Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لماذا خلد الله واقعة عاشوراء دون سائر الرزايا التي حدثت في التاريخ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

دور المعرفة في البكاء على مصيبة الحسين (عليه السلام)

إن أكثر الناس بكاءً على سيد الشهداء؛ أعلمهم بموقعه. وهناك رواية جامعة مانعة لو تأملها الإنسان لازداد حرقة على الحسين (ع)، وهي: (إِنَّ اَلْحُسَيْنَ فِي اَلسَّمَاءِ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي اَلْأَرْضِ)[١]، والأكبرية هنا من حيث المعرفة. إن الملائكة التي شهدت خلق آدم ورأت هذه الأنوار الإلهية كنور الزهراء (س) الذي خُلق قبل خلقتها، ونور النبي (ص) الذي كان نبياً وآدم بين الماء والطين، ونور هذه الأنوار الخمسة أو الأشباح الخمسة المعروفة في العرش؛ أعرف بها منا.

ثم إننا نعرف من بعض الأخبار؛ أن هنالك ملائكة شعث غبر يبكون على الحسين (ع) إلى قيام الساعة. إن هذه الملائكة سماوية عرشية، وكما نقرأ في الزيارة: (أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي اَلْخُلْدِ وَاِقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ اَلْعَرْشِ)[٢]. فلقد بكيه من في العرش، قبل أن يبكيه من على الفرش.

لماذا كُتب الخلود لهذه الواقعة؟

قد يسأل سائل، فيقول: لماذا كُتب الخلود لهذه الواقعة؟ لقد مرت على البشرية منذ أن خلق الله آدم (ع) إلى يومنا هذا ما لا يُحصى من المآسي. بل نقول: دع البشرية جانبا، وتأمل في المصائب التي وقعت على المؤمنين خاصة؛ كالظلم الذي تعرض له أصحاب الأخدود الذين كانوا من كبار المؤمنين. وقد أشعلوا نارا في أخاديد من الأرض وألقوهم فيها. أما سحرة موسى (ع) فقد قُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف. أما يحيى (ع) فذُبح كما ذُبح الحسين (ع)، وأهدي رأسه إلي بغي من بغايا بني إسرائيل. لقد خطبها جبار فطلبت مهرها رأس يحيى (ع). ذلك الشاب الذي يقال: عندما كان زكريا يريد أن يعظ الناس يتأكد من عدم وجوده؛ لأنه كان يخشى عليه. ما هذا القلب الذي كان يحمله يحيى (ع)؟ وهو بتعبير القرآن سيد وحصور. فلماذا خُلدت هذه الرزية دون سائر الرزايا؟ يقول الشاعر:

أنست رزيتكم رزيانا التي
سلفت وهونت الرزايا الآتية

هذه الواقعة التي قال عنها الرضا (ع) لابن شبيب: (يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)[٣]. فإن فُجعت بولدك الشاب في يوم عاشوراء؛ ابك على الحسين (ع) أولا. لقد قال لي أحد المؤمنين: لقد فقدت شاباً في عمر علي الأكبر (ع)، وعندما يأتي محرم، وأبكي على علي بن الحسين (ع) ثم يأتي في بالي ولدي في أثناء بكائي؛ فهل في ذلك شبهة؟ إنني أخاف أن أكون مرائيا؛ ولا أريد أن تختلط هذه الدمعة على علي بن الحسين (ع) بالدمعة على ولدي. ما هذا الصفاء الذي يحمله هذا القلب؟

ما هي وجوه التميز في واقعة عاشوراء؟

إن ما يُميز واقعة عاشوراء – على ما نفهم – عدة أمور. أولا: الظرف الذي كان فيه سيد الشهداء (ع). ولا داعي للتحقيق التأريخي؛ فقد هبط وضع الأمة إلى أدنى درجات التسافل في شتى الأبعاد، فساداً وحكومة واقتصاداً، وإلى آخره. كيف يحكم أمير المؤمنين (ع) الكوفة، ثم يحكمها يزيد؟ كم هي المدة بين الحكومتين؟ وإذا بابنة أمير المؤمنين (ع) تُساق سوق الأسارى في الكوفة نفسها. إنني عندما عندما أزور أرض الغري أقول في نفسي: ساعد الله قلبك يا أبا الحسن. إن ابنتك التي لم تكن ترضى أن يُرى خيالها؛ جرى عليها ما جرى في أرض الكوفة نفسها التي كانت فيها خلافتك.

ما جرى في كربلاء أكبر مما روي

ثانيا: التفاصيل التي جرت في أرض كربلاء. إن بعض المؤمنين يقول: إنني أشك في تفاصيل المقتل؛ إذ أشعر أن هناك بعض المبالغة في سرد الحقائق. والحال أنني سمعت من أحد كبار المجتهدين، أنه قال:  ما وقع في أرض كربلاء من المآسي لم يصل إلينا كله، وما يُنقل لا يغطي الواقعة بتمامها. وقال: إن بعض المصائب لا يُمكن نقلها؛ فأنتم تسمعون ما جرى على الرضيع والأكبر والقاسم والعباس (ع)؛ ولكن ما خفي أعظم. إن يعلمها هو إمام زماننا (عج) ولهذا حق له أن يبكي بدل الدموع دماً. إذا جزئيات المقتل الطريقة التي قتل فيها الحسين سبي ذراريه إذا هذا ايضا متميز في تأريخ المآسي لأولياء الله عز وجل. ثالثا: الشخصيات التي سُفكت دمائها في تلك الملحمة الكبرى.

علي الأكبر وارث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)

ومن هذه الشخصيات التي لا يوجد لها نظير؛ شخصية علي بن الحسين (ع). إن عواطف الإمام الحسين (ع) هي تحت سيطرته، وهو لا ينطق عن الهوى، ولا يبكي عن الهوى، ولا يضحك عن الهوى؛ فكل أفعاله هي بأمر السماء وبإمضاء السماء لأنهم خلفاء رسول الله (ص). فأمير المؤمنين (ع) عندما أراد علي أن يجتز رأس ذلك المشرك؛ أخذ جولة في الميدان لئلا يكون ذلك ردة فعل على إهانته، وهكذا كان دأبهم جميعهم.

لم يملك الحسين (عليه السلام) دموعه…!

عندما برز على الأكبر إلى الميدان، قبض الحسين (ع) على شيبته، وأرخى عينيه بالدموع، وقال: (اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمْ غُلاَمٌ أَشْبَهُ اَلنَّاسِ خَلْقاً وَخُلُقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ كُنَّا إِذَا اِشْتَقْنَا إِلَى نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إِلَى وَجْهِهِ)[٤]، لو قال الحسين (ع): أشبه الناس خَلقاً؛ لما كانت تلك المزية الكبرى، وإنما المزية الكبرى في قوله: خُلقاً ومنطقاً. كم كان موقعه عند الله عز وجل وقد بلغ إلى هذه الرتبة العالية؟

[١] الخرائج و الجرائح  ج٢ ص٥٥٠.
[٢] من لا یحضره الفقیه  ج٢ ص٥٩٤.
[٣] بحار الأنوار  ج٩٨ ص١٠٢.
[٤] بحار الأنوار  ج٤٥ ص١٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن بعض المؤمنين يقول: إنني أشك في تفاصيل المقتل؛ إذ أشعر أن هناك بعض المبالغة في سرد الحقائق. والحال أنني سمعت من أحد كبار المجتهدين، أنه قال: ما وقع في أرض كربلاء من المآسي لم يصل إلينا كله، وما يُنقل لا يغطي الواقعة بتمامها.
  • كيف يحكم أمير المؤمنين (ع) الكوفة، ثم يحكمها يزيد؟ كم هي المدة بين الحكومتين؟ وإذا بابنة أمير المؤمنين (ع) تُساق سوق الأسارى في الكوفة نفسها.
Layer-5.png