ما هو حكم التكتف في الصلاة عند الشيعة وعند غيرهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
التكتف في الصلاة والنهي عن الاتباع الأعمى
لا يجوز للمسلم الذي يتبع رضوان الله عز وجل أن يتبع الآداب والسنن التي تلقاها عن آبائه وأجداده دون النظر في صحتها ومصداقيتها ومطابقتها للشريعة. فالذي ينقذ الإنسان في البرزخ وفي يوم القيامة هو الحجة والدليل لا الاتباع الأعمى واتباع الظن كما قال سبحانه: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)[١]. ومن الأمور الشائعة بين طائفة من المسلمين التكتف في الصلاة: وهي وضع يد على الأخرى وجعلهما على البطن أو القلب. وسنرى هل هذه البدعة منتسبة إلى رسول الله (ص) أو إلى أحد من عترته الطاهرة؟
منشأ بدعة التكفير في الصلاة
وملخص القول: أنها من الأمور المستحدثة بعد وفاة رسول الله (ص). وينقل لنا التاريخ: أنه جيء بأسارى من الفرس إلى الخليفة الثاني فكفروا أمامه؛ أي جعلوا يدا على أخرى وهي علامة من علامات التعظيم عندهم. وكان الفرس يعظمون ملوكهم؛ فتاريخ الحكم الملكي في بلاد فارس تاريخ طويل يمتد لأكثر من ألفين وخمسمائة سنة. وقد كان هؤلاء أسرى ومن الطبيعي أن يقوم الأسير ببعض الأمور التي يستجلب معها العطف والانتباه. فسألهم عمر عنها، فقالوا: نفعل ذلك تعظيما وتواضعا للملوك؛ فاستحسنها عمر وجعلها سمة جارية في الصلاة.
التلاعب بالتشريعات الإلهية
وليست الصلاة إلا عبادة موقوتة منزلة من الرب بحدود معينة. ولو سمح الله عز وجل بالزيادة والنقصان فيها؛ لخرجت عن كونها عبادة إلهية سماوية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأذان والإقامة؛ وليستا كما يقال أنهما جاءتا عن طريق المنام. وهذه قاعدة أولية: أن العبادات كالصوم والصلاة والزكاة عبادات تشريعية أنزلت على رسول الله (ص) وبلغها إلى الناس من دون زيادة أو نقصان وليس لأحد الحق في التلاعب فيها؛ حتى النبي الأكرم (ص) الذي قال عنه القرآن الكريم: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ)[٢].
هل كل المسلمين مجمعين على وجوب التكتف في الصلاة؟
والمذاهب الأربعة لم تجمع على هذه البدعة وبين أئمتهم اختلاف شاسع في وجوبها أو عدم وجوبها. فالمالكية لا ترى وجوب التكتف في الصلاة؛ بل ترى كراهيتها في الفرائض، كما ورد ذلك في كتاب بداية المجتهد لابن رشد وكذلك كتاب نيل الأوطار. وأما الشافعي وأبوحنيفة وسفيان وأحمد بن حنبل وأبو ثور وداوود يشيرون إلى استحبابها لا الوجوب. حتى أن البعض يرى استحباب الإسبال، كما في فتح الباري في شرح صحيح البخاري، الجزء الأول ص٢٦٦وقد ذكر ابن أبي شيبة: أن ابن الحسن، والمغيرة، وابن الزبير، وابن سيرين، وابن المسيب، وسعد بن جبير، والنخعي؛ كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة، ولا يضعون إحداها على الأخرى، بل كان البعض ينكر على فاعله. وبعد هذا، لماذا يرى البعض وجوب هذه الحركة حتى لكأنها فعل النبي (ص) ويرون الذي يسبل في الصلاة مخالف لشريعة رسول الله (ص)؟
مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فعلى المسلم المؤمن المنصف العالِم، وعلى الذي يبحث عن طريق النجاة، أن يكون هادئاً في بحثه. فمادام أن هناك نظرية في مقابل نظرية التكتف، ومدعومة بالأدلة والبراهين، فلماذا لا يأخذ بها؟ فسيرة أهل البيت (ع) تؤكد من خلال النصوص على خلاف التكتف. وأهل البيت (ع) هم الامتداد التشريعي للنبي (ص). والنبي (ص) هو الذي فتح لأمير المؤمنين علي (ع) ألف باب من العلم، وهو القائل: (عَلِيٌّ مَعَ اَلْحَقِّ وَ اَلْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ اَللَّهُمَّ أَدِرِ اَلْحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ حَيْثُمَا دَارَ)[٣].وثمرة هذه الوصايا الكثيرة للنبي (ص) هي أن تجعل قول علي بن أبي طالب (ع) حجة على المسلمين. والإمام علي (ع) أعطى هذه الصفة لولديه الحسن والحسين، وكل إمام يزكي من بعده من أئمة الهدى، إلى إمامنا المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
خلاصة المحاضرة
- كثرت البدع بعد رسول الله ص وتلاعب في تشريعاته من ليس له الحق بذلك. ومن هذه البدع التكتف في الصلاة. وقد أجمع المسلمون على أنها لم تكن على عهد النبي ص وإنما كانت اجتهادا من عمر. وقد اختلف علماء المذاهب الأربعة فيها؛ فذهب البعض إلى وجوبها وذهب البعض إلى استحباب الإسبال وهلم جرا.
- إن المرجعية بعد رسول الله (ص) كانت لأمير المؤمنين (ع) فقد بين ذلك النبي (ص) من خلال الأحاديث الكثيرة التي وردت في حقه. وقد امتاز بفضائل لم يصل إلى أقلها كبار الصحابة وقد أوصى الأمير (ع) بعد للحسن والحسين (ع) وهكذا كان يزكي كل إمام الذي يليه.