سورة يوسف: ٥.
[٣]سورة يوسف: ١٠.
[٤] سورة يوسف: ١٥.
[٥] سورة نوح: ٤٣.
[٦] سورة يوسف: ٦.
[٧] سورة يوسف: ٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الشيطان يوصل الإنسان إلى درجة الجرأة على قتل الأخ، كما فعل ذلك بإخوة يوسف (ع) وجرأهم على قتل صبي بريئ وجميل فيه سيماء النبوة. ولا يُنكر أحد أن ما فعله هؤلاء، هو قمة الإجرام.
  • كانت الرؤيا التي رآها يوسف (ع) من الوضوح بمكان لا تحتاج معه إلى تأويل، فيفهم الجميع من سجود الشمس والقمر والكواكب لصاحب الرؤيا، أن له شأن عظيم ومقام كبير، ولذا قال له يعقوب (ع): (يَٰبُنَيَّ لَا تَقۡصُصۡ رُءۡيَاكَ عَلَىٰٓ إِخۡوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيۡدًا).
Layer-5.png