من سيرة النبي يوسف (عليه السلام)؛ الفرج بعد الشدة
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة النبي يوسف (عليه السلام)
إن أحسن القصص هي قصص القرآن الكريم. ومنها قصة النبي يوسف (ع)، وهي من القصص الثرية بالعبر: طفل يرى مناما ملفتا في صغر سنه، ويحظى بمرتبة متميزة في قلب والده، ثم تقع عليه المكيدة العظيمة من قبل إخوانه، فيُلقى في غيابات الجب، ليموت جوعا وعطشا. فإذا بقافلة تمر عليه ويرونه في أسفل البئر، فيأخذونه ويبيعونه بدراهم قليلة – وقيل أنها مزيفة – ومن ثم يدخل قصر العزيز، ويبتلى بامرأته، فيعاقب بالسجن لسنوات طويلة – يسجن الشاب الذي لم ير مثله في جماله – ثم يرى العزيز مناما يحتاج إلى معبر، وكان يوسف قد اشتهر بتعبير الرؤيا في السجن، وإذا به يصبح حاكما على خزائن الأرض.
لا يأس في الحياة
إن قصة يوسف (ع) كلها فرج بعد شدة: فالنجاة من البئر، كان فرجا بعد شدة محاولة القتل. وبعد ذلك فرج في قصر العزيز. ثم تأتي الشدة بعد ذلك في السجن، فيأتيه ذلك الفرج، ويا له من فرج! وقصة يوسف هي تجربة عملية لبني آدم حتى لا ييأسوا في أسوء الحالات، ولهذا عندما طلب نبي الله يعقوب (ع) من أولاده عدم اليأس في البحث عن يوسف، فقال: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[١] فالروح هو الرخاء، والمتنفس، والراحة.
لا تيأس من روح الله عز وجل
ولماذا لا ييأس من روح الله ومن رحمته إلا القوم الكافرون؟ لأنه ببساطة لا يعتقدون بوجوده كما يعتقد المؤمنون بوجود إله قدير ورؤوف يلتجأون إليه بالدعاء في الأزمات التي يتعرضون لها حتى قيل: (سِلاَحُ اَلْمُؤْمِنِ اَلدُّعَاءُ)[٢]، وروي عن النبي (ص) أنه قال: (اَلدُّعَاءُ مُخُّ اَلْعِبَادَةِ)[٣]. هل حرقت النار – التي طبعها الإحراق على مر ملايين السنين – إبراهيم (ع) الذي رمي بالمنجنيق في قلبها؟ أم جاءه الروح الإلهي ليقلب النار بردا وسلاما؟ ألم يأتي الروح الإلهي فينقذ النبي (ص) في الغار بعد أن رأى المشركون آثار أقدامه وتأكدوا من وجوده هناك ليصرفهم الحمام والعنكبوت الذين سخرهما الله عز وجل لذلك؟
والذي يقرأ قصة يوسف (ع) بتمعن؛ لا ينتابه الريب في أن الله عز وجل هو المنفّس لكل كرب. وإلا لو أن هذه القافلة لم تمر على البئر التي ألقي فيها يوسف (ع)، أو مرت به بعد ساعات أو أيام، لمات يوسف (ع) في قعر البئر وانتهى أمره.
يوسف (عليه السلام) وقدوم إخوته عليه
ومن الدروس التي نستفيدها من هذه القصة هو: كيفية طلب إخوة يوسف (ع) المعونة لهم ولأهلهم؛ فقد خاطبوه ببالغ الاحترام وبصفة أنهم ملك عزيز وهو قولهم: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ)[٤]. ثم أشاروا إلى العنصر الاجتماعي وهو قولهم: (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ)[٥]؛ أي لسنا نحن المنكوبون فحسب؛ بل لقد خلفنا عوائلنا وأهلينا وهم قد أصابهم الضر مثلنا.
ومنها: إظهار الضعف والمسكنة، حيث قالوا: (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ)[٦]؛ أي جئنا نشتري الطعام، ولكن يا أيها العزيز أموالنا لا تكفي، فبضاعتنا مزجاة قليلة، فكيف نشتري الطعام بهذه الأموال القليلة؟ فلا تعاملنا معاملة التجار، ولو تعاملت معنا كما يتعامل في الأسواق، فنحن خاسرون، وليس لدينا ما نشتري به طعاما.
ومنها: التذكير بالجزاء الإلهي: (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)[٧]. فهم بذلك انتقلوا إلى جانب استعطاف آخر، فأنت عندما تتصدق علينا، فهذا العمل لن يذهب هباء منثورا. فهم لم يكونوا يعلمون بأن هذا نبي الله، وإنما كانوا يخاطبونه على أنه بشر عادي.
الأسلوب الأمثل في الدعاء والطلب
وإذا عفى يوسف (ع) عنهم وأكرمهم فكيف هو صنع الله بهم؟ أليست عظمة يوسف (ع) ورأفته، وحنانه، هي رشحة من رشحات حنان الله وعطفه؟ وينبغي أن نخاطب الله عز وجل بهذا الأسلوب الذي اتبعه إخوة يوسف (ع) في مخاطبته. ولهذا فإن المؤمن لا يدعو إلا بعد أن يثني على الله حق الثناء، ثم يصلي على أهل بيته، ثم يدعو.
الأنانية في الدعاء والطلب..!
ولذلك كان يخاطب إمامانا السجاد (ع) الرب عز وجل في آخر ليلة من شعبان بقوله: (أَنَا وَمَنْ لَمْ يَعْصِكَ سُكَّانُ أَرْضِكَ فَكُنْ عَلَيْنَا بِالْفَضْلِ جَوَاداً وَبِالْخَيْرِ عَوَّاداً يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ)[٨]. ولذا يدعو المؤمن في دعائه لنفسه وللآخرين فيستعمل (نا) بدل (ني)..! فلا يقول: ارحمني وإنما يقول: ارحمنا. وما يضرك أن تضيف حرفا واحدا إلى دعائك، لتوسع الدائرة من نفسك إلى جميع من يدب على وجه الأرض؟ ثم يبدأ المؤمن بالاستعطاف قبل الدعاء فيقول على سبيل المثال: (يا رب! عاملنا بفضلك، ولا تعاملنا بعدلك).
خلاصة المحاضرة
- إن قصة النبي يوسف (ع) قصة مليئة بالعبر والدروس حالها حال جميع القصص القرآني. ومن دروس هذه القصة أن المؤمن لا يجد لليأس مكانا في حياته وهو يترقب الفرج في كل ساعة، كما أخرج الله النبي يوسف (ع) من القتل وكيد النساء والسجن حتى أصبح من ملوك مصر.