ما هو أفضل وقت لزيارة الإمام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا فرق بين قبر المعصوم المشيد وغير المشيد
إن ما نراه في مشاهد أهل البيت – مشهد النبي الأكرم والذرية الطاهرة من نسله (ع) –من البنيان والقباب والأضرحة هو ظاهر، وهنالك أمر وراء ما نراه ظاهراً. إننا لا نرى في أرض البقيع بناء ولا قبة ولا ضريحاً؛ ولكن لا فرق أبداً بين تلك المشاهد وسائر المشاهد المبنية من حيث الباطن، ومن حيث وجود الملائكة الحافة، والأنوار النازلة، والأرواح المنيخة. إن في البقيع أربعة من أئمة أهل البيت (ع). هناك الإمام المجتبى (ع) الذي هو قرين الحسين (ع) والذي عنهما قال النبي (ص): إمامان قاما أو قعدا. وهناك إمامنا زين العابدين (ع) وارث مصائب كربلاء، وهو من يُمثل كربلاء في البقيع. وهناك الباقرين أو الصادقين الذين انتشر منهما العلوم. وهناك قبر سيدتنا أم البنين، هذه السيدة الجليلة. وهناك على احتمال قبر الزهراء (ع). ففي البقيع عالم من المعنى.
لم يصل إلينا من أئمتنا (عليهم السلام) إلا القليل
إن أئمتنا (ع) لم يذكروا لنا كل شيء؛ ولم يصل إلينا مما ذكروه إلا القليل. إن أكبر موسوعة روائية عندنا نحن الإمامية هي بحار الأنوار التي هي قرابة مائة وعشرة من المجلدات. لقد عاش أئمتنا (ع) قرابة القرنين والنصف إلى غيبة إمامنا بدءا من الهجرة. فهل يُمكن تلخيص مائتين وخمسين سنة في مائة مجلد؟ لا يُعقل هذا الأمر. إن القضية أعظم من ذلك؛ فإما لم يصدر منهم كل شيء، أو ضاع ما صدر منهم من قبل الظالمين الذين قضوا على جُل تراث أهل البيت (ع)؛ كما قضوا على ذواتهم قتلاً بدنياً. فهم اغتالوا أشخاصهم وشخصياتهم.
ملائكة الحائر لا ترد السلام على الحفظة…!
هناك وقت مميز في زيارة الحسين (ع) فيه خصوصية؛ بغض النظر عن ساعة السحر وصلاة الليل التي تصليها عند الحسين (ع)؛ فهذا أمر مفروغ منه، وذلك الوقت هو وقت الزوال عند الظهر. فعند زوال الشمس من كبد السماء؛ يكون ذلك الوقت وقتا مميزا لزيارة الحسين (ع). هناك رواية صادقية تُبين لنا سر هذا الوقت. تقول الرواية: (إِذَا زُرْتُمْ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَالْزَمُوا اَلصَّمْتَ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ وَ إِنَّ مَلاَئِكَةَ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهَارِ مِنَ اَلْحَفَظَةِ تَحْضُرُ اَلْمَلاَئِكَةَ اَلَّذِينَ بِالْحَائِرِ فَتُصَافِحُهُمْ فَلاَ يُجِيبُونَهَا مِنْ شِدَّةِ اَلْبُكَاءِ)[١]. إن هؤلاء الحفظه هم من يكتب علينا السيئات والحسنات، ومن يحفظونا من أمر الله.
إنهم يسلمون على الملائكة الذين هم في الحائر فلا يجيبوهم. إنه أمر غريب حقا؛ كيف لا يجيب الملائكة الذين هم في الحائر والذين هم مظهر الأدب الملائكة الذين هم خارج الحائر. أو تعلم السر في ذلك؟ تُجيبك الرواية: (مِنْ شِدَّةِ اَلْبُكَاءِ). هل رأيتم مفجوعاً في المقبرة قد فقد لتوه ولداً أو ولدين يستطيع أن يرد السلام على من يسلم عليه أم أنه مشغول عنهم بمصيبته؟ تقول الرواية: (فَيَنْتَظِرُونَهُمْ حَتَّى تَزُولَ اَلشَّمْسُ وَ حَتَّى يُنَوِّرَ اَلْفَجْرُ ثُمَّ يُكَلِّمُونَهُمْ وَ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ اَلسَّمَاءِ)[٢].
نياح الجن على أمير المؤمنين والحسين (عليهما السلام)
إنني عندما اطلعت على هذه الرواية رق قلبي، وفكرت في نفسي: كيف نزورهم نحن؟ إن زياراتنا لهم ليست بالمستوى المطلوب. إنه لا يهنأ للمرء أكله وشربه لو اطلع على تضرع الملائكة إلى الله في اللعن على قتلة أمير المؤمنين والحسين (ع) ونياح الجن عليهما وبكاء الملائكة الذين هم حول ضريح الحسين (ع). هذا والبعض عند الضريح يكلم صديقه وقد يضحك، ويسأل عن الأخبار. إن بعض المؤمنين عادة إذا ورد أرض كربلاء لا يشرب ماء بارداً، والبعض يمتنع عن الشرب في كربلاء إلا عند الضرورة؛ ليعيش عطش الحسين (ع).
هكذا يقضي الله لك حاجتك عند الحسين (عليه السلام)
فإذا ذهبت إلى زيارة الحسين (ع) يوما وتذكرت هذه المضامين، وجرت دمعتك تذكر هذه الرواية عن الإمام الصادق (ع): (مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلْيَقِفْ عِنْدَ رَأْسِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لْيَقُلْ – يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ تَشْهَدُ مَقَامِي وَ تَسْمَعُ كَلاَمِي وَ أَنَّكَ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّكَ تُرْزَقُ فَاسْأَلْ رَبَّكَ وَ رَبِّي فِي قَضَاءِ حَوَائِجِي فَإِنَّهَا تُقْضَى إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى)[٣]. إنه كلام مختصر مفيد، وفيه دفع شبهة الشرك؛ فأنت تقول للإمام: سل ربك. إنه بإمكانك أن تسأل الإمام قضاء الحوائج؛ إلا أن الرواية هكذا. ولقد رأيت بعض الزائرين عند ضريح الحسين (ع) يكاد ينفجر من البكاء. لقد رأيت البعض يبكي بكاء الثكلى؛ فلا يذكر لنفسه حاجة وإنما يبكي على مصيبة الحسين (ع) ويذكر عطش الإمام، ويذكر رضيع الإمام، ويذكر أولاده؛ فهنيئا لمن شغلته المصيبة عن طلب الحاجة.
خلاصة المحاضرة
- لقد رأيت بعض الزائرين عند ضريح الحسين (ع) يكاد ينفجر من البكاء. لقد رأيت البعض يبكي بكاء الثكلى؛ فلا يذكر لنفسه حاجة وإنما يبكي على مصيبة الحسين (ع) ويذكر عطش الإمام، ويذكر رضيع الإمام، ويذكر أولاده؛ فهنيئا لمن شغلته المصيبة عن طلب الحاجة.