• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لما أتثاقل عند قراءة دعاء كميل؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا لا تتأسى بكميل صاحب الدعاء الشهير؟

ماذا لو لم يطلب كميل بن زياد الدعاء الذي عُرف باسمه فيما بعد من أمير المؤمنين (ع)؟ إنني أفكر فيما فعله هذا الصحابي الجليل وأقول في نفسي: جزاك الله خيرا أن طلبت هذا الدعاء من أمير المؤمنين (ع) وأنت في البصرة ليصل إلينا بعد ذلك ونتنعم بهذه المائدة العلوية…! هذا وقد روي: (مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً عُمِلَ بهامِن بَعدِهِ كانَ لَهُ أجرُهُ ومِثلُ اُجُورِهِم مِن غَيرِ أن يَنقُصَ مِن اُجُورِهم شيئا)[١]، فلك أن تتصور أجر كميل من كل قارئ لهج بهذه الكلمات منذ أكثر من ألف عام؟

ولنا أسوة حسنة في كميل، بأن تكون لنا صدقة جارية ننتفع بها بعد موتنا وهي ما وردت في الرواية الشريفة: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِن ثَلاثٍ : إلاّ مِن صَدَقَةٍ جاريَةٍ أو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صالِحٍ يَدعُو لَهُ)[٢]. إن المؤمن يطلب من الله عز وجل ألا يخرجه من الدنيا إلا وقد أتم هذه المراحل؛ أي فتح هذه الأفرع الثلاثة أو فرع منها على أقل التقادير.

لا يخدعنك الشيطان بطول الدعاء

يُلاحظ البعض عند قراءة هذا الدعاء وأمثاله من الأدعية الطوال كدعاء الندبة، فتورا في الهمة وتثبيطا من الشيطان. والحال أنه يصرف من الوقت أضعاف ذلك على مجالس يكثر فيها اللغو واللهو وعند الجلوس على المائدة وما شابه ذلك. لا ينبغي أن تضعف الهمة عن قراءة هذا الدعاء ويجب أن ينظر المؤمن إلى ملكوت الدعاء وإلى ما وراء هذه الألفاظ. عندما يصل المؤمن إلى ملكوت الدعاء، فإن الوقت لا شك يمضي بسرعة كبيرة كما يمضي الوقت في سفرة سياحية سعيدة. ترى الرجل في سفر سياحي يستغرق أسبوع أو أسبوعين لا يشعر بها إلا كيوم أو بعض يوم، لأن النفس مستأنسة متفاعلة مستمرئة. وكذلك المؤمن يصل إلى درجة من النس بالقرآن والدعاء، لا يمل ولا يكل؛ بل يشعر بالأنس والسرور ولو استغرقت التلاوة أو الدعاء ساعات طويلة.

اقرأ ولو صفحة واحدة من الدعاء

فلا يمنعك الشيطان من قراءة هذا الدعاء متذرعا بطوله. نعم، قد تكون مرهقا في بعض الأيام أو مريضا، وهنا لا ينبغي أن تترك الدعاء كله؛ بل اقرأ منه بمقدار الشهية. وهنا خادع نفسك وشيطانك وقل: إنني أريد أن أقرأ عدة أسطر، فإذا رأيت نفسك مقبلا فامض في القراءة ما كنت مقبلا متفاعلا. وإذا بك تتفاجئ في بعض الأحيان، أنك قد أكملت قراءة الدعاء من دون أن تشعر بملل أو كلل. ويُنقل عن بعض كبار المؤمنين من أهل المناجاة والدعاء، أنه يستوحش أحدهم عند بلوغه آخر الدعاء، فيُكرر بعض الفقرات ويُطيل القراءة ضناً بتلك النفحات والحالات. نعم، قد يبدأ الؤمن الدعاء متثاقلا، فتأتيه نفحة إلهية في أثناء القراءة، فيرق قلبه وينتهي من الدعاء ولما يرتوي.

لا ينتهي الدعاء من دون تفاعل

وإن لم تتمكن من التفاعل مع جميع الفقرات، فتفاعل مع بعض فقراته. من هذه الفقرات التي تُثير الدمعة وتُحفز المؤمن، قوله (ع): (إِلَهِي وَ رَبِّي مَنْ لِي غَيْرُكَ)[٣]. وهذه الفقرة من الفقرات التي يُرددها من يعيش الانقطاع الكامل؛ انقطاع من انقطعت به السبل في صحراء قاحلة وهو مصاب بنزيف حاد وأوشك على الموت. قد يُصاب الإنسان بنزيف في غرفة العمليات؛ حيث الوسائل والأجهزة متاحة ومُعدة، فلا يشعر بالانقطاع إلى الله عز وجل، كما يشعر به من هو صحراء قاحلة قد انقطعت به السبل وألح عليه العطش والجوع وهو خالي الوفاض.

سرعان ما تُنسى…!

وقد لا يكون الإنسان في الحقيقة مضطرا وهو يقرأ الدعاء بين الأهل والعيال والخلان؛ ولكنه يتذكر التنقطاع في عالم البرزخ والقيامة، ويعلم أن كل هذا الضجيج والعجيج من حوله، وكل هذا اللطف والملاطفة من الزوجة والأولاد والوالدين، حدها شفير القبر وسيقبى في ذلك العالم وحيدا لسيس له أحد إلا الله عز وجل. ولهذا رأينا بعض من يدفن عزيزا له، يبكي على القبر حتى يكاد يغمى عليه، وبعد أن يسوى التراب ويرجع إلى المنزل ويؤتى له بطعام العشاء – عشاء العزاء – يأكل مع الآكلين وقد يمزح مع بضعهم والعزيز مبتلى بسؤال منكر ونكير…! صاحبنا يعيش لغوه المتعارف كل ليلة، ويأكل ما كان يأكله كل ليلة، ويمزح ويمرح كعادته إلى درجة قد ينسى صلاة الوحشة لميته.

من لي غيرك، حقيقة سنواجهها جميعا طالت الأيام أو قصرت. ومن الطبيعي أن يفزع المؤمن ليلة الجمعة عندما يلهج بهذه الفقرة، والفزع يوجب الإقبال؛ حيث يتذكر الإنسان أن الله عز وجل أوفى الأوفياء، وأن كل وفي سيفارقه إلا الله عز وجل: (فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذࣲ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ)[٤]. ويتذكر قوله سبحانه: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[٥] وقوله عز من قائل: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)[٦]؛ فتجري عبرته ويرق قلبه ويُقبل على ربه. وهو في ذلك كالقطار الذي يمشي لثقل الحديد ببطئ شديد يسبقه الذي يمشي إلى جانبه في بداية حركته ولكن السرعة تتضاعف شيئا فشيئا إلى حيث لا يلحقه لاحق. إنه يقرأ الدعاء متثاقلا بطيئا وعندما يرق القلب وتجري الدمع، تتضاعف سرعته ويشتد إقباله…!

لا تستعجل القيام من سجادتك

ولا تستعجل القيام من سجادتك عند الانتهاء من قراءة هذا الدعاء ما لم تشبع. حاول أن تعيش المناجاة المفتوحة مع الله عز وجل وأن تخاطب الله بلغتك بعد ان تبركت بألفاظ أمير المؤمنين (ع). أطلق العنان لنفسك وتحدث إلى ربك بلغتك وبألفاظك وخاطبه بكل عفوية وفطريا وسل الله الحوائج الخاصة من مشكلة مع زوجة أو ولد أو عمل أو رزق أو ما شابه ذلك. ثم ثق بعد هذا الدعاء والإقبال؛ أنك في مظان الإجابة.

[١] كنز العمّال: ٤٣٠٧٩.
[٢] ميزان الحكمه ، ح ١٤٢٨٧.
[٣] مفاتيح الجنان.
[٤] سورة المؤمنون: ١٠١.
[٥] سورة القصص: ٨٨.
[٦]  سورة طه: ١١١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ماذا لو لم يطلب كميل بن زياد الدعاء الذي عُرف باسمه فيما بعد من أمير المؤمنين (ع)؟ إنني أفكر فيما فعله هذا الصحابي الجليل وأقول في نفسي: جزاك الله خيرا أن طلبت هذا الدعاء من أمير المؤمنين (ع) وأنت في البصرة ليصل إلينا بعد ذلك ونتنعم بهذه المائدة العلوية…!
  • يلاحظ البعض عند قراءة دعاء كميل والأدعية الطوال فتورا في الهمة وتثبيطا من الشيطان والحال أنه يصرف من الوقت أضعاف ذلك على مجالس اللهو وعلى المائدة وغيرها من غير كلل أو ملل. لا ينبغي أن تضعف الهمة عن قراءة هذا الدعاء ويجب أن ينظر المؤمن إلى ملكوت الدعاء وإلى ما وراء هذه الألفاظ.
  • لا تستعجل القيام من سجادتك عند الانتهاء من قراءة دعاء كميل ما لم تشبع…! حاول أن تعيش المناجاة المفتوحة مع الله عز وجل وأن تخاطب الله بلغتك بعد ان تبركت بألفاظ أمير المؤمنين (ع). أطلق العنان لنفسك وتحدث إلى ربك بلغتك وبألفاظك وخاطبه بكل عفوية وفطريا وسل الله الحوائج الخاصة.
Layer-5.png