- ThePlus Audio
مریم (علیها السلام) مثال العفة والطهارة
بسم الله الرحمن الرحيم
اذكروا مريم (سلام الله عليها)…!
من القصص القرآنية المحيرة للعقول، قصة مريم (س). يقول سبحانه مطالبا نبيه (ص) بذكر قصتها والحديث عن أحوالها: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ)[١]. لو تدبرنا قصة هذه السيدة؛ لوجدناها من القصص المعبرة والمغرية جدا. وقد كانت هذه السيدة من العظمة بمكان جعلها من اللواتي تشرفن بالحضور في ولادة السيدة الزهراء (س).
لقد تكفل النبي زكريا (ع) هذه السيدة بأمر من الله عز وجل. وقد كان محروما من الذرية فترة طويلة من الزمن حتى قال: (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)[٢]. وقد وهبه الله عز وجل يحيى (ع)؛ فالله سبحانه لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وكذلك ينبغي أن يكون المؤمن في طلبه الحاجة من ربه. قدم الطلب للمولى في الحرم ولا تدع الأفكار تتلاعب بك وتأخذك يمنة ويسرة. إن الأمر في الحاسوب الإلهي الأعظم هو بين كن فيكون.
هل كان يخطر ببال بني إسرائيل وهم يرون البحر أمامهم وفرعون وجنوده خلهم؛ أن يشق الله لهم طريقا في البحر يبسا؟ كيف تحولت النار المستعرة التي ألقي فيها إبراهيم (ع) إلى برد وسلام؟ فلولا أنها كانت سلاما لبلغت من البرودة أن يرتجف في النار إبراهيم (ع) من شدة البرد؟! وحياة الأنبياء والمرسلين مليئة بهذه القصص والدروس.
لا تيأس ولا تقس السماء بمقياسك
فلا ينبغي أن ييأس الإنسان من روح الله عز وجل وليعلم أن حسابات ربه تختلف عن حساباته. تدبر قصة مريم وكيف كانت تأنس بالعبادة وكيف كان يأتيها رزقها من الله، فقد قال عز من قائل: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)[٣]. وقد اتخذت من دون قومها حجابا، فعلى ما يبدو أنها كانت بحاجة إلى فترة انقطاع عن الناس، فأتاها جبرئيل في هذه الفترة. إنها اعتزلت عنهم لأنسها بالعبدة وإذا بها تتفاجئ بمنظر رهيب. تصور بنتا في قمة العفة قد حفظت نفسها، فتفاجئ بمنظر شاب في غاية الجمال. فتذكر الروايات الشريفة؛ أن جبرئيل كان قد تمثل بأجمل صورة ممكنة.
روحنا تحول إلى بشر سوي…!
نلاحظ أن الله سبحانه يصف جبرئيل بالروح، فيقول: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)[٤]، وهذا تعبير عاطفي لطيف. إن هذا التعبير عادة ما يستعمله المحبين فيما بينهم، فيقول أحدهم واصفا حبيبه: هو روحي. تصور أي عظمة هذه التي وصل إليها جبرئيل لكي يصفه سبحانه بهذا الوصف؟ وكلنا يعلم أن الملك لا جسم له وأن الشيء لا ينقلب عن واقعه، فلا يتحول الجسم إلى روح ولا تصبح الروح جسما، فكيف تمثل لها بشرا؟ هنا ذهب المفسرون إلى أنه تمثل لها؛ أي أنها هي التي رأته في صورة إنسان ولم يكن هو في الحقيقة كذلك.
تسائلت مريم (س): من أين أتى هذا الشاب ودخل عليها من دون استئذان؟ وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا)[٥] . وهنا انقلب حالها فقال لها: (إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)[٦] . وهنا زاد استغرابها؛ إذ كيف يُمكن أن تحمل بولد من دون عقد وزواج؟ كيف لهذه المراحل أن تُختصر في حمل قصير المدة؟ فقالت: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)[٧]. فقد زال الخوف عندما علمت أنه رسول ربها ولكن بقي التعجب. إن المرأة عادة ما تحمل بالبغاء أو بالزواج وأنا لم أك بغيا ولم أتزوج. فقال لها جبرئيل يزيل عنها الشكوك والمخاوف: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)[٨].
وكان أمرا مقضيا
فلماذا تيأس المرأة العاقر أو الرجل العقيم ويستسلموا للمشاكل الصحية التي تمنعهم من الإنجاب؟ ألم يرزق الله مريم (س) من دون زوج ولدا؟ فهل تستغرب أن يرزقك الله عز وجل ولدا بعد عشرين أو ثلاثين سنة من الزواج؟ أليس الأمر هينا على الله عز وجل؟
قال عز وجل: (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا)[٩]؛ أي أن الله عز وجل قد قضى الأمر وقدره ولا تراجع عن ذلك أبدا. ولذا أوصي المؤمنين دائما بأن يسألوا الله عز وجل في ليالي القدر المباركة حيث التقدير والقضاء. ليسأل كل واحد منا ربه ما يريده من زوجة أو مال أو ولد بقلب مطئمن إلى أن ما يسأله هين على الله عز وجل وأن خزائنه بين الكاف والنون.
لا تخبر الله عز وجل..!
كان أحد علمائنا الأبرار وهو من المراجع السلف يقول: إياك أن تختبر الله عز وجل. لا تضمر في نفسك وتقول: لنجرب الزيارة أو نجرب الدعاء الفلاني. بل ادع الله عز وجل وأنت مطمئن إلى أن الحاجة مقضية. وإذا لم تُقض الحاجة، فليس ذلك لنقص في القدرة وإنما لمصلحة وهو ما ورد في دعاء الافتتاح: (لَعَلَّ اَلَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ اَلْأُمُورِ)[١٠].
كيف حملت مريم (سلام الله عليها) بعيسى (عليه السلام؟
أما في ما يتعلق بكيفية الحمل تذكر بعض الروايات؛ أن جبرئيل أخذ طرف ثوبها فنفخ فيه وأحست عندها بلحمل وإذا بالخمل يكتمل في سويعات كما تذكر بعض النصوص. وإن كان البعض ذهب إلى أنه الحمل استغرق أشهرا. وعندما خرجت من المحراب وواجهت خالتها شعرت بالحياء لأنها رأت نفسها حاملا. وهنا انتبذت مكانا قضيا وغادرت إلى مكان بعيد لئلا يراها من الناس أحد. كانت خالتها تعلم أن مريم (س) قبل لحظات كانت بنتا وهي الآن حامل ولو ظهر الحمل عليها لأعذرتها ولكن ماذا تصنع بالناس وبحديثهم؟
يا رب وشماتة الأعداء؟!
لقد ذهبت إلى مكان بعيد والله يعلم ما هو حالها فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، فقالت: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)[١١]. وكأنها كانت تقول: لو وضعت يا رب، شماتة الأعداء واتهامهم لي في كفة، ووضعت هذه البشرى في كفة، لرجحت كفة تلك التهمة لي بالزنا. وكأنها كانت ترفض هذا الولد بخطابها مع الله عز وجل؛ الخطاب الذي لم يكن مجرد خطاب عابر، فلو كان كذلك لما ذكره القرآن الكريم. أي عفة هذه التي تجعلها تتنازل عن هذه البشرى العظيمة وتتمنى لو لم تكن حاملة بعيسى (ع) في مقابل الحفاظ على سمعتها بين الناس؟
خلاصة المحاضرة
- لو تدبرنا قصة هذه السيدة في القرآن الكريم؛ لوجدناها من القصص المعبرة والمغرية جدا. وقد كانت هذه السيدة من العظمة بمكان جعلها من اللواتي تشرفن بالحضور في ولادة السيدة الزهراء (س).
- لماذا تيأس المرأة العاقر أو الرجل العقيم ويستسلموا للمشاكل الصحية التي تمنعهم من الإنجاب؟ ألم يرزق الله مريم (س) من دون زوج ولدا؟ فهل تستغرب أن يرزقك الله عز وجل ولدا بعد عشرين أو ثلاثين سنة من الزواج؟ أليس الأمر هينا على الله عز وجل؟