Search
Close this search box.
  • ماذا تعرف عن حجب النور؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ماذا تعرف عن حجب النور؟

بسم الله الرحمن الرحيم

أعقد ما ورد في المناجاة الشعبانية

من فقرات مناجاة أمير المؤمنين (ع) والأئمة من ولده (ع)، والتي تثير التأمل والتدبر، قوله (ع): (إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ اَلانقطاع إِلَيْكَ وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخْرِقَ أَبْصَارُ اَلْقُلُوبِ حُجُبَ اَلنُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ اَلْعَظَمَةِ وَتَصِيرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ)[١]. إن هذه العبارات هي في غاية الرقة واللطافة والعمق، وسنحاول أن نأتي على شيء بسيط مما تحتويه من معاني. فأولا: إن إمامنا يطلب من الله عز وجل أن يهبه لا الانقطاع فحسب؛ بل كمال الانقطاع. ولكن ما هو الانقطاع هذا؟ تارة يزور الإنسان مجموعة من الأصدقاء أو جمعا من الناس وتارة لا يزور إلا شخصاً واحداً ينقطع إليه، ويطلب حوائجه منه، ولا يحب غيره. فيقال: فلان انقطع إلى فلان؛ أي جعل أمله ورغبته وحبه فيه.

ولا يصدق هذا المعنى على من لديه عدة شركاء. لماذا تغار المرأة على زوجها؟ لأنها تريد من زوجها أن ينقطع إليها؛ أي يلتفت إليها ولا يلتفت إلى غيرها ولو حلالاً. وهنا يطلب الإمام (ع) من ربه أن تكون علاقته به كهذه العلاقة؛ فلا يريج أن ينظر إلى غيره. ولهذا كلما وقع المؤمن في أزمة يتوجه إلى الله عز وجل من دون تكلف؛ وهو لا ينسى الأسباب، والأسباب لا تنسيه ذكر ربه. إنه يذهب إلى الطبيب الحاذق، ولكنه يقول: يا رب، أنت الشافي. هناك عبارة جميلة يكتبها بعض الأطباء على أبواب عياداتهم، وجدير بكل طبيب أن يحذوا حذوهم، وهي: الدواء عندنا والشفاء عند الله. ولهذا يتفق أن يرجع الإنسان في مرضه إلى طبيب حاذق؛ فيصف له دواء خطأ يؤدي إلى موته. أو يذهب إلى جراح ماهر فيزيغ المشرط الجراحي عن موضعه فيصاب بالشلل، وهكذا. كن منقطعاً إلى الله عز وجل إن أردت الفوز والنجاة.

أبصار القلب وخرقها لحجب النور

ويقول (ع): (وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ)[٢]. ما المشكلة في أن أحدنا يتكلف العبادة تكلفا؟ لو جاء جبرئيل (ع) الآن وقال لسكان الأرض: لقد رفع عنكم رب العالمين التكليف بالصلاة؟ فهل سيبقي مصل على الأرض؟ إن أصحاب الليل سيصلون الفريضة لأن صلاة الليل نافلة وليست واجبة؛ ولكن معظم الناس لو رفع عنهم التكليف لما عبدوا الله عز وجل. إن من رأى في قلبه الجلال والجمال الإلهي؛ يشتد سيره إلى الله عز وجل بشوق وحب ورغبة. إن عينك الظاهرة في الجمجمة ترى الألوان والأرض والسماء ولا شيء غير ذلك. وهذه العين أسرع الأعضاء تلفاً عند الموت. يبدو أن الديدان أول ما يستأنسون بهذه المادة الهلامية في العين.

هاتان العينان مصيرهما الديدان والتراب؛ فابحث بدل ذلك عن بصر القلب. إن بصر القلب هو الذي لا يتلف في القبر، وهذا البصر الباطني هو الذي يدلك على الصراط يوم القيامة في متاهات ذلك اليوم، ويدلك على لواء إمام زمانك (عج) الذي تُحشر تحته. إن أطلقت البصر الظاهري؛ أعميت البصر الباطني. تستلذ بنظرة محرمة فتطفي بها البصر الباطني.  وأعظم بها من خسارة أن ترى مجرد صورة في السوق أو التلفاز ثم لا تستفيد منها شيئا غير إطفاء البصيرة…!

هل يكون النور حجابا؟

أما أعقد جملة في المناجاة الشعبانية هي: (حَتَّى تَخْرِقَ أَبْصَارُ اَلْقُلُوبِ حُجُبَ اَلنُّورِ)[٣]. فيا للعجب، متى كان النور حجاباً؟ إننا نعلم أن  الشهوات، والظلمات هي الحجب. إن النور قد يُصبح للبعض حجابا. ومثاله العرفي أنك قد تعشق فتاة فتنظر إليها في المرآة؛ فتنشغل بالصورة في المرأت عن الوصول إليها. وليست المرآت إلا وسيلة تعكس لك صورتها؛ ولكنك انشغلت بالصورة عنها بدل الانشغال بها. وهكذا ينشغل البعض بصورة الجمال الإلهي ككتب العرفان والأخلاق التي تصف تلك الذات المقدسة وتصف الجلال والجمال الإلهيين. إنها نور؛ ولكنها قد تحجبك عن صاحب النور. ولكن أين تريد أن تصل إن تجاوزت حجب النور؟ إننا نريد أن نصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسه. لا تنظر إلى عالم الغيب من خلال الكتب والخطب وما شابه ذلك فحسب؛ بل دع قلبك يتعلق بالعرش مباشرة، وكما قال أمير المؤمنين (ع) في وصف العلماء الصادقين: (صَحِبُوا اَلدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ اَلْأَعْلَى)[٤].

من كعلي (عليه السلام) في معرفته؟

تُرى مَن مِن الصحابة يملك هذه المعرفة الإلهيه؟ إنه علي (ع) إمام الموحدين والأئمة من ولده (ع). ومما يقول: (إِلَهِي وَاِجْعَلْنِي مِمَّنْ نَادَيْتَهُ فَأَجَابَكَ وَلاَحَظْتَهُ فَصَعِقَ بِجَلاَلِكَ). إن موسى (ع) ذهب ليتلقى من ربه كتابا، ولكن تجلى له ربه، وكما قال عز من قائل: (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗا)[٥]. فأين الصعقة الإلهية التي اعترت موسى (ع) من تلك الألواح التي تلقاها؟ أيهما كان أوقع في قلب موسى (ع)؛ ذلكك التجلي أم الصحف التي قرأها على بني إسرائيل؟

لا تكتفي بالدعاء من دون عمل

إن أمير المؤمنين (ع) يدلك على الكنز وعلى المنبع. فلا تكتفي بالظواهر وحاول أن تصل إلى هذه المرحلة. فمن وصل، وصُعقت روحه، وتعلقت بعز قدسه، وخرقت أبصار قلبه حجب النور لا يتصومع ولا يسكن في الغار، ويقول: إنني مصعوق بالجلال الإلهي، ولا يترهبن؛ ولكنه يقوم بما يصفه الإمام (ع): (فَنَاجَيْتَهُ سِرّاً وَ عَمِلَ لَكَ جَهْراً). إنه في جوف الليل يناجي ربه وفي النهار من العلماء الحكماء. من هؤلاء مالك الأشتر قائد جيش أمير المؤمنين (ع)؛ فهو ممن شملته هذه الدعوات. إنه كان في الليل له ماله، وفي النهار على رأس كتائب أمير المؤمنين (ع)، ووزيره في حروبه. وهكذا كان أصحاب الحسين (ع) في يوم عاشوراء؛ فقد كان لهم في الليل دوي كدوي النحل وكان منهم في النهار ما كان.

إن من وصل إلى هذه المراحل لا يتقوقع؛ بل يزداد إصراراً لكي يعمل بين الخلق ولهم. فإن كان عالماً هدى الناس، وإن كان ثرياً أنفق على المساكين، وإن كان صاحب جاه؛ توسط لقضاء حوائج المحتاجين، وهلم جرا. إن العارف الكامل من أكثر الناس نشاطاً ودؤوباً وأملاً وطاعة لربه عز وجل وعنفواناً.

[١] بحار الأنوار  ج٩١ ص٩٦.
[٢] زاد المعاد  ج١  ص٤٧.
[٣] زاد المعاد  ج١  ص٤٧.
[٤] الخصال  ج١ ص١٨٦.
[٥] سورة الأعراف: ١٤٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن أطلقت البصر الظاهري؛ أعميت البصر الباطني. تستلذ بنظرة محرمة فتطفي بها البصر الباطني. وأعظم بها من خسارة أن ترى مجرد صورة في السوق أو التلفاز ثم لا تستفيد منها شيئا غير إطفاء البصيرة…!
Layer-5.png