- ThePlus Audio
معالجة الغضب بالتأسي بصاحب الحلم العظيم؛ الإمام المجتبى (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
إقامة مجالس الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
لا ريب في أن المجالس التي تُقام إحياء لذكر الإمام الحسن (ع)، تحظى بعناية إمام زماننا (عج) والحسين (ع). إن أول المستقبلين لوفد العزاء هو الحسين (ع) والعباس (ع) وبالطبع أبويه أمير المؤمنين والزهراء (ع).
إن الروايات التي تتحدث عن حب الحسن والحسين (ع) هي روايات مذهلة لو تأمل المؤمن فيها. لقد ورد في بعض هذه الروايات؛ أن النبي (ص) وهو يعظ الناس على منبره، كان يقوم من مقامه إذا رأى الحسنين (ع) مقبلين عليه، وكان يتأذى كثيرا من بكائهما فقد روي: (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بُكَاءَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ وَهُوَعَلَى اَلْمِنْبَرِ فَقَامَ فَزِعاً ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَا اَلْوَلَدُ إِلاَّ فِتْنَةٌ لَقَدْ قُمْتُ إِلَيْهِمَا وَمَا مَعِي عَقْلِي)[١].
البكر والسبط الأكبر
لقد كان الإمام المجتبى (ع) السبط الأكبر والبكر الذي خرج من البحرين: (مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ)[٢]، وقد احتل مكانة كبيرة في قلب أمير المؤمنين (ع) والزهراء (س). لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَخَذَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِيَدِ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ فَقَالَ مَنْ أَحَبَّ هَذَيْنِ اَلْغُلاَمَيْنِ وَ أَبَاهُمَا وَ أُمَّهُمَا – فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[٣]. وليس الحب فقط؛ الترنم بالأشعار، لأن ذلك لا يكفي لأن نكون في درجة النبي (ص) يوم القيامة؛ تلك الدرجة التي لا يمكن أن نتعقلها. إن درجة الصالحين فيها: (مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَ لاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَ لاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)[٤]؛ فكيف بدرجة النبي (ص).
الحب الكائب لأهل البيت (عليهم السلام)
إنما ينبغي أن يتغلغل الحب في القلب ولا يُكتفى بمجرد الدعوى التي لا تترجم إلى عمل. كيف تحب إنسانا ثم لا تزوره ولا تقدم له الهدايا ولا تدعوه إلى منزلك ولا تقضي له حوائجه؟ ليس هذا الحب؛ حبا صادقا، وإنما الحب الصادق هو ما تحول إلى سلوك عملي. وكما نُسب إلى الإمام الصادق (ع):
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
إن الحب الصادق؛ يقابل الحب الكاذب، والذي يدعي أنه يحمل في قلبه حب الحسن (ع)، وحبه حب صادق، فلابد أن يتشبه بالإمام (ع) وأن يبتعد عن المعاصي، فكما ورد: (إِنَّمَا شِيعَتُنَا مَنْ أَطَاعَ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ)[٥]. والشيطان موجود قد ملأه الحقد لبني آدم؛ لأنه طرد من رحمة الله لاستنكافه من السجود لآدم؛ فتقارن خلق آدم بطرده من الرحمة الإلهية. وقد انتقل حقده على آدم إلى الحقد على ذريته، وقد قال سبحانه في كتابه مبينا ذلك: (لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلࣰا)[٦]، ولو أطلق إبليس هذه الكلمة على عاهنها لما ذكرها القرآن الكريم وإنما ذكر لنا سبحانه ما هو واقع موجود ويُمكن أن يُشكل خطرا علينا.
وقد قال سبحانه: (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلࣰا)[٧]؛ فتصور أن يدخل مسلح إلى مكان ويقول للناس هناك: لأبيدنكم جميعا إلا من عصمه الله، ألا يدعو ذلك إلى الخوف وأخذ الحيطة والحذر من هذا العدو المتربص؟ إن هذا االشيطان يحاول أن يدفعك إلى الحرام وتعينه على ذلك الشهوة التي رُكبت في الإنسان، وهي جاسوسه في الباطن. إن هذه الشهوة الباطنية تلتقي مع إرادة الشيطان؛ فهو يحاول أن يثيرها والشهوة المثارة تدفع الجوارح لارتكاب الحرام. خاصة في زماننا هذا الذي أصبح الحرام في متناول اليد وأصبح كل شيء في التلفاز والهواتف والجامعة والأسواق، يثير الإنسان. فأنت محاط بمثيرات الفتن أينما اتجهت.
ثم إن الشيطان إذا عجز عن التأثير عليك وجرك إلى المعاصي؛ حاول أن يشغلك بالمهم عن الأهم. لقد قال سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ)[٨]؛ فهو يُحاول جهده ألا تعطي التقوى حقه. فإذا ما بلغت الستين أو السبعين وضعفت شهوتك، بحيث لا يستطيع الشيطان أن يؤثر عليك من خلالها، عمد إلى إلهائك ببعض الإيجابيات عما هو تكليف في الأساس. فإذا ما أقمت العزاء شهرين كاملين في شهري محرم وصفر ووُفقت للحضور في هذه المجالس والبكاء على الحسين (ع) الذي يحط الذنوب العظام ووُفقت للخدمة في المواكب وإقامة العزاء له؛ فسوف يدعوك إلى الراحة والدعة بعد هذين الشهرين قائلا لك: استرح الآن بعد هذا الجهد الذي بذلته إلى قابل ولا داعي لكي تقوم بشيء آخر. فلا تركن إلى هذه الوساوس الشيطانية؛ فهو يلهيك بهذه المحبة الظاهرية عن العمل بالمحبة الواقعية.
إن لكل إمام من أئمتنا (ع) لقب يُعرف به وصفة من الصفات امتاز بها، وإن كانت كل هذه الصفات مجتمعة في كل واحد منهم. فإذا قلنا الجواد، فلا نعني أنه لم يكن كثير السجود، وعندما نقول السجاد، فلا نعني أنه لم يكن جوادا كريما. إن كل إمام من الأئمة (ع) هو جواد، كاظم للغيظ، راض بقضاء الله وقدره وما شابه ذلك من الصفات؛ إلا أن هذه الصفات برزت في حياة إمام أكثر من برزوها في غيره من الأئمة (ع). من صفات الإمام الحسن (ع)، حلمه في مواجهة أعدائه. وما أجدر بالمؤمن التأسي بإمامه (ع) في هذه الصفة العظيمة؛ فالإنسان سريع الغضب، الذي يغضب لأقل مثير بعيد عن الإمام المجتبى (ع).
ماذا نعمل لنكون كالإمام الحسن (ع) في حلمه؟
إننا نجد الإجابة على هذا السؤال والسبيل إلى هذا الحلم الحسني في قول الله عز وجل: (وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمࣱ * وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمࣲ)[٩]؛ أي أنه مقام عظيم لا يناله إلا الصابر.
كيف نكظم الغيظ؟
أن نمدح الإمام الحسن (ع) لحلمه، ونمدح موسى بن جعفر (ع) لكظم غيظه، ما الذي نستفيده نحن؟ لابد أن مدح الإمام (ع) ونخطو خطوة للاتصاف بصفاته. من أراد أن يكظم غيظه، ويحلم عن الآخرين؛ فلا يقيم وزنا لكلامهم. إن هذا الذي يتكلم عليك؛ لا يتكلم عليك في الواقع وإنما يتكلم على صورتك الذهنية السلبية التي رسمها لنفسه في ذهنه والتي صورتها النفس الأمارة والشيطان والوهم. فقد تتصور إنسانا على أنه كاذب وهو في الحقيقة صادق، وهكذا.
لماذا تنزعج من كلام الآخرين عليك؟
وهل الذي يتكلم عليك؛ ينزل عليه الوحي أم أنه متصل بعالم الغيب لكي تتأذى من كلامه؟ بل هو إنسان متوهم بالباطل. فلو أقسم بالأقسام المغلظة أنك سيء وأنت تعلم أنك لست كذلك فلماذا تبالي إذن؟ إن البعض من المؤمنين يفرح بمن يغتابه بدل أن يُحزنه الأمر خاصة إذا كان الذي اغتابه له أعمال عبادية كالحج أو العمرة وما شابه ذلك. فهو يقول: سأصادر عمرته مثلا يوم القيامة في مقابل هذه الغيبة، أو سأصادر مشيته إلى كربلاء من البصرة وهلم جرا. إننا في محاكم الدنيا نرى كيف يحاول المحكوم أن يسترضي الحاكم بالمال أو بما شابه ذلك والأمر كذلك في محكمة القيامة إلا أن المال لا يلعب دورا هناك وإنما هي الأعمال والحسنات. وكما يقول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
إن من صفات الكرام تجاهل التافهين والصفح عن الجاهلين. وقصة مالك الأشتر مع الذي تجاسر عليه في السوق خير مثال على ذلك. عندما قال أحدهم للمتاجسر: أن هذا هو مالك قائد القوات المسلحة لأمير المؤمنين (ع) اضطرب فلحقه ليعتذر منه فوجده في المسجد يصلي، فقال له: ما جئت إلا لأستغفر لك. وهذا الحلم هو الذي جعل مالكا متميزا؛ لأنه مالك نفسه كما سمته أمه مالكا وغيظه وغضبه بيده.
قد يقول قائل: وأنى لي التأسي بهؤلاء العظام وأنا أعيش في بيئة كل شيء من حولي يستفزني؛ بما فيهم الزوجة والأولاد؟ والحال أننا نجد من علمائنا المعاصرين من كانوا القمة في كظم الغيظ والسيطرة على الغضب. لقد عزيت ذات يوم زوجة أحد العلماء بوفاته وكانت علوية، فقلت لها: كيف كان تعامله معك؟ لقد كنت أعرفه وكنت على علم بتبرمه من الحياة وكان يمزح ويقول لي: إن قوله سبحانه: (وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ)[١٠] هي الوحوش التي تحيط بي من كل جانب. فقالت لي زوجته: لقد عاشرني أربعين سنة وكان كبير السن فما رفع صوته علي مرة واحدة. وهذه هي تربية الإمام الحسن المجتبى (ع) وتربية موسى بن جعفر (ع). إن من وصل إلى هذه الدرجة من كظم الغيظ والسيطرة على النفس؛ فإن الله سبحانه يمنحه الكثير من المزايا.
كيف نتعامل مع الغضبان؟
وإذا واجهت إنساناً سريع الغضب عليك بهذه الطريقة التي إن التزمت بها نفعتك في كثير من المواطن. لو أن أحدا من أعزتك دخل عليك وعلى كتفه عقرب ماذا كنت تصنع؟ هل تقول له: أما تستحي تدخل علي وعلى كتفك عقرب؟ إذا أردت أن تعاتبه فإن العقرب لن تنتظرك وستلدغه وترديه قتيلا. فإذا كنت تحبه تحاول أن تزيح العقرب عن كتفه لئلا تؤذيه. وهذا حال الغضبان؛ حيث يركبه الشيطان، وما عليك إلا أن تنزله عن ظهره لتخلصه ونفسك من سمومه القاتلة.
لقد كنت أعرف رجلا ارتكب جريمة لأنه لم يسيطر على غضبه. لقد سألت عنه بعد أن غاب فترة، فقيل لي: إنه كان يتكلم مع ابنه الذي كان يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما فأغضبه ولده، فطعنه بسكينة كانت بيده فأرداه قتيلا…! فإذا رأيت إنسانا غاضبا لا تصب الزيت على نار غضبه ليشتعل أكثر مما هو مشتعل؛ بل حاول أن تطفئ النار وتهدئ من روعه.
ومن الأمور النافعة في مواجهة الغضبان أن تربت على كتفه ليسكت عنه الغضب. وعندها لا بأس أن تخاطب ربك قائلا: يا رب، لقد جهل علي وأساء إلي، فما أسأت إليه، وأنت أكرم الأكرمين وأنت الحليم الكريم، فاعف عني كما عفوت عنه. عندها ستجد حلاوة الإيمان في قلبك.
الإمام المجتبى (عليه السلام) وحلمه على شيعته…!
لابد من أن نتأسى بالإمام الحسن (ع) وندفع السيئة بالحسنة ونتعامل مع الغضوب معاملتنا مع المريض الذي يحتاج إلى علاج سريع، فلو عالجته أكبرك وازداد إعجابه بك وحبه لك. ولقال في نفسه: ما أعظم هذا الإنسان؛ أهنته وأسأت إليه فرد الإساءة بالإحسان. لقد تجاسر أحدهم على الإمام الباقر (ع)، فقال له الإمام (ع): (إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَهَا وَ إِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَكَ)[١١]. ولقد كان أصحاب الحسن (ع) يدخلون عليه ويحيونه بتحية لا أستطيع ذكرها لما فيها من وهن وسوء أدب ولكنه (ع) أصحابه بما يليق بمقام النبوة.
خلاصة المحاضرة
مقتطفات من الخطبة
• لابد من أن نتأسى بالإمام الحسن (ع) وندفع السيئة بالحسنة، ونتعامل مع الغضوب معاملتنا مع المريض الذي يحتاج إلى علاج سريع، فلو عالجته أكبرك وازداد إعجابه بك وحبه لك. ولقال في نفسه: ما أعظم هذا الإنسان؛ أهنته وأسأت إليه فرد الإساءة بالإحسان.
• من الأمور النافعة في مواجهة الغضبان أن تربت على كتفه ليسكت عنه الغضب. وعندها لا بأس أن تخاطب ربك قائلا: يا رب، لقد جهل علي وأساء إلي، فما أسأت إليه، وأنت أكرم الأكرمين وأنت الحليم الكريم، فاعف عني كما عفوت عنه. عندها ستجد حلاوة الإيمان في قلبك.