- ThePlus Audio
لا تدخلوا من باب واحد…!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف اقتنع يعقوب (عليه السلام) بذهاب بنيامين؟
بعد أن مُنع الكيل من إخوة يوسف (ع) إلا أن يأتوا بأخ لهم من أبيهم وقال لهم يوسف (ع): (فَإِن لَّمۡ تَأۡتُونِي بِهِۦ فَلَا كَيۡلَ لَكُمۡ عِندِي وَلَا تَقۡرَبُونِ)[١]، رجعوا إلى يعقوب (ع) یلحون علیه في السماح لهم باصطحابه معهم للحصول على كيل يسير. ولم يكن ليأذن لهم يعقوب (ع) من دون أن يأخذ منهم المواثيق التي يضمن بها عدم تكرار ما حدث ليوسف (ع) من قبل، فلذا قال لهم يعقوب (ع): (لَنۡ أُرۡسِلَهُۥ مَعَكُمۡ حَتَّىٰ تُؤۡتُونِ مَوۡثِقࣰا مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأۡتُنَّنِي بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمۡۖ)[٢]. وقد كان النبي يعقوب (ع) منطقيا رغم الجرح العميق الذي كان يعتمل في قلبه من فقد يوسف (ع)، فقال لهم: إنني أريد ولدي هذا أن يرجع إلي إلا أن يغلبكم على أمركم ما لا تستطيعون دفعه من موت أو زالم يأخذه غصبا أو ما شابه ذلك.
تأسى بيعقوب (عليه السلام) في هذه الكلمة…!
وعندما آتوه موثقهم، قال: (ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلࣱ)[٣]. وما أجدرنا أن نتأسى بيعقوب (ع) في هذه الكلمة، فإذا ما وعدنا وعدنا أو بعنا بيعا، قلنا: (ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلࣱ)، لأنها كلمة توجب الانتقام لكل من أخلف. فكأننا نقول: يا رب، أن الوكيل عنا في التعامل مع الظالم المتخلف. فعندما يتفق الطرفان على أمر ما، ويقولان: الله على ما نقول وكيل، فيعني ذلك أن الله وكيل الطرفين، وأي واحد منهما خالف الميثاق، استحق الانتقام الإلهي.
ثم قال لهم يعقوب (ع): (يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابࣲ وَٰحِدࣲ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبࣲ مُّتَفَرِّقَةࣲ)[٤]، فكان يخشى عليهم من الحسد وهم عصبة من أحد عشر رجلاً. تصور أن يدخلوا من باب واحد وهم أصحاب أبدان وأشكال متميزة. وكثيرا ما يؤكد العلماء على الابتعاد عن أعين الحساد عند القيام بأي عمل. ومن السور التي يتعوذ بها المؤمن اليوم، الفلق والناس. ثم قال: (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ)[٥]؛ أي لا تخافا بعد ذلك من الحسد والعين.
كيف أبقى يوسف (عليه السلام) أخاه عنده؟
وعندما دخلوا على يوسف (ع) اختلى بأخيه بنيامين وقال له: (إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ)[٦]. يبدو – والله العالم – أن بنيامين كان مميزاً كيوسف (ع) وكانوا يؤذونه كما كانوا يؤذون يوسف (ع) كما تذكر الروايات. وهنا أراد يوسف (ع) أن يُبقي أخاه عنده ولذا كاد الله ليوسف (ع) ما يستطيع به إبقاء أخيه عنده، وذلك قول الله عز وجل: (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ)[٧]. والسقاية هي جهاز الكيل وكانت له قيمة كبيرة إذ كان من ذهب أو فضة، وكان قد وضعها يوسف (ع) في رحل أخيه بنيامين.
كيف اتهمم بالسرقة وهم أبرياء؟
وهنا اختلف المفسرون في قوله: إنكم لسارقون، وقالوا: كيف يتهمهم بالسرقة وهو الذي جعل السقاية في رحل أخيه؟ فذهب البعض إلى أنه كان يعني: أنكم قد سرقتم يوسف (ع) من أبيه من قبل. وقال آخرون: إنه لم يكن المنادي عليهم بالسرقة، وإنما كان الحرس هم من وصفوهم بذلك عندما فقدوا صواع الملك. وهناك توجيه ثالث، وهو: أن يوسف (ع) أخبر أخاه بأنه سيجعل السقاية في رحله، ففي شريعة يعقوب (ع) يُستعبد السارق؛ أي يصبح عبدا عند من سرق منه. ولذا أراد يوسف (ع) بذلك أن يستبقي أخاه وقد تم له ما أراد بهذه الحيلة.
وهنا أقبل إخوة يوسف (ع) على من المنادي وقالوا: (مَّاذَا تَفۡقِدُونَ)[٨]. فقالوا لهم: (نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ)[٩] الثمين. وقد صدق إخوة يوسف (ع) هذه المرة وقالوا: (تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ)[١٠]. وهنا سألوا الإخوة عن جزاء السارق عندهم إذا وجدوا صواع الملك في رحالهم من باب أخذ الاعتراف من ألسنتهم، فقالوا: (فَمَا جَزَـٰٓؤُهُۥٓ إِن كُنتُمۡ كَٰذِبِينَ)[١١]؟ وهنا بين إخوة يوسف (ع) جزاء السارق في شريعتهم وأنهم يصبح عبدا للمسروق منه؛ أي يوسف (ع)، فقالوا: (جَزَـٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَجَزَـٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ)[١٢].
لماذا اتهموا يوسف (عليه السلام) بالسرقة؟
ويبدو أن فتيان يوسف (ع) كانوا على علم بالمؤامرة – إن صح التعبير – ولذا بدأوا بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، لئلا يثيروا الشبهة، ففتشوا رحالهم ولم يجدوا شيئا وعندما وصل الدور إلى رحل أخيه بنيامين، وجدوا السقاية في رحله، فاسترق يوسف (ع) بنيامين على الظاهر. ويبدوا أن إخوة يوسف (ع) أرداوا أن يبعدوا عن أنفسهم الشبهة فقالوا: (إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخࣱ لَّهُۥ مِن قَبۡلُ)[١٣]. وهنا بدت الشماتة من أفواههم واتهموا يوسف (ع) بالسرقة حسدا.
عمة يوسف (عليه السلام) تحيك له مؤامرة…!
وثمة قصة مروية في روايات أهل البيت (ع) وهي ما روي عن الرضا (ع): (كَانَتْ لِإِسْحَاقَ اَلنَّبِيِّ مِنْطَقَةٌ يَتَوَارَثُهَا اَلْأَنْبِيَاءُ وَاَلْأَكَابِرُ، فَكَانَتْ عِنْدَ عَمَّةِ يُوسُفَ ، وَكَانَ يُوسُفُ عِنْدَهَا وَكَانَتْ تُحِبُّهُ فَبَعَثَ إِلَيْهَا أَبُوهُ أَنِ ابْعَثِيهِ إِلَيَّ وَأَرُدُّهُ إِلَيْكَ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ أَنْ دَعْهُ عِنْدِي اَللَّيْلَةَ لِأَشُمَّهُ ثُمَّ أُرْسِلَهُ إِلَيْكَ غُدْوَةً، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَخَذَتِ اَلْمِنْطَقَةَ فَرَبَطَتْهَا فِي حَقْوِهِ وَأَلْبَسَتْهُ قَمِيصاً وَبَعَثَتْ بِهِ إِلَيْهِ، وَقَالَتْ: سُرِقَتِ اَلْمِنْطَقَةُ فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا سَرَقَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ دُفِعَ إِلَى صَاحِبِ اَلسَّرِقَةِ فَأَخَذَتْهُ فَكَانَ عِنْدَهَا)[١٤].
خلاصة المحاضرة
- عندما اضطر يعقوب (ع) إلى الموافقة على ذهاب بنيامين مع إخوته من أجل الحصول على كيل آخر، لم يوافق إلا بعد أن أخذ منهم موثقا من الله عز وجل. وقال لهم بعد ذلك: الله على ما نقول وكيل. وما أجدرنا عند المعاهدة والمبايعة أن نقول: الله على ما نقول وكيل، لكي ينتقم الله من الناكث.