ما هي ثمرة الصيام في شهر الصيام؟
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث حول آية الصيام
عندما نراجع الآية المعروفة في الصيام: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)[١]نجد هنالك بعض المحطات التأملية في هذه الآية المباركة. أولا: بدأ الآية بقوله: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ)، ورب العالمين في المواطن التي يريد فيها أن نتحفز للعمل بأوامره يأتي بهذه الصيغة؛ أي إن كنت مؤمنا عليك أن تلتزم بآثار الإيمان هذا وما يترتب عليه من الأعمال. فليس الإيمان ادعاء باللسان فقط وإنما هو اعتقاد بالجنان وعمل بالأركان. فأنت من أول يوم نطقت فيه بالشهادتين؛ فقد خُط عليك قلم التكليف، وعليك أن تكون وفياً بما عاهدت الله عز وجل عليه.
لماذا (لعلكم تتقون)؟
ونفهم من قوله تعالى: (كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ) أنكم وإن كنتم خير أمة أخرجت للناس، وأنتم خاتمة الأمم؛ إلا أنكم مكلفون كما الأمم السابقة ببعض التكاليف، ومنها الصيام. فأيها المسلم، لا تمن على الله ورسوله؛ فالذين كانوا قبلكم لم يكن فيهم نبي كنبي الإسلام الذي هو خاتم الأنبياء، ولم ينزل عليهم كتاب كالقرآن الكريم الذي هو خاتم الكتب الناسخ لما سبق. وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان المؤمن في صيامه يؤدي شكر هذه نعمة الإسلام ونعمة الإيمان. إنه يُبدي هذا الشكر من خلاله عمله، والشكر هو عمل كما قال سبحانه: (ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗا)[٢]. إن الشكر العملي هو خير صيغة للشكر بين يدي الله عز وجل.
ثم إن هنالك عبارة في آية الصيام قل من يلتفت إليها، وهي ذكره لثمرة الصيام وهو التقوى. فقد قال سبحانه: (لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)، ولم يقل: أن الصيام كُتب عليكم لتُصبحوا من المتقين. يقال في العربية: إن (لعل) أداة الترجي؛ فعندما تقول للطالب: امتحن لعلك تنجح؛ يعني يُرجى النجاح، والنجاح ليس بمضمون، وإنما هذا النجاح مرتبط بمقدمات منها: إتقان المادة، وإتقان التعلم، وإلى آخره. فلا ينبغي إذن أن يجعل الصائم صومه من الطعام والشراب خاتمة المطاف؛ بل هذا أول الطريق. فمن الجيد أن يؤذن المؤذن أذان المغرب وأنت قد أتممت الصيام؛ ولكن أين التقوى؟
متى تقطف ثمرة التقوى؟
إن هذه الثمرة تتبين بشكل أكيد بعد شهر رمضان المبارك. لأن الجو الرمضاني والجو الجماعي والمدد الغيبي، والشياطين المغلولة؛ من الممكن أن تجعل الإنسان في وضع لا بأس به في شهر رمضان المبارك. إلا أنه من شهر شوال إلى شهر شعبان يدخل قاعة الامتحان، وفي هذه القاعة تتبين نتيجة الشقاء والسعادة. فـ (لعل) تعني: أنه ليس هنالك تلازم بين الصوم وبين تحقق التقوى؛ كما لا يوجد تلازم بين التقوى الذي هو من ثمرات الحج وبين الأداء المناسك في الحج. إن ثمرة التقوى في الحج تظهر عندما يرجع الإنسان إلى أرض الوطن. فلا ينبعغي أن يغتر الحجاج بما هم فيه حال الطواف وفي يوم عرفة وإلى آخره؛ وإنما الفخر كل الفخر أن يبقى في أجواء الحج بعد الرجوع إلى أرض الوطن. إن الفخر كل الفخر أن تُبقي شيئا من معالم الشهر الكريم، ومن نور الشهر الكريم وأنت خارج هذا الشهر المبارك.
قد تسأل: ما هو التقوى؟ وأقول بتعبير بسيط وواضح للجميع كما قال أحدهم من خلال قطعة أدبية:
خلِ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واعمل كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
هذه هو التقوى. إن الذي يمشي في أرض الشوك أو يمشي في أرض الألغام يحذر ما يرى. إن عينه على الشوك وعلى اللغم لئلا يقع في المحذور. إن الذي يريد أن يكون متقياً لابد أن يعيش هذا الهاجس، وهذا الخوف، وهذا القلق من الصباح إلى الليل.
شروط التقوى الأربعة
إن هذا التقوى الذي هو ثمرة الصيام؛ حصيلة أمور أربع؛ أولا: المشارطة في أول النهار، وهي أن تطلب من نفسك أن تكون ملتزمة بما قد قررت في طوال هذا الشهر الكريم أو طوال العمر. ثانيا: المراقبة. وهي مراقبة كل قول، واستعياب ما قال سبحانه: (مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ)[٣]؛ فلو كانت هذه الآية والحقيقة التي تشير إليها نُصب عين الإنسان لانضبط في سلوكه. ثالثا: المحاسبة في ختام اليوم، والأفضل أن تجعل المحاسبة مرحلية بعد كل فريضة لا بعد أن ينتهي النهار أو في آخر الليل. حاسب نفسك، وقل لها: ماذا فعلت بين الفريضتين؟ ثالثا: المعاقبة. قد يشدد البعض على نفسه في المعاقبة فتنفر النفس من العبادة. إنما ينبغي أن تكون المعاقبة بالحد الذي يُعقل؛ كأن يطيل مثلا من قيام الليل إذا ما كان من أهل قيام الليل أو يقيم الليل إذا لم يكن من أهله.
الاستمرار بالتغيير لما بعد شهر رمضان
قد لا يلتفت الإنسان طوال العام إلى هذه المراحل؛ إلا أنه في شهر رمضان تكون الأجواء مباركة. فحاول أن تحول الشهر الكريم إلى محطة من محطات التغير الباطني أو التغير الجوهري؛ فإن استقر الإنسان على مستوى من التغيير الباطني في شهر رمضان المبارك، يُرجى أن يبقى على هذا التغيير وعلى هذه المجاهدة في ما بعد الشهر الكريم وخاصة في ساعات الاستجابة في ليالي القدر.
خلاصة المحاضرة
- حاول أن تحول الشهر الكريم إلى محطة من محطات التغير الباطني أو التغير الجوهري؛ فإن استقر الإنسان على مستوى من التغيير الباطني في شهر رمضان المبارك، يُرجى أن يبقى على هذا التغيير وعلى هذه المجاهدة في ما بعد الشهر الكريم.
- إن ثمرة الصيام التقوى، وقد قال سبحانه: (لعلكم تتقون). وليس التقوى نتيجة طبيعية للكف عن الطعام والشراب وسائر المفطرات وإنما هو بالإضافة إلى ذلك نهي النفس عن الهوى والعمل على التزكية المستمرة في هذا الشهر الكريم.