هل تريد أن تكون موفقاً في حياتك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ينبغي للمؤمن أن يكشف معادلة النجاح في المواسم العبادية
نحن نعلم أنّ الله (عزّ وجلّ)، جعل مواسم عبادية كثيرة منها فصلية ومنها موسمية تعقبها حالة أشبه بالإستراحة، فمثلاً عند ما ينتهي شهر رمضان الكريم ونعبر ليالي القدر، بما في تلك الليالي من توفيقات ونفحات وبركات، نكون كمثل قوم دخلوا في غزوة، في حرب والآن كما يقال في الاصطلاح استراحة محارب المحارب؛ لانّه بعد أن يقاتل يستريح قليلاً، يستعيد أنفاسه، ينظر هل كسب المعركة، هل جرح، هل كان منتصراً،في غزوته؟! وما هي العبر والدروس كي يستفيد منها لغزوة قادمة، وهو يعلم أنّ هذه الغزوات متوالية ومتكررة، فالمواسم العبادية كثيرة ومنها متكررة، فإن إنتهى وقت ليلة القدر الكبرى، فكما هو معلوم فإنَّ هناك ليالي قدر صغرى وليلة الجمعة منها وهنالك ساعة في تلك الليلة، تلك هي ساعة الاستجابة فإنَّ لله (عزّ وجل) تجليات في ساعات معينة لا نعلم هل هي ساعة قبيل السحر أو أول منتصف الليل وعلى الإنسان أن يكتشف معادلة النجاح في مثل هذه المواسم.
للحكم بالتوفيق لابدَّ من التمييز بين الظاهر والباطن
قد كثر الكلام عن توفيق الإنسان، فقد يُرى مؤمناً خاشعاً في صلاته نراه سريع الدمعة فنقول: بارك الله في فلان يا ليتنا كنا مثله! هذا إنسان موفق، ونحن لا نعلم بالضبط ما هي مقاييس الحكم بالتوفيق! ولكي نصل إلى الحكم القريب من الواقع علينا أن نميز بين الظواهر وبين البواطن، الشكل الخاشع و الدموع الغزيرة بلا شك من نعم الله (عز وجل)، ولكن المؤمن عليه ألا يخلط بين المؤقت والدائم، فلربما إنسان في موقف من المواقف في ليلة من الليالي رُزق الخشوع إما لإحساسه بالتقصير، أنتم تعلمون أنّ من دوافع الخشوع؛ الذنوب الكثيرة، فقد تلاحظ شاباً يأتي إلى المسجد وترى له دموعاً غزيرة، لكن بمجرد أنْ تتحدث معه تراه شاباً مرهق في المعاصي، ومن الطبيعي فإنَّ المعاصي الكثيرة عندما يستفيق منها الإنسان ويبصر ذلك الواقع المُرّ، نتيجة حتمية سيبكي ويتألم، ولكن الكلام في الدوافع وفي تغيير الحالة الباطنية.
من المعلوم والثابت أنَّ لله (تعالى) ضيافة خاصة في بعض الأزمنة والأمكنة العبادية؛ كالحرمين الشريفين (المكي والمدني) ومشاهد المعصومين (عليهم السلام)، فالذي يذهب إلى العمرة مثلاً من الطبيعي جداً أنَّ رب العالمين يعطيه ضيافته في مسجده الحرام أو حول الكعبة أو عند الحطيم أو تحت الميزاب أو عند المستجار أو خلف المقام أوعند الركن، ومن الطبيعي أنْ يرقّ قلب الإنسان في هذه المشاهد والمواقف، وأني حريص عندما أذهب للعمرة أو الحج على أنْ أمضي بعض الوقت عند باب الكعبة كي انظر أو استرق السمع إلى تمتمات الحجاج والمعتمرين، فتوجد لهم حالات جميلة وطلبات كثيرة يتكلمون مع الله (عزّ وجلّ) بكل أريحية تنفتح أمامهم الحجب والدموع تجري على خدودهم، أيديهم متعلقة بعتبة باب الكعبة، منظر جميل، ولكن هذا الإنسان عند ما يخرج من المسجد الحرام، من الممكن أن يرتكب بعض المحرمات مباشرة بعد خروجه من المسجد ناهيك عن ذنوبه التي يرتكبها بعد أن يعود إلى وطنه.
فالتوفيق إذن لا نقيسه بهذه الحالات العابرة الطارئة، بل لابدَّ من وجود حصيلة في باطن الإنسان نتيجتها عملية تغيير الذات، فمثلاً إنسان يملك سيارة لكن لا يكاد يطمئن أن يمشي بها كيلو متراً واحداً، هذا الإنسان هل ينشغل بصبغها أو بزينتها وبتلميعها؟! أم يجب عليه أنْ يعمل على المحرك وعلى الذات لكي يجعل حالة الدافعية والحركية في هذا الجهاز الذي أصابه العطل.
الإمام علي (عليه السلام) يعزي التوفيق لله (سبحانه وتعالى)
الإمام علي (عليه السلام) شهيد شهر رمضان المبارك في كتاب الغرر، وحقيقة في هذا الكتاب درر وغرر أمير المؤمنين، ومع انشغاله (عليه السلام) بالحروب من قتال القاسطين والناكثين والمارقين وقبل ذلك جلس (عليه السلام) في منزله سنوات طويلة وهو يعامل كصحابي وفي بعض الحالات أقل من الصحابي ومع ذلك انتشر من علومه ما انتشر، ولو ثنيت له الوسادة واستلم جهاز الإعلام وكان تحت منبره (عليه السلام) أقلام الرواة الصادقين، هل كان ما يصلنا منه (عليه السلام) فقط نهج البلاغة ودرر الحكم وبعض المختصرات؟! أبداً لأحتفظ لنا التاريخ سجلاً من أروع أنواع السجلات، وقد رأيت تصريحاً لأحدهم ولعله من غير المسلمين يقول: بأن نهج البلاغة مصنف في ضمن تراث الإنسانية، فإنَّ نهج البلاغة ليس للشيعة وليس للمسلمين، وإنما هو تراث إنساني وقد رأيت الآن صحة هذه النسبة، ففي هذه السنة أو السنة الماضية قدمت الأمم المتحدة وثيقة الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر في حكومته على مصر، على أنها وثيقة إنسانية في مجال إدارة الحكم.
والإمام علي (عليه السلام) عندما يتحدث عن التوفيق وهو على رأس الموفقين ينسب التوفيق إلى الله (عزّ وجلّ) بصور عديدة أنقل لكم بعض التعابير، وهي في الواقع كلمات تلغرافية وسريعة جداً منه (عليه السلام) إذ يقول: (التوفيق عناية، التوفيق رحمة، التوفيق عناية الرحمن، لا ينفع اجتهاد بغير توفيق)[١]، فالإمام في الدرجة الأولى يعزي التوفيق إلى الله (سبحانه وتعالى).
ما معنى التوفيق الإلهي؟
نحن نعلم بأن الله (عز وجل )ترك الإنسان مخيراً في حياته، فهل رأيتم أحداً يقول بأنّ هنالك ملك مسك بعضدي وأقامني من فراشي ودفعني إلى الماء وأمرني بالوضوء ثم ساعدني على الركوع والسجود ليس؟! الأمر ليس كذلك، رب العالمين فعله في عالم الأرواح كفعله في عالم البذور (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)[٢]، الزارع هو الذي اشترى البذور من الشركات الموثوقة، هل رأيتم صور الفلاحين في العراق وفي غير العراق؟ حقيقة ينظر الإنسان إليهم يرق لهم، أيديهم وأرجلهم قد أخشوشنت، بل البعض منهم يستعين بزوجته، بابنته، حتى بطفله الصغير، كي يحرثون الأرض ويبذرون في حر الشمس ويسقونه الماء بعد ذلك، بل وقد رأيت بعض الفلاحين لا نوم له، مثله؛ كمثل الأم التي ترضع طفلها؛ لأن هنالك ساعات السقي في جوف الليل عليه أن يقتحم المزرعة بما فيها من حيوانات، لعلّ بعضها مضر وقاتل ليس معه إلا الفانوس ثم يأخذ حصته من الماء في الساعة المقررة، تعب طوال وقت الزرع وهو الباذر وهو الذي سخر عائلته لذلك، ولكن الله (عزّ وجلّ) يقول: أنا الزارع! نعم لولا إرادتي، ولولا سنتي، ولولا القوانين، لولا ما هيئ (سبحانه وتعالى) من الوسائل المعدة للزرع من المطر والينابيع والشمس والرياح وحبوب اللقاح لما حصل شيء يُذكر، فمن أين حصلت على الثمر أيها المزارع؟!
رب العالمين في الواقع يثمر سعي العبد، إذا لم يكن هنالك سعي وليس هناك بذرة فالأمطار لو هطلت على هذه الأرض الخصبة التي ليس فيها بذور لا يوجد حتما شجر أو ثمر، إذن رب العالمين يبارك في الأمر الموجود، لكن كيف يوفق الإنسان؟ وما هي صور التدخل الإلهي في عالمنا المعاش؟!
تهيئة الفرص المناسبة للتوفيق
إنَّ الله (سبحانه وتعالى) في بعض الحالات يسوق الأحداث ويتيح الفرصة للإنسان حتى يقع في جو تكاملي، وأنقل لكم ثلاث عينات قرآنية من حياة الصالحين من السلف الصالح والأنبياء (عليهم السلام)، كي أبين لكم مباركة الله (سبحانه وتعالى)، النبي موسى (عليه السلام) رأى فتاتين تذودان في مكان بعيد فسقى لهما فدعا الله (عزّ وجلّ)، وإذا بموسى يصبح صهراً لنبي من أنبياء الله (عزّ وجلّ) ألا وهو شعيب!، في الواقع نحن لا ننكر موسى كليم الله ولكن هل معاشرته لشعيب كانت خالية من الآثار؟! أبداً، هنيئاً لإنسان عمه نبي، أبو زوجته نبي، طبعاً بنت النبي المفروض أن تكون قد تربت في أجواء النبوة ،من الطبيعي أن تكون امرأة مهذبة، كانت تمشي خلف موسى لئلا يقع نظره على أبدانهن من الخلف، انظروا إلى حالة الحياء والعفة وعلى رواية كانت ترمي بالحجارة يميناً شمالاً كي يعرف إتجاه الطريق، المهم وقد كانت امرأة ويكفي أنها في القرآن الكريم كانت تقول: (لا نسقي حتى يصدر الرعاء) أي نحن لا نزاحم الرجال، ومن الغريب أنَّ البعض يسأل بأنَّ آية الحجاب موجهة إلى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) ونحن لسنا مأمورات بالحجاب، فأين النهي القرآني في الاختلاط؟ ما المانع أن تجتمع المرأة مع الرجل في المختبر ورؤوسهم متلاصقة، أيديهما متقاربة، الرجل يشم رائحة صدرها مثلاً؟ من أين لك في القرآن ذلك؟
جواب هؤلاء؛ انظروا إلى بنات شعيب إلى العفة، إلى الوقار، (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[٣]، والقرآن لم يعين صدور الرعاء يحتاج إلى يوم إلى ساعة إلى نصف نهار ليس معلوماً من الممكن أن تكون الفترة فترة طويلة، محل الشاهد في ذلك؛ أنّ رب العالمين يتيح الفرصة للإنسان كي يكون موفقاً.
التصرف في العوامل الطبيعية
من مصاديق التوفيق الإلهي في الواقع التصرف في العوامل الطبيعية أيضاً، إتاحة الفرصة ليس من خلال البشر وإنما من خلال الموارد الطبيعية فما جاء في القرآن من تعامل الله (عزّ وجلّ) مع موسى (عليه السلام) في النيل، أو مع نبي الله إبراهيم (عليه السلام) في نار نمرود، أو مع نبي الله نوح (عليه السلام) في الطوفان، إذ ليست هنالك علاقة وإنَّ الله الحكم العدل، إذا رأى مورداً قابلاً للفيض الإلهي الخاص أفاض عليه سواء كان نبياً أو لم يكن، في الواقع هذا تعامله (سبحانه وتعالى) مع خلقه، ما مرَّ بأم موسى أم تجعل ولدها في تابوت ليس بأسطول ولا بغواصة ولا بسفينة حربية وإنما جعلته في مهد ثم رمت به في النيل في تابوت ما الذي حصل بعد ذلك؟ من الذي حفظ التابوت من الغرق؟ من الذي دفع الرياح إلى جانب قصر فرعون؟ من الذي حفظ هذا الوجود المبارك؟ الجواب؛ ربُّ العالمين، إذ كان يكفي أنْ تأتي ريح هوجاء عاصفة مدمرة أو دوامة بحرية في الأنهار وإذا بهذا الرضيع كباقي رضع بني إسرائيل كان في خبر كان! ولكن رب العالمين مسخر الرياح، مسخر الأجواء، مسخر الأمواج، كل شيء يسبح بحمده وإذا بالأمواج والهواء والفضاء وكل ذلك في خدمة موسى (عليه السلام) ليصل إلى قصر فرعون، إذن تصرف رب العالمين في عالم المادة صورة من صور التوفيق.
تصرف رب العالمين في عالم القلوب
تقدم التصرف في عالم البشرية كنبي الله شعيب (عليه السلام)، وفي عالم الطبيعة كنبي الله موسى (عليه السلام) وفي هذه النقطة، التصرف في عالم القلب (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا)[٤]، رب العالمين ربط على قلب أم موسى، ما الذي جعل الأم ترمي بفلذة كبدها في النيل، هذا الربط الإلهي هو توفيق منه (تعالى)، ما الذي جعل أهل الكهف يذهبون إلى كهف محصور إذ لم يكن فيه طعام ولا شراب (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ)[٥]، نعم وربطنا على قلوبهم الربط على القلب رباطة الجأش، رحم الله ميثم التمار في الواقع إلى اليوم يدوي صوته في التاريخ ما الذي جعل ميثم يتكلم بفضائل مولاه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو على مثل تلك الحالة؟ يقلع لسانه من فمه أو يقطع لسانه، إنسان تجري الدماء من فمه وهو يلهج بذكر علي وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع ذلك يرى ذلك في ذات الله قليلاً قليلاً، إذن من تصرفات الله (عزّ وجلّ) ومن موجبات التوفيق هو هذا الربط القلبي.
الإنسان يورط نفسه في عدم الحصول على التوفيق الألهي
وفي الواقع أتعجب عندما أسمع البعض من المسلمين أو المسلمات وهو يعيش في بلدة نائية، فربما مؤمن يذهب إلى بعض البلاد فلا يجد فيها حسينية أو مسجداً أو تجمع أو جمعية أو كذا لا كذا، فلماذا الإنسان يورط نفسه بالذهاب إلى مكان لا يرتفع فيه كلمة لا إله إلا الله؟ لماذا تذهب إلى مكان تضطر فيه لبعض الأعمال المحرمة كأكل الميتة مثلاً؟ وهل سبل الزرق، السبل انقطعت حتى تقتات لقمة العيش في بلدة تقطع بأنّ في هذه البلدة ما صلى فيها مصلي منذ أنْ خلقها الله (عزّ وجلّ)؟
ومع ذلك أعطي مثالاً لمثل هؤلاء آسية بنت مزاحم (رضوان الله عليه)، زوجة فرعون هذه المرأة التي ربط الله على قلبها حجة على كل امرأة تقول بأن الجو قد قهرني أو البيئة أجبرتني، ليس هنالك عذر أبداً في هذا المجال والله (عزّ وجلّ) طرح لنا هذه المصاديق.
هناك حركة من العبد وبركة من الله (تعالى)
إذن القول الفصل في هذه النقطة أن هنالك حركة من العبد وهنالك بركة من الله (سبحانه وتعالى)، وما ألطف قوله (تعالى): (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[٦]، فهناك رابط جميل في هذه الآية وهي معروفة في باب التوفيق الذي لم يأتي من الفراغ فقد جاء التوفيق، لأن صاحبنا أناب إلى الله (عزّ وجلّ)، إذن غير المنيب غير الضائع لا ينبغي عليه أن يدّعي هذا المعنى أبداً حتى في ليالي القدر! كان إمامنا زين العابدين (عليه السلام) وإمامنا الباقر(عليه السلام) يدعوان بدعاء في كل يوم من شهر رمضان يدعوان معاً، أي أن الأب وهو السجاد (عليه السلام) يجلس بجانب ولده ويدعوان معاً أو منفصلاً، اللهم صل على محمد وآله -طبعاً الصلاة على النبي وآله في أدعية أهل البيت ديباجة ونهاية قلما رأينا حديثاً دعاءً لا يسبق بالصلوات ولا يحلق بالصلوات- (ووفقني فيه أي في شهر رمضان لليلة القدر على أفضل حال تحب أن يكون أحد من أوليائك وأرضاها لك اللهم في تلك الليلة اجعلني على أفضل حال يكون فيه عبد من عبادك)، إذا الإنسان دعا بهذا الدعاء من الطبيعي في ليلة القدر يتجلى على شكل نفحة قدسية ترتفع بك إلى أعلى عليين.
موجبات التوفيق
عرفنا فعل الله وما قام به لبنات شعيب لموسى (عليهما السلام)، ولآسيا ولأم موسى ولأهل الكهف ولجميع الأنبياء والمرسلين، لكن ماذا نعمل كي نحصل على توفيق الله (تعالى)؟
نصرة الدين
نصرة الدين الحمية والغيرة على دين الله (عزّ وجلّ) والدفاع عن مقدسات المسلمين، الوقوف أمام الظالمين، كل هذا من موجبات التأييد الإلهي، القرآن الكريم يقول: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ)[٧]، النصرة الإلهية تنزل على الذين يغالبون أعداءه على الذين يقفون أمام الظالمين في كل عصر وفي أي ثوب وفي أي شكل، فنصرة الدين من موجبات نزول المدد، ولهذا رب العالمين في معركة بدر عندما رأى من اللازم أن يحفظ دينه بإنزال الملائكة أنزل ملائكة مسومين، وفيما قرأت في معركة بدر، الأسهم أسهم الملائكة كانت كالصواريخ الموجهة هذه الأيام، وأي توجيه في الروايات وفي التاريخ، أنَّ السهم في يوم بدر كان يخرج من كبد القوس وإذا بهذا السهم يمشي ويمشي ويتتبع الكافر ويرديه قتيلاً قال (تعالى): (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)[٨]، فإذا شاء رب العالمين أنْ يتدخل ويقلب الحسابات فالملائكة على أهبة الاستعداد لله.
يوجد في معسكرات هذه الأيام هنالك فرقة من الجيش، مهمتها الضربة القاصمة، التدخل السريع، ولله (عزّ وجلّ) قواته المدخرة بالتدخل السريع في الوقت المناسب، وبحسب ما نفهم أن الملائكة لا موت لها في الحياة الدنيا، عند النفخ لهم حالة أخرى، فملائكة النصر في بدر لا زالت موجودة بأسلحتها وبتلك الأسهم الموجه.
حفظ التجارب
الإنسان عليه أن يكون من المعتبرين دائما من أخطائه، فمن منا لا يخطئ؟ ولكن خاصية المؤمن ألا يلدغ من جحر مرتين!، اللدغة الأولى لك بتعبيري واللدغة الثانية عليك، فإذا أقرضت مؤمناً وتبين زيف كلامه تبين أنه إنسان مماطل ويكذب عليك أنت مأجور بلا شك في هذا الدين من أفضل أنواع الدين ذلك الدين الذي يماطل فيه الإنسان، تعذيب نفسي أراد خيراً وإذا به وقع في عذاب وفي حالة من حالات الغليان الباطني فهذا أجره مضاعف، ولكن إذا طلب منك مرة ثانية وخدعك وأخذ منك المال فلا أجر لك! أو جاء إنسان شبيه له ولم تحقق في أمره فلا أجر لك! إذن حفظ التجارب والكلام لإمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) من التوفيق حفظ التجربة.
من موجبات حالة الاحتياط والتوقف
في قسم من الناس يقتحم في كل ميدان يثار كلام عن شخصية سياسية أو دينية إنسان سوقي ترى بعض الناس تحليلاته جاهزة هجوم سريع قطع بما يقول أنا أقطع أن فلان كذا وكذا تريث من أين لك هذا اليقين؟ من أين جاء لك هذا القطع؟ يقول الامام علي (عليه السلام): (من التوفيق الوقوف عند الحيرة)[٩]، فإذا تحيّر إنسان في تقييم شيء أو تقييم شخص عليه أنْ لا يسارع في الحكم فإن هذا من موجبات الخذلان وسلب التوفيق.
من موجبات التوفيق تعذر المعاصي
أن يعيش الإنسان في بيئة إذا أراد أن يعصي فلا مجال للمعصية، الأجواء لا تساعد على المعصية وهذا من موجبات التوفيق، عامة الناس عندما يتكلمون عن هذه النقطة، يقولون: التوفيق الإجباري، إنسان مجبور كجار المسجد مجبور على صلاة الجماعة فهذا توفيق إجباري.
من موجبات التوفيق أن يبتعد الإنسان عن الأجواء التي يسهل فيها الوغول في المعاصي.
من موجبات التوفيق طلب التوفيق بكل بساطة من الله (سبحانه وتعالى)
من الجميل أن تقوم وتصلي ركعتين لله (عزّ وجلّ)، في زاوية في مسجد العمل أو في مسجد المطار أو في المزرعة أو في الحديقة وقل: (يا ربي أنت مسبب الأسباب يا سبب من لا سبب له ويا سبب كل ذي سبب)، قبل أن تذهب للوزارة وتطرق باب المسئول الذي اتصل به صديقك ما يسمى بالواسطة، اذهب إلى المسجد، إلى المصلى داخل الوزارة أو في خارج الوزارة، ركعتان مقتصدتان، وأنتم تعلمون أنّ صاحب الحاجة يركز في صلاته، قل يا ربّ منك التوفيق أنت المسبب للأسباب يا سبب من لا سبب له، حقيقة دعاء جميل ويا سبب كل ذي سبب ويا مسبب الأسباب من غير سبب سبب لي سببا لن أستطيع له طلبا؛ يعني لن أستطيع له طلبا بجهدي، أنا لا أعلم الحل فالحل إليك، فلو وقع المؤمن بين جبلين واقترب الجبلان إلى أن يتلاصقا قبل أن يتلاصقا، يقول: يا ربي الأمر إليك، فقطعاً هنالك فرج، وما هو معروف فإنَّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في غار ثور، هذه النسبة المعروفة للنبي (صلى الله عليه وآله)، العنكبوت والحمامة وما شابه ذلك، ما حصل مع نبي الله موسى (عليه السلام) لم يخطر ببال بشر، فهو على شاطئ البحر وفرعون القاسي القاتل خلفه أين الحل؟ كما تعرفون البحر أمامكم والعدو ورائكم، الحل كان (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[١٠]، جعل الله لهم طريقاً في البحر يبسا قال (تعالى): (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى)[١١]، ضرب عصاه وإذا في البحر طريق كأنه معبد والمياه على جانبي الطريق كأنهما جداران حائلان إذن هكذا في الحديث من أستنصح الله حاز التوفيق[١٢]، وهذا أيضاً عن إمامنا علي (عليه السلام) منبع الحكم وصاحب درر الكلم.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- نحن نعلم أن الله عزوجل جعل مواسم عبادية كثيرة منها فصلية ومنها موسمية تعقبها حالة أشبه بالإستراحة فعندما ينتهي شهر رمضان نكون كمثل قوم دخلوا في غزوة في حرب والآن في استراحة محارب.
- وقد كثر الكلام عن توفيق الإنسان فقد يُرى مؤمناً خاشعاً في صلاته فنقول بارك الله فيه هذا موفق، ولا نعلم ما هي مقاييس بالتوفيق! لأنَّه لابدَّ أن نميز بين الظواهر وبين البواطن فالكلام في الدوافع وفي تغيير الحالة الباطنية. والإمام علي (عليه السلام) في كلامه ينسب التوفيق إلى الله عزوجل إذ يقول: (التوفيق عناية، التوفيق رحمة، التوفيق عناية الرحمن، لا ينفع اجتهاد بغير توفيق) فالتوفيق هو أنَّ رب العالمين في الواقع يثمر سعي العبد من خلال:
- أولاً: تهيئة الفرص المناسبة للتوفيق.
- ثانياً: التصرف في العوامل الطبيعية.
- ثالثاً: تصرف رب العالمين في عالم القلوب.
- لكن قد يورط الإنسان نفسه في حرمانها من التوفيق الإلهي، كالعيش في بلدة لا يرفع فيها كلمة لا إله إلا الله. إذن التوفيق حركة من العبد وبركة من الله تعالى.
- وللتوفيق موجبات منها:
- (نصرة الدين، حفظ التجارب، حالة الاحتياط والتوقف، أن يبتعد الإنسان عن الأجواء التي يسهل فيها الوغول في المعاصي، طلب التوفيق بكل بساطة من الله سبحانه وتعالى).