من مناقب الرضا (عليه السلام) وفضل زيارته وخصوصية مشهده
بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا ينبغي أن نقوم به في مناسبات الأئمة (ع)؟
مما ينبغي أن يحرص عليه كل مؤمن موال لأوليائه (ع)؛ أن يُحول ذكراهم إلى طاقة إيجابية تحثه على العمل والمضي قدما في تحقيق الأهداف التي عاشوا من أجلها وماتوا عليها. ولا يكتفي في ذكراهم بذكر الفضائل والنصوص الواردة على إمامتهم وبعض الخصوصيات الفردية التي لا يُمكن للجميع التأسي بها.
لماذا اصطفى الله سبحانه من اصطفى من الأنبياء والأولياء؟
من الأمور الجديرة بالتأمل؛ ألقابهم الشريفة. لو تأملنا مثلا في لقب النبي (ص) ولقب أمير المؤمنين (ع) ولقبه ولده الحسن (ع)؛ لوجدنا فيها معنى مشترك وهو اختيارهم من قبل الله سبحانه. فالنبي (ص) هو المصطفى، وأمير المؤمنين (ع) هو المرتضى، وولده الإمام الحسن (ع) هو المجتبى. لقد اختارهم سبحانه وانتجبهم من أجل قابليات كانت فيهم ولم يكن هذا الاختيار جزافا.
كما اصطفى سبحانه مريم (س) وإن كان بينهم وبينها بونا شاسعا؛ إلا أننا نعلم إجمالا أنه لابد أن يكون سبب للاصطفاء. فإذا ما أراد المؤمن أن يكون مصطفى أو مرتضى أو مجتبى من قبل الله سبحانه؛ فلابد أن يرفع من أمامه موانع كثيرة ويتأهل لهذا الاختيار. بالنسبة إلى مريم والبون شاسع إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك يعني النبي الاكرم أمير المؤمنين (ع) فمهما حاولنا السير إلى الله عز وجل، فسوف تواجهنا العثرات الكثيرة والموانع العظيمة التي لا نجاة منها إلا بالعناية والجاذبية الإلهية.
زين العابدين وأفضل لقب في هذا الوجود
وزين العابدين هو اللقب الذي اشتهر به الإمام علي بن الحسين (ع). إن الإمام (ع) رغم أعباء الإمامة ورغم جهاده العظيم وصبره في يوم عاشوراء؛ كان من أعظم العباد. وسمة العبد أعظم سمة يُمكن أن يمتلكها أي إنسان في هذه الدنيا. إننا نقول في تشهدنا: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ فنقدم سمة العبد على الرسالة. وما نتعلمه من حياة الإمام زين العابدين (ع)؛ أنه لا ينبغي أن نكون من العابدين وإنما ينبغي أن نكون في أعلى درجات العبادة الممكنة.
لو تأمل كل واحد منا في وضعه الحالي؛ لرأى أن إمكاناته الفعلية هي أقل بكثير، من إمكاناته الحقيقية. لو كان لأحدهم رأس مال ضخم جداً؛ ولم يكن يجني من الربح إلا القوت أو النزر اليسير، للامه الناس على ذلك؛ لأن ربحه لا يتناسب ورأس ماله الضخم. إن الله سبحانه يقول: (وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ)[١]؛ فبحسب هذه الآية الشريفة، كلنا مغبونون، ولا يستطيع أحد اتقاء هذه الخسارة والغبن. ولكن يتأسى الإنسان بمقدار طاقته وقابلتيه بإمامه زين العابدين (ع) ويكون بما يستطيعه زينا لهم لا شينا عليهم في المكان الذي يعيش فيه.
معنى ألقاب الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)
أما الإمام محمد بن علي (ع)؛ فكان من ألقابه الباقر؛ أي الذي شق العلم. وكان الإمام الصادق (ع) صادقا في حياته وكان ادعاءه يطابق عمله، وليس المراد من الصادق أنه كان فقط صادق في القول؛ ففي حياتنا الكثير من الصادقين. ثم ولده الإمام الكاظم (ع)؛ كاظم الغيظ. وكظم الغيظ يختلف عن الحلم. إن الإمام المجتبى (ع) كان مظهر الحلم، حتى قيل: الحلم الحسني، ولكن كظم الغيظ أمر آخر وجانبا آخر من جوانب الحلم. إن الكاظم هو الذي لا يظهر غيظه؛ فمن الطبيعي أن يرى الإنسان ما لا يعجبه، ويغلي باطنه، ولكنه يدفع بالتي هي أحسن.
لماذا لُقب الرضا (عليه السلام) بهذا اللقب؟
ثم نصل إلى الرضا (ع) وإلى هذا اللقب الذي اشتهر به وذاع صيته في الآفاق. وقبل ذلك ينبغي أن نفكر في كيفية مجيء الإمام الرضا (ع) إلى أرض طوس. لو أراد أحد اليوم أن يأتي من المدينة المنورة إلى مدينة مشهد المقدسة؛ فيكفي أن يذهب إلى المطار ويركب طائرة تُحلق به ثلاث ساعات في الأجواء وإذا به قد أصبح في هذه المدينة بمنتهى السهولة واليسر. أما الإمام (ع) فكان يقطع الفيافي والقفار والبراري وهو مجبر على ترك مدينة جده (ص)، متحملا في مسيره الصعاب. ولكنه كان راضيا بقضاء الله عز وجل.
لقد شاء الله أن يرى الحسين (ع) قتيلا؛ فاستسلم، وشاء أن يرى زينب (ص) سبية؛ فسبيت وهي مستسلمة راضية، وشاء سبحانه أن يرى الرضا (ع) غريباً؛ فكان كما أراد وكان (ع) راضيا بذلك. إننا نسلم على إمامنا الرضا (ع) قائلين: السلام عليك يا غريب الغرباء. ويتسائل البعض: كيف يكون الإمام (ع) غريبا مع هذه الجماهير المحتشدة في كل أوقات السنة حول قبره الشريف؟ إنه ليس غريبا من جهة الزوار قياسا بأئمة البقيع (ع)؛ وإنما هو (ع) غريب، لأنه هاجر إلى بلاد الغربة ومحل النأي عن مسقط رأسه ومأنس نفسه، فكان بعيدا عن مدينة جده وقبره (ص)، وبعيدا عن ديار آبائه.
ضيق نفسي عند الرضا (عليه السلام) يتحول إلى انشراحة في صدور زواره
لقد اعتقدوا أنهم بدفن الإمام (ع) إلى جانب هارون الرشيد قد أكرموه، والواقع التاريخي يحكي لنا خلاف ذلك وأن الإمام (ع) لم يكن سعيدا في تلك البلاد. من الروايات التي تؤكد ما ذكرناه ما أورده الشيخ عباس القمي في كتابه منتهى الآمال: (أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ مِنَ اَلْجَامِعِ وَقَدْ أَصَابَهُ اَلْعَرَقُ وَاَلْغُبَارُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ – اَللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَرَجِي مِمَّا أَنَا فِيهِ بِالْمَوْتِ فَعَجِّلْهُ لِيَ اَلسَّاعَةَ وَلَمْ يَزَلْ مَغْمُوماً إِلَى أَنْ قُبِضَ)[٢].
هل تتخيل أن يكون الإمام (ع) جالسا تحت منبر المأمون العباسي؟ إنني أعتقد بأن التعذيب النفسي الذي كان يعيشه الرضا (ع)؛ لم يكن بأقل من التعذيب الذي تعرض له أبوه موسى بن جعفر (ع) في سجن هارون. وكأن الله سبحانه عوض الضيق الذي عاشه الرضا، بانشراح يعيشه زائره في مشهده. فقد سألت الكثير من زواره وأكدوا لي: أنهم يشعرون براحة نفسية في هذا المشهد لا يجدونها في غير هذا المكان الشريف، حتى إن البعض منهم ابتاعوا لأنفسهم منازل في هذا البلد.
الهموم تزول في هذا الحرم الشريف
تأملوا في حلقات الامتحان الإلهي كيف تكاملت عند الرضا (ع). لو كان الإمام الجواد (ع) مع أبيه في أرض طوس، لكان خفف عنهم الكثير من آلامه ولكان وجوده مسليا له عن كثير من همومه، وكذلك الأمر لو كانت فاطمة المعصومة (ع) بجواره أو سائر أهله، ولكنهم كانوا بعيدين عنه، ولا سبيل لهم للوصول إليه. والذي أفهمه من بعض النصوص؛ أن الإمام (ع) مات في غرفة وحيدا غريبا.
ما أفظع هذه الغربة التي كان يعيشها (ع)؛ فهو مع حرمانه من أهله وعياله، يلفظ أنفاسه الأخيرة في غرفة مغلقة لا يرى حول من الناس أحد. ولذلك روي: (إِنَّ بَيْنَ جَبَلَيْ طُوسَ قَبْضَةً قُبِضَتْ مِنَ اَلْجَنَّةِ مَنْ دَخَلَهَا كَانَ آمِناً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنَ اَلنَّارِ)[٣]. إن الزائر في الحرم وفي الفندق وفي المنزل الذي يملكه في تلك الأرض المباركة؛ يشعر براحة نفسية ويشعر بأن الأجواء مفعمة بالروحانية؛ فيبدو أن الرواية لا تتحدث عن خصوص الروضة الشريفة وإنما عن مشهد كلها.
كيف نعطي الزيارة حقها؟
إن زياراتنا للمعصومين (ع) قابلة للتطوير والترقي. شتان بين من يدخل الحرم ببدنه وبين من يدخل الحرم بروحه. ولا شك أن الإمام يعتني بزائره ويتلطف به في الحالتين. ولكن أين هذا ممن يستشعر حياة المعصوم، ويعتقد اعتقادا عندما يقول: أشهد أنك تسمع كلامي وترى مقامي؟ والاستماع لا شك من خصوصيات الحي. عندما يشكون في حياة الإنسان ينادونه فإن أجاب تيقنوا أنه حي وإلا فهو ميت. وقد قال سبحانه: (وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ)[٤].
إنني رأيت أحد الزوار ذات يوم وكان قد اعتكف في الحرم أربعين يوما وليلة، ولعله كان يصوم نهاره ويقوم ليله. فسألته عن كيفية اعتكافه؟ فقال لي: إنني لم أكن أدخل إلى الضريح بكثرة وإنما كنت أحوم في الأصحن الشريفة والحرم محاط بأصحن كثيرة كصحن الجواد (ع) وصحن انقلاب وجمهوري وغيرها، ولم أكن أدخل إلى الضريح إلا عندما أكون قد بلغت قمة التفاعل والإقبال. فلم أكن أرى من المناسب أن أدخل إلى هذا المكان المقدس بحالة من الإدبار والانشغال الذهني. إن هذا الشاب كان يشعر بعمق بحياة الإمام (ع) وكان يتصرف وفاقا
ولا يتحير أحدنا في الحرم في ما ينبغي له القيام به من الأعمال والأوراد. فلينظر إلى قلبه وما يشتهيه. هناك في الفنادق اليوم ما يسمى بالمائدة المفتوحة؛ حيث يأخذ المقيم في تلك الفنادق من كل طعام ما يشتهيه. والزائر أمام مائدة متنوعة من تلاوة القرآن الكريم أو الدعاء أو الزيارة أو الصلاة ركعتين بخشوع ثم تهديها إلى المعصوم. إنني أفضل أن أزور الرضا (ع) وأصلي عند الرأس الشريف أو في أي مكان آخر؛ ركعتان مقتصدتان بتوجه، وأعتقد أن ذلك خير من قيام الليل كله والقلب ساه. ما الفائدة من أن تصلي مئة ركعة وأنت متململ؟ اهد الإمام هاتين الركعتين وقل له: يا أبا الحسن، إن صلاتي فيها كل ما هب ودب؛ ولكن هاتين الركعتين قد أقمتهما بخشوع ولم تحدث نفسي بشيء. لا تتردد أن هذا العمل يُسر الإمام (ع). ومن آداب الزيارة صلاة الإمام الهادي (ع) بسورتي ياسين والرحمن.
كيف ندخل إلى قلب الرضا (عليه السلام)؟
كيف يدخل أحدنا إلى قلب أبيه؟ أليس ذلك بالإطاعة والتسليم له. يقول الشاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
فليس ثمة طريقا إلى قلب الإمام (ع) أفضل من الاقلاع عن المعاصي وتجنب السلبيات من الصفات والأفعال. ويستطيع أن يلجأ المؤمن إلى إمامه (ع) ليعينه على ذلك. فعندما يزور الإمام (ع) وهو محمل بالأوزار كبيرها وصغيرها، ويقف عند الضريح الشريف؛ يعاهد الإمام (ع) ويطلب منه العون والمدد. لقد سمعت من أحدهم ممن كان مبتلى بفتنة النساء والنظر أنه طلب أن يُعينه الإمام (ع) في السيطرة على نفسه وضبط نظراته. ويبدو أنه رأى امرأة في الحرم الشريف فزاغت إليها نظرته، ثم انتبه إلى نفسه وقال: كيف أفعل هذا وأنا في حرم الإمام الرضا (ع)؟ فأبلغ في البكاء والنحيب وتوسل بالإمام (ع) وإذا به يخرج من الحرم وقد أعطاه الإمام (ع) ملكة السيطرة على النفس شهوة وغضبا وإلى آخره. إن عطاء الإمام (ع) هو هذا العطاء السلطاني.
موقف تاريخي يُبين لنا شدة رأفة الإمام (عليه السلام) حتى بألد خصومه
اقتحم الجلودي وهو أحد جلاوزة هارون ذات يوم دار الإمام موسى بن جعفر (ع) لينهب ما في دار الإمام (ع). ثم مضت الأيام ووصل الإمام الرضا (ع) إلى مدينة طوس وأصبح وليا للعهد. وكان الرضا (ع) جالسا عند المأمون وإذا بهذا الرجل يؤتى به إلى مأمون لجريمة ارتكبها وقد رأى في وجهه علامات الاضطراب. فأخذ يتكلم هذا المجرم مع المأمون ليعفو عن ذنبه، وهنا همس الإمام (ع) في أذن المأمون وطلب منه أن يعفو عنه. وعندما رأى الرجل من بعيد أن الإمام (ع) يسار المأمون ويتحدث معه في شأنه؛ ظن أن الإمام (ع) يذكر له سوء أفعاله مع الإمام موسى بن جعفر (ع) والده وأنه قد حانت فرصة الانتقام. فأقسم على المأمون ألا يسمع كلام الرضا (ع) فيه وبالفعل لم يسمع المأمون فيه كلام الرضا (ع) وأمر بقتله. فإذا كانت هذه الرأفة شاملة لأسوء خلق الله؛ فكيف بالزائر ولو كان عاصياً؟
ماذا أطلب من الإمام الرضا (عليه السلام)؟
فما أجدر بزائر الرضا (ع) أن ينوي الإقلاع عن المعاصي ثم يأتيه طالبا منه العون والتسديد. إن قلوب العباد بأيديهم (ع) وبإذن الله عز وجل يستطيعون أن يُغيروا من باطن الإنسان. من الذي فعل بقلب الحر ما فعل؟ من الذي قلب بشر الحافي رأسا على عقب؟ ألم يكن والده موسى بن جعفر (ع). ما إن نظر إلى بشر نظرة ولائية؛ انقلبت جميع أموره وتغيرت أحواله. وولايتهم لم تنقطع؛ فهم في عالم البرزخ لهم ولايتهم كما كانت في عالم الدنيا؛ بل أكثر. فلا تكتف من الطلب بالشفاء والأموال والزوجة وما شابه ذلك؛ فبإمكان الإمام (ع) أن يتصرف في باطنك ويُقلع جذور الشر من نفسك وهذا ما ينبغي أن تطلبه.
وليس هذا الحرم مختص بالمسلمين دون غيرهم. فقد سمعت عن مسيحيين يدخلون إلى هذا الحرم الشريف ويُقدمون للإمام (ع) نذورا ويشعرون بأن همومهم وأحزانهم تنتهي عند بابه الشريف. إن أحد هؤلاء المسيحيين؛ قدم نذرا ذات يوم للإمام (ع)؛ فأعطوه بطاقة لتناول الطعام في مضيف الإمام (ع) فقال لهم: إنني مسيحي ولا أدخل إلى مطاعم المسلمين. إن كرامات الإمام (ع) قد بلغ صيتها الآفاق وأصبحت أمرا عالميا. ومشهد الإمام (ع) هو المشهد الوحيد الذي يتم فيه تسجيل الكرامات الرضوية الموثقة والمعتبرة، وتُنشر بين وقت وآخر في إحدى الصحف أو المجلات.
لماذا رجعت من عند الرضا (عليه السلام) من دون أن يعطيني حاجتي؟
ولكن قد لا يرى الإمام (ع) صلاحا في قضاء حاجة الزائر. فيطلب الشاب مثلا فتاة لا يعلم أنها غير صالحة له؛ فيُلح على الإمام (ع)؛ ولكن الإمام (ع) يصرفه عنها بلطف ويكرهها إلى نفسه بعد أن كان مغرما بها رأفة به وحرصا على مصلحته. وقد يجعل الإمام (ع) الحاجة التي كنت تنظر إليها أنها كالجبل؛ صغيرة جداً. فقد تدخل على الإمام وأنت تحمل بين طيات صدرك هماً عظيما؛ فترجع من الحرم وأنت لا ترى لذلك الهم وزنا ولا لتلك الحاجة قيمة؛ بل أصبحت تافهة في نظرك. إن الإمام (ع) إما أن يعطيك الحاجة نقدا في الحرم، وإما أن يعطيك الحاجة بعد فترة وإما أن يزهدك في حاجتك إن لم يكن فيها لك صلاح.
قراءة سيرة الإمام الرضا (عليه السلام) وكلماته والتأسي به
ولا ينبغي لزائر الرضا (ع) أن يكتفي بمطعمه ومشربه وسياحته والانشغال بأهله وعياله – وإن كان لهم حق عليه لابد منه – فيغفل عن التزود بالمعرفة. هناك المؤلفات الكثيرة التي تناولت سيرة الإمام (ع) وأخباره ينبغي للزائر أن يطلع على شيء منها. هناك مجلد من كتاب بحار الأنوار مختص بالإمام الرضا (ع)، وهناك كتاب المحدث القمي صاحب المفاتيح؛ منتهى الآمال. وبإمكان الزائر وهو في الفندق أو في الحرم؛ أن يقرأ شيئا من سيرة الإمام الرضا (ع) ومن كلماته. لماذا تأتي إلى الحرم وتنشغل فقط بالقرآن وبالمفاتيح؟
خذ معك كتاباً في سيرته وتأمل فيها وحاول أن تستوحي منه ما يزيد من إيمانك وعملك وما يدفعك إلى التغيير حتى لا تأتيه في سنة أخرى إلا وقد بان عليك التغيير. امزج العبادة والدعاء في حرمه الشريف بالتفكر والتأمل. وكما روي: (رحم الله امرئ علم من أين وفي أين وإلى أين)[٥]. وليسأل كل واحد منا نفسه في كل مرة يزور فيها الإمام (ع): أين وصلت؟ إن أفضل مكان يُحاسب المرء في نفسه؛ هذه الأماكن الشريفة.
لا تنس ذكر من كان يذكره إمامك الرضا (عليه السلام)
ولا ينبغي لزائر الرضا (ع) أن يغفل عن صاحب الأمر (عج) خصوصا إذا كانت زيارته في يوم الجمعة. إن الذي تمر عليه الجمعة ولا يذكر إمام زمانه (عج) ولو بزيارة؛ أعتقد أنه جاف له. وأضعف الإيمان أن يقول في صبيحة ذلك اليوم: هذا يومك المتوقع فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يديك، وأنا فيه يا مولاي ضيفك وجارك. فإن أراد أن يزيد؛ فعليه بدعاء الندبة ودعاء زمن الغيبة عصراً. ولإمام الرضا (ع) سلام على الإمام المهدي ولده؛ فقد كان (ع) يدعو له ولفرجه والإمام (عج) لم يولد بعد. ما أجمل أن يقرأ الزائر زيارة الإمام الرضا (ع)، وما ذكره الإمام الرضا (ع) في حق ولده المهدي وهو في حرمه الشريف.
وقد كان أئمتنا (ع) يذكرون الإمام المهدي (عج) ويخاطبونه بخطاب عاطفي. لقد كان الإمام الصادق (ع) فيما روي عنه يخاطب ولده المهدي (عج) قائلا: (سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي وَاِبْتَزَّتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي)[٦]. وكان الكاظم (ع) والد إمامنا الرضا (ع) يخاطبه قائلا: (بِأَبِي… أَسْمَرُ اَللَّوْنِ يَعْتَوِرُهُ مَعَ سُمْرَتِهِ صُفْرَةٌ مِنْ سَهَرِ اَللَّيْلِ بِأَبِي مَنْ لَيْلُهُ يَرْعَى اَلنُّجُومَ سَاجِداً وَرَاكِعاً بِأَبِي مَنْ لاَ يَأْخُذُهُ فِي اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ مِصْبَاحُ اَلدُّجَى بِأَبِي اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ اَللَّهِ)[٧]. وهانك الكثير من روايات أهل البيت (ع) التي يجدر بالمؤمن مراجعتها والتأمل فيها.
ما هي وظائفنا في زمن الغيبة؟
وللمؤمن وظائف تجاه إمام زمانه (عج) يجدها في دعاء العهد. إنني أحب هذا الدعاء كثيرا ولا أتمنى أن يرحل المؤمن من هذه الدنيا وهو لم يقرأ هذا الدعاء أربعين صباحا ليكون من أنصاره. إننا نقرأ في هذا الدعاء: (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَاَلذَّابِّينَ عَنْهُ وَاَلْمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَاَلْمُحَامِينَ عَنْهُ وَاَلسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ)[٨]؛ فهل بقي شيء من الوظائف لم يذكرها الدعاء؟ عندما يُساعد المؤمن يتميا أو فقيرا؛ اجعل ذلك نيابة عن مولاك (عج). وقل لإمامك (عج): سيدي، أعلم أنك تُحب مساعدة الأيتام ولكننا في زمان الغيبة وسأقوم أنا بدلا عنك. وكذلك الأمر في أي نشاط ثقافي أو خدمي أو اجتماعي نقوم به.
هل زيارة الرضا (عليه السلام) أفضل من زيارة الحسين (عليه السلام)؟
هناك عبارة في روايات أهل البيت (ع) لم أحسمها في نفسي بعد. تقول الرواية: (قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِيَارَةُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَفْضَلُ أَمْ زِيَارَةُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ زِيَارَةُ أَبِي أَفْضَلُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَزُورُهُ كُلُّ اَلنَّاسِ وَأَبِي لاَ يَزُورُهُ إِلاَّ اَلْخَوَاصُّ مِنَ اَلشِّيعَةِ)[٩]. وقد ذهب البعض إلى أن الإمام الجواد (ع) يتحدث عن فترة من الزمن كانت مشهد؛ منطقة نائية تقع في آخر حدود العالم الإسلامي كبخارا وسمرقد. فيبدو في فترة من الفترات؛ كان هناك جفاء وانقطاع عن زيارة الإمام (ع)، فكانت هذه الرواية حاثة على زيارته وإخراجه من غربته.
وهي إما أن تكون مطلقة أو مقيدة بالزمان. أما المتيقن أنه زيارة الإمام (ع) وخاصة من يأتيه بمعاناة وبتعب كمن يأتيه من المغرب العربي أو من شرق الأرض أو من غربها؛ فيها من الأجر العظيم وفيها تُقضى الحاجات وتُنال الطلبات. وأول حاجة من الحوائج التي يجدر بالزائر أن يطلبها؛ فرج المولى. إذا أصبحت يوما تحت قبة من قباب المعصومين (ع) أو عند الحجر الأسود أو تحت الميزاب أو تحت قبة الرضا (ع)؛ فانظر نفسك ماذا تقول تلقائيا من دون تلقين. فإذا ذكرت الإمام (عج) من دون مذكر؛ فأنت مهدوي. أما أن تذكر كل الحوائج إلا فرج إمام زمانك (عج)؛ فيُعلم أنك لست على ما يرام في علاقتك بالإمام (عج). لأنك قد جعلته في آخر القائمة، وقدمت عليه الأهل والأولاد وغيرهم. وليتذكر الزائر أن الرضا (ع) هو جد الإمام الهادي (ع) والهادي، (ع) هو جد الإمام صاحب الزمان (عج)؛ أي هو جد جده، والعلاقة بينها علاقة قريبة، فقل: يا مولاي، أبلغ سلامي إلى حفيد حفيدك.
خلاصة المحاضرة
- لقد شاء الله أن يرى الحسين (ع) قتيلا؛ فاستسلم، وشاء أن يرى زينب (ص) سبية؛ فسبيت وهي مستسلمة راضية، وشاء سبحانه أن يرى الرضا (ع) غريباً؛ فكان كما أراد وكان (ع) راضيا بذلك. ولذلك نسلم على إمامنا الرضا (ع) قائلين: السلام عليك يا غريب الغرباء.
- يتسائل البعض: كيف يكون الإمام (ع) غريبا مع هذه الجماهير المحتشدة في كل أوقات السنة حول قبره الشريف؟ إنه ليس غريبا من جهة الزوار قياسا بأئمة البقيع (ع)؛ وإنما هو (ع) غريب، لأنه هاجر إلى بلاد الغربة ومحل النأي عن مسقط رأسه ومأنس نفسه، فكان بعيدا عن مدينة جده وقبره (ص).
- هل تتخيل أن يكون الإمام (ع) جالسا تحت منبر المأمون العباسي؟ إنني أعتقد بأن التعذيب النفسي الذي كان يعيشه الرضا (ع)؛ لم يكن بأقل من التعذيب الذي تعرض له أبوه موسى بن جعفر (ع) في سجن هارون. وكأن الله سبحانه عوض الضيق الذي عاشه الرضا، بانشراح يعيشه زائره في مشهده.
- إن زياراتنا للمعصومين (ع) قابلة للتطوير والترقي. شتان بين من يدخل الحرم ببدنه وبين من يدخل الحرم بروحه. ولا شك أن الإمام يعتني بزائره ويتلطف به في الحالتين. ولكن أين هذا ممن يستشعر حياة المعصوم، ويعتقد اعتقادا عندما يقول: أشهد أنك تسمع كلامي وترى مقامي؟
- خذ معك كتاباً في سيرة الرضا (ع) وتأمل فيه وحاول أن تستوحي منه ما يزيد من إيمانك وعملك وما يدفعك إلى التغيير حتى لا تأتيه في سنة أخرى إلا وقد بان عليك التغيير. امزج العبادة والدعاء في حرمه الشريف بالتفكر والتأمل. وكما روي: (رحم الله امرئ علم من أين وفي أين وإلى أين).
- لا ينبغي لزائر الرضا (ع) أن يكتفي بمطعمه ومشربه وسياحته والانشغال بأهله وعياله – وإن كان لهم حق عليه لابد منه – فيغفل عن التزود بالمعرفة. هناك المؤلفات الكثيرة التي تناولت سيرة الإمام (ع) وأخباره ينبغي للزائر أن يطلع على شيء منها.