موجبات التفاعل العاطفي مع الإمام الرضا (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة معرفة الإمام ولو معرفة إجمالية
من موجبات التفاعل العاطفي مع أئمة أهل البيت (ع) سواء في مشاهدهم أو في مجالسهم المعرفة بهم. إن تفاعلنا مع المعصوم يكون إما من خلال الحضور في المشهد كزيارة الحسين (ع) أو من خلال الحضور في مجالسهم. ولهذا وردت في الروايات عن زيارة المعصوم هذا القيد: (من زاره عارفاً بحقه). إن لهذه الكلمة معنى مجمل، وإجماله أنه إمام مفترض الطاعة. هذا المعنى كبير، فقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[١]؛ وأولوا الأمر هم في عداد الله ورسوله.
الله أعلم حيث يجعل وصاية الأنبياء
إن الله سبحانه هو أعلم حيث يجعل رسالته في الأنبياء، والله أعلم حيث يجعل وصاية أنبيائه. إن النبي مرشح من السماء ووصي النبي مرشح من السماء أيضا. وبعد وفاة النبي (ص) الأكرم في الثامن والعشرين من شهر صفر، وفي اليوم الأول من ربيع الأول بقيت حاجة الأمة إلى مفسر وإلى قائد جيش وإلى من يفتي الفتاوى ومن يحسم النزاعات كما هي. فوجود الوصي بعد النبي (ص) بيد السماء أيضا.
ولكن المطلوب من أحدنا أيضا أن يغوص في محاسن أخلاقهم. إنك عندما تزور الرضا (ع) – مثلا – تستغرق مدة الوصول إلى مشهده ساعاتا طويلة وقد تبقى هنالك عشرة أيام حتى تصلي تماماً مثلا. فهل قرأت كتاباً عن سيرته في تلك الفترة؟ هناك جزء كامل من أجزاء هذه الموسوعة المباركة بحار الأنوار التي هي مائة وعشر مجلدات في حياة الإمام الرضا (ع). فالتطلع على محاسن أخلاقهم وكريم سيرتهم من موجبات التعمق في عرفان حقهم.
من مصاديق هذه المعرفة هذه الرواية المشجية. إن الإمام الرضا (ع) كان معذباً في أرض خراسان كما كان أبوه موسى بن جعفر معذباً في أرض بغداد. يقول الهروي أبا صلت: (جِئْتُ إِلَى بَابِ اَلدَّارِ اَلَّتِي حُبِسَ فِيهَا اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِسَرَخْسَ وقَدْ قُيِّدَ وَاِسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ اَلسَّجَّانَ فَقَالَ لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا صَلَّى فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ أَلْفَ رَكْعَةٍ)[٢].
وسرخس مدينة من مدن خراسان قريبة من مشهد الرضا (ع)، والعبارة فيها حبس. لقد أتي به من المدينة إلى أرض خراسان وهو في حكم الأسير، ويؤكد ذلك قوله: (وقَدْ قُيِّدَ). ولو تذكرت هذه الجملة عند الرضا (ع) لجرت دمعتك. لقد فرق بين الإمام وبين مدينة جده، وبينه وبين ولده الجواد (ع)، وبينه وبين أسرته. إنني لم أرى في التاريخ أن الإمام أخذ معه عائلته، أما الإمام الجواد (ع) فمتيقن أنه تركه في المدينة. وكان يكفيه هذا البعد ألماً ومع ذلك يحبس ويقيد.
الرضا (عليه السلام) في سجن سرخس
وهذا الإمام وإن كان في السجن مقيدا ولكنه مشغول بالصلاة ألف ركعة في اليوم والليلة. ثم قال: (وَإِنَّمَا يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَتِهِ سَاعَةً فِي صَدْرِ اَلنَّهَارِ وَقَبْلَ اَلزَّوَالِ وَعِنْدَ اِصْفِرَارِ اَلشَّمْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ اَلْأَوْقَاتِ قَاعِدٌ فِي مُصَلاَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ)[٣]. إنه بين صلاة وبين مناجاة. فقال أبو الصلت: (فقلتُ لَهُ فَاطْلُبْ لِي فِي هَذِهِ اَلْأَوْقَاتِ إِذْناً عَلَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ لِي عَلَيْهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي مُصَلاَّهُ مُتَفَكِّرٌ). وهنا العبرة كل العبرة، وهنا بيت القصيد. إن المؤمن إن لم يصلي في الطريق أو في السفر أو في الطائرة؛ فقبل النوم ذهنه يعمل ويفكر في ما هو خير له. إن الإمام هذا حاله، ومن كان هكذا حاله في حبس سرخس أتوقع أن يكون هذا حاله أيضا في أرض خراسان. وعندما يقال: هذا هو ولي العهد مثلا؛ فك ترفع هذه العبادة المتراكمة من قدره عند الله عز وجل.
إن المعصوم في كل زمان هو أعلم أهل زمانه في كل شيء. إن الإمام إذا سئل في الطب أجاب وإذا سُئل في الكيمياء أجاب ومثاله جابر بن حيان، وإذا سُئل في الرياضيات أجاب. إن علمه من الله عز وجل لا من هذه الجامعات. إن أحدهم يدخل الجامعة ليخرج متعلماً؛ والإمام خرج من مدينة علم النبي (ص) فأين هذه من تلك؟
علم الإمام الرضا (عليهم السلام) بمختلف اللغات
ومن هذه العلوم علمه باللغات. يقول أبو الصلت الهروي: (كَانَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُكَلِّمُ اَلنَّاسَ بِلُغَاتِهِمْ وَكَانَ وَاَللَّهِ أَفْصَحَ اَلنَّاسِ وَأَعْلَمَهُمْ بِكُلِّ لِسَانِ وَلُغَةٍ فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ مَعْرِفَتِكَ بِهَذِهِ اَللُّغَاتِ عَلَى اِخْتِلاَفَهَا فَقَالَ يَا أَبَا اَلصَّلْتِ أَنَا حُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَمَا كَانَ اَللَّهُ لِيَتَّخِذَ حُجَّةً عَلَى قَوْمٍ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ لُغَاتِهِمْ أَ وَمَا بَلَغَكَ قَوْلُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أُوتِينَا فَصْلَ اَلْخِطَابِ وَهَلْ فَصْلُ اَلْخِطَابِ إِلاَّ مَعْرِفَةُ اَللُّغَاتِ)[٤] ولم يكن داوود (ع) هو الذي أوتي فصل الخطاب. والإمام هو الإمام نفسه بعد استشهاده. فإذا زرته فاعلم أن روح الإمام ترفرف في عالمه في مقعد صدق، وهو يسمع كلامك ويرى مقامك ويبلغه سلامك. فعامل الإمام كما كان يعامله أبو الصلت الهروي، وتكلم معه الآن وإن لم تسمع الجواب فهذا أمر آخر. تكلم معه وأنت أمام ضريحه إن آذاننا لا تسمع الأصوات البرزخية وإلا لو ترقيت لرأيت وسمعت.
خلاصة المحاضرة
- إن المعصوم في كل زمان هو أعلم أهل زمانه في كل شيء. إن الإمام إذا سئل في الطب أجاب وإذا سُئل في الكيمياء أجاب ومثاله جابر بن حيان، وإذا سُئل في الرياضيات أجاب. إن علمه من الله عز وجل لا من هذه الجامعات. إن أحدهم يدخل الجامعة ليخرج متعلماً؛ والإمام خرج من مدينة علم النبي (ص) فأين هذه من تلك؟