- ThePlus Audio
من أين جاءنا دعاء (يا من أرجوه لكل خير)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة التأمل في مضامين الأدعية
من المناسب للداعي في الأشهر الثلاثة؛ أن يتأمل في مضامين الأدعية، ولا يكتفي بمجرد القراءة. إن الدعاء إذا جاء بعد التأمل فسيكون أقرب للإجابة والتفاعل. من هذه الأدعية المشهورة في شهر رجب، والذي هو من التعقيبات التي نأتي بها عصيب كل فريضة؛ دعاء: يا من أرجوه لكل خير. إن هذا التعقيب يلهج به المؤمنون من زمن الإمام الصادق (ع) إلى يومنا هذا. والرواية تؤكد على الإكثار من هذا الدعاء؛ فهي تؤكد على قراءة هذا الدعاء في كل يوم من رجب صباحاً ومساءاً، وعند الخروج من المنزل صباحاً، وفي الليل، وبعد صلاة الفجر والظهرين والعشائين. وعبارة: بعد كل صلاة قد تشمل النافلة أيضا؛ فلا بأس أن تدعو به في صلاة الليل وبعدها.
من هو محمد بن ذكوان؟
ولكن ما هي قصة هذا التعقيب؟ يقال: أن صاحب الإمام الصادق (ع) محمد بن ذكوان المعروف بالسجاد – لأنه كان يُكثر من السجود والبكاء إلى أن ذهب بصره – هو الذي طلب من الإمام (ع) هذا الدعاء. وهنيئاً لإنسان فقد بصره في المناجاة مع رب العالمين. إن شعيب (ع) بكى من خشية الله حتى ذهب بصره؛ فكافئه رب العالمين في الدنيا قبل الآخرة بأن أخدمه كليمه موسى كليم الله (ع) والذي كان من أنبياء أولي العزم. فرتبته أعلى من نبي الله شعيب (ع)، وهو قوله: (قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَ)[١].
رواية محمد بن ذكوان لهذا الدعاء
يقول هذا محمد بن ذكوان: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا رَجَبٌ عَلِّمْنِي فِيهِ دُعَاءً يَنْفَعُنِي اَللَّهُ بِهِ)[٢]. إن هذا التعبير: (جُعلت فداك) تعبير متكرر في زمان الأئمة (ع). أما البعض فكان يقولها مجاملةً والبعض كان يقولها صدقاً كأصحاب الحسين (ع) الذين بذلوا مهجهم في نصرة الحسين (ع). إنني لا أدري عندما نتوجه بالخطاب لإمام زماننا (عج) وقلنا له: جعلت فداك، فهل أحدنا صادق في قوله أم لا؟ هل هي مجاملة لا قيمة لها؟ هل نحن كمن طلب من الإمام الصادق (ع) أن يدخل التنور المسجور فدخل من دون أن يسأل؟ ولم يحترق بفضل الله عز وجل. إن مالك الأشتر عندما كان يقول لأمير المؤمنين (ع) جُعلت فداك؛ فقد كان يشهد له فعله بالميدان والحروب. وإنني أتوقع أن هذا الذي فقد بصره بالبكاء عندما يقول للصادق (ع) جعلت فداك؛ فهو صادق في ما يقول.
يقول: (اُكْتُبْ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ وَقُلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ صَبَاحاً وَمَسَاءً وَفِي أَعْقَابِ صَلَوَاتِكَ فِي يَوْمِكَ وَلَيْلَتِكَ – يَا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ وَآمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍّ)[٣]. وفي هذا الدعاء مزية، وهي: أن الإمام (ع) قال له: أكتب. فهو قد كتبه ولم يستظهره؛ فنكاد نطمئن إلى أن هذا الدعاء ليس فيه زيادة ولا نقص.
سر الحركات التي نقوم بها بأيدينا أثناء الدعاء
يقول الراوي: (ثُمَّ مَدَّ أبو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَدَهُ اَلْيُسْرَى فَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ وَدَعَا بِهَذَا اَلدُّعَاءِ وَهُوَيَلُوذُ بِسَبَّابَتِهِ اَلْيُمْنَى). إن البعض منا يقوم بذلك وتذهب سبابته يمنة ويسرة من دون توجه. ليس هذا هو المطلوب. إن الإنسان يعبر عن المضامين من خلال حركات بدنه. فهناك حركات عالمية، ولكل حركة معنى. إنك عندما تقول لأحد: لا تفعل هذا؛ تقول له ذلك وتحرك سبابتك في الأثناء. وتعني بهذه الحركة: يا رب، لا تحلل علي غضبك في هذه الساعة التي أدعوك فيها وحرم شيبتي على النار. إنها حركة رمزية قم بها وأنت تعي ما تقول وما تفعل.
هناك رأي آخر، وأتوقع أنه يلاقى قبولاً، وهو: أن البعض من العلماء ذهبوا إلى أنه ينبغي للداعي أن يلوذ بسبابته من أول الدعاء. فالإمام (ع) قال: أكتب، ولما فرغ الرواي من الكتابة قال: ثم مد يده ودعا بهذا الدعاء؛ أي من أوله كان يلوذ بسبابته. ثم قال بعد ذلك: يا ذا الجلال والإكرام. وهذا الرأي هو رأي مستحسن أن يقوم الداعي بهذا العمل من أول الدعاء.
خلود أصحاب الأئمة (عليهم السلام) بخلود أدعيتهم
تأملوا المباركة التي بورك بها هذا العبد الصالح، وكميل بن زياد الذي طلب من أمير المؤمنين (ع) دعاء الخضر؛ فعلمه الإمام (ع) الدعاء المعروف بدعاء كميل، وبقي كميل خالداً في دعائه، وأبو حمزة الثمالي خالداً في مناجاته، ومحمد بن ذكوان خالدا في هذا الدعاء الرجبي.
خلاصة المحاضرة
- من المناسب للداعي في الأشهر الثلاثة؛ أن يتأمل في مضامين الأدعية، ولا يكتفي بمجرد القراءة. إن الدعاء إذا جاء بعد التأمل فسيكون أقرب للإجابة والتفاعل.