- ThePlus Audio
هذه محطة المؤمن الأسبوعية للمحاسبة والمسامحة…!
بسم الله الرحمن الرحيم
ليلة إحصاء الذنوب
إن للمؤمنين إقبال متميز على ربهم في ليالي الجمع. أولا: إنهم ينظرون إلى معاصيهم التي ارتكبوها طوال الأسبوع الذي مضى من السبت إلى الخميس ويُحضون مخالفاتهم وزلاتهم، وكم زاغت أبصارهم وتكلموا في ما لا يعنيهم، فضلا عن الحرام. ومحاسبتهم لأنفسهم في هذه الليالي، تجعلهم في حالة من حالات الخجل بين يدي الله عز وجل. إنهم يرون هذه الليالي من أفضل محطات المحاسبة وقد تعلموا ذلك من دعاء كميل. إنهم يتعلمون من مولاهم أمير المؤمنين (ع) كيف يُقبلون على الله عز وجل في تلك الليلة. فهم أولا: يطلبون المسامحة ولكن في أي حال وجو؟ بما ورد في هذا الدعاء: (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ سُؤَالَ خَاضِعٍ مُتَذَلِّلٍ خَاشِعٍ)[١].
كيف أخاطب ربي مسترحما؟
كيف يعترض المحكوم عليه بالإعدام أو المؤبد على القاضي الذي أصدر عليه الحكم؟ كيف يسترحمه ويستعطفه؟ هل يأمر وينهى أم يتحدث إلى القاضي بأرق أسلوب والدموع جارية على وجنتيه والقلب منكسر وجل والخجل يعتريه؟ هذا وقد يكون القاضي جائرا في حكمه؛ ولكنه يقول: إن خلاصي مما أنا فيه، يستحق التذلل. فكيف إذا كان من يحكم عليه هو الرب الرئوف العدل الحكيم البر الودود؟!
وإن كان الحكم عدلا والحُكم عادلا والجزاء يناسب العمل، ولكن لا ينافي ذلك أن يكون السؤال سؤال خاضع متذلل خاشع. وهذه الصفات من عمل القلب؛ فالذلة والخضوع والخشوع معاني في الباطن تظهر في الخارج على صورة الدمع الجاري من هذه الغدة الدمعية. فجريان الدمع علامة التذلل والخشوع.
إن العبد يطلب في أول الطريق، المسامحة ثم الرحمة. أما المسامحة فتعني تصفية الحساب وأن يسقط رب العالمين عن الإنسان ما بينه وبينه، ويصفر حساباته كما يقال، وأما الرحمة أن يرفع من درجته. إن العفو عن المحكوم عليه بالسجن وإخراجه من السجن من قبل القاضي مسامحة والبحث له عن عمل وتزويجه وتأمين سكن له رحمة منه.
المسامحة تتوقف على تحملك شيئا من البلاء
ولكن تتوقف هذا المسامحة على شيء من البلاء ولذا قال (ع): (وَأَنْ تَجْعَلَنِي بِقَسْمِكَ رَاضِياً قَانِعاً)[٢]. لا ينبغي أن يتوقع الذي عصى ربه أربعين سنة، أن يعيش في رفاهية وسعادة إلى آخر عمره باستغفار ليلة. يقول رب العالمين: خالفتنا أربعين ليلة وقد عفونا عنك الليلة؛ ولكن تحمل شيئا من البلاء المكفر أو الرافع للدرجات. ولهذا يتفق أن تضيق أحوال الإنسان بعد المعصية والتوبة ويعاني من مرض عارض أو نقص في المال أو خوف في بلده أو تمرد من زوجة وإلى آخر ذلك. قد يقول قائل: إن الرجل هو المذنب، فما بال الزوجة يسوء خلقها؟ والجواب واضح بين: إن الذي ألقى المودة يسلبها، وإذا بالأمور تخرج عن مسارها وتُصبح في اتجاه آخر. ولذا يطلب المؤمن من الله عز وجل الصبر على البلية.
هل أنت صادق في دعائك؟
ومما ورد في هذا الدعاء: (اَللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ سُؤَالَ مَنِ اِشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ، وَأَنْزَلَ بِكَ عِنْدَ اَلشَّدَائِدِ حَاجَتَهُ، وَعَظُمَ فِي مَا عِنْدَكَ رَغْبَتُهُ)[٣]. عندما تقرأ هذه الفقرات البليغة من دعاء كميل؛ حاول أن تكون صادقا، فلا يُمكنك قراءة هذه الأدعية وأنت تسرح وتمرح وتنظر إلى التلفاز مثلا. هل أنت صادق فيما تقول؟ هل هكذا يكون شديد الفاقة؟ عظيم الرغبة في ما عند الله؟ إما أن تلهج بهذه الكلمات متشبها بأمير المؤمنين (ع) تُجريها عن لسانه ولا تتبنى مضامينها وإما أن تكون صادقا بتذكر الماضي الأسود والمستقبل المبهم. وهذا التذكر هو الذي يوجب لك الإقبال والخوف والوجل من الله جل شأنه.
ثم يقول (ع): (اَللَّهُمَّ عَظُمَ سُلْطَانُكَ، وَ عَلاَ مَكَانُكَ، وَ خَفِيَ مَكْرُكَ)[٤]. وهنا يتسائل البعض: كيف ننسب المكر إلى الله عز وجل؟ لقد نسب المكر إلى نفسه رب العالمين فقال عز من قائل: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[٥]. إن المكر هو التدبير بخفية؛ فمن أراد أن يرتكب محرما أو أراد أن يوقع أحدهم في الحرام من خلال الإغواء، هو ماكر. فالشاب إذا أراد أن يغوي فتاة، يعمل تدبيراً خفياً.
إن رب العالمين يحق له أن يتصرف معك بهذا المكر الخفي؛ أي أن يهيء لك المقدمات من دون أن يوقعك في الحرام، ويسلب منك الحماية. فيكفي على سبيل المثال، أن تختفي الكريات البيضاء لتفتك الجراثيم في جسمك من دون أن يحول بينها حائل…! ويكفي أن يرفع عنك سبحانه الحماية وتتوقف الملائكة الحافظة التي وصفها سبحانه في كتابه فقال: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[٦] عن حمايته؛ فيعلم الشيطان أن هذا الرجل ممن أوكله الله إلى نفسه وأنه مهمل كهمل النعم، فتك به كما يفتك الذئب الأزل بالدابة التي انفصلت عن القطيع.
خلاصة المحاضرة
- إن العبد يطلب في أول الطريق، المسامحة ثم الرحمة. أما المسامحة فتعني تصفية الحساب وأن يسقط رب العالمين عن الإنسان ما بينه وبينه، وأما الرحمة أن يرفع من درجته. إن العفو عن المحكوم عليه بالسجن وإخراجه من السجن من قبل القاضي مسامحة والبحث له عن عمل وتزويجه وتأمين سكن له رحمة منه.