• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لقد حان وقت اللقاء…!

بسم الله الرحمن الرحيم

خلصوا نجيا

بعد أن استرق يوسف (ع) أخاه بنيامين بحسب الظاهر، حاول إخوته استنقاذه بشتى الطرق ولكنهم لم يفلحوا وبقي يوسف (ع) مصرا على موقفه. ولذا اجتمعوا للتشاور فيما بينهم، فقال تعالى: (فَلَمَّا ٱسۡتَيۡـَٔسُواْ مِنۡهُ خَلَصُواْ نَجِيࣰّا)[١]. وهنا ذكرهم كبيرهم بالموثق الذي أخذه عليهم أباهم، فقال: (أَلَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَيۡكُم مَّوۡثِقࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِي يُوسُفَۖ)[٢]؟ فكيف تغادرون القصر من دون بنيامين؟ كيف ستجيبون أباكم إن سأل عنه؟ وكبيرهم هذا كان أعقلهم على ما يبدو، فقال لهم: (فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ يَأۡذَنَ لِيٓ أَبِيٓ أَوۡ يَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِيۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ)[٣].

وكأنه على نحو الإضراب، بقي في مكانه لا يتحرك إلا أن يأذن له أباه بذلك. وقال لهم: قولوا لأبي: لقد سرق أخانا بنيامين ونحن بريئون من ذلك، وعلامة صدقنا بقاء أخينا هناك والذي لم يرض أن يتحرك إلا بعد أن تأذن له. وقالوا له: (وَسۡـَٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلۡعِيرَ ٱلَّتِيٓ أَقۡبَلۡنَا فِيهَاۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ)[٤]. أي أرسل إلى القرية التي كنا فيها، واسأل أهلها من سرق صواع الملك؟ فيسيشهدون لك، أن السارق هو بنيامين وأن الذي أخذه هو عزيز مصر من باب العقوبة على السرقة. وكذلك اسأل القافلة التي رجعنا فيها، فهم شاهد آخر على صدق قولنا.

موقف يعقوب (عليه السلام) من فقدان بنيامين

عندما سمع يعقوب (ع) بالخبر قال: (وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَـٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمࣱ)[٥]. ولكن كيف تبيض عيناه لحادثة وقعت للتو؟ وحادثة فقد يوسف (ع) حادثة قديمة مضى عليها عشرات السنين، وفقدان بنيامين كان حادثا جديدا؟ ولماذا تأسف على يوسف (ع)؟ هناك إجابتان على هذه التسائلات، الإجابة الأولى: أن يعقوب (ع) تذكر فجيعة يوسف (ع) عندما أصيب بفجيعة أخرى هي فقد أخيه، فهاجت أحزانه وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. وقد أصيب بالعمى من شدة البكاء ولكنه على الرغم من ذلك تمالك نفسه ولم يُظهر ما تعرض له من الأذى الذي تسبب به أولاده، فكظم ذلك؟ وهذه تبين لنا شدة صبره وأنه لم يعيرهم ولم يؤاخهم ولم يعاقبهم وإنما كظم كل هذه المشاعر. ولا شك أن الكظم من موجبات عمى البصر، لما يولده من حرقة في القلب.

في طريق التوبة

ويبدو من سياق الآيات، أن إخوة يوسف (ع) قطعوا شوطا من أشواط التوبة وذلك أولا: أنهم كانوا صادقين في ما حدث مع بنيامين. ثانيا: ما بدر من كبيرهم الذي لم يبرح الأرض حتى يأذن له أباه. ثالثا: أنهم حزنوا على أبيهم ورثوا له وذلك من خلال قولهم له: (تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ)[٦]. ولكن ما كان من يعقوب (ع) إلا أن قال: (إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)[٧].

ويبدو أن يعقوب (ع) كان على علم بالتدبير الإلهي وأن الفراق موقت لا يدوم وإن كان ثقيلا عليه، ونستشف ذلك من قوله: (وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ). فهو نبي يوحى إليه ويعلم تفاصيل القصة ولكنها كان مبتلى بالفراق الذي جرعه الغصص وألح على أحشائه بالحزن الذي أعقبه العمى في نهاية المطاف. والدليل الآخر قوله الذي كانت تلوح منه تباشير الفرج: (يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ)[٨].

لقد حان اللقاء

وكأن هذه الفترة التي أصبح فيها يوسف (ع) عزيز مصر، انتهت المهمة وأوشك الفراق على آخره وأراد سبحانه أن يوصله إلى ولده وهو في هذا المقام. فما الفائدة من أن يلتقي يعقوب (ع) به وهو السجن مثلا؟ أو يلتقي به في قصر زليخا؟ لقد اختار سبحانه وقت اللقاء وجعله أفضل الأوقات وهو الوقت الذي أصبح فيه يوسف (ع) عزيزا ومتصرفا في خزائن الأرض.

لقد دخل إخوة يوسف (ع) عليه وقالوا: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةࣲ مُّزۡجَىٰةࣲ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ)[٩]. فيا أيها العزيز، قد عضتنا سنوات القحط ونحن بحاجة إلى الطعام وجئناك بمال زهيد لا يكفي لشراء الكيل الوافي، فأوف أنت الكيل لنا وأعطنا حصتنا من الطعام ولو دون الثمن. ويقال: أن البضاعة المزجاة هي الدراهم المزيفة، فقد كانت دراهم مزيفة ولكنهم قالوا: تصدق علينا بهذه الدراهم المزيفة، ولا تؤاخذنا بالمعاملة الدقيقة.

بداية الاعتراف

وهنا بدأ يوسف (ع) بترتيب المقدمات لإخبارهم بالحقيقة، فلما رآهم منكسرين في قمة الهوان والذل وكان هو في قمة العزة، فتح ملف الماضي وذكرهم بما أجرموه في حقه، فقال: (هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ)[١٠]. فعلموا عندها أنه يعلم القصة كاملة، فقالوا: (أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ)[١١]. لقد حان وقت الاعتراف وقد اعترف لهم بأنه يوسف (ع) وهذا بنيامين أخوه. ثم ذكر المعادلة الشاملة فقال: (إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ)[١٢].

المعادلة الذهبية للوصول إلى عز يوسف (عليه السلام)

لقد بين لهم، أنه قد وصل إلى ما وصل إليه من مقام العزة والاستغناء بأمور ثلاثة؛ التقوى والصبر، والإحسان. فلا يكفي أن يكون المرء متقيا صابرا، ولا يكون من المحسنين. وهذه معادلة تجري في كل زمان وتصلح لأي عبد من عباده الصالحين، فرب العالمين يرفع درجات من يشاء.

[١] سورة يوسف: ٨٠.
[٢] سورة يوسف: ٨٠.
[٣] سورة يوسف: ٨٠.
[٤] سورة يوسف: ٨٢.
[٥] سورة يوسف: ٨٤.
[٦] سورة يوسف: ٨٥.
[٧] سورة يوسف: ٨٦.
[٨] سورة يوسف: ٨٧.
[٩] سورة يوسف: ٨٨.
[١٠] سورة يوسف: ٨٩.
[١١] سورة يوسف: ٩٠.
[١٢] سورة يوسف: ٩٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد بين يوسف (ع) لإخوته، أنه قد وصل إلى ما وصل إليه من مقام العزة والاستغناء بأمور ثلاثة؛ التقوى والصبر، والإحسان. فلا يكفي أن يكون المرء متقيا صابرا، ولا يكون من المحسنين. وهذه معادلة تجري في كل زمان وتصلح لأي عبد من عباده الصالحين.
Layer-5.png