• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

مناسبات أسبوع الولاية ودورها في التكوين النظري والنفسي للمؤمن

بسم الله الرحمن الرحيم

محطة ينتظرها كل مؤمن

من المحطات التي ينتظرها المؤمن طوال العام، ما يُعرف بأسبوع الولاية. وهو الأسبوع الذي يبدأ من يوم الغدير الأغر وينتهي في  الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة. وقد تضمن هذا الأسبوع من المناسبات التي هي دخيلة في التكوين النظري والنفسي للمؤمن ويأتي على رأسها عيد الغدير الأغر وهو عيد الله الأكبر وأعظم الأعياد. فإذا كان عيدي الفطر والأضحى مرتبطين بفرعين من فروع الدين؛ الصيام والحج، فإن عيد الغدير مرتبط بأصل من أصول الدين وهو الإمامة التي هي فرع النبوة. والوصاية ضرورة كالنبوة وإرسال الأنبياء مقتضى العدل الإلهي وسائر الأصول كالتوحيد والمعاد أصول مرتبطة بعضها ببعض.

أعظم نعمة من الله بها علينا

لقد أكمل رب العالمين في يوم الغدير دينه وأتم نعمته بتنصيب أمير المؤمنين (ع). وهذا المقام الذي ناله أمير المؤمنين (ع) في ذلك اليوم، هو مقام إلهي، فمكتوب على العرش أنه وصي رسول الله (ص) سواء قبلت الأمة بذلك وبايعته أو لم تقبل به ونكثت بيعته. ولا تتأثر هذه الولاية العرشية، بإقبال الناس عليه ومبايعتهم له أو بإدبارهم عنه. لو كان الإمام في جزيرة يعيش لوحده، أو قامت القيامة وهلك الناس جميعا إلا هو، لكان إماما ولما احتاج إلى بيعة ومبايعة. وإن كان الناس قد لجأوا إليه وتوسلوا إليه قبول الخلافة بعد أن ذاقوا الأمرين من الخلفاء الذين سبقوه قاسوا منهم ما قاسوه.

ولأن نعمة الولاية من أعظم النعم الإلهية، فقد ورد حث على سجدة الشكر في هذا اليوم. لقد جمع الله لنا أنواع النعم في يوم الغدير؛ نعمة الإسلام ونعمة الولاية ونعمة الاستقامة على خط. ولذا نجد من أعمال عيد الغدير الإكثار من شكر هذه النعمة، وقد قال عز من قائل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[١].

ومن مناسبات هذا الأسبوع، وقوع حادثة المباهلة. فقد باهل النبي الأكرم (ص) بأهل بيته (ع) نصارى نجران، فانقلبوا صاغرين. وفي هذا الأسبوع، تصدق أمير المؤمنين (ع) بخاتمه ونزلت فيه الآية الشريفة. ومن المناسبات المهمة في هذا الأسبوع، نزول سورة هل أتى، وهي مناسبة ولائية أيضا. وما أجدرنا بالتدبر في هذه السورة وتناول تفسيرها في هذا الأسبوع. فقد أتاح لنا أسبوع الولاية لفرصة المناسبة للتأمل في هذه السورة والتدبر في معانيها والكلمات المعبرة التي وردت فيها والتي تفيدا في سيرنا وحركتنا في الحياة.

سورة تُرجعنا إلى الوراء…!

الأمر الأول الذي يتعلق بهذه السورة، أنها تُرجع ذاكرة الإنسان إلى الوراء إلى الحين الذي لم يكن شيئا مذكورا؛ نطفة ليس إلا. إن الإنسان ينظر إلى نفسه وقد اكتمل نموه وتشكلت شخصيته وأصبحت له ذرية أولاد ونسل؛ ولكنه ينسى أنه لم يكن شيئا. لو جمعت ملايين البشر عندما كانوا نطفا، لاستوعبهم وعاء صغير جداً. فكيف أعمل رب العالمين قدرته الخلاقة في هذه النطفة، فأخرج منها هذه الصور المختلفة؟ والتأمل في أنه كان نطفة في بادئ أمره، ثم يُصبح جيفة في نهاية المطاف، يدعوه للتواضع لله سبحانه.

ثانيا: يشير سبحانه في هذه السورة الشريفة إلى أن الإنسان لم يكن شيئا مذكورا؛ ولكنه كان شيء. كان الإنسان متناهيا في الصغر لا يُرى إلا بالمجهر. ولكن تعالوا نتأمل في صنع الله عز وجل في هذه النطفة كيف تحول من شيء لا يُرى إلا بالمجهر إلى طفل سوي قد يكون غاية في الجمال وهو في أيامه الأولى؟ بل قد يخلق الله في رحم الأنثى طفلين أو ثلاثة أو أكثر. وبعد التدبر في هذا المعنى جدير بنا أن نخاطب الله عز وجل قائلين: يا رب، لقد حولت في تسعة أشهر نطفة لا تُرى إلى موجود بديع؛ فما المانع من أن تحول نطفة روحي لتصبح روحا متكاملة تامة.

متى تتكامل نطفة الروح؟

إن الكثير منا قد شاهد الأطفال حديثي الولادة؛ البعض منهم قطعة من الجمال والحال أن الواحد منهم قد خرج لتوه من ظلمات بطن أمه، وقد تم غسله وتنظيفه قبل لحظات. إن جمال الطبيعة بما فيها من أنهار وأشجار لهو جمال صامت لا حياة فيه، بخلاف الحمال البشري الناطق. فلماذا لا تطمع أن ينمي لك ربك الروح التي أودعها هذا الجسد؟ إن الجسم يكتمل في تسعة أشهر ولكن الروح قد لا تكتمل في تسعين سنة. فالكثير يخرج من هذه الدنيا ولم يعلم شيئا من أمر دينه وآخرته. نعم، إنه يتعلم العلوم الدنيوية ويُصبح أستاذا جامعيا في الثلاثين من عمره، ولكن لو تأملت صلاته لوجدتها هي ذاتها منذ بلوغه لم تتغير ولا تتغير إلى آخر حياته. وقد ضربنا مثال الصلاة، لأن الصلاة الخاشعة هي إحدى كواشف الروح المتكاملة.

حذا من أن يسكت نداء الباطن

ومن الآيات الكريمة في هذه السورة المباركة قول الله عز وجل: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[٢]. أي أن الله سبحانه قد غرس فينا الهداية الباطنية والتي نُعبر عنها بالفطرة. وهذه الفطرة هي التي تسبب لنا وخز الضمير أو تأنيب الضمير وهي المحكمة الباطنية والقاضي الداخلي أو سمها ما شئت. ولكن قد تنطمس هذه الفطرة ويخمد صوت هذه الفطرة بالإصرار على الجرائم وارتكاب المعاصي. فقد يصل العاصي إلى درجة لا تزعجه المعصية ولا تؤلمه ولا يكترث لنهي الناهي ولا يبالي بها. يغتاب على سبيل المثال بسهولة ولا يرى أنه بفعله هذا قد أكل لحم أخيه ميتا. بل تأخذه العزة بالإثم بدل أن ينزجر بنهي الناهي له عن المنكر.

وهذه مرحلة متطورة في التخلف الباطني؛ فلو انطفئ الوخز الباطني، فقد انتهى كل شيء وأصبح الإنسان على شفا حفرة من النار. وهذا الذي نجده في بلاد الغرب والشرق وفي المجتمعات الفاسدة أينما كانت. وصل الأمر في بلاد الغرب، أنهم لا يفرقون بين الخمر والشراب المحلل، ويعدون كلها سوائل…! أصبحت الحالة الطبيعية للمرأة أن تخرج من منزلها سافرة متبرجة ويشرعون القوانين التي تمنع من تحجب النساء. بعبارة أخرى: أصبح التكشف هو الأصل والحجاب حركة شاذة، وكذلك هو أكل المحرمات.

لماذا ورد النهي عن التعرب بعد الهجرة؟

لأن الذي يعيش في هذه البلاد، لا يستقبح الحرام بعد فترة من الزمن. إنني أعرف من المؤمنين من يمر على محلات بيع الخمور في المطارات الأجنبية مرورا سريعا؛ إذ لا يطاوعه قلبه النظر إلى زجاجات الخمر؛ بل يزعجه هذا المشهد ويخيفه. ولكن يصل الأمر بالبعض أن يتجاوزوا هذه المرحلة، فلا يزعجهم شيء من معاصي الله عز وجل ولا من الحرمات التي تُنتهك.

قصة سورة هل أتى

وبعد هذه المقدمات التي يذكرها رب العالمين في مستهل هذه السورة، يذكر ما جرى لأمير المؤمنين ولفاطمة وللحسنين (ع) ولفضة الخادمة. لقد نحل النبي (ص) التسبيحات المعروفة بتسبيحات الزهراء (س) لمولاتنا فاطمة (س) ونحلها هذه الخادمة من بين النساء تعويضا لها. لقد سخر لها هذه المرأة الطاهرة التي لها مقامات عليا اكتسبتها بفضل خدمتها للزهراء (س).

لقد نذر علي وفاطمة (ع) صوما لبرئ الحسنين (ع). ولكن أي صوم هذا الذي صاموه. إنه صوم لم يكن له نظير في تأريخ البشرية، فقد كان صوما متواصلا لثلاثة أيام. كانت السيدة الزهراء (س) تصنع الخبز والحال أن لحظة من لحظات عمرها لا تعادلها الدنيا بما فيها، وكانت تطحن وتكنس البيت وتسجر التنور؛ فقد كان الاتفاق الذي قضاه بينهما رسول الله (ص)، أن يكون لعلي (ع) ما خلف باب الدار وللزهراء (س) إدارة شئون المنزل. وقد دخلها من السرور ما لا يعلمه إلا الله عز وجل بحسب تعبيرها، لأنها أعفيت من تخطي رقاب الرجال.

خبز أعد بأنفاس مقدسة وأموال طاهرة…!

لا ينظر أحدنا إلى عملية الخبز اليوم التي أصبحت سهلة وميسرة اليوم. فقد كانوا في الأزمنة الغابرة يقضون ساعات في تهيئة المقدمات من الطحن بالرحى وإعداد العجين وتسجير التنور وغير ذلك من الأمور التي قامت بها الزهراء (س) وهي صائمة. كان هذا الخبز الذي تصنعه الزهراء (س) هو من أموال علي (ع) الطاهرة ثم يمتزج بأنفساها المقدسة، وبعد ذلك طرق مسكين ويتيم وأسير الباب فأطمعوهم ذلك الخبز على حبه.

[١] سورة إبراهيم: ٧.
[٢] سورة هل أتى: ٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لماذا نهى الإسلام عن التعرب بعد الهجرة والذي يُعد من مصدايقه اليوم؛ الهجرة إلى دول الغرب والشرق؟ لأن الذي يعيش في هذه البلاد، لا يستقبح الحرام بعد فترة من الزمن ولا يغار على دين الله عز وجل وأحكامه التي تُنتهك كل يوم أمام عينينه.
  • إن الله سبحانه قد غرس فينا الهداية الباطنية والتي نُعبر عنها بالفطرة. وهذه الفطرة هي التي تسبب لنا وخز الضمير أو تأنيب الضمير وهي المحكمة الباطنية والقاضي الداخلي أو سمها ما شئت. ولكن قد تنطمس هذه الفطرة ويخمد صوت هذه الفطرة عند الإصرار على الجرائم وارتكاب المعاصي.
Layer-5.png