- ThePlus Audio
ما لا تعرفه عن فضل الصلاة على النبي وآله – كيف نحول الشعائر إلى شعور؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اختلاف درجات المصلين على النبي وآله(صلوات الله عليهم)
تختلف درجات الصلاة؛ باختلاف درجات المصلي؛ فصلاة النبي (ص) تختلف عن صلاة الوصي، وصلاة الوصي تختلف عن صلاة العالم وهكذا. وكذلك الأمر في الصلاة على النبي وآله (ص). يقول الله عز وجل: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا)[١]؛ إننا بصلاتنا على النبي وآله (ص) نكون في مصاف الملائكة ورب العالمين، ولكن أين صلاتنا من صلاة الملائكة وأين صلاتهم من صلاة رب العالمين؟ إن هدية السلطان تختلف عن هدية الوزير وهدية الوزير تختف عن هدية العامة من الناس.
ولو تدبر المؤمن هذه الآية الشريفة؛ تبين له: أن القرآن الكريم يحثه على التشبه بالله سبحانه بالصلاة على النبي وآله (ص). فلا ينبغي أن يصلي عليه من دون التفات وتوجه، كأن يصلي عليه وهو ينظر إلى التلفاز مثلا. إن رب العالمين هو أكرم الأكرمين وهو يقبل صلواتنا هذه؛ ولكن لابد من التشبه بالله وبالملائكة والصلاة على النبي وآله بتوجه والتفات.
لماذا تخاطب ربك وأنت معرض عنه بوجهك؟!
إننا نستطيع القول: أن أكثر الأذكار شيوعا بين المؤمنين؛ الصلاة على النبي وآله (ص). فإذا رأى الناس شخصية دينية صلوا على النبي وآله، وإذا توصل التيار الكهربائي بعد انقطاعه صلى الناس على النبي وآله، وفي الركوع والسجود نصلي على النبي وآله؛ فلا ينبغي أن نصلي ونحن نجهل معنى الصلوات.
عندما تقول: اللهم، أي يا رب إنني أخاطبك. هل تُخاطب أحدهم وتعرض عنه بوجهك أم تخاطبه وأنت تنظر إليه؟ ألا يعاتبك إن أعرضت بوجهك عنه وأنت تخاطبه؟ فكيف تقول: يا الله، وبالك مشغول في مكان آخر؟ إن هذا يُعد سوء أدب مع رب العالمين. إننا نرى البعض من المؤمنين يرفع يديه كهيئة الدعاء عند الصلاة على النبي وآله (ص) وهذا ما يجدر بنا فعله. خاطب الله مخاطبة المستكين؛ لا أن تخاطبه وأنت ماد رجليك أو مستلق على قفاك. لابد لنا في الدعاء من جلسة مؤدبة كالتشهد مثلا.
حاجة مستعصية قضيت بهذا النذر البسيط
لقد التقيت بأحد العلماء الربانيين من عباد الرحمن، وكان قد طلب منه أحدهم في أحد المشاهد أن يدعو له، فقال: سأدعو لك وأنذر لك نذرا احتياطا. فأتاه الرجل بعد فترة وقد قضيت حاجته المستعصية وهي أنه كان يعاني من العقم، فرفع الله عنه ذلك ببركة دعاء هذا العالم، وقال له: أنت نذرت لي وأنا صاحب الحاجة أولى منك بالعمل بالنذر، فقال له العالم: إنه نذري وأنا أقوم به. تخيل صاحب الحاجة أنه قد نذر ذبيحة مثلا ولكن العالم كان قد نذر أن يصلي على النبي وآله إما مرة أو ثلاث مرات ليس إلا. هل تظن أن الصلاة على النبي وآله (ص) أقل من الذبيحة كبقرة أو ما شابه ذلك؟ لا تُثقل كاهلك بالنذور الصعبة كإقامة صلاة الليل إلى آخر العمر مثلا، ويكفيك أن تنذر لله إذا قضيت حاجتك أن تصلي على النبي وآله (ص)، وبذلك لا تكلف نفسك مالا كثيرا.
لقد ورد عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: (أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي اَلْمِيزَانِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ، اَلصَّلاَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ)[٢]، وقد ورد عن الرضا (ع) أنها تحط الذنوب: (قَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَدِيثٍ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ بِهِ ذُنُوبَهُ فَلْيُكْثِرْ مِنَ اَلصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، فَإِنَّهَا تَهْدِمُ اَلذُّنُوبَ هَدْماً)[٣].
ما معنى قوله تعالى: (وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا)؟
هناك رأيان؛ الرأى الأول: هو السلام على النبي وآله بالإضافة إلى الصلاة. ولذلك نرى البعض من المؤمنين في البلدان الخليجية يقولون: اللهم صل وسلم على النبي وآله. أما الرأى الثاني: فهو التسليم بمعنى الاتباع والانقياد. أي إن قولك: اللهم صل على النبي وآله لها ضريبة وهي اتباعك لهم. وقد قال عز وجل: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ)[٤]، ونحن نميل إلى هذا الرأي. وقد يكون التسليم هنا لغويا أقرب إلى السلام ولكنه معنويا أقرب إلى الاتباع والانقياد.
لقد أثلج صدري الشعب العراقي العريق
مما يُثلج الصدر في العراق العريق أن نرى عشرات الآلاف من المؤمنين يجتمعون في كل عام لا في اليوم العاشر من المحرم ولا في الأربعين ولا في يوم عرفة؛ وإنما لتبديل الرايات على القبتين الحسينية والعباسية في مستهل هذا الشهر الحرام. إن هذا الشعب محفوظ بيد الله عز وجل ومحفوظ بيد إمام زمانه.
إننا نشعر برهبة من منظر المؤمنين المجتمعين بين الحرمين الشريفين. إنه منظر مهيب يجدر به أن يدخل في كتاب الأرقام القياسية. إن هذا الحب الذي يبرزه المحبون لا يذهب سدىً، وإذا كنا كمؤمنين نشعر بالفرح من هذه الاجتماعات الحسينية؛ فكيف بإمام زماننا (عج)؟ من المتوقع أن يحضر (عج) في هذه المجالس والمراسم بين هذه الجموع التي تجتمع لإحياء ذكر جده الإمام الحسين (ع)، ويُنقل أنه (عج) شوهد في الركضة التي تُسمى بالطويريج وهذا يدل على العناية التي يوليها لهذه المناسبات. ولا نشك أنه (عج) لا يهمل هذه الجموع، وتكفيهم منه نظرة واحدة. ثم إنه وإن كان لا يحضر معهم حضورا حسيا؛ إلا أن العناية المهدوية موجودة وهذا ما نجده جليا في توقيعه للشيخ المفيد: (إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَ لاَ نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اَللَّأْوَاءُ وَ اِصْطَلَمَكُمُ اَلْأَعْدَاءُ)[٥].
إنني لا أعتقد بوجود بلد عصفت به المحن والبلاء كما عصفت بالعراق. إن هذا البلد تعرض إلى أقسى أنواع الظلم من قبل بني أمية والحجاج والعباسيين والتتر والمغول وأخيرا النظام البائد، وكان من المفترض ألا يبقى منه شيء. ولكن أين الذين تحدوا الحسين (ع) وقصفوا قبته الشريفة؟ أين الذين عذبوا المؤمنين في السجون؟ أين الذين كفروا بالله وبرسوله؟ أين أصحاب المد الشيوعي والعلماني في هذا البلد؟ كل هذه الأوساخ تُغسل بهذه المجالس وبالأربعينية التي هي سيل وهؤلاء الزبد الذي يذهب جفاء في كل موسم، ويمكث في الأرض ما ينفع الناس. إن أتباع الحسين (ع) هم الباقون والشيوعية والقومية والعلمانية والبعثية وغيرهم ذهبوا إلى مزبلة التأريخ، وكما قيل: للباطل جولة وللحق دولة.
أنت من شعائر الله أيضا…!
لقد ذكر لنا القرآن الكريم بعض الشعائر الإلهية كالصفا والمروة والبُدن، وذم جماعة يحلون شعائر الله فقال عز وجل: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ)[٦]، والقلائد غنم يضعون على رقبتها قلادة كقلادة النساء لتكون علامة لها على أنها سُتذبح في طريق الحج فلا يتعرض لها أحد. وهذه الأغنام من شعائر الله، والشعيرة هي العلامة. وإذا كانت الغنم التي عليها قلادة من شعائر الله، كيف لا تكون أنت الذي لبست السواد وتعصبت بصعابة مكتوب عليها: لبيك يا حسين، من شعائر الله؟ إن الغنم تُحترم لأنها من شعائر الله، فكيف لا تكون أنت محترما؟ لو كشف لك الغطاء لرأيت عجباً مما تُحيطك من العناية الحسينية.
المجالس الحسينية شعائر إلهية
وكما أن الحج فيه شعائر كالصفا والمروة والذبيحة ومزدلفة والجمرات والمسعى؛ فمجالس الحسين (ع) من شعائر الله عز وجل. وهنا لابد أن نسأل هذا السؤال: كيف نخرج من هذا الموسم بتغيير باطني من خلال هذه الشعائر؟ وأعني بالتغيير الباطني؛ أن تتغير ذائقة الإنسان. قد يتعرض الإنسان لوعكة صحية تغير مزاجه، فيُقدم له طعام فاخر يسيل له لعاب من معه؛ فلا يشتهيه هو لما به من مرض، وقد تشتهي الحامل أن تأكل ترابا أو رمادا عندما تتوحم. وكما يحدث انقلاب في المزاج المادي، كذلك يتغير المزاج المعنوي ويُصاب بالمرض، فتجد الرجل لا يشتهي الحضور في المجالس. أو يرفع المؤذن صوته بحي على خير العمل وهو مستمر في مشاهدة التلفاز أو المرأة مستمرة في الطبخ أو الكنس أو إعداد الخبز وكلها أمور عندها خير العمل…! ألا يعاتب رب العالمين هؤلاء؟
سل الله أن يغير من ذائقتك…!
إن الإنسان الذي تتغير ذائقته الباطنية؛ يشتهي ما يشتهيه له رب العالمين. يقول سبحانه: (وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَ)[٧]. إن هؤلاء لا يحتاجون إلى من يحثهم على قيام الليل بل هم مصداق قوله تعالى: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ)[٨]؛ فالفراش الوثير لا يغريهم؛ بل تُزف لأحدهم عروسه بعد طول عمر، وفي ليلة الزفاف يقول: يا فلانة، حان وقت صلاة الليل. إنني مأنوس بالقيام عمرا فلا أستطيع أن أقضي ليلتي من دون.
ما هي الهدف من الشعائر؟
ثم إن الغاية من الشعائر أن تصل إلى القلب لقوله سبحانه: (ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ)[٩]. ولكن كيف نغير أنفسنا؟ كيف نحول الشعار إلى شعور؟ كيف نوصل هذه الشعائر إلى القلب؟ إن أول ما علينا فعله هو الحذر. لقد مرت البشرية بجائحة جعلتهم يتكممون جميعهم وحتى المرأة التي كانت لا تتنقب أُرغمت على لبس الكمامة خوفا من الموت. تهذب إلى المطارات وترى أنهم قد جعلوا مسافة بين كرسي وآخر لكي لا تنتقل العدوى من شخص إلى آخر. وإذا نسيت بطاقة التطعيم لا يسمحون لك بالسفر، وما إلى ذلك من إجراءات كلها تأتي خوفا من المرض.
الحذر من القناصة…!
لقد قيل في ذلك الوقت: لو جمعت فايروسات تلك الجائحة لملأت ملعقة طعام فقط. هذه الملعقة الصغيرة من الفايروسات التي لا تُرى بالعين المجردة، هي التي أودت بحياة الملايين من البشر وعطلت أرزاقهم وأعمالهم. بل كان البعض خوفا وحذرا يرتدون كمامتين أو يضعون على وجوهم غطاء زجاجيا مضحكا. فإذا كنا نحتاط لصحتنا هذا الاحتياط؛ أليس الدين أولى بالاحتياط. هذا وقد روي عن أمير المؤمنين (ع): (أَخُوكَ دِينُكَ فَاحْتَطْ لِدِينِكَ بِمَا شِئْتَ)[١٠].
واحذر من الشيطان وسهامه حذرك من قناص قد صوب بندقيته نحوك وهو على وشك أن يطلق النار عليك. إن النظرة سهم من سهام إبليس، وهو قناص ماهر قد بوأ جنوده مقاعدهم في الجامعة والأسواق التي هي شر بقاع الأرض في مقابل المساجد التي هي خير بقاع الأرض. ثم إن الشيطان قد لا يتفرغ لهذه الأمور الصغيرة ويقول: إنني الشيطان أدير المؤامرات الكبرى؛ فيبعث جنوده وذريته التي تحدث عنها القرآن الكريم، فيبدو أنه يتناسل ويتكاثر. فإذا دخلت الجامعة استعذ بالله من القناصة ومن الشياطين في كل زاوية. إنك إذا نظرت إلى الأجنبية نظرة شهوية؛ انطلق السهم. ولهذا ترجع إلى المنزل بعد هذا النظر، وتريد أن تصلي فلا يأتيك الإقبال وتريد أن تدرس فلا يأتيك التركيز لمرور هذه الصور في خاطرك. وقد تزور وتكون تحت القبة؛ فيبتليك رب العالمين بهذه الصور الباطلة.
خلاصة المحاضرة
- مما يُثلج الصدر في العراق العريق أن نرى عشرات الآلاف من المؤمنين يجتمعون في كل عام لا في اليوم العاشر ولا في الأربعين ولا في يوم عرفة؛ وإنما لتبديل الرايات على القبتين الحسينية والعباسية في مستهل هذا الشهر الحرام. إن هذا الشعب محفوظ بيد الله عز وجل ومحفوظ بيد إمام زمانه.
- إنني لا أعتقد بوجود بلد عصفت به المحن والبلاء كما عصفت بالعراق. إن هذا البلد تعرض إلى أقسى أنواع الظلم من قبل بني أمية والحجاج والعباسيين والتتر والمغول وأخيرا النظام البائد، وكان من المفترض ألا يبقى منه شيء. ولكن أين الذين تحدوا الحسين (ع) اليوم؟