• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ماذا تعرف عن مقامات الحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارة أذهلت أهل الشرق والغرب…!

لقد أذهلت زيارة الأربعين الشرق والغرب وانبهر بها القاصي والداني وهي من موجبات سرور إمام زماننا (عج)، لأنها صورة مصغرة لما سيكون عليه المجتمع المهدوي وفيها ملامح من الدولة المهدوية. إننا نقرأ في الكتب عن الإيثار الذي سيكون في دولة الإمام (عج) وأن الناس يشترون من دون أن يدفع ثمنا، وإنما يصلي على النبي وآله (ص) ويأخذ بضاعته ونقرأ عن التكاتف والتعاضد والتواصل وما شابه ذلك من خصوصيات المجتمع المهدوي التي وجدنا شيئا منها في هذه المواكب التي تنتشر على جانبي الطريق المؤدي إلى المشهد الشريف.

إن هذه المواكب هي صورة مصغرة جداً لتلك الدولة الكريمة، فنحن نجد فيها معاني التضحية والإيثار والتفاني وتقديم العطاء من دون مقابل متمثلة بأبهى صورة، وذلك مع زائر يدخل إلى الموكب ساعات وتنتهي علاقة صاحب الموكب به إلى الأبد. وبعد أن شاهدنا بأعيننا هذا التعامل الذي قل نظيره من قبل القائمين على المواكب وخدمة الحسين (ع)، لم نعد نستغرب تلك الخصوصيات الراقية التي تحدثت بها الروايات عن الدولة المهدوية.

صفي الله وابن صفيه

إن من المقامات التي امتاز بها الحسين (ع) والتي أشير إليها في زيارة الأربعين، مقام الاصطفاء الإلهي. فنحن نسلم عليه في هذه الزيارة قائلين: (اَلسَّلاَمُ عَلَى صَفِيِّ اَللَّهِ واِبْنِ صَفِيِّهِ)[١]؛ فهو صفي الله عز وجل وابن صفي الله أمير المؤمنين (ع). ويعني ذلك: أن الله عز وجل اطلع على الخلق فاختار منهم هذه الذوات المقدسة ورأى فيهم القابلية في أن يكونوا أئمة الخلق أجمعين. وأنا وأنت لو سرنا في الطريق الذي ساروا فيه، لشملتنا الجذبة الإلهية؛ فالمجاهدات والرياضات والعبادات قد تثمر وقد لا تثمر وقد يزل كبار العابدين بعد عمر طويل زلة عظمى تُفقدهم الأول والآخر.

كانت النساء كثيرات في زمن مريم (س)؛ ولكن الله عز وجل أدخل مريم (س) دون غيرها في دائرة الجذب، فصارت سيدة نساء زمانها، وكفلها زكريا، فقال عز من قائل: (وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ)[٢]. فالفالح من تعلقت به النظرة الإلهية وصار لله صفياً. فليكن دعاءك عند الوصول إلى الضريح تحت القبة الشريفة: اللهم نقني واخترني واصطفني واصنعني على عينك. فهل عندها ستشكي من فقد الأستاذ والتحير؟ إن من اختاره الله عز وجل، سيهديه السبيل.

الحد الأدنى والأقصى من أجر الزائرين

إن من يتأمل الروايات التي وردت في فضل زيارة الحسين (ع)، يجد أنها بين محدودتين؛ الحد الأدنى وهو حجة وعمرة، والحد الأعلى وهو ألف حج وعمرة كمن حج مع رسول الله (ص). ويرجع هذا الاختلاف في الفضل والأجر إلى اختلاف الناس في الفضل والقابليات. تصور أن رجلا فقيرا يذهب إلى رجل كريم خير، ويطلب منه أن يملأ له الإناء ويأتيه آخر ببحيرة ويطلب منه أن يملأها له، وهو يعطي كل واحد منها بحسبه، فليست المشكلة في الفاعل أن نال ذلك إناء صغيرة وهذا بحيرة، وإنما المشكلة في القابل.

إن رب العالمين هو فوق الإمام ولا غاية لكرمه ولكننا نحن الذين نحدد الفيض: (أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءࣰ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا)[٣]. فإذا أتيت الحسين (ع)، فوسع من القابلية وقل: يا رب، أريد منك إناء واسعا. ولذا نرى من المؤمنين من يعود من زيارة الحسين (ع) وهو لا يجد تغييرا جوهريا في حياته، ونرى من يعود بمقامات عظيمة كمقام الزهد في المعصية وعشق الطاعة، أو مقام الصلاة الخاشعة التي هي من صفات المؤمن الحقيقي والتي هي عنده أعظم أمنية.

تحفة كل زائر

إن مما يُتحف الله به زائر الحسين (ع) أن يرجع من الزيارة كيوم ولدته أمه، ويقال له: استأنف العمل. ولله يضاعف لمن يشاء ولا محدد لعطائه ولا يُسئل عما يفعل. وقد يستغرب البعض من عظمة الأجر الذي لا يتناسب مع العمل، فيقول: كيف نقرأ في مفاتيح الجنان، أنه من عمل هذا العمل البسيط، أعطاه الله كذا بيت في الجنة أو ما شابه ذلك، فهل يعقل ذلك؟ هل يُعقل أن يعطي الله هذا الأجر العظيم في مقابل قراءة سطر واحد من الدعاء أو في مقابل ركعتين؟ إن هذه العطاءات الملفتة غير المتناسبة مع الأعمال لا يتردد فيها إلا من يتردد في كرم الله وقدرته. فإذا كان الرب كريما وقادرا، فلماذا الاستغراب؟

الجنة كلها بيد الحسين (عليه السلام)

لو أن إنساناً عصى الله قرناً كاملاً ثم تشهد الشهادتين بصدق وإخلاص قبل موته بيوم واحد من دون أن يكون قد صلى أو صام يوما واحدا، فإنه سيموت على الإسلام وهو من أهل الجنة قطعا. فإذا كانت جملتان، تجعلانك من أهل الجنة إلى أبد الآبدين، فكيف بتحمل المشاق والمتاعب وقطع الفيافي والقفار لزيارة الحسين (ع) الذي بذل مهجته فيه وبذل قبل ذلك رضيعه وولده الشاب وأخاه وعرض عائلته إلى السبي ولم يستبق لنفسه شيئا؟ فهل تستغرب أن تعود بعد ذلك من الزيارة وقد غفر الله لك ذنبك؟ فلو أن الله عز وجل أباح جنته للحسين (ع) يوم القيامة وقال له: أدخل فيها من تشاء، لما كان ذلك مستغربا ولم تكن المعاملة غريبة؛ بل هذا الذي نتوقع حدوثه يوم القيامة. فإذا كان أمير المؤمنين (ع) والده قسيم الجنة والنار، فلا نستغرب أن يكون ولده الحسين (ع) كذلك.

ما هي النية الصحيحة عند زيارة الحسين (عليه السلام)؟

ولكن هل يمكننا رفع مستوى الأجر؟ هل يمكن زيادة الأجر من حجة إلى ألف؟ نعم، يمكن ذلك بالالتفات إلى آداب الزيارة. إن أول أدب من آداب الزيارة؛ إخلاص النية. فلا تكن تاجراً مع الحسين (ع) أعطيك وتعطيني، وآتي لزيارتك، فأنال بذلك الأجر الفلاني. هذه معاملة لا زيارة عاشق…! لتكن نيتك خالصة وهي زيارته حبا وشوقا ولتقديم واجب العزاء والمواساة في ذكر استشهاده أو في أربعينيته. ولكن لا يمنع ذلك أن تطلب الحوائج في نهاية المطاف.

خاطب الحسين (ع) وقل: يا أبا عبدالله، كن شاهدا علي، لو رجعت من الزيارة ولم أنل منك حاجة واحدة، فلن أجد في قلبي غضاضة أبدا. لقد آلى على نفسه أحدهم وعاهد نفسه أن يزور الرضا (ع) في كل أسبوع وهو يبعد عنه أكثر من ألف كيلومتر، فلم ينقطع قرابة العشر سنوات مرة واحدة عن زيارته وتشرف بخدمة الإمام (ع) كل أسبوع. لقد صادفته في إحدى سفراتي في الطائرة، فقلت له: كم فاتتك الزيارة في هذه السنوات الطويلة؟ قال لي: لا تتجاوز أصابع اليد. فقلت له: ماذا تريد من الرضا (ع)؟ فاستغربت جوابه إذ لم يكن الرجل من أهل العلم وإنما كان تاجرا من كبار التجار، حيث قال: أزوره شوقاً وحباً.

الأقسام المغلظة وذكر المصائب العظيمة لطلب الحوائج الفانية

ولعلمائنا رأي في طلب الحوائج من الحسين (ع) وهو أمر يرجع إلى الزائر أخذه أو رفضه، إذ يقول علمائنا الأبرار: لا ينبغي لصاحب الحاجة أن يقسم على الإمام (ع) بالأقسام المغلظة كأن تقسم عليه بغربة زينب (س) أو بالرضيع الظامي أو بدم النحر أو بهذه المضامين لكي تنال امرأة أو مالا أو شيئا فانيا من متاع الدني، فالقسم لا يتناسب مع ما تطلب، إلا أن يكون المطلوب تعجيل الفرج، فعندها أقسم بما شئت. فأقسم عليه بذلك ذلك بحرمة أخته الحوراء أو ولده.

الاعتكاف الروحي في زيارة الأربعين…!

والأدب الثاني من آداب الزيارة؛ استثمار أيام الزيارة الأربعينية التي هي الأطول قياسا إلى الزيارة الرجبية أو الشعبانية، للاعتكاف الروحي. عادة ما يأتي الزائر قاطعا مسافات طويلة من أرض الوطن وأقرب المسافات من النجف إلى كربلاء تستغرق ثلاثة أيام وليالي ولو حسبنا أيام العودة والإقامة، فتلك عشرة كاملة.

فلتكن هذه الأيام، أيام اعتكاف للروح؛ فدقق في نظراتك وكلماتك ولا تكثر من الحديث الباطل والهج بأنواع الذكر التوحيدية منها كالتهليل والحوقلة وغيرها والتوسلية الولائية كالصلاة على محمد وآل محمد (ص). والهج في هذه الأيام بسورة التوحيد التي تعادل قراءتها ثلاث مرات، ختمة كاملة. وما المانع من أن تختم القرآن الكريم في الطريق من النجف إلى كربلاء ماشياً، تقرأ في كل يوم عشرة أجزاء؟ فتقف على التل الزينبي أو على باب الشهداء وتقرأ المعوذتين على أنهما آخر سورتين من هذه الختمة، ثم ترفع يديك إلى السماء داعيا: اللهم هذه هديتي إلى مولاي صاحب هذا المقام. وشتان بين استقبال الإمام (ع) لهذا الزائر واستقباله لمن يتكلم طول المسير بكل رطب ويابس ويتفكه بين المواكب أكلا وشربا…!

إبداع هذا الزائر في طريق زيارة الحسين (عليه السلام)

إن بعض الماشين حقيقةً له أفكار وله إبداعات معجبة. لقد أعجبني أحد المؤمنين حيث قال لي ذات يوم: إنني لا أسير في الساعات التي أرى في نفسي إدبارا وقسوة وانشغالا، إذ ألجأ إلى أحد المواكب لأعيد برمجة نفسي ولا أمشي حتى تعود المياه إلى مجاريها وأعود إلى سابق عهدي من الإقبال والخشوع والتوجه. وقال لي: لقد آليت على نفسي ألا أسير إلا لوحدي من صاحب ورفيق خشية مزاح أو مفاكهة غير مناسبة ولكي أختلي بربي في هذا الطريق.

هذه خلاصة الآداب التي بها تنال الأجر والثواب

فعبارة موجزة نقول: أخلص النية قبل الرحلة ولا تكن من اللاهين الساهين في الطريق ولا يكن همك الطعام والشراب، وكن من العابدين في هذا المسير، فاخرج من الموكب في ظلم الليل وأقم صلاة الليل متشبها بالحسين (ع) وأصحابه ليلة العاشر. فإن التزامك بهذه الشروط تحقيقك لهذه الآداب، تمكنك من عقد صفقة العمر الكبرى والتي تنال بها العدد الهائل من الأجر الذي تحدثت به الروايات الشريفة وستعود إلى وطنك وقد خرجت من الذنوب كيوم ولدتك أمك.

[١] زاد المعاد ج١ ص٥٣١.
[٢] سورة آل عمران: ٤٤.
[٣] سورة الرعد: ١٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إننا نقرأ في الكتب عن الإيثار الذي سيكون في دولة الإمام (عج) وأن الناس يشترون من دون أن يدفع ثمنا، وإنما يصلي على النبي وآله (ص) ويأخذ بضاعته والتعاضد والتواصل وما شابه ذلك من خصوصيات المجتمع المهدوي التي وجدنا شيئا منها في المواكب الحسينية وعند خدمة الحسين (ع).
  • إن بعض الماشين في مسيرة الأربعين، له أفكار معجبة. لقد أعجبني أحد المؤمنين حيث قال لي ذات يوم: إنني لا أسير في الساعات التي أرى في نفسي إدبارا وقسوة وانشغالا، إذ ألجأ إلى أحد المواكب لأعيد برمجة نفسي ولا أمشي حتى تعود المياه إلى مجاريها وأعود إلى سابق عهدي من الإقبال والتوجه.
  • لتكن أيام زيارة الحسين (ع)، أيام اعتكاف للروح؛ فدقق في نظراتك وكلماتك ولا تكثر من الحديث الباطل والهج بأنواع الذكر التوحيدية منها كالتهليل والحوقلة وغيرها والتوسلية الولائية كالصلاة على محمد وآله (ص). والهج في هذه الأيام بسورة التوحيد التي تعادل قراءتها ثلاث مرات، ختمة كاملة.
Layer-5.png