كيف يهدم أحدنا في الليل ما بناه من الصيام في النهار؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ضيق المزاج في شهر رمضان المبارك
إننا نجد في كتب الأدعية؛ أدعية بليغة يلهج بها الصائم في هذا الشهر ويطلب من خلالها المقامات والمزايا المعنوية ومنها: الطلب من الله عز وجل أن يجعل الشهر، خير شهر رمضان يمر علينا. من سلبيات الصوم أنه يسبب عند البعض ضيقا في المزاج. ومن الطبيعي أن يكون هناك سبب طبي لذلك؛ حيث أن الصائم يعتريه شيء من الضعف، ومن النقص في بعض المعادن، وفي أيصال الدم بالمقدار الكافي إلى المخ مثلا أو ما شابه ذلك من الأمور المؤثرة على ضيق المزاج.
لا تنقض غرض الصوم بهذا العمل
ولذلك يعزو البعض علة غضبه إلى الصوم. فعندما تقول له: لا تغضب، يقول لك: إني صائم؛ أي أن صومي يوجب لي الغضب، وهذا نقض للغرض. لقد دعيت في شهر رمضان المبارك إلى تحسين الخلق؛ فإذا كان الشهر الكريم هو نفسه من موجبات تضييق الخلق؛ ماذا تكون قد صنعت أو استفدت؟ إن حالك في ذلك حال من يذهب إلى المستشفى فيُصاب بأمراض أخرى ويرجع أسوء مما غكان. إن المؤمن لا يقوم بما يوجب له نقض الغرض.
سوء الخلق لا يغتفر في هذا الشهر
إن سوء الخلق في شهر رمضان المبارك أمر لا يغتفر للمؤمن. إن سوء الخلق فقهيا على قسمين: الأول سوء خلق معنوي؛ كأن يرتفع صوته مثلا بلا أن يفحش في القول ومن دون أن يغتاب؛ ولكنه يصيح في المنزل متبرماً من حاله، والثاني: سوء خلق يقارنه إشكال شرعي؛ أي يغضب، وغضبه يؤدي إلى الهتك والضرب وإلى آخره. إن الغضب الأول الذي نسميه الغضب النفساني في حد نفسه ليس حراما؛ فمن يغضب من دون أن يقول شيئا، وتنتفخ أوداجه، ويحمر لونه ولكن لا يقول إلا خيراً؛ فليعلم أن غضبه هذا يؤثر عليه كما يؤثر الحسد الباطني على جدران القلب فيسودها.
وأعني بالحسد الباطني هو ذلك الشعور الذي يشعر به الحاسد من دون أن يكون هذا الشعور سببا في حياكة المؤامرات أو الاتنتقام من المحسود عمليا. إن هذا الحسد الباطني بمثابة الدخان لا النار التي تحرق المنزل؛ حيث أنه يُسود جدران المنزل وإن لم يحرقه. ولكن من يدخل هذا المنزل الملطخ بالسواد؟ هل يُمكن أن نستقبل فيه ضيفاً أو وجيهاً؟ إن القلب المسود بهذه المعاني الباطنية لا يستقبل النفحات القدسية. فالغضب في حد نفسه من موجبات تأخر العبد عن ركب القرب إلى الله عز وجل.
لا تحول الغضب إلى سلوك
إن المصيبة كل المصيبة أن يتحول الغضب إلى سلوك خارجي؛ فيفحش في القول ويغضب، ويهتك من أمامه. ثم إن هذا الغضب يسكن ولكن تبقى هذه النار مشتعلة؛ فيذهب إلى مجلس فيغتاب من غضب عليه. بالطبع إننا نتحدث عن الغضب الذي هو بغير حق؛ وإلا عندما كان يغضب رسول الله (ص) لم يكن أحد يجرأ أن يتكلم معه سوى أمير المؤمنين والزهراء (ع)؛ فالمؤمن يغضب عندما يكون الغضب محمودا ولله.
وفي جميع الأحوال في شهر رمضان المبارك علينا أن نتحاشى الغضب، وكل أمر محرم يُخل في الغرض من الصيام.إن الغضب المحرم أو أي نوع من أنواع سوء الخلق المقترن بفعل محرم؛ هو كمن بنى حائطاً ثم رفسه، وبهذا المعنى وردت بعض الرويات. فقد ورد أن الرجل يبني بناء أو جداراً طول النهار ثم يرفسه في الليل؛ فإذا جاء النهار التالي بنى ورفسه في الليل مرة أخرى؛ فهل يقوم لهذا بناء؟ إن من يصوم شهر رمضان نهارا وينظر بالليل إلى الحرام، ويغضب ويغفل ما يفعل؛ ينتهي مفعول ذلك اليوم، وهكذا الأمر في اليوم الثاني، والثالث إلى آخر الشهر الكريم، وكما قال سبحانه عن حمقاء الجاهلية التي كانت تغزل الصوف في النهار ثم تنقضه في الليل وتعيده مثلما كان: (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا)[١].
كظم الغيظ والرقي في درجات القرب
ثم إن كظم الغيظ من موجبات ترقي الدرجات العليا. إن البعض يراجعنا ويقول: كيف لا أغضب وهناك الكثير من الأمور والأعمال المثيرة للغضب؟ فنقول له: اكظم الغيظ وعالج إن رأيت من ولدك سلوكاً نابياً أو من امرأتك ما يشبه النشوز مثلاً أو من جارك أذىً. اكظم الغيظ ومن ثم عالج في جو هادئ. لأنك إن غضبت على أحدهم ثم حاولت بعد ذلك نصحه؛ لذهب النصح أدراج الرياح؛ بخلاف ما إذا عالجت الأمر بهدوء.
إن أفضل الأعمال في شهر رمضان ما ورد عن النبي (ص) لوصيه أمير المؤمنين (ع) عندما سأله: ما هو أفضل الأعمال في هذا الشهر الكريم؟ فقال (ص): (أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ)[٢] أو حسن الخلق كما ورد في بعض الروايات. قد يظن البعض أن حسن الخلق هو: أن يكون الإنسان بشاشاً فرحاً من أهل الدعابة ومن أهل نكتة كما يقال. إن هذا هو معنى من المعاني؛ ولكن المراد من حسن الخلق معنى أشمل. إن حسن الخُلق هو في مقابل حسن الخَلق. إن أحدنا له ظاهر يسمى خَلقاً وله باطن يسمى خُلقاً؛ فتحسين الخُلق هو القضاء على كل الخبائث الباطنية من التكبر والحقد والحسد والرياء وإلى آخره.
خلاصة المحاضرة
- قد يصوم المرء نهار شهر رمضان؛ فيتحمل ألم الجوع والعطش ويصبر على ما يصيبه من إرهاق وتعب؛ إلا أنه لا يحافظ على مكاسب ذلك اليوم؛ فيهدم ما بناه في الليل من خلال مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي لا ينبغي لمثله مشاهدتها أو القيام الأعمال والمعاصي مما يوجب له ضياع الأجر ونقض الغرض.