- ThePlus Audio
ماذا يفعل الحسد بالإنسان غير المهذب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا فعل الحسد بهؤلاء؟
إن محرك محاولة قتل يوسف (ع) من قبل إخوته، كانت الحالة الباطنية من الحسد، وقد قالوا ذلك صراحة: (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلࣲ مُّبِينٍ)[١]. ولكن لماذا قالوا: ونحن عصبة؟ يقول المفسرون: أي نحن الذي ندير شئون الوالد ونقوم بما تتطلبه حياة البدو من رعي وسقي وما شابه ذلك ذلك وكل شئون المنزل متوقفة علينا ونحن الذين نتعب كثيرا من أجل ذلك، ولكنه مع ذلك يحب هذا الصبي الصغير أكثر منا.
وذهب آخرون إلى أنهم عنوا بقولهم: نحن عصبة، أنهم قادرون على الانتقام إذا بقي يعقوب (ع) على ما هو عليه من هذه المحبة الشديدة التي أصبحت تزعجهم كثيرا. وهي تشبه ما نصطلح عليه بالعصابة اليوم، في وصف بعض الجماعات المجرمة.
ولم يكن مرادهم من قولهم: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلࣲ مُّبِينٍ)، أنه ضال بالمعنى العقائدي؛ فهم كانوا يعتقدون بنبوته وقد طلبوا منه أن يستغفر لهم، وكانوا يحبونه ويدل على ذلك قولهم: (يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ)[٢]. فهم كانوا يتمنون أن يلتفت إليهم أباهم كما يلتفت إلى يوسف (ع)، ويحبهم كما أحبه. ويُمكن القول: أن الضلال هنا، بمعنى تجاوز الخد والإفراط والخروج عن الاعتدال في حب يوسف (ع).
ألسنا كإخوة يوسف (عليه السلام)؟!
ولكن ما هو الحل الذي وصلوا إليه؟ لقد وجدوا الحل في قتل يوسف (ع) أو إبعاده، فقالوا: (ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضࣰا)[٣]؛ فكان يهمهم التخلص منه بأي طريقة ممكنة؛ إما بقتله وإما بطرحه أرضا بعيدة بلا أكل ولا ماء، كي يموت موتاً تدريجياً، وبذلك يخلوا لهم وجه أبيهم. ومما يدل على أنهم لم يكونوا كافرين وإنما كانوا منحرفين سلوكيا وذلك بالاستماع إلى نداء الحسد.
لا خيار لنا إلى ارتكاب هذه الجريمة…!
إنهم كانوا يعلمون جيدا أن قتلهم يوسف (ع) جريمة كبرى وليس بالأمر الهين ولكنهم كانوا مصرين على ذلك لظنهم أنهم بذلك يحظون بعناية يعقوب (ع)، وبعد ذلك يستغفرون الله عز وجل. ويدل هذا الحوار بينهم على السذاجة والبساطة في التفكير؛ فهم يقومون بهذا العمل الإجرامي العظيم، ثم يمنون أنفسهم بالاستغفار. وهذا هو منطق الكثير من العصاة اليوم. ترى الشاب ينظر إلى هذه وتلك على أمل التوبة والرجوع إلى الله عز وجل بعد انتهاء مرحلة الشباب وانطفاء نار الشهوة.
عناية إلهية في كل مرحلة
ولكن الله عز وجل قد اجتبى يوسف (ع) وكانت له عناية خاصة به في كل مرحلة من المراحل الصعبة التي مر بها. ففي هذه المرحلة التي حاولوا فيها قتله، سخر له أحد أفراد العصابة هذه، فقال: (لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ)[٤]. إنه أراد بهذه الكلمة أن يخفف من جرمهم؛ فلو أنه عارضهم أو واجههم كان من الممكن أن يقتلوه هو أيضا. أي أنكم ستتخلصون منه في جميع الحالات وأن الذي يجده يتخذه عبدا ويفصل بينه وبين يعقوب (ع). وفي قولهم: غيابت الجب، دلالة على عمق البئر؛ أي ألقوه في بئر عميقة يغيب في أعماقها. وكان ولابد من تغييب يوسف (ع)، وقد غيبوه بهذه الطريقة التي هي أقل عنفاً وقسوة من قتله.
مؤامرة قتل يوسف (عليه السلام)
وقد حاكوا هذه المؤامرة فيما بينهم من دون أن يعلم يعقوب (ع) بشيء مما دار بينهم، وأتوا عند ذلك إليه فقالوا: (يَـٰٓأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ)[٥]. وقد تحايلوا على أبيهم حتى في مخاطبته، فقالوا مستعطفين: يا أبانا. ويبدو من الآية الشريفة، أنها لم تكن المحاولة الأولى لطلب يوسف (ع) من يعقوب (ع)، فقد سبق ذلك محاولات قوبلت بالرفض من قبل يعقوب (ع). كيف لا وهو نبي من أنبياء الله عز وجل ويعلم ما تُكن صدورهم؟
وقالوا: إنا ناصحون له؛ أي نحب له الخير كما أنت، ونحافظ عليه من هجوم الذئاب. وقد شبهوه بالأنعام عندما قالوا: (أَرۡسِلۡهُ مَعَنَا غَدࣰا يَرۡتَعۡ وَيَلۡعَبۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ)[٦]. أي يرتع كما ترتع الأغنام في المراتع. وكانوا يدعون أنهم ناصحون من حيث الكلام وحافظون من حيث الفعل؛ ولكن كل هذا كان خداعا وكيدا، أرادوا بذلك أن يأخذوا يوسف (ع) من أبيهم ويحققوا هدفهم من تغييبه، استسلاماً لحالة الحسد الباطني الذي كانت في قلوبهم.
خلاصة المحاضرة
•إن محرك محاولة قتل يوسف (ع) من قبل إخوته، كانت الحالة الباطنية من الحسد، وقد قالوا ذلك صراحة: (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا). ولكن لماذا قالوا: ونحن عصبة؟ يقول المفسرون: أي نحن الذي ندير شئون الوالد ونقوم بما تتطلبه حياة البدو من رعي وسقي ثم يحب غيرنا؟