- ThePlus Audio
هل أنسى الشيطان يوسف (عليه السلام) ذكر ربه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
يوسف (عليه السلام) والتبليغ في السجن
عندما سُئل يوسف (ع) في السجن عن تأويل الرؤيا لم يفعل ذلك مباشرة وإنما عبر لهما عن الرؤيا بعد مقدمات، لدفعهما إلى التوحيد والإيمان بالله. فقال أولا: (إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمࣲ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ)[١]، ثم نفى عن نفسه الشرك ثانيا وتحدث عن اتباعه ملة آبائه، فقال: (وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءࣲۚ)[٢]، واستنكر عليهم الشرك ثالثا، فقال: (ءَأَرۡبَابࣱ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ)[٣].
ثم أدان عبادتهم بالقول: (مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءࣰ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍ)[٤]؛ أي أنها أسماء لا واقع لها. وكما كانت قريش تعبد اللات والعزى، كان هؤلاء يعبدون إله الشمس وما شابه ذلك من الأسماء التي سموها هم. ولو تأملنا لوجدنا أن يوسف (ع) يروج في نصف صفحة من القرآن الكريم لدينه، قبل أن يعبر لهما عن الرؤيا.
لا تقصص رؤياك…!
ثم بعد هذه المقدمات قال: (يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرࣰاۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ)[٥]. يا صاحبي السجن تعني الظرفية؛ أي صاحبي في السجن. ويبدو أن أحدهما أو أحد السجناء، أخذ يستهزئ بهذا التعبير، فقال: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان؛ أي أن هذا الذي قلته لا راد له ولا شك فيه. وقد يعبر عن الرؤيا غير الأنبياء ولكن الذي يصدر عن نبي فلا شك في صدقه وإمكان تأويله. ولذا إذا رأيت مناماً مزعجاً، لا تذكره لغير المعبر؛ فمن كتم منامه وأسره، كفاه الله خيره وشره. بل وليس من الضروري عرضه على معبر كابن سيرين الذي عُرف بتأويل الأحلام، فهل كان اين سيرين يستطيع الجزم كما قال يوسف (ع): قضي الأمر الذي فيه تستفتيان؟
ونحن نعلم أن الفتوى تكون للمسائل الشرعية، فنقول: فلان يستفتي فلانا في المسائل والأحكام، فما وجه ذكر الاستفتاء في هذه الآية؟ هنا أيضا يعني: ما حكم منامي؟ فقد طلبا في البداية التعبير، فقالا: (ۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِ)[٦]، فأجابهم يوسف (ع): (ُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ) أي قضي الأمر الذي طلبتم معرفة حكمه.
هل طلب يوسف (عليه السلام) أن يُذكر عند الملك؟
ثم تحدث إلى أحدهما كما قال سبحانه: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجࣲ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ)[٧]. وظن هنا بمعنى تيقن. وذهب البعض إلى أن الذي ظن لم يكن يوسف (ع) وإنما كان السجين الذي مناه يوسف (ع) بالخلاص من السجن، فهو قد قبل هذا التعبير ولكن بقي في قلبه شيء. ولكن السياق واحد ويدل على الأرجح أن الذي ظن هو يوسف (ع). واذكرني عند ربك؛ أي اذكرني عند الملك بأني قد سجنت ظلماً. والرب هنا بمعنى المقوم، فرب الأسرة مقومها. ولكن هل في هذا الطلب نقص ووهن للنبي يوسف (ع)؟ ما المشكلى في أن يتظلم الإنسان ويطلب الفرج من خلال اتباع الأساليب الطبيعية والتي منها إيصال الخبر إلى الملك الذي بيده حل هذه المشكلة. فهذا طريق للخلاص ولا ضير فيه.
هل أنساه الشيطان ذكر ربه؟
ولكن أنساه الشيطان ذكر ربه؛ أي أن الشيطان أنسى السجين أو الساقي الذي نجى ذكر ربه وإيصال ظلامة يوسف (ع) إليه. ولكن ذهب البعض من المفسرين إلى أن الشيطان قد أنسى يوسف (ع) ذكر الله عز وجل، وهذا لا يجوز بحال من الأحوال. إذ أن الأنبياء من المخلَصين الذين لا سلطان للشيطان عليهم، وهم ممن اصطفاهم الله وانتجبهم. فلا يعقل في حقهم هذه المعاني التي تناسب عامة الناس. ونسي الذي نجى ذكر يوسف (ع) فلبث يوسف (ع) في السجن بضع سنين. وهنا لا يجوز كذلك قول من قال: أنه لبث في السجن عقوبة من الله عز وجل على استعانته بغير الله عز وجل. بل كان بقائه في السجن أمر طبيعي عندما أنسى الشيطان السجين أو الواسطة أن يذكره عند الملك.
ولكن الله سبحانه عمل تدبيراً يؤدي إلى خلاص يوسف (ع) من السجن، وذلك أن الملك رأى رؤيا وطلب من المعبرين أن يفسروا له ذلك، وهنا تذكر السجين الذي نجى أن يوسف (ع) هو القادر على التعبير، فأتى به إلى قصر الملك ليعبر له رؤياه.
خلاصة المحاضرة
- لم يدع النبي يوسف (ع) فرصة لتبليغ الدين إلا واستغلها. فنلاحظ أنه يتحدث في نصف صفحة في القرآن عن ربه وعن دينه قبل أن يعبر منام سجينين طلبا منه ذلك. وقد أقر بالتوحيد وأدان شركهم وعبادة أسماء لم ينزل الله بها سلطانا وبين لهم أن الإله الواحد خير من أرباب متفرقين.
- لا يُمكن القبول بحال من الأحوال أن الذي نسي ذكر ربه، هو يوسف (ع). كيف ينسى ذكر ربه وهو الذي اصطفاه الله عز وجل وهو من عباده المخلَصين الذين لا سلطان للشيطان عليهم؟ لقد نسي السجين الذي نجى أن يذكر يوسف (ع) عند الملك ولذا طالت فترة السجن سبع سنين.