إن الإمام علي (ع) يصف المؤمن، في قصار كلماته (ع).. والمؤمن في قبال المسلم، فالمسلم من تشهد الشهادتين.. التشهد لا يحتاج إلى كثير رأس مال، فالإنسان بكلمتين ينتقل من الكفر إلى الإسلام.. أما الذي فيه مؤونة، وفيه تعب، هو أن يتحول الإنسان إلى مؤمن.. من هو المؤمن بديوان أمير المؤمنين؟..
قال أمير المؤمنين (ع): (المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه.. أوسع شِيء صدراً، وأذل شيء نفساً.. يكره الرفعة، ويشنأ السمعة.. طويل غمه، بعيد همه.. كثير صمته، مشغول وقته.. شكور، صبور.. مغمور بفكرته، ضنين بخلته.. سهل الخليقة، لين العريكة.. نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد).
(المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه).. السمة الظاهرية للمؤمن أنه يكتم أحزانه.
أولاً: المؤمن لا يخلو من حزن، هذا الحزن ليس بالضرورة لأحزانه الخاصة، قد يكون من أسعد الناس: له زوجة مطيعة، وله وظيفة محترمة؛ حياته مستقرة.. ولكن هل هذه الحياة؟.. ألا يحمل المؤمن همّ الآخرين، ولا يتأثر بما يجري على الأمة من مكاره؟.. صاحب نهج البلاغة عندما سمع هتك تلك الذمية ماذا جرى عليه؟.. عليٌّ (ع) يقول: (ولقد بلغني أن الرجل منهم، كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة.. فينتزع حجلها وقلائدها ورعاثها.. فلو أن الرجل مات بعد ذلك آسفا، لما كان عندي ملوما، بل كان عندي جديرا).
ثانياً: إن صاحب الأمر (عج) هو ولد علي (ع)، ويحمل نفس المشاعر.. إذا كان عليّ يتألم من إيذاء ذمية في بلاد المسلمين!.. فكيف إذا كان لمسلم؟.. وكيف إذا كان لمؤمن؟.. وكيف إذا كان لتقي ورعٍ؟!.. والإمام المهدي (عج) هو وارث علي (ع)!.. ويكفي أن نعلم أن أكبر قلب يحمل الهموم والآلام، هو قلب الإمام (عج)!.. (أنا وعلي أبوا هذه الأمة)؛ كل إمام في زمانه أب الأمة.. لو أن أبا عنده عشرة أولاد: خمسة منهم في سعادة، وخمسة منهم في ضيق.. هل يعيش هذا الأب الراحة، ولو باعتبار المبتلين من أولاده؟.. أكثر الناس هذه الأيام لهم بلاء ولهم هموم.
ثالثاً: إن المؤمن يعيش الحزن المستمر في قلبه، وهذا الحزن حزن بناء، لا يوجب له الانهيار العصبي؛ لأنه يحمل آلام الأمة.. الحزن الذي يوجب الانهيار العصبي، هو الحزن الشخصي اليومي.. ولكن في نفس الوقت بشره في وجهه.. المؤمن وجهه سمح مستبشر، تعلوه الابتسامة دائما.. ولهذا علي بتعبير اليوم: أكبر عسكري بتاريخ البشرية، -العسكري عادة وجهه مهيب غضب- ولكن خصومه عندما أرادوا أن يسجلوا عليه مأخذة، قالوا: (غير أنّ فيه دعابة).. أمير المؤمنين العسكري الأول، عندما ينتقص منه يقال: فيه دعابة.. نعم، أخلاقه سمحة!.. ومع الأسف بعض المؤمنين له دعابة، وله وجه حسن؛ ولكن خارج المنزل، مع الأجنبيات بشره في وجهه.. وإذا دخل المنزل مع الزوجة؛ فهو غضب!..
(مشغول وقته).. البعض يقول: ذهبت إلى المكان الفلاني لأقتل الوقت، هذا الإنسان أقلّ ما يقال عنه أنه عدو الحياة؛ لأنه يقول: أقتل وقتي، والوقت هو العمر.. المؤمن مشغول وقته.. ولهذا عندما يذهب لزيارة إنسان؛ يمنّ عليه؛ لأن وقته ثمين.
(مغمور بفكرته).. أي دائم التفكير؛ وتفكيره غير وسواسي، بل تفكير إنسان سوي، تفكير بناء لما ينفعه لدنياه وآخرته.
(نفسه أصلب من الصلد).. الصلد: الصلب الأملس.. والمراد: وصف صلابة إيمانه، وقوّة ثباته على الحق.. وهو أذل من العبد: في تواضعه.. إذن، كالحجر الصلب في الحق، ولكنه فيما يرضي الله -عز وجل- ومع المؤمنين أذل من العبد، {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}.. من المعروف أن المؤمن إذا بلغ رتبة عالية من الإيمان، يخشى من غضبه.. إذا غضب المؤمن أمام أهله وعياله، الدنيا تنقلب عليهم؛ لأنه ادّخر غضبه في ساعة الحاجة لذلك الغضب.. الذي يغضب لكل صغيرة وكبيرة -لملح الطعام وغيره- هذا الإنسان لو غضب في أهم الأمور، لا يعتنى بغضبه: لا بنهيه عن منكر، ولا بأمره بمعروف؛ لأنه يغضب لكل ما هب ودب.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.